سلام على البوعزيزى فى ذكرى رحيله المر!
مرت علينا ، يا بوعزيزى ، ذكرى رحيلك المر الثانية فى السابع عشر من ديسمبر. فى ذلك اليوم الحزين سمع العالم بالحادثة المأساة ، والفريدة فريدة فى نوعيتها . و كانت جارحة للشعور الانسانى الى ابعد الحدود . تقول خلفية الحادثة ان شرطية صماء الشعور كانت تنفذ قوانين نظام اصم الشعور ، ظلت تطارد شابا يفترش الارض ببضاعة مزجاة على اطراف الطرق عله يوفر لقيمات قليلة لامه الكبيرة المريضة . لقد اكثرت الشرطة المريضة الوجدان من ملاحقاتها للشاب الفقير حتى ضاقت عليه الدنيا بما رحبت ، فقرر ان يترك لها الجمل بما حمل : ان يترك لها الحياة وعلاتها فى تونس الحضراء . كانت تلك لحظة ضيق فارقة ونادرة بالحياة انتجها نسق الممارسة المريضة للسلطة التى تحكم العلاقة بين الدولة ومواطنيها . وطارت حكاية الشاب الناحل عبر جميع موجات الاثير. وتكررت تفاصيل الحكاية والرواية : كيف حكم الشاب اليائس على نفسه بالاعدام رفضا للاهانة وتمردا على واقعه الاليم . قالت الروايات ان محمد البوعزيزى ، شاب من مدينة سيدى بوزيد فى غرب تونس ، قرر ان يريح شرطة بلاده من مطارداتها له بصورة يومية حتى لا يفترش الارض على حوافى الطرق انفاذا للنظام العام. شرطة النظام العام يهمها حفظ النظام العام . و ليس حفط المواطن التونسى من الجوع العام . وهكذا تحول ذلك اليوم الى يوم ماطر بالحزن الكليم ، تناقل فيه الاعلام العالمى اسم الشاب الملغوم بالكبرياء والتمرد : كيف ساحت دماؤه الزكية فى مسام الثرى تبلل الارض اليباب فى سيدى بوزيد . و كيف ساخت على الاثر الرمال المتحركة تحت ارجل الانظمة الدكتاتورية الفاسدة فى بعض البلدان . لقد طردت الشعوب الغاضبة هذه الانظمة وارسلتها الى مزبلة التاريخ . دماء البوعزيزى الزكية التى بللت مسام الارض اليباب فى تونس الخضراء فتحت شهية الارضين لبذر يذور ثورات الربيع العربى . كانت شموس تلك الثورات محرقة و كذلك كان اوارها . قليلة كانت المسافة الزمنية بين احتراق جسم البوعزيزى الناحل وبين احتراق تلك الانظمة التى مكثت فى مكانها القديم طويلا بلا لزوم حتى ظنت انها لن تحور. بطبيعته يطول عمر الباطل ، ولكنه لا يدوم . فها هى الشعوب الظامئة الى الحرية والانعتاق تفتح عيونها اليوم عند كل صباح ، فلا ترى حسنى الذى كان لا يدش و لا ينش . ولا ترى معتوه الخيام ، يتجول بها فى بقاع الارض ، يقعمز مثل طاؤوس نشوان ، يمشى الخيلاء فى الارض ، ينفش ريشه وجهله فى ديار الآخرين ، يعطيهم فسحة للسخرية والغمز البهيج ، وهو لا يلحظ ذلك ولا يدركه. و تلك قمة المأساة .
ويابوعزيزى : العزاء الباقى لأمتك العربية التى توسدت جراحاتها منذ ازمان سحيقة هو ان دمك الزكى الذى ساح فى الارض اليباب كان ثمنا لاستعادة كرامة الانسان العربى و لتحرير ارادته من الخوف والوهن والاستسلام الجمعى . الارادة الجمعية واستجابة القدر الحتمى لها كان هو القسم الذى بصم عليه شاعر تونس ابو القاسم الشابى - بأن يستجيب القدر لقسم الشعوب. ربيع العرب الفواح الذى فاح فى الارجاء العربية و نثر ثورات الغضب الحارق . وركم فى مزبلة التاريخ كل الباطل الذى ظل فى مكانه القديم بلا لزوم ، كان استجابة لارادة الشعوب العربية الظامئة للحرية والانعتاق . نعم ، هو لم يكتمل بدرا كاملا حتى اليوم . ولكنه سوف يكتمل. فالغضب ما زال يراوح فى مكانه فى كل الامكنة ويفعل الافاعيل .عامان من عمر الانتصار الكبير والاسقام هى الاسقام . و زادت عليها اسقام جديدة حين اطلت بوجوهها جحافل التكفيريين التى تريد مقاتلة طواحين الهواء. وارجاع عقارب الساعة الى الوراء ، وحشر الجميع فى الكهوف والمتاحف القديمة . خوف جديد اخذ يتمدد فى النفوس . فقوى الظلام القديمة ما زالت تتمترس . المداميك التى شيدتها فى دروب الشعوب على مدى عقود ما زالت قادرة على مقاومة الفناء والعمل كمصدات واقية ضد الجديد القادم . و النخب العربية فى بلدان الربيع العربى عادت الى امراضها القديمة . فى ديار الفراعين تتقاتل هذه النخب ،و تعوى وتصرخ فى فى البيد الجرداء و هى تحاول الانتقال الى الضفة الاخرى من النهر ، تقدم رجلا ، وتؤحر اخرى فى بحث عدمى عن طريق جديد تخرج به بلادها فلا تستبين الطريق . يحدث الشئ نفسه فى تونس وفى ليبيا وفى اليمن غير السعيد . ولكن روحك المتمردة ما زالت تزكي نيران الرفض . وتكتب ميثاف شرف مع الخلود. فى ذكرى رحيلك المر يزداد الحزن النبيل عليك ويبقى الأمل شامخا فى الغد المأمول. وقدبما قال الشاعر القديم :
ما ضيق العيش لو لا فسحة الأمل
Ali Ibrahim [alihamadibrahim@gmail.com]