كلّ المؤشرات والوقائع والجرائم المسكوت عنها فى دارفور، تؤكّد أنّ الأزمة المنسية فى دارفور، مازالت تراوح مكانها، وأنّ حالة الصراع والنزاح المسلّح طويلة الأجل، قد قضت - تماماً - على الأخضر واليابس، واهلكت الزرع والضرع، فى الإقليم الغنى بموارده الطبيعية والبشرية، وقد حرم النزاع المسلّح إنسان المنطقة، من حقّه فى الحياة فى أوضاع طبيعية، يتمتّع فيها بإحترام وتعزيز حقوق الإنسان، كما ثبت أنّ الحديث عن عودة السلام والإستقرار والتنمية فى إقليم دارفور، ليس سوى كذبة كُبرى، حاولت ومازالت تُحاول - الحكومة السودانية بيعها للناس، وللأسف وجدت تلك الكذبة البلغاء، قُبولاً، وأُذناً صاغية لدى بعض الدوائر العالمية، التى يبدو - بل تأكّد- أنّها فترت من تمويل استحقاقات حفظ الأمن فى دارفور، وقصّرت، إن لم نقل فشلت بالكامل، فى القيام بواجباتها، فى المحافظة على سلامة وأمن المدنيين فى الإقليم، الذى مازال يسبح فى أنهُر وبحور ومُحيطات من إنتهاكات حقوق الإنسان، وبخاصة حقوق النساء والأطفال، فى أجزاء كبيرة من الإقليم، ومع ذلك، فقد لجات – تلك الدوائر- إلى سياسة تسريع سحب البعثة الأممية فى دارفور المعروفة بالإسم ( يوناميد )، وقد بدأت – فعليّاً – فى تقليص مهامها، بالقرار الكارثى الذى اتخذه مجلس الأمن، والذى سيكون بمثابة صب الزيت على النار فى دارفور، ولن تكون النتيجة والمحصلة النهائية منه احتراق دارفور فقط ، بل، ستندلع النيران لتعم كل السوادن، والمنطقة بأسرها.
قلنا أكثر من مرّة – وسنظل نكرّر - أنّ حل الأزمة الدارفورية، يكمن فى معالجة أسباب الصراع من جذورها، وهو مافشلت كل الإتفاقيات السابقة فى تحقيقه، والمطلوب - اليوم ،وأكثر من أىّ وقتٍ مضى - البحث الجاد عن معالجات تنهى أسباب الصراع، ولن يتأتّى ذلك دون تحقيق العدالة والإنصاف، ودون المحاسبة على الجرائم المرتكبة، بما فى ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وعلى العالم، ومجلس الأمن الدولى، أن يعرف ويُدرك أنّ الحقيقة الغائبة فى انهاء الصراع المسلّح فى دارفور، هى أنّ الأزمة الإنسانية مازالت مستمرّة، وأنّ ضحايا النزاع مازالوا يرزحون فى قلب المعاناة، نزوحاً وتشريداً وعيشة نكدة فى حياة قاسية، وانعدام تام وكامل ومقصود للأمن - حتّى - فى معسكرات النزوح داخل السودان وخارجه، بعيداً عن أىّ خدمات أساسية حقيقية من علاج وتعليم وغذاء واطمئنان – حتّى - على السلامة الشخصية ، والحق فى الحياة الطبيعية... وعلى الجميع أن يدركوا أنّ السلام المُستدام، هو المطلوب فى دارفور، وهو ما لم- ولا، ولن – يتحقّق دون تحقيق العدالة والإنصاف الكامل والتام للضحايا، وهو ما يتوجّب مواصلة البحث عن تحقيقه.