سقوط نجم ثاقب ثان … المفاصلة الثانية ؟

 


 

ثروت قاسم
11 December, 2013

 



Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com


1-     المفاصلة الثانية ؟

هل يمكن أن نعتبر يوم الأحد يوم نحس  وشؤم للإسلاميين ؟

في  يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ،  حدثت المفاصلة الشهيرة داخل الحركة الإسلامية السودانية  !

أزاح الرئيس البشير  الدكتور حسن الترابي  من رئاسة المجلس التشريعي القومي  ومن حزب المؤتمر الوطني .  حل الرئيس البشير المجلس   ، وأعلن حالة الطوارئ  ، ونزلت الدبابات في شوارع الخرطوم  .  حدثت القطيعة الكاملة بين العراب وتلاميذه .

في يوم الأحد 8 ديسمبر 2013 ،  وبعد 14 سنة بالتمام والكمال من المفاصلة الأولي ، حدثت المفاصلة الثانية .  في ذلك اليوم  ، تمت إزاحة  الأستاذ علي عثمان محمد طه من وظيفته كنائب أول لرئيس الجمهورية ومن حزب المؤتمر الوطني ! خرج الأستاذ علي عثمان من القصر الجمهوري والوجع في عينيه وهو كسير النفس .

لتتصور كبر حجم المفاصلة الثانية ، نذكرك بحكاية قصصناها عليك في زمن غابر . توضح هذه الحكاية إن الأستاذ علي عثمان كان مهندس ومخرج  ومنتج  انقلاب الإنقاذ . كان الرجل الثاني ( بعد شيخه الترابي ) في انقلاب الإنقاذ ، وقبل الرئيس البشير .

2 - حكاية   ؟

حكى  العميد طيار ركن «م» فيصل مدني مختار عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني الأسبق هذه الحكاية .

قال :

في أبريل  1990 ،  والإنقاذ لم تكمل عامها الأول  ، صرح العميد  فيصل  ببعض التصريحات في نطاق المسؤوليات الملقاة على عاتقه كعضو مجلس قيادة الثورة .

ساقه في مساء نفس اليوم  ضابط  في  جهاز الأمن إلى منزل في حي العمارات عرف العميد  فيصل  لاحقاً أنه يتبع لمنظمة الإغاثة الإسلامية . انصرف الضابط ، وقال أنه سوف ينتظر في غرفة الاستقبال  لحين انتهاء المقابلة .
لم يكن العميد فيصل يعرف ، وقتها ، من سوف يقابله .

بعد مدة دخل الغرفة الأستاذ علي عثمان محمد طه ( الذي كان متخفياً وقتها ) ومعه الأستاذ عوض الجاز .
قال الأستاذ علي كلاماً كثيراً في لغة دبلوماسية ناعمة ، ولكن فهم  العميد  فيصل إن الأستاذ علي أراد  أن يقول في الحقيقة الأتي:

+ دور العميد فيصل التنفيذي في الحكومة وكذلك دور باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة قد انتهى  بنجاح الثورة ، باستثناء بعض الأعضاء الذين أوُكلت لهم  وزارات ومهام ولجان خاصة ( صلاح كرار في اللجنة الاقتصادية مثلاً ) ؛

+   يُحسن العميد فيصل صُنعاً بالامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات ، كتصريحه صباح اليوم ( وقتها ) المدابر لسياسات  ثورة الإنقاذ  .

راجع  العميد  فيصل الرئيس البشير في كلام الأستاذ علي عثمان الصادم ، ووعده الرئيس البشير بتقصي الأمر والرجوع اليه لاحقاً .

ولم يرجع اليه الرئيس البشير بعدها ؟

وفهم  العميد  فيصل الكلام !

وتمت إزاحة العميد فيصل  من مواقعه التنفيذية مباشرة  بعد هذا الحديث ؟

تؤكد هذه الحكاية إن الأستاذ علي عثمان كان الرجل القوي الذي يحرك الأمور في انقلاب الإنقاذ . واستمر يحرك الأمور بدرجات متفاوتة من القوة حتى تمت إزاحته في يوم الأحد 8 ديسمبر 2013 . 

3-    التعديل الدستوري والوزاري ؟

في يوم الأحد 8 ديسمبر 2013 ، أجري الرئيس البشير تعديلاً  دستورياً ووزارياً هو الأكبر والأكثر أثارة  وربما تداعيات  ، منذ   المفاصلة الأولي في يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 .

في إطار هذا التعديل ، فقد الأستاذ على عثمان جميع مواقعه الدستورية والحزبية ، ولزم منزله  وهو حزين . لم يحتمل  الصدمة آخرون من المتنفذين الذين شملتهم الإزاحة   ، فخروا باكين ينتحبون ، كما حدث للأستاذ كمال عبداللطيف ، وزير المعادن السابق .

نحاول في النقاط أدناه إستعراض خلفيات وتداعيات هذه التعديل  الدستوري والوزاري القنبلة .

اولاً :

4 - عسكرة  مؤسسة الرئاسة  ؟

باختيار الفريق بكري حسن صالح نائباً اول لرئيس الجمهورية ، وإقصاء الأستاذ علي عثمان  محمد طه ، وإبقاء الفريق عبدالرحيم محمد حسين وزيراً للدفاع رغم خطاياه القاتلة ، تمت  عسكرة مؤسسة الرئاسة .
صار الرئيس البشير الفرعون الذي لا يريهم إلا ما يرى ، والباقون بمن فيهم الفريق بكري والفريق عبدالرحيم ، مجرد مجرات تدور حول شمس الرئيس البشير. إن شئت الدقة ، فقل مجرد موظفين يقولون (سمعنا وأطعنا)   للرئيس البشير الذي يتفوق عليهم جميعاً  في المقدرات الفكرية والعقلية . صار الرئيس البشير أيقونة فكرية متألقة وسط الفريق بكري والفريق عبدالرحيم وغيرهما من الذين ينظرون فلا يبصرون ، والذين يسمعون ولا يفقهون ،  والذين لا يكادون يبينون .

صارت القرارات المصيرية الآن في يد الثلاثي المرح : البشير وبكري وعبدالرحيم ؛ أي في يد الرئيس البشير  حصرياً لأن الفريق بكري يد الرئيس  البشير اليمنى والفريق عبدالرحيم يد الرئيس البشير اليسرى .

أما بقية  السادة النبلاء  في القصر الجمهوري فكلهم، حسبو وغندور وغيرهما من تنابلة السلطان من خارج المؤتمر الوطني ، جُمال طين لا تهش ولا تنش ، وتتخصص في مقابلة الزوار والسفراء وقراءة الجرائد ومصمصة كركدي القصر البارد  ... كل واحد منهم  ( مساعد حلة  خمس نجوم  )  كما كان مني أركو مناوي في زمن غابر .

في يوم الأحد  8 ديسمبر 2013 ، بدأت الجمهورية  العسكرية الخامسة بعد  الترابية الأولي ( 1989 – 1999 ) ، والمؤتمرأونطجية  الثانية ( 1999- 2005 ) والإنتقالية الثالثة ( 2005- 2011 ) ، والجمهورية  العريضة الرابعة (2011 – 2013 )!

نعم ... تمت عسكرة مؤسسة الرئاسة .

ثانياً :

5 - عسكرة  الحركة الإسلامية ؟

في سابقة غير مسبوقة في تاريخ الحركات الإسلامية  في العالم  منذ استشهاد سيد شباب الجنة  ( الإمام الحسين عليه السلام ) في كربلاء في العراق، يوم العاشر من محرم ) يوم عاشوراء )  سنة 61 هجرية ، دشنت الحركة الإسلامية السودانية عسكرتها باختيار :

+  المشير  البشير رئيسا للقيادة العليا للحركة ، وأول عسكري في التاريخ الإسلامي يصير زعيما ومرشدا وقائدا لحركة اسلامية ؛

+ والفريق بكري حسن صالح  نائبا  للأمين العام للحركة .

بهذين الإختيارين ، تمت عسكرة  الحركة الإسلامية  !

صارت الحركة الإسلامية جزءا  أصيلاً  لا يتجزأ من الدولة  العسكرية  ، تماما كما المجلس التشريعي القومي  ، ومؤسسة القضاء ،  والحكومة التنفيذية ،  وحزب المؤتمر الوطني ،  والقوات النظامية .

في هذا السياق ، قرر  المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني  :

+ تمديد دورة رئيس الحزب من أربع إلى خمس سنوات ، ما يتيح ترشيح رئيسه الحالي الرئيس  البشير لدورة جديدة والبقاء خمس سنوات أخرى رئيساً للحزب ، والإستمرار خمس سنوات أخرى رئيسا للجمهورية  وحتى 2020 .

+    تأجيل عقد  المؤتمر العام للحزب الذي كان مقرراً  عقده في نوفمبر 2013  ،  ليتمكن المؤتمر العام  من  ، ضمن أمور أخرى ، تجديد رئاسة الرئيس البشير للحزب  ، وبالتالي ترشيحه لفترة رئاسية أخرى في انتخابات  2015 .

بهذه القرارات التي عسكرت الحركة الأسلامية ومؤسسة الرئاسة ، وأزاحت الأستاذ على عثمان والدكتور نافع والأستاذ عوض الجاز ضمن آخرين  ،  يكون الستار قد أسدل على حقبة وجود مدنيين في مؤسسات صنع القرار  !

يتحكم الآن في القرارات المصيرية الثلاثي : البشير وبكري وعبدالرحيم .

إنتهى  عصر المذكرات الإصلاحية داخل الحركة الإسلامية  والمؤتمر الوطني  .

من الآن فصاعداً  ،  غير مسموح للحركات الإصلاحية   بأن تقول ( بغم ) ! ولكن يمكن لها  أن تشمر عن ساعدها وتشرب من بحر أبيض أو تلحس كوعها ، أو تسيح في شمس الخرطوم الحارقة  ...   أيهما أسهل لها  !

ثالثاً :

6- العشوائية ؟ 

أتسم التعديل الدستوري والوزاري بالعشوائية والتخبط  ونظام القطاعي . كان من المؤمل أن يجتمع  حزب الحاكم ( وليس الحزب الحاكم )  مع  الأحزاب المشاركة  في الحكومة العريضة (  الحزب الإتحادي الديمقراطي " الأصل والفروع "  وغيرهم من أحزاب الدولار ) ،  والإتفاق  ، بعد إقالة الأستاذ علي عثمان وصحبه  الكرام ، على السياسات العامة والرؤى الإستراتيجية  والبرامج المفصلة للفترة القادمة وحتى إنتخابات 2015 . وبعد الإتفاق على السياسات ، إعلان التعديل الدستوري والوزاري في حزمة واحدة في وقت واحد .   على الأقل  لتعطي  الحكومة الجديدة  المعدلة الأنطباع الزائف  بالجدية والتنسيق والإتفاق على الثوابت والمتحركات  بين مكوناتها .

ذلك لم يحدث . مما أكد إن التغيير تغيير أشخاص وليس سياسات . ويمكن للأحزاب المشاركة أن تعين  شخوص ممثليها في الحكومة المعدلة الجديدة ، فالسياسات هي سياسات  حزب الحاكم  وليست قابلة للتفاوض والتعديل ، كما شخوص  الحكومة ( بيادق الشطرنج ) .

يمكن  لشخوص الحكومة  أن يكونوا أحمد أو حاج أحمد ... لايفرق ولا يهم ، مادام السياسات  المطلوب تفعيلها ثابتة لا تتغير، في حقبة ما بعد الأستاذ علي عثمان .

كان  التعديل الدستوري والوزاري  تعديلاً جوهرياً  وأساسياً  بخروج  قادة الأنقاذ من الأسلاميين المدنيين ؛  ولكنه كان تعديلاً  زخرفياً بخصوص  مشاركة الأحزاب من خارج حزب الحاكم  .

رابعاً :

7- أمر القبض ؟

كان (أمر القبض ) الغائب الحاضر في التعديل الدستوري والوزاري . كان بمثابة الفيل في الحجرة الذي يتظاهر الكل بعدم رؤيته ، أو كأسطورة الفرعون العريان .

أراد الرئيس البشير تركيب صمام أمان لإبطال أي تطور  مستقبلي  غير متوقع  وسلبي لأمر القبض . يثق الرئيس البشير في الفريق بكري لخلافته ، إذا دعا الداعي مستقبلاً ، ولا يثق في  الأستاذ علي عثمان الذي باع عرابه وصانعه الترابي بثمن بخس دارهم معدودة . خصوصاً وقد نقلت رسائل الويكيليكس ما أسره وزير الخارجية وقتها السيد دينق آلور للقائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم من عدم الحنكة السياسية لاستمرار الرئيس البشير رئيساً وأمر القبض يتدلى من عنقه  ... إذن لوقعت بلاد السودان كلها رهينة في أيادي العدالة الدولية  ، أو كما قال الأستاذ علي عثمان للأستاذ دينق آلور حسب الويكيليكس .

خامساً :

8- ضغوط  من دول الخليج ومصر ؟

يقول بعض المراقبين إن إزاحة الأستاذ علي عثمان  وصحبه من الإسلاميين المدنيين ، كانت بناء على طلب من دول الخليج ومصر ، في أعقاب نكبة جماعة الأخوان في مصر ، وبالتنسيق مع الرئيس سلفاكير الذي تخلص هو الآخر من حرسه القديم  الداعم للجبهة الثورية  ، وبدأ الحل العسكري في دولة جنوب السودان بالتنسيق مع الرئيس البشير والمؤسسة العسكرية .

في هذا السياق ، هل أتاك حديث :

+  وزير الري المصري  (  الأثنين 9 ديسمبر 2013 ) الذي طفق يمدح في حكومة الخرطوم الجديدة ، رغم تصريحات الرئيس البشير الصادمة  لمصر بخصوص سد النهضة الأثيوبي .

+ تصريح الدكتور ريك مشار بأن الرئيس سلفاكير ينسق مع الرئيس البشير لحلحلة المشاكل في دولتي السودان عسكرياً ؟

سادساً :

9-    الحل العسكري ؟

هل تعني عسكرة مؤسسة الرئاسة والحركة الإسلامية عسكرة الحلول لمشاكل السودان ؟
مما يعني 3 لاءات و3 نعمات :

+  (  لا ) للكوديسا والمؤتمر القومي الدستوري ،

+    ( لا ) للتحول الديمقراطي ،

+ و( لا ) للحل التفاوضي السياسي مع الجبهة الثورية .

+ ( نعم ) للحل العسكري  والقمع والإستمرار ( شغل كالعادة ) ،

+ ( نعم )  لتدمير الجبهة الثورية عسكرياً بحلول الصيف كما صرح الفريق عبدالرحيم  ؟

+ و( نعم ) غير مباشرة  للانتفاضة الشعبية ( ربما المحمية )  للخلاص الوطني .

يظهر جلياً للعيان أن صيفاً ملتهباً ينتظر بلاد السودان ؟ هل تستمر المعارضة في معاركها العبثية ، أم تحاول لملمة صفوفها في مواجهة العسكرتارية الإنقاذية ؟


سابعاً :

10- أزمة في حزب الحاكم ؟

خلقت إزاحة الأستاذ علي عثمان  وصحبه الكرام  من المدنيين  أزمة مكتومة في قيادة  حزب الحاكم  .
حفظاً للمظاهر ، طلب الرئيس البشير من الدكتور نافع أعلان التعديل في مؤتمر صحفي ليعطي الإنطباع الزائف بأن الكل مبسوط ، ولا توجد نقنقات  بين القادة   المدنيين السابقين  في  حزب الحاكم  . ولكن  بكاء ونحيب الوزير السابق كمال عبد اللطيف يقف شاهداً على السخط والتذمر في أوساط الحرس القديم المعزول 

ولكن العين باكية  واليد قصيرة ؟

يبقي سؤال يتوسل الإجابة ؟

تمت إزاحة عديل الرئيس البشير  ( السيد أسامة عبدالله ) من موقعه الوزاري وحل في مكانه أبن أخت الرئيس البشير الدكتور معتز يوسف . كان السيد  أسامة من المرشحين الأقوياء لخلافة الرئيس البشير  .
تم تعيين المهندس مكاوي محمد عوض وزيراً للنفط  في التعديل الجديد ، وهو الخصم الأكبر للسيد أسامة عبدالله  ، الذي نجح  في أحالة  المهندس مكاوي  للمعاش من موقعه كمدير للإدارة المركزية للكهرباء في زمن غابر  ، أثر مشاجرة بينهما  .

وتلك الأيام  نداولها بين الناس .

اليوم مكاوي فوق وأسامة تحت  بل خارج الشبكة . ولكن ربما تبدلت الأحوال غدأً ، إن غداً لناظره قريب .

نعرف مآلات الأستاذ أسامة عبدالله  في مقالة قادمة .

 

آراء