سقوط البشير

 


 

 

  Abuthar Ali <abuzzzar@yahoo.com>

 

برغم من بقاءه على راس السلطة لعشرين عام، ما يزال أكثر ما يثير رعب الرئيس البشير بامتياز هي الانتخابات!!. فخلال الانتخابات الرئاسية التي جرت ضمن فترة حكمه الطويلة كان مرتعباً منها (بأكثر وأكبر مما يرتعب الشيطان من حساب ربه) بحسب تعبيرات أحد المقربين والنافذين منئذ وهو يحكي لي ضمن نقاش دار بيننا حول الانتخابات، وكيف أنه وآخريين غيره كانوا مضطرين لطمأنته بأنه فائز لا محالة وأن أحداً من القيادات السياسية المعارضة سينافسه، بل أكدوا له أن لا أحد منهم سيخوض الانتخابات ضده أصلاً. ورغم ذلك وبحسب كلمات القيادي اليوم بالمؤتمر الوطني ظل الرئيس البشير يصر على أنه إن كان لابد من انتخابات فيجب أن يكون هناك مرشح واحد فقط هو الرئيس البشير نفسه صاحب الاقتراح وحاصد نتائج الاقتراع وفقاً لإجراءات وضمانات مسبقة، أو أنه سيظل مرعوباً من الانتخابات. هذه بعض التفاصيل التي وردت ضمن حواري مع القيادي بالمؤتمر الوطني والذي كان مدخله ومحوره كيف تقبلون أن يستمر (شخص) واحد على رأس الدولة لأكثر من 20 عاماً!!؟. وأنتم تعلمون أن كل النظريات العلمية تقول أن عطاء الانسان لا يتجاوز في أفضل حالاته العشر سنوات ثم بعدها لن يقوى على تقديم شئ جديد أو مفيد بل حتى قدراته على المتابعة سيكون قد أصابها الوهن. وأن هذه القاعدة هي التي أسست عليها الكثير من البلدان حق الترشيح والانتخاب لدورتين رئاسيتين وبعدها لايحق لمن أكملها حتى أن يترشح أو يكون ضمن المرشحين لمنصب الرئاسة. المهم لم ينتهي نقاشنا ذاك لما يطمئن!!، وكان على أن أقرأ الكثير خلف السطور، وعاهدته أن لا أشير لأسمه ولا للمناسبة التي جمعتنا أو مكانها، لكنه لم يبدو لي مكترثاً فقد بلغ به اليأس مبلغاً خطيراً خاصة وأنه لا يرى مخرجاً أو أي بصيص أمل في معالجة ما سيقدم عليه حزبه بصدد الانتخابات ومرشحيها.

كانت أهم مقولة خرجت منه أنه (لا أحد يقدم على مقاومة البشير بلا خسائر). وهذا القول يفيد بأن هناك مجال لفعل شئ لكنه يقتضي أن يستوفي كل التوقعات الممكنه. وكما أنه يشئ بأن أي تحرك من هذا القبيل ضمن الانتخابات المقبلة يقتضي عمل جماعيا متقنناً، لكن الجماعية والنشاط الجماعي أصبح خطراً ضمن المؤتمر الوطني لأن الولاءات ضمنه لا تتأسس على مشروع الحزب أو على خلفية مؤسسات راسخة وقوية، بل تتأسس على أشخاص وحولهم. وأنك ستكون في شك دائم ولن تعرف أبداً من الذي معك ومن ضدك، وهذا يحد كثيراً من العمل الجماعي .

كما استشفيت منه أن ترشيح البشير أزمة حقيقية لكن كل شئ يقول حتى الان أنه المرشح ولن يقف ضد ذلك أحداً ضمن المؤتمر الوطني. فالبشير مسكون بالرعب من مجرد كلمة انتخابات. لكن حجم رعب البشير يفيد بأن وجه الأزمة التي يتحدث عنه ذلك القيادي هو أن المؤتمر الوطني يجب أن يقدم التأكيدات الصارمة الوضوح ومقدماً بفوز البشير!!؟، وإلا فإنه لن تكون هناك انتخابات بل بدائل أخرى تبقي الرئيس رئيساً. وقتها تبادر إلى ذهني كل ما رتب لتزوير الانتخابات من (وثيقة الرؤية التنظيمية آخر العام 2006م ومروراً بوثيقة حراس وحتى وقائع تسجيل الناخبين الجارية هذه الايام)، لكني قلت لنترك كل ذلك وننظر في مدي حظوظ الرئيس البشير بالفوز بالانتخابات بعد عشرين سنه ظل فيها هو الرئيس بلا منازع.

الواضح أن القاعدة الاساسية هنا هي عقلية (العسكر) التي لا تعرف سوي أن الذي هو أقل منك يجب أن ينصاع لما تطلب أو تأمر. وأن هذه القاعدة تجعل الرئيس البشير اليوم هو الأعلى وكل من هم دونه يجب عليهم أن ينفذوا أوامره بلا مراجعة أو تمحيص، وهكذا هي العسكرية تعلمك أن تُطاع أو تطيع بحسب (الرتبة). أما القاعدة (المساعدة) هنا فتقول أن الرئيس البشير اليوم هو الذي يعين ويرفت، ومن يرفته الرئيس البشير سيظل خارج ميدان اللعب السياسي وبلا تأثير، تماماً مثل ضابط الجيش الذي يفقد كل شئ حال احالته للمعاش وللعسكر في ذلك مقولة مشهورة (صول في الخدمة ولا مشير بالمعاش). ولكن كيف سيكسب الرئيس البشير الانتخابات القادمة؟.

الجبهة الداخلية الآن تخضع لخطط وموجهات تستوجب عدم السماح ببروز أي منافس للبشير، سوى أنها يجب قبل ذلك أن تضمن له الفوز. دعونا هنا نقفز على خطط ووثائق الرؤية التنظيمية وحراس ولكل زخم التزوير الماضي هذه الايام والمتوقع وغيرها، وأن نحاول أن نقرأ ما وراء مقولة القيادي بالمؤتمر الوطني السابقة (لا أحد يقدم على مقاومة البشير بلا خسائر). ونحاول أن نقف على الخيارات والاحتمالات الممكن حدوثها في حال خسر البشير الانتخابات أو قبل ذلك وتأسيساً على رعبه منها، وما هو رد الفعل ونعدد ما يمكن أن يجري!!.

أبرز ملمح هنا يمكن أن نشير إليه هو (مفوضية الانتخابات) وأنها لا يمكن وليس لها أن تقف في وجه أي ترتيبات قد تزيد من الرعب الانتخابي للرئيس، خاصة وأن وقائع ما تتناقله الصحف هذه الايام يفضح مفوضية الانتخابات كل يوم وليلة. فتسجيل القوات النظامية (بخطاب منها) فيه تجاوز لقانونها الذي ينظم علمية السجل الانتخابي، ولكن (القوات النظامية) هنا لها دلالة فريدة فهي التي ظلت تحكم خلال العشرين عاماً الماضية بلا محاسبة تذكر ناهيك عن منازع. كما أن الرأي العام – عدد الاثنين 2 نوفمبر 2009م - نقلت عن مديرة مدرسة القماير فاطمة الملك "... إنها لم تعلم أن مدرستها مركز للتسجيل الا صبيحة الأمس، وقالت إنها تفاجأت بدخول أعضاء المفوضية وقوات التأمين". ونقلت الصحافة – عدد 3 نوفمبر 2009م- عن رئيس اللجنة العليا للانتخابات بجنوب دارفور مايلي "... اعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات بجنوب دارفور، فرح مصطفى السنوسي، انه بصدد تقديم شكوى للمفوضية القومية في مواجهة والي الولاية على محمود، مشيراً الى ان الاخير اطلق تهديدات باعتقاله وابعاده من عمل لجنة الانتخابات، ودخل الرجلان في احد مراكز التسجيل في مشادة كلامية. وقال السنوسي للصحافيين أمس،ان محمود هدده بالاعتقال والابعاد من لجنة الانتخابات امام المواطنين، وبحضور اعضاء حكومته واثنين من اعضاء اللجنة العليا للانتخابات بمركز حى الجير دائرة نيالا وسط، واضاف انهما دخلا في مشادة كلامية، وان التهديد جاء لعدم انصياعه لتوجيهات الوالي، دون ان يفصل في ماهية التوجيهات." . وعليه فتدخل مفوضية الانتخابات في تحرير خطابات غير قانونية لإمضاء تسجيل القوات النظامية ببعض الدوائر، وعدم تحديدها لمراكز التسجيل واخطار الجهات المعنية، وتتدخل الولاء في سير عمل السجل الانتخابي يفضح خضوعها التام، هذا غير الممارسات الاخرى التي تجري وعلناً بمواقع التسجيل للا ادني اهتمام للشروط الاخلاقية أو القانونية، وقد اوضحت الصحف اليومية منها الكثير. وهذا يشئ بأن الساحة الداخلية مسيطر عليها (تماماً) من قبل الحكومة والمؤتمر الوطني. فطريقة أداء وسلوك عناصر المؤتمر الوطني وحكومته بمراكز التسجيل تتم بلا تحفظات أو مواربة ولا حتى تكتيك يداري ما يفعلون!!، بل يقدمون على ذلك علناً وعلى رؤس الاشهاد.

حسناً مقاومة البشير تكلف بعض الخسائر!؟، ولكن على أي مستوى؟. الواضح أن هذا الأمر يتعلق بالقيادات العليا بالحكومة والحزب، ذلك لأن البشير هو الرئيس هنا وهناك. وبالتالي فبامكانه أن يرفت هذا ويعين ذاك. فقيادة أي تحرك من أعلى هو ما ستترتب عليه بعض الخسائر أن لم يخسر صاحبها كل شئ. ولكن ماذا اذا جاءت المقاومة من أسفل قاعدة الهرم الحزبي؟. وهل هذا ممكن؟، وإلى مدي يمكن أن يدعم بذرة المقاومة الممكنه في أعلى الهرم؟. ذلكم هو المشهد الذي بدأ بالظهور مع اطلاق اجراءات الانتخابات والسجل.

الواضح أنه حتى تطمئن رئاسة الحزب وتتحكم في كل شئ فإنها لم تسعى رغم المظهر الديمقراطي الجاري لاختيار مرشحي الحزب لمنصب الوالي بكل ولاية، لم تسعى لأنتخاب شخص واحد يكون هو من يلف حوله الحزب ويجند كل طاقاته وموارده لنصرته في الانتخابات القادمة. لكنها بدلا عن ذلك اختارت خمسة مرشحين في ولاية بعينها وسبعة في أخرى وربما أكثر في اخريات. وهذا الاجراء هو الاجراء الاولي الذي سيحسم فيه (المركز) باختيار أحد الخمسة أو السبعة أو مهما كان العدد لواحد منهم يكون هو المرشح لمنصب الوالي بالولاية المعينة. وهذا الاجراء يجعل صاحب أكبر أصوات بلا قيمة فالاختيار يحكمة عدد المرشحين ليس حظهم من الاصوات التي جاءوا وفقاً لها ضمن الخمسة أو السبعة، وعليه فإن هذا الاجراء يلغي أي ديمقراطية مزعومة ضمن المؤتمر الوطني، لكنه من جهة أخرى يضمن أن من يختار سيكون هو خيار (الرئيس) وأنه ومنذ الآن يجب أن يكون ولائه للرئيس وليس لمنتخبية كانوا من المؤتمر الوطني أو من عامة جماهير شعب الولاية. وهذا يشئ بأن التماسك ضمن الحزب على درجة من الهشاشة التي تحتاج إلى تدخل المركز بإلغاء خيارات الحزب ضمن الولايات لتكون خيارات الرئيس فيضمن له ولاه موالاين وليسوا معادين أو من المحتمل أن تتحول مواقفهم وتوجهاتهم وفقاً لمن انتخبهم من جماهير الولاية، وأن يكون مضموناً أن شعب الولاية الذي اختار هذا الوالي لا سلطان له عليه بل السلطان كله للرئيس. وهكذا تعاد معادلة الجيش والاوامر من أعلى لأسفل التي لا تقبل العكس.

وبقدر ما يمثل هذا وجه الازمة التي يمثلها الرئيس البشير للمؤتمر الوطني، فإنها تعبر من جهة أخرى عن ثغرات المقاومة الممكنه له. وذلك عبر ترشيح ولاة يعرفون قيمة الترشيح والانتخاب وأن الولاء بعد الفوز في الانتخابات سيحتكم بالاساس على جماهير الولاية وليس المركز، وأن الحزب ستتغير كل المعادلات التي كان يعمل وفقها خلال الفترة السابقة من عمر الانقاذ. وهكذا تتوفر ثغرة لمقاومة البشير خاصة وأن كل المرشحين هم من العناصر المدنية وليست العسكرية، وأنهم ذو خلفيات سياسية كثيرة التعدد بعد انفتاح المؤتمر الوطني على ضم الاتحاديين واعضاء حزب الامة وغيرهم شرقاً وغربا الذين احتفى باضمامهم له أو تحالفهم معه.

أما الوجه الأكثر سفوراً في مقاومة البشير فهو التوجه الذي انطلق من الجزيرة بأعلان حزب الحرية والتنمية الذي اسس على الانسلاخ من المؤتمر الوطني وتكوّن حزب جديد ينوي  منافسة المؤتمر الوطني في الانتخابات. اعلان حزب الحرية والتنمية لم يحظى في بداياته بأي اهتمام يذكر ونظر له على أنه حركة محدودة ومحصورة ليس في ولاية ولكن ضمن محلية. ولكن بعد أعلان  تكوين لجانه التمهيدية في خمس ولايات (الجزيرة، النيل الابيض، البحر الاحمر، القضارف، وكسلا)- راجع الصحافة عدد 10 نوفمبر-  فإن الامر لا يبدو كما تبادر للكثيرين ردة فعل على صراع محدود داخل محلية معينة، بل الواضح أنه نشاط كبير ومنظم ومدعوم، بالرغم من أن الجهات الداعمة له لم تظهر بعد، ولكن الواضح أن كل الدعم لم يخرج عن دائرة المؤتمر الوطني وفي ظل سياسة توفير مخرج من أزمة ترشيح الرئيس البشير. ذلك أن كل المنتمين والذين يقودون هذا النشاط هم مؤتمر وطني. كما أن الداعية السارية وسط هذا الحزب والتي تنشط تحديداً ضمن عضوية المؤتمر الوطني هي ضرورة ترشيح منافس للبشير من رموز المؤتمر الوطني ولكن بلا أسماء حتى اللحظة، وضرورة ترشيح ولاة لهم باع وجماهيرية بولاياتهم وعدم الانصياع للمركز. وهكذا بدأت الامور في التحرك لكنها لم تستبن بعد. ولكن يبدو أنها وجه من وجوه مقاومة البشير التي تسحب وتحاول تقليل الخسائر، لكن حتى الان من الصعب الحكم عليها بالنجاح أو الفشل.

لكن الذي يزيد الرعب الانتخابي عند الرئيس، والذي يجري التركيز عليه هو البعد (الخارجي)، وهو البعد الذي يزيد رعب الرئيس ليس من منافسيه من القوى السياسية الاخرى، بل من خاصة المقربين منه والمنتمين والذين يقودون معه المؤتمر الوطني. فالبشير اصبح هو الأزمة أمام المؤتمر الوطني الذي بإمكانه المضي قدماً بدونه. فالبشير لا يصلح أن يكون مرشحاً للرئاسة ليس بسبب أنه حكم عشرين عاماً وأصبح بلا قدرة بحسب المعايير العلمية والعالمية، بل لأنه أصبح رمز عالمي للأرهاب والابادة الجماعية. ففي عهده هو دخل السودان قائمة الدول الراعية للأرهاب، وفي عهده هو تمت جرائم كبيرة ما تزال أمريكا وأوربا تحسبها ضمن الابادة الجماعية. وفي عهده هو اصبح السودان على قمة الدول الفاشلة، والأكثر فساداً ، والاقل شفافية. أما هو شخصياً فقد ظل على رأس قائمة أسوأ ديكتاتوري العالم ومنذ العام 2006م وحتى الآن،- راجع تقرير واشنطون العدد 96، 17 فبراير 2007 - وهو موقع لم يحتله رئيس كل هذه المدة، أوردت ذلك الواشنطون بوست ضمن التقرير السنوي لأسوأ ديكتاتوري العالم، وعرفتهم بأنهم (لا يمكن التخلص منهم عن طريق الوسائل الشرعية والديمقراطية) وأن من صفاتهم (قمعهم لحرية التعبير والدين وحق المواطن في تلقي محاكمات عادلة) و (السماح بممارسة التعذيب وتصفية المعارضين وتجويع شعبهم). واذا أضفت لذلك اتهام محكمة الجنايات الدولية له ، وتقرير لجنة أمبيكي الاخير. يكون من الصعب على أي سوداني راشد اختيار البشير ضمن انتخابات حرة ونزيهة. فرجل سجله الداخلي (كظيم) وسيرته الدولية أنه دائماً على لائحة الاتهام أو على قمة القوائم السيئة، أو أن دولته وفي عهدة صاحبة أسوأ سيرة وأقبح سجل. ما الذي يدفعني لاختبار مرشح كهذا هل عدٍّم المؤتمر الوطني وبعد عشرين سنه حكم رجل آخر؟!!. أم أن الامر وعلى طريقة العسكر واجب التنفيذ كونه جاء من أعلى.

وبعد كل هذا لكم أن تراقبوا هل سيفوز الرئيس البشير أو أنه سيغادر المسرح قبل الانتخابات القادمة وبدفع من حزبه، أم أنه سيواجه مرشح آخر ومن حزبه أيضاً. وأخيراً لكم أن تخمنوا هل سيفوز؟. واذا فاز هل سيتغير حال السودان فيغادر قوائم الدول الفاشلة، والاقل شفافية، والفاسدة. والأهم من ذلك هل سيكون لنا ترتيب على قائمة أسوأ ديكاتوري العالم يطيح بنا من على قمتها التي نحن فيها منذ العام 2006م؟. هذا كثير والاسهل أن نبحث عن رئيس جديد ولو كان مؤتمر وطني ومن غير العسكريين وذلك اضعف الايمان.

 

آراء