سلام نيفاشا الي أين .. في ظل مطالب الحركة الشعبية .. ومذكرة الفريق سلفاكير..

 


 

 

 

بقلم/ آدم جمال أحمد – سدني - أستراليا

 

   وجدت قرارات تعليق الحركة الشعبية مشاركتها في الحكومة مع شريكها المؤتمر الوطني , وتنفيذ مطالبها التي تنص عليها الاتفاقية زخماً إعلامياً وتعاطفاً من أحزاب المعارضة الشمالية ومن كثير من كتاب الأعمدة بالصحف ,  وتناولتها كثيراً من الأقلام في الفترة الأخيرة .. ويدل هذا التعاطف في حدّ ذاته على أن تقييم المواقف لم تقم أو تبني على الاقليمية أو العرقية بين الشمال والجنوب .. بقدر ما هو اختلاف في الرؤى السياسية مع المؤتمر الوطني ، ولكن ذلك التعاطف لم يستند على أي أساس موضوعي أو على معلومات صحيحة بالاجراءات التي تمت في الملفات التي اشتكت منها الحركة الشعبية ، وهو بذلك لا يخلو من مصلحة سياسية عاجلة تريد الأحزاب بها التقوى ضد المؤتمر الوطني الذي ضيق عليها هوامش الحركة والنشاط السياسي وقد كانت أحزاب المعارضة تشكو منذ فترة طويلة من ضعف مسيرة التحول الديمقراطي وعدم تغيير القوانين القمعية لجهاز الأمن والصحافة والمطبوعات، وذهب استنجادها هباءً منثوراً بالحركة الشعبية التي قالت بصريح العبارة انها غير مستعدة لتحارب وتدير معارك نيابة عن الآخرين!!..لأنها كانت تظن بأن التحول الديمقراطي ليست معركتها حتى فتشت دورها واعتقل بعض منسوبيها.. فلذلك ينبغي علي الحركة الشعبية أن تتذكر وهي تبدأ مشوارها السياسي أن تتخلى عن طبيعتها العسكرية وعن رادكاليتها الثورية، وتعرف بأن الحرية قيمة أساسية لكرامة الإنسان وهي معركة كل قوى سياسية مستنيرة تريد أن تحقق انجازاً يذكر في هذا الزمن.

 

 ويبدو أن تفتيش دور الحركة وميزات ضباطها كان القشة التي قصمت ظهر البعير لأن القضايا الأخرى ليست جديدة بما فيها طلب التعديلات الوزارية التي قدمت قبل ثلاثة أشهر. ورغم أني لا اتفق مع تفسير الحركة أن تفتيش الدور قصد به اذلالها إلا أن الحدث كان خطأ سياسياً وقانونياً، فكيف يسوغ وزير الداخلية لنفسه حق تفتيش دور حزب وميزات كبار ضباطه وهو شريك له في الحكم، بل إن شرعية الحكومة نفسها تعتمد على الاتفاق مع هذا الشريك، كما أن قانون الأحزاب الجديد أعطى حصانة لدور الأحزاب. وكان على الوزير أن يتحلى بالشجاعة الأدبية فيعتذر عن فعلته، خاصة وهو لم يجد السلاح الذي كان يبحث عنه في تلك الدور مما يدل على أنه تصرف وفقاً لإشاعات غير محققة. وقد أدان نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية ذلك العمل بما يشبه الإعتذار عنه، كما وصفه رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء بأنه خطأ ولا ينبغى أن يتكرر. ولكن تفسير الحركة بأنه عمل مقصود لإذلالها يحمل كثيراً من سوء الظن وهذا أكبر مدخل لإضعاف الثقة التي لا يمكن بدونها أن يمضي اتفاق السلام الى نهايته المطلوبة، وقد سبق للحركة أن شككت كثيراً في حجم عائدات البترول المعلنة وفي تسليم حصة الجنوب إلى حكومة الجنوب واتضح فيما بعد أنها مخطئة في تلك الشكوك غير المؤسسة.

 

وتتحدث الحركة الشعبية عن الديمقراطية وتتشدق بها وهي لم تقدم بعد أهم عناصرها وهي الحزب السياسي فحتى هذه اللحظة لم تسجل كحزب سياسي وما رأيناه في ديمقراطيتها تجسد في أحداث دموية في سوبا والاثنين الأسود وجبل أولياء..! أهم أدوات الديمقراطية عند الحركة هو السلاح..! في دورها في الأحياء السكنية وفي الأسواق تستخدمه كأداة للحوار.. ألم تهدد بالعودة الى الحرب..! ولماذا الحرب هناك خياران أما الانفصال بعد الفترة الانتقالية أوالوحدة..! ولم ترد الحرب في أي بند.. وفي هذا التهديد خرق لأهل الاتفاقية..!

 

وفي ظل هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد تدخل الحركة الشعبية في حالة تمرد وتستعصم بعواصم بعض الدول الافريقية وعبرها (بالمجتمع الدولي) للضغط علي البشير ليتراجع عن موقفه ومن قضية تسمية وزراء الحركة والمستشارين.. وأن يقوم بتنفيذ المطالب التي رفعها الفريق سلفاكير إليه يوم (18/10) في أعقاب اجتماعه غير المثمر معه صباح ذلك اليوم .. وقد احتوت المذكرة على ثمانية بنود تشكّل خروقات في تقدير الحركة لانفاذ اتفاقية السلام الشامل وهي   تتضمن الآتي:

                                                                

 1/   بروتوكول أبيي .

2/ إعادة نشر القوات .

3/ الوحدات المدمجة.

4/ إحصاء السكان .

5/ ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب.

6/ المصالحة الوطنية .

7/ طرد وزراء الحركة من ولايتي سنار والجزيرة.

8/ حقوق الإنسان والحريات الأساسية. 

 

 وقالت المذكرة إن المكتب السياسي للحركة الشعبية قرر بأن يظل كل وزرائه ومستشاريه بعيدين عن أعمالهم حتى يتم كل هذه القضايا العالقة، وأكد الفريق سلفاكير أنه من جانبه سيظل ملتزماً بتنفيذ اتفاقية السلام كاملة ولا يتمنى لحظة أن تنهار.. وبجانب المطالب أعلاه تضمّنت المذكرة أيضاً عدة شكاوى واتهامات محددة ضد المؤتمر الوطني وتتمثل في الآتي:

 

1/ إن الآليات الثنائية التي أنشئت لحل القضايا العالقة كانت مجرّد وسائل لتمارين في العلاقات العامة ولم تعن بحل الخلافات.

2/ التفتيش المفاجئ والمستفز من وزارة الداخلية لدور الحركة الشعبية في الخرطوم ولميز ضباط الحركة في مجلس الدفاع المشترك وكأنما القصد منه اذلال الحركة الشعبية .

3/ تراخي رئيس الجمهورية في اعلان التعديل الوزاري الذي طلبته منه الحركة الشعبية مما يشكل تعدياً على السلطات الدستورية للنائب الأول.

 

فلذلك ما يحدث الآن بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أمر خطير على وجود السودان كدولة..! فالذي حدث بعد توقيع نيفاشا هو بداية لما يسمى بالفوضى البناءة..! وما صممت نيفاشا إلا لهذا..!! إذن كيف يمكن لنا تفسير ذلك؟؟! .. بأن تفشل اتفاقية نيفاشا في التأليف بين القطبين الشريكين الموقعين الحكومة والحركة الشعبية .. وتنجح ذات الاتفاقية في التأليف بين شعبين..؟! فلذلك تعتبر بمثابة اتفاقية مفخخة..!! قبل الاتفاقية كان أهل الشمال يعيشون في الجنوب يمارسون أعمالهم التي كانت تتمثل في  التجارة أوالأعمال المهنية الأخري..! وكثيراً منهم استأثروا العيش والبقاء.. فلم يعودوا ..! لقد قتلت نيفاشا تلك الروح التي كانت سائدة بين الجميع  وروح التعاون..!

 

هذه الاتفاقية لا تمثل الواقع السوداني ولا تصلح للتطبيق على ذلك الواقع فهي افتقدت الروح السودانية التي يجب أن تتعايش معها..! لذا بدت اتفاقية غير قابلة للتطبيق بل وأكثر من ذلك هيأت الأجواء للخلاف وجعلتها قابلة للاشتعال في أية لحظة..! إن إصرار مصممي الاتفاقية على وجود جيشين منفصلين تماماً في بلد واحد هو أمر فيه مكر كبير..! إذ أن نظام الحكم الفيدرالي في أي مكان في العالم لا يقبل أن يكون فيه جيوش مختلفة متنافرة مستعدة للإحتراب في أية لحظة لخلق ما يسمى بالفوضى الخلاقة..! إنه مكر أمريكا الذي أشرف علي أعداده وتنفيذه معهد الدراسات الاستراتيجية بواشنطن والذي ترجم لنا المأساة التي أسموها فيما بعد باتفاقية السلام..! وحشدوا لها شهود الزور من كل مكان في العالم..! قالوا لنا هذه نيفاشا أجيزوها بلا مناقشة ولا تعديل..!! وأول عيوبها إنها مفروضة..! والا لماذا شارك في المفاوضات طرفان لا ثالث لهما .. وكل شئ تم بينهما بنسبة ( 50%.. 50% )..؟ وكأن هذا السودان ملك لهما فقط لا لغيرهما !! .. ولكن الذين فرضت عليهم الاتفاقية أرادوها كذلك ففرضوها كما فُرضت عليهم من قبل..!! لأن أحد الأطراف ( النظام الحاكم )  ضعيف ومحاصر بالقرارات والعقوبات وتهمة الإرهاب وليس كنظام فحسب إنما كأشخاص مهددون بالمحاكم الدولية .. وتحت التهديد العام والشخصي كانت المفاوضات وخرجت من ذلك الرحم تلك الاتفاقية .. وحتي في المفاوضات كانت نظرة المؤتمر الوطني للحركة الشعبية مختلفة تماماً عن نظرة الحركة لنفسها..! فالمؤتمر الوطني كان يفاوض على أساس أن الطرف الآخر هو حركة تمرد ، فكانت الحركة تنظر لنفسها على أنها حركة تحرير والأمران مختلفان تماماً..!..! لذا انفردت أمريكا بواسطة ممثلها ( الحركة الشعبية ) .. ومارست ضغوط علي المؤتمر الوطني الضعيف والمنهك وأخذوا منه ما أرادوا وأكثر..! وحتي الحركة الشعبية ما كانت لترغب في مشاركة الآخرين المفاوضات بما في ذلك التجمع الوطني الذي ساندها وأعطاها بعداً إقليمياً وعالمياً .. وهي تنضوي تحت مظلته..!! وأول الفخاخ الذي انطلق بعد التوقيع كان فخ دارفور.. ثم الشرق.. والبقية تأتي..! لذا تهدد الحركة بالعودة لأجواء الحرب..! ولكن أين مسرح القتال هذه المرة..؟ مسرح القتال هذه المرة هو الشمال..!!! هل سيقاتلون الجيش السوداني في الجنوب..؟ كلا هذا لن يحدث، ولسبب بسيط جداً هو أن ليس هناك جيش في الجنوب سوى جيش الحركة..! وجود الجيش السوداني في مناطق البترول فقط، ووجوده هناك لحماية تلك المناطق..! وبإخراج الجيش السوداني من الجنوب ثم تحرير الجنوب وبقي تحرير الشمال الذي بدأ بأهم أجزاءه.. دارفور..!!

 

الاحداث تتكرر فصولها وهي تمر .. وكأنها شريط سينمائي .. ونحن نري الذين يريدون ان يفرضوا انفسهم عليه!! وكيف يمكن ان يقبل رئيس دولة بشخص يفرض عليه ليكون مستشاراً له او وزير لخارجيته!؟ هل سمعتم بمثل هذا في اي بلد وفي ظل اي شكل من اشكال الحكومات  الحقائب الوزارية مخصصه للحركة ولكن الرئيس في نهاية الامر هو الذي يصدر المراسم ويعلن تعيين وزرائه ومستشاريه والا فكيف يكون رئيساً علي وزراء مفروضون عليه فرضاً..كيف سيامرهم وكيف سيعلنون طاعتهم له طالما انهم فرضوا انفسهم !؟ كيف سيشيرون عليه وهل ستكون استشارة ام تعليمات للرئيس في مثل هذه الحالات عموماً كل المسألة لا تخلو عن كونها مؤامرة يراد بها للسودان الا يستقر والا تنتهي معاناة اهله حتي يفرغ الامريكان من تقسيم العراق واحكام السيطرة عليه بعد أن يصبح السودان دويلات صغيرة متحاربة ومتقاتلة.

 

ولكن .. لقد إطلعت علي جل ما كتب عن مطالب الحركة الشعبية وما تضمنتها مذكرة الفريق سلفاكير .. والمؤتمر الصحفي الذي عقده الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية بالرد علي تلك المطالب وما تضمنته المذكرة .. ولكن اكثر ما أعجبني هو تحليل الأستاذ الطيب زين العابدين – جريدة الصافة .. ونحن نستميحه عذراً بعرض تحليله للمؤتمر الصحفي وتناوله لبنود المذكرة ختي تعم الفائدة في الآتي نصه :

 

... وقد قام الأستاذ علي عثمان نائب رئيس الجمهورية في مؤتمره الصحفي نهار الأحد (21/10) بالرد على مطالب الحركة التي تضمنتها مذكرة الفريق سلفاكير وعلقت بسببها مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية. وكان كالعهد به مرتباً في تفكيره قوياً في حجته عفاً في لفظه مستوعباً لجوانب القضايا التي أثيرت، وختم مؤتمره بدعوة الحركة أن تعيد النظر في قرارها لأن ابتعادها من آلية الحكومة من شأنه أن يعطّل انفاذ الاتفاقية أكثر، وأن الوسيلة الوحيدة لانفاذ الاتفاقية هي الآليات التي نصّت عليها وليس أي منبر جديد دولي أو اقليمي، ولا عجب أن حظي المؤتمر بتغطية على الصفحة الأولى في كل صحف اليوم الثاني، وليته عجّل به منذ مجئ وفد الحركة لتسليم الرئيس البشير قرارات المكتب السياسي للحركة في يوم الأحد الماضى (14/10)، ربما صحح ذلك فهم كثير من الناس للمطالب التي أثيرت. ولنأخذ مطالب الحركة في ضوء المعلومات التي أدلى بها نائب رئيس الجمهورية، وما استطعنا الحصول عليه من بعض المتصلين بتلك القضايا.

 

1- بروتوكول أبيي: طالبت المذكرة بتكوين إدارة من مواطني المنطقة بنسبة (80%) للحركة و(20%) من المؤتمر الوطني، وأن يتم انشاء الإدارة بصورة تامة في يناير 2008، وأن تدعم الرئاسة المنطقة لعودة اللاجئين، وأن تتم زيارة المنطقة بواسطة نائبي رئيس الجمهورية، وأن تتبنى الحكومة تقرير الخبراء نظراً لفشل اللجنة الفنية في معرفة حدود 1977.

لقد كان ملف أبيي هو أعقد الملفات لأن الاتفاقية رغم تسليمها بحدود أول يناير 1956 إلا أنها نصّت على إعادة المنطقة التي أضافها الانجليز إلى مديرية كردفان عام 1905 لأسباب إدارية، وفشلت لجنة الخبراء التي كلفت بتحديد تلك المنطقة في التعرف عليها وذكرت ذلك صراحة في تقريرها الذي تعجلت برفعه الى رئاسة الجمهورية قبل تمام المدة التي حددت لها ودون مدارسته داخل المفوضية التي كونت لهذا الغرض، ولكنها تبرعت بتقديم توصية لم تطلب منها في تحديد منطقة أخرى قالت إن دينكا نقوك كانوا يعيشون فيها عام 1965، ورفضت توصية الخبراء من قبل المؤتمر الوطني ومن قيادات المسيرية في حين قبلتها الحركة الشعبية لأنها أدخلت لهم كل حقول البترول ضمن حدود أبيي. وتقدم شريكا الاتفاقية بعدة مقترحات لتكوين إدارة مؤقتة في المنطقة الى أن يحسم أمر الحدود بصورة نهائية ، والمقترح الأخير الذي هو محل النظر حالياً (حدود مجلس أبيي الذي كوّن عام 74-77) تقدّمت به الحركة وتكونت له لجنة من أهل المنطقة تمثل الطرفين لوضع تلك الحدود، وقدمت رئاسة الجمهورية كل التسهيلات اللوجستية والمالية لهذه اللجنة لتقوم بمهمتها، وهي تعمل الآن من داخل المنطقة. إذاً، ليس هناك مشكلة تذكر في هذه القضية في الوقت الحاضر الى أن يحين رسم الحدود النهائية. ليس هناك من سبب للقول بأن هذه اللجنة فشلت ولذا ينبغي الأخذ باقتراح الخبراء الذي لا يستند على سابقة ادارية أو مشروعية قانونية والذي سيتسبب في نزاعات محلية حادة لن تطفيها زيارة نائبي الرئيس. لم يحدد بروتوكول أبيي نسبة معينة لاقتسام السلطة بين الطرفين، ولكن اذا طبقت عليها نسب الولايات الجنوبية الأخرى فستكون (70% للحركة، 10% للمؤتمر الوطنى، 20% للقوى السياسية الأخرى). يبدو من مطلب الحركة أنها تريد أن تنفرد مع المؤتمر بإدارة المنطقة وتعرض عليه اقتسام نصيب القوى السياسية الجنوبية الأخرى!

 

2- إعادة نشر القوات: طالبت المذكرة بتحديد قوات الحركة في جنوب كردفان والنيل الأزرق والقوات المسلحة في الجنوب وفي منطقة أبيي بواسطة بعثة الأمم المتحدة، واعداد خطة مشتركة من قبل الطرفين لسحب قوات الحركة من الشمال والقوات المسلحة من الجنوب بحلول يناير 2008، ونشر القوات المدمجة في حقول البترول بولايتي الوحدة وأعالي النيل.

نصت الاتفاقية على انسحاب القوات المسلحة من الجنوب بعد عامين ونصف من توقيع الاتفاقية (أي يوليو 2007) وكذلك انسحاب قوات الحركة من الشمال في ذات التاريخ. ولم يستطع الطرفان الالتزام بهذا التاريخ، فالقوات المسلحة ما زالت تحتفظ بحوالى (3600) جندي في حقول البترول بولاية الوحدة وحجتها في ذلك أن مناطق البترول ينبغي حسب الاتفاقية أن تكون منزوعة السلاح وليس بها قوات لأي طرف، ولكن قوات فاولينو التي انضمت الى الحركة الشعبية ما زالت موجودة في حقول البترول بالوحدة بكثافة تفوق أعداد القوات المسلحة. وفي ذات الوقت فان الجيش الشعبي يوجد في جنوب كردفان وفي النيل الأزرق بأعداد تساوي ثلاثة أضعاف القوات المسلحة في الجنوب ودون أدنى حجة أمنية أو قانونية، بل هو يمارس سلطات غير قانونية يهدد بها أمن المنطقة. اذاً ليس هناك طرف واحد مسؤول عن خرق اتفاق إعادة الانتشار، فلم الشكوى اذاً من وجود القوات المسلحة؟ واقتراح نشر القوات المدمجة في حقول البترول لا بأس به وان لم يرد في الاتفاقية، ربما السبب في تقديمه الآن أن الحركة لا تطمئن كثيراً لقوات فاولينو بالمنطقة!.

 

3- الوحدات المدمجة المشتركة: طالبت المذكرة بتسريح قوات تأمين حقول البترول، وبتقليل مستوى القوات المسلحة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتنفيذ خطة عمل لتدريب وتجهيز القوات المدمجة المشتركة.

 

تقول الاتفاقية بعدم وجود قوات لأي طرف في حقول البترول لذا فإن طلب تسريح قوات تأمين البترول مشروع ولكنه ينطبق على الطرفين وليس على طرف واحد ، ويتوجب على الحركة أن توجه قوات فاولينو بمغادرة المنطقة، فهل تستطيع ذلك؟ ليس هناك ما يلزم القوات المسلحة بتقليل أعدادها في أي منطقة في شمال السودان ومع ذلك فإن الطلب معقول، ولكن ينبغي أن ينظر فيه بعد أن تنسحب قوات الجيش الشعبى من الولايتين. أما تدريب وتجهيز الوحدات المدمجة المشتركة فقد تأخر كثيراً وهو مسؤولية مجلس الدفاع المشترك الذي يقتسم عضويته الجيش الشعبي والقوات المسلحة.

 

4- إحصاء السكان: تقترح المذكرة طلب معونة من المجتمع الدولي لتمويل عملية الاحصاء لأن الحكومة فشلت في توفير الموارد اللازمة، وأن تتضمن بيانات الاحصاء أسئلة تتعلق بالعرق والدين.

ليس هناك ما يبرر الشكوى من بطء الاحصاء السكاني أو فشل الحكومة في تمويله لأن الاستعداد جار كما خطط له، وسيبدأ ملء الاستبيانات في فبراير القادم ولا يستغرق تحليل المعلومات الأولية عن حجم سكان الولايات المختلفة عن ستة أسابيع. وقد دفع المجتمع الدولي نصيبه في تمويل الإحصاء بما يزيد عن عشرين مليون دولار ودفعت الحكومة جزءاً من نصيبها بما يكفي لهذا العام. أما السؤال عن العرق والدين فقد جعلته الأمم المتحدة التي لها معايير محددة في اجراء الإحصاء السكاني أمراً إختيارياً ، وقررت ادارات الإحصاء في افريقيا تجنب السؤال عن العرق والدين لأنه يتسبب في مشاكل كثيرة بالدول الافريقية. والسودان بلد معقد التكوين لأنه تماذج عبر قرون عديدة من الزمن ويصعب على المرء أن يجيب بدقة على سؤال يتصل بالعرق، ولا ينبغي في سودان اليوم تشجيع الانتماءات العرقية أو الطائفية. ومن الغريب أن يأتي طلب السؤال عن الدين من حركة تدعي العلمانية والثورية وتبشر بسودان جديد! وقديماً قال فرح ود تكتوك عن دولة سنار: سنار مربوبة فيها عرب وزنوج ونوبة خلوها مربوبة ولا بتتفرتق طوبة طوبة. وعلى كل لو أصرت الحركة الشعبية على سؤال العرق والدين فليكن ذلك حصراً على الجنوب ولا يفرض على الشمال الذي رفض تسجيل الانتماء القبلي في شهادات الميلاد منذ عهد الاستعمار.

 

5- ترسيم حدود الجنوب- شمال: تقترح المذكرة طلب دعم من المجتمع الدولي لتمويل عمل مفوضية ترسيم الحدود والاستعانة بمساعدة فنية من خبرة دول مثل المملكة المتحدة وأميركا ومصر.

ولا يبدو أن عمل مفوضية ترسيم الحدود يحتاج إلى أموال كثيرة، وقد استمعت مؤسسة الرئاسة إلى تقرير مفصل من رئيس المفوضية في سبتمبر الماضي، وكانت أسباب التأخير واضحة ومقبولة ومن بينها تأخير مشاركة الحركة في عضوية اللجنة لعدة أشهر. وقد استطاعت المفوضية كما جاء على لسان نائب رئيس الجمهورية أن تفرغ من إعداد الجوانب الفنية واستوفت جمع الوثائق المطلوبة وفرغت من إعداد مرجعيتها الإدارية والفنية التي يتم بموجبها النظر في الوثائق، والحركة أول من يعلم تباطؤ المجتمع الدولي في الوفاء بالتزاماته (مؤتمر المانحين في أوسلو مثالا) فلا داعي لطلب دعم جديد مشكوك في تقديمه. ولو كنت في مكان الحكومة لقبلت اقتراح الحركة وطلبت منها أن تسعى في الحصول على الدعم المرتجى بحكم علاقاتها الجيدة مع كل المانحين!

 

6- المصالحة الوطنية: قالت المذكرة إن على مؤسسة الرئاسة بدء عملية المصالحة الوطنية معتمدة على الخبرة الإقليمية.

ولا أدري ما هي الخبرة الاقليمية المقصودة هنا (جنوب افريقيا مثلا) ، ولكن الاقتراح جيد وتشكر الحركة أن تذكرت موضوع المصالحة الوطنية بعد مرور أكثر من سنتين ونصف السنة على توقيع اتفاقية السلام الشامل.

 

7- طرد وزراء الحركة من سنار والجزيرة: تطلب الحركة إعادة وزراء الحركة المطرودين من ولايتى سنار والجزيرة.

عندما قرأت هذا الطلب تذكرت المقولة المشهورة: ان التاجر عندما يفلّس يبدأ البحث في دفاتر ديونه القديمة ، لعل وعسى أن يسترد منها شيئاً. وعلى كل، من حق الحركة أن تأخذ حصتها في السلطة كاملة في الولايتين، فإما أن تعيد حكومتا الولايتين الوزيرين المعنيين أو أن تغيرهما الحركة بآخرين فالقضية لا تستحق التصعيد ولا مقاطعة الحكومة المركزية.

 

8- حقوق الإنسان: طلبت المذكرة اعتذار وزارة الداخلية عن تفتيش دورها، واطلاق سراح المحتجزين بصورة غير قانونية، والتعجيل بمحاكمة المعتقلين السياسيين، والبت في القضايا العالقة المتعلّقة بغير أعضاء المؤتمر الوطني (ولماذا استثناء أعضاء المؤتمر؟)، استقلال القضاء (هكذا دون تفسير) ، اطلاق سراح أحد منسوبي الحركة وتسليم شخص آخر لشرطة جنوب السودان...

 

 فلذلك يحمد أخيراً للحركة أن تذكّرت مسألة حقوق الإنسان هي قضية عامة تنطبق على الشمال والجنوب وتجب حمايتها لكل أبناء السودان وليس لأتباع الحزبين الحاكمين. وهناك شكوى كثيرة عن انتهاكات حقوق الإنسان في الجنوب ومن مسؤولى الحركة وجيشها الشعبي، من التجار الشماليين بالجنوب ومن المنظمات والمؤسسات الإسلامية ومن الناشطين سياسياً من غير أعضاء الحركة الشعبية بما في ذلك أعضاء للمؤتمر الوطني. وقد وجه علي عثمان سؤالاً مشروعاً للحركة التي تسيطر على كامل السلطة في الجنوب: ماذا تحقق في جانب تنفيذ حقوق المواطن في جنوب السودان؟ وما هو النموذج الذي قدمته الحركة الشعبية في الممارسة الديمقراطية والحريات العامة والاعتراف بالآخر على مستوى جنوب السودان؟ وما هي الخدمات والمشروعات التي قامت بها حكومة الجنوب من حصتها في عائدات النفط التي بلغت حوالى ثلاثة بلايين دولار؟ فالشريك الذي يسأل عن الحقوق والواجبات على المستوى الاتحادي عليه أن يقدم صفحة بيضاء في التزامه هو ازاء ذات الحقوق والواجبات للمواطن في الجنوب. ومن المفهوم أن تتعثّر الحركة في التحوّل من مليشيا متمرّدة إلى دولة مدنية ومن تنظيم عسكري إلى حزب سياسي لأن ذلك بالضرورة يأخذ وقتا، ولكن هذا يعني أن تكون أقل حدة في مهاجمة الآخرين وأن لا تطوّل لسانها عليهم.

 

وقد أشار الأستاذ علي عثمان الى أن مفوضية المتابعة والتقويم (بها خمسة أعضاء يمثلون المجتمع الدولي ويترأسها مندوب حكومة النرويج) ، قد فرغت من كتابة تقريرها الشامل عن موقف تنفيذ الاتفاقية في مجالات اقتسام السلطة والثروة والترتيبات الأمنية، وكان تقريرا ايجابيا من كل النواحي وأمّن عليه أعضاء الحركة الشعبية الثلاثة في المفوضية. كما قال ان رئاسة الجمهورية وضعت جدولا زمنية في منتصف سبتمبر لمناقشة كل القضايا العالقة بمتوسط اجتماع في كل أسبوع حتى تستكمل الانتهاء منها بنهاية هذا العام. وفي ظل هذه الحيثيات الواضحة والموضوعية أرى أنه يحق علينا أن ندعو الحركة بالعودة للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية حتى تكون أكثر فاعلية فى إجازة بعض القوانين المهمة مثل قانون مفوضية حقوق الإنسان وقانون الانتخابات وتكوين مجلس الأحزاب ومفوضية الانتخابات وغيرها من المسائل المهمة التي يتطلّبها انفاذ اتفاقية السلام الشامل. ولا بأس على رئيس الجمهورية أن يستجيب لبعض مطالب الحركة حتى يشجعها على العودة للحكومة، ولو بتعيين ياسر عرمان مستشاراً لرئيس الجمهورية. وأظن أن الأستاذ ياسر أكثر وحدوية ووطنية وتقديراً للمسؤولية من كثير من أعضاء حكومة الوحدة الوطنية بما فيهم بعض منسوبي المؤتمر الوطني. ولكن بعض عناصر المؤتمر الوطني تصر على أن تحاسبه بما جرى في جامعة القاهرة الفرع قبل ربع قرن من الزمان! وليتذكروا قولة السيد المسيح: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر!... 

 

سدنى  -  استراليا    28 إكتوبر 2007 م

 

 

آراء