أثارت بدور البراهيم خبيرة التجميل السعودية ضجة في وسائل التواصل حين قارنت أنفها بأنف سعاد حسني قائلة:" أنا أشوف نفسي خشمي أحلى من خشمها.. بمقايس الأنف والله أنا أنفي أحلى من أنف سعاد حسني.. شئتم أم أبيتم خشمي أحلى من خشمها". وكلمة الخشم المستخدمة في السعودية كلمة فصيحة تعني الأنف، ويقال في اللغة " فلان كسر خشم فلانا" أي أذله ومرغ أنفه في التراب. وبطبيعة الحال فلست مهتما هنا بتعريف القاريء إلى أطوال وأحجام الأنوف النسائية التي نبهنا أحدهم إلي أهميتها حين:" لو كان أنف كليوباترا أقصر قليلا لتغير العالم"! ما يعنيني في موضوع " خشم الست بدور" الربط الثابت بين الجمال واللحم البشري سواء أكان ذلك اللحم بالمفرد، كل قطعة منه على حدة، أو بالجملةعلى بعضه. الست بدور تتخيل أن جمال سعاد حسني في أنفها، وليس في روحها الطيبة المعذبة التي تطل برقة من عينيها وفي صوتها وهي تقرأ قصائد صلاح جاهين. وقد أتاحت لي المصادفة وحدها أن أرى سعاد وهي مازالت لم تخطو أي خطوة للأمام بعد، حين كنت أسير مع والدي في شارع الجمهورية بعابدين فاستوقفنا شخص عرف نفسه بأنه كان من المترددين على ندوة الموسيقا السيمفونية في كلية الآداب التي كان والدي يعقدها أسبوعيا. رحب به والدي من دون أن يتذكره، ودعانا الرجل وهو عبد المنعم حافظ زوج أم سعاد إلى الغداء في اليوم التالي في منزله بالفوالة القريبة منا. وقال لي والدي: أنا تقريبا لا أعرف هذه الأسرة فهل تأتي معي؟. ذهبنا. وجلسنا طويلا مع الست جوهرة والدة سعاد وزوجها وقبل أن ننصرف دخلت فتاة نحيفة في ملابيس بسيطة ووضعت صينية شاي، ثم جلست تتابع الكلام من دون أن تنطق بحرف. نظر إليها والدي مرة، ثم واصل حديثه مع والديها ثم أعاد النظر إليها ثانية مدهوشا وقال لوالدتها وزوجها: هذه البنت نجمة! حين خرجنا من البيت عندهم سألته: هل قلت ذلك مجاملة؟ قال بحرارة: لا والله .. هي نجمة بل ونجمة كبيرة أيضا. حينذاك، وإلى الآن، وطول الوقت، لم يجذبني إلى سعاد إلا نظرة عينيها، بالحيرة الرقيقة، والبحث عن الطمأنينة، والقلق الرهيف المعذب الذي ساقها إلى النهاية الأليمة. الجمال كما يقال ليس في العين لكن في النظرة، وليس في الشفتين لكن في الابتسامة، وليس في الكلمة لكن في النبرة، إلا أن الست بدور مع آخرين مازالوا يفهمون الجمال في حدود " خشمي ولا خشمها"،" حواجبي ولا حواجبها"! بالطبع الشكل الخارجي عنصر مهم جدا، لكن أهميته تكون بقدر تعبير ذلك الشكل عن المحتوى، بقدر ما يكون الجمال الخارجي تعبيرا عن الجمال الروحي، وفي ذلك السياق فلا شك أن فتاة رائعة الجمال مرت بحياة كل منا، لكنها لم تحرك فيه أي شعور ولم تترك أي أثر! الجمال أيضا مفهوم نسبي، فعند بعض القبائل الأفريقية تعد الشفتان الغليظتان عند المرأة جمالا ما بعده جمال، وفي ما مضى كانت معيار جمال المرأة أن تكون ممتلئة، بدينة، ذات عجيزة ضخمة أفاضت في التغزل بها شخصيات نجيب محفوظ! وقد حدث عام 1904 أن تزوج الشيخ على يوسف الصحفي من صفية السادات بدون علم والدها الذي جن جنونه، فرفع دعوى يطالب فيها بإبطال الزواج، وأحال القاضي الدعوة للتحقق من النسل الشريف للشيخ السادات واثبات أن علي يوسف الذي يحترف "حرفة وضيعة"هي الصحافة غير جدير بالزواج من أسرة كهذه! أما السيدة صفية التي أغرم بها على يوسف وأثارت أزمة تدخل فيها الخديو والانجليز فكانت امرأة بدينة لا يمكن القول اليوم بأنها جميلة. جمال الشكل نسبي ومتغير في الفنون أيضا، وهناك فنون مثل الباليه والأوبرا تعد غاية في الجمال لدي الشعوب الأوروبية، لكنها قد لا تكون جميلة لدي شعوب الشرق، لا لشيء إلا لأن الجمال مفهوم نسبي. وفي وقت ما كان من الجمال أن تطوق المرأة كاحل قدمها بخلخال من حديد، حين كان الحديد كان معدنا ثمينا، ثم سقط ذلك المفهوم الجمالي واختفى، ولذلك يظل من المستغرب ربط الجمال فقط بالشكل الخارجي، بالخشم ، أو النهد، أو الحواجب، فكل المعايير التي تبدو بها كل الأشياء جميلة، معايير نسبية ومتغيرة، يبقى الجوهري فقط : روح الانسان، الأمر الذي عبرت عنه إحداهن في تغريدة لها ردا على الست بدور حين قالت لها : " لما أشوف سعاد أحس فعلا إن الدنيا ربيع" ! ليس الخشم يا ست بدور ما يخلق الربيع !