سلام دارفور: الخرطوم … خطىً تتسارع للحل قبل الاستفتاء … بقلم: تقرير: خالد البلولة إزيرق

 


 

 


 مع اقتراب موعد الاستفتاء، بدأت معه الخطى تتسارع لطي ملف أزمة دارفور المتطاولة، خطى تتكامل داخلياً عبر استراتيجية جديده طرحتها الحكومة، وخارجيا عبر مفاوضات سلام دارفور بمنبر الدوحة التفاوضي مع حركة التحرير والعدالة، حراك يتزامن مع سيطرة عسكرية بسطها الجيش على معظم مسارح القتال، سيطر بها على معظم مواقع الحركات المسلحه بدارفور. لينهي أول أمس وزيرا الدفاع والداخلية زيارة لدارفور وقفا من خلالها على الاوضاع الامنية وترتيبات السلام، في وقت قطعت فيه مفاوضات سلام دارفور بالدوحة شوطاً في ملف قسمة الثروة والسلطة من المؤمل ان تحسم الورقة بشكل نهائي خلال الايام القادمة من قبل اللجنة العليا للتفاوض التي من المنتظر ان تجري الصياغة النهائية للتوقيع عليها قبل نهاية العام الجاري.
خطوات تبدو متسارعة من قبل الحكومة السودانية لطي أزمة دارفور قبيل استفتاء الجنوب، تعكس بشكل اكبر المآلات المتوقعه لاستفتاء جنوب السودان على الأوضاع في دارفور اذا ما قاد تقرير المصير لمولد دولة جديده، سرعة لا تخفي الخوف من وراء تداعيات ذلك الاستفتاء نتيجة للارتباط الوثيق المتوقع بين الدولة الجديده والحركات المسلحه بدارفور خاصة اذا صاحبت الانفصال تداعيات سلبية قد تقود لتوتر بين الشمال والجنوب، فهل تفلح الحكومة عبر استراتيجيتها الجديده التي طرحتها أو عبر منبر الدوحه التفاوضي في تحقيق السلام قبل الاستفتاء وطي أزمة الاقليم، أم تنتقل دارفور لدور جديد لخلق توازن القوى بين الشمال والجنوب عبر حركاتها المسلحه اذا انفصل الجنوب؟
المشهد الدارفوري على الأرض لا ينبئ بان جديدا قد حدث حسبما يراه مراقبون، بل وصفه اعضاء مجلس الامن قبل اسابيع عند زيارتهم لدارفور بأن الاوضاع في دارفور مقلقه قبل ان يدعو الحركات المسلحه بالانضمام لمفاوضات السلام لانهاء معاناة أهل الاقليم، ومن جهتها مازالت مواقف الحركات المسلحه تراوح مكانها، فحركة العدل والمساواة مازالت عند مقاطعتها لمنبر الدوحه، بل ارسلت وفداً منها للدوحه للتشاور مع الوساطه حول اصلاح المنبر حسبما ترى، كما ان عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان مازال يستعصم بمقره في باريس الفرنسيه ويرفض المشاركة في المفاوضات، كما حملت التطورات الداخلية الاخيرة هجرة رئيس حركة وجيش تحرير السودان رئيس السلطة الانتقالية مني اركو مناوي الى جوبا التي اتخذها مقراً له بعد خلافات سادت بين أعضاء الحركة قادت لفصل واتهام متبادل بينهما بنيته العودة للحرب مجدداً.
ويرى مراقبون أن الحكومة بدأت تخشى من خطورة ازمة دارفور اذا قاد الاستفتاء على حق تقرير المصير لإنفصال الجنوب مطلع يناير القادم خاصة اذا تم بطريقة غير سلسله، ويبدو تخوف الخرطوم من أن يتحول الجنوب لحديقة خلفيه للحركات المسلحة بدارفور، بعد أن فقدت هذه الحركات مسرح دعمها وتحركها في تشاد بعد خطوات التطبيع بين البلدين، فيما يرجع آخرون الاستعجال الحكومي لتحقيق السلام في دارفور قبل استفتاء الجنوب الى انه يأتي في اطار الاستراتيجية العسكرية المتوقعه، خاصة اذا صاحبت عملية الاستفتاء توترات بين الشمال والجنوب وذلك لتقليل مسرح العمليات العسكرية أن لا تمتد من الشريط الحدودي بين الشمال والجنوب الى الشريط الحدودي بين دارفور والولايات الشمالية، مشيرين الى ان تحقيق السلام في دارفور قبل الاستفتاء ربما يقطع الطريق أمام الحركة الشعبية في دعم حركات دارفور، كما انه سيصعب على الحركة الشعبية استخدام الحركات الدارفورية اذا إتهمت الخرطوم بدعم مليشات جنوبية لزعزعة الاوضاع في الجنوب عقب نتيجة الاستفتاء، أو اذا قاد الخلاف حول القضايا العالقة بين الشريكين الى توترات او حروب بين الشمال والجنوب.
إذاً الحسابات التي تبدو ماثلة أمام الحكومة السودانية بالاضافة الى واجبها في تحقيق السلام والاستقرار في دارفور، انها تضع في حسبانها قراءات أخرى للمشهد السوداني بناءاً على تداعيات حق تقرير المصير الامر الذي يجعلها في عجلة من أمرها بسط سيطرتها على دارفور عبر تحقيق السلام والاستقرار بوسائلها المختلفه التي تعتمدها هناك. وان كانت الاستراتيجية الجديده التي طرحتها لم تعطِ ثمارها بعد، فإن نتائج حساباتها ربما بدأت تظهر من خلال منبر الدوحة التفاوضي «محور التحرك الثاني للحكومة لطي ازمة دارفور»حيث خصصت اللجنة العليا للاتفاقية «ملياري دولار» لإعادة اعمار وتنمية دارفور، وقال امين شئون التفاوض بحركة التحرير والعدالة انه تمت معالجة أكبر القضايا فيما يلي قسمة الثروة، واضاف «ان اللجان رفعت اعمالها للجنة الاتفاقية لوضع الصياغة النهائية، ووصف الاتفاق على ورقة الثروة بالأمر المبشر، وان تخصيص ملياري دولار لإعمار دارفور، اضافة لمبلغ مائة مليون دولار للتمويل الاصغر يعد اختراقاً كبيرا في التفاوض بعد قبول الحكومة. ولكن الدكتور صلاح الدومة استاذ العلوم السياسية بالجامعة الاسلامية، قال لـ»الصحافة» ان المفاوضات التي تجري في الدوحة بين الحكومة وبعض الحركات المسلحة لن يؤدي الى سلام في دارفور، لأن هذه المفاوضات بالنسبة للحركات المسلحة هي موقف تكتيكي فقط لأنهم يخشون ان يغضبوا المجتمع الغربي والذي تبدو موقفه الآن مع رؤية الحكومة، واضاف الدومة «هذه الحركات المسلحة ستكون لها حساباتها الخاصه بعد التاسع من يناير القادم» وقال الدومة ان الاستعجال الحكومي لحل مشكلة دارفور الذي يبدو من تحركاتها تريد به تنفيذ استراتيجيتها الجديده التي طرحتها في دارفور، وهذا ليس معناه انها تريد حل مشكلة دارفور قبل اجراء استفتاء جنوب السودان، واشار الى ان الحكومة تريد حلولاً لمشكلة دارفور وفقا لرؤيتها هي، رؤية وصفها بغير المقبوله وقال انها تسببت في الازمة، مشيرا الى ان الاستراتيجية الجديده ابقت على ذات النهج الذي تسبب في الازمة وذات الشخصيات التي صنعتها، واضاف «حل مشكلة دارفور يكمن في ابعاد القيادة الحالية بدارفور من العمل، وتنفيذ اتفاقية ابوجا، والترتيبات الأمنية، وتنفيذ التعويضات الفردية والجماعية، وقال «لايمكن عمل تنمية واعمار قبل تحقيق السلام والاستقرار».
وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت أكثر من مرة أن نهاية العام الجاري سيكون موعداً نهائياً لتوقيع اتفاقية سلام دارفور بالدوحة، في وقت طرحت فيه قبل أشهر استراتيجية جديده لحل مشكلة دارفور من الداخل عبر بسط الأمن واحداث التنمية والاستقرار بدارفور دون انتظار ما تسفر عنه مفاوضات السلام بالدوحة القطرية، وقد وجدت الاستراتيجية ترحيباً من المجتمع الدولي، وقوبلت برفض من الحركات المسلحه الدارفورية التي وصفتها بانها استراتيجية لحسم الصراع في الاقليم عسكرياً والقضاء على الحركات المسلحة. ولكن الدكتور اسامه زين العابدين، استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، قال لـ»الصحافة» ان الاستعجال الحكومي لحل مشكلة دارفور بهدف تقليل مسرح العمليات المرتقب اذا اندلعت حرب بين الشمال والجنوب، مشيرا الى ان التنبوء باحتمال وقوع حرب بين الشمال والجنوب بات امراً شبه حقيقي في ظل القضايا العالقه بين الطرفين، والتي يمكن ان تتسبب في كارثة بالاضافة الى مشكلة ابيي، واضاف «لذا الحكومة تستعجل الحل في دارفور وعبر طرق مختلفه لحسابات كثيرة اولها لتقليل مسرح الحرب، لأن ميدان الحرب سيكون كبيرا يشمل كل السودان ودول جواره، لأن مسرحه سيمتد على طول الشريط الحدودي بين الشمال والجنوب، فاذا لم تحل قضية دارفور فإن مسرح العمليات سيكون علي طول الشريط الحدودي بين دارفور وولايات الشمال» وقال زين العابدين، ان توازن القوى في أي صراع بين الشمال والجنوب سيكون دارفور، لأن الجنوب سيستخدم حركات دارفور، واذا لم تنطلق في عملها المسلح وقتها من دارفور ستنطلق من الحدود الشمالية للجنوب وساعتها التأثير سيكون أقوى على الخرطوم، واضاف «هذا الاستعجال الحكومي لحل مشكلة دارفور يأتي في اطار الاستراتيجية العسكرية لحسم مشكلة دارفور للتفرغ لمشكلة الجنوب لتقليل مسرح العمليات في السودان اذا وقعت حرب بين الشمال والجنوب» وقال زين العابدين، ان الاستراتيجية الحكومية الجديده في دارفور ليست لها أية قيمة، لانها مشروع حل من طرف واحد لا يؤدي الى سلام، وشبهها بمشروع السلام من الداخل سابقاً في التسعينيات، ولكنه رجح ان تؤدي مفاوضات الدوحة الى نتائج إيجابية يمكن ان تسهم في حل القضية».
khalid balola [dolib33@hotmail.com]
 

 

آراء