سودانايل تنشر نص تقرير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بخصوص الحالة في دارفور

 


 

 

التقرير الخامس والثلاثون للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عملا ً بقرار المجلس 1593 (2005)

خاص سودانايل:
موجز تنفيذي
يورد هذا التقرير الأنشطة التي قام بها مكتب المدعي العام (’’المكتب‘‘) فيما يتعلق بالحالة في دارفور في خلال الفترة المشمولة بالتقرير من كانون الثاني/يناير إلى آب/أغسطس 2022.
وتضمنت الإجراءات في خلال هذه الفترة لحظة فاصلة للعدالة في دارفور وللعلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إذ شُرع في إجراءات المحاكمة في الدعوى المُقامة على علي محمد علي عبد الرحمن (’’علي كوشيب‘‘) (’’السيد عبد الرحمن‘‘)، في 5 نيسان/أبريل 2022، وهي أول محاكمة تجري في المحكمة بناءً على إحالة من المجلس.
وتعُد محاكمة السيد عبد الرحمن مثا لاً للطريقة التي يمكن بها تحقيق العدالة فيما يتعلق بالسودان بالمثابرة على العمل مع جميع الجهات الفاعلة وتسخير السبل المتاحة للتعاون. وفي خلال الأشهر الأربعة الماضية، تمكن 28 شاهد اً من مخاطبة المحكمة، وقدموا شهادات تعكس تجارب العديد من الناجين من الجرائم المرتكبة في دارفور. وتستمر هذه العملية الآن، بعرض هيئة الادعاء لحججها ويتوقع أن تنتهي من عرضها العام المقبل.
وبالتوازي مع عمل المكتب للمضي قدم اً في الإجراءات المتعلقة بالسيد عبد الرحمن، أجرى المكتب تقييم اً شاملا ً للتقدم المحرز حتى الآن في نشاط التحقيق المتعلق بالحالة في دارفور. وعلى هذا الأساس، وضع المكتب خطة عمل جديدة لبناء مزيد من الزخم في كل الخطوط الرئيسية الأخرى للتحقيق. ومع استمرار المحاكمة التي تثبت ما يمكن تحقيقه بتضافر الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة، من الضروري التركيز الآن على ضخ المزيد من الزخم في التحقيقات الجارية بشأن المشتبه فيهم الذين أصدرت المحكمة أوامر بالقبض عليهم ولم تنفذ هذه الأوامر.
وفي خلال الفترة المشمولة بالتقرير، تم إحراز تقدم في هذه التحقيقات داخل السودان وخارجه، ويواصل المكتب البحث عن فرص للشراكة مع الدول الأطراف والدول غير الأطراف ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية والإقليمية بغية تعزيز التحقيقات ودعم الوصول إلى الشهود والأدلة، والمساعدة في المساعي التقنية والتحليلية.
ويقوم النهج الجديد المجمل في هذا التقرير على مجموعة أساسية من المبادئ المتسقة مع الرؤية الاستراتيجية الشاملة للمدعي العام بشأن عمل المكتب ويعكس التركيز الواسع النطاق على ضمان إيلاء الأولوية لإحالات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتزويدها بما يكفي من الموظفين والقدرة التقنية. ويقدم المكتب في هذا التقرير أيض اً مجموعة من المعالم الرئيسية المتوسطة الأجل، التي ستكون بمثابة إطار للعمل في الأشهر المقبلة. وتعُرَض هذه الخطة كأساس لزيادة إشراك جميع أصحاب المصلحة في جهودنا الجماعية لتحقيق العدالة بشأن الجرائم الدولية الأساسية.
غير أن المكتب سعى أيض اً، عند تحديد هذه الخطة، إلى معالجة العوائق التي واجهها بشفافية وواقعية. وسيتطلب إحراز المزيد من التقدم تعاون اً مجدي اً من حكومة السودان. ومن أجل ضمان استمرار الوصول إلى المجني عليهم والشهود والوثائق ذات الصلة، يجب أن يتجدد التزام السلطات السودانية بتعزيز التعاون مع المكتب.
وقد شهدت الفترة المشمولة بالتقرير نهج اً منوع اً فيما يتعلق بتعاون السلطات السودانية. فقد أعرب المكتب عن تقديره وعرفانه بالخطوات الأخيرة، والتي شملت إصدار تأشيرات للدخول المتعدد والدعم فيما يتعلق بعدد محدود من طلبات المساعدة. ولكن ظلت الصورة العامة في أثناء الفترة المشمولة بالتقرير تنطوي على تحديات ومثلت خطوة إلى الوراء مقارنة بالفترة التي شهدت تعاون اً قوي اً من السطات السودانية مع المكتب ما بين شباط/فبراير وتشرين الأول/أكتوبر 2021. وبالإضافة إلى ذلك، فإن حالة انعدام الأمن التي دامت منذ أحداث الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2021 لا تزال تتسبب في تعطيل أنشطة التحقيق.
ولقد حلت لحظة محورية يجب فيها تحسين تعاون حكومة السودان. ومن الخطوات الرئيسية التي ينبغي أن تتخذها السلطات السودانية في هذا الصدد في خلال الفترة المشمولة بالتقرير القادم ما هو آت:
• السماح بالوصول إلى الوثائق ذات الصلة بتحقيقات المكتب من دون أي عوائق.
• السماح بالوصول إلى شهود الحكومة الحاليين أو السابقين وغيرهم من الشهود الأساسيين من دون أي عوائق.
• اتخاذ إجراءات فورية لتسهيل الوجود الميداني المعزز للمكتب في الخرطوم.
• ضمان التجاوب الفوري مع كل طلبات المساعدة التي يقدمها المكتب إلى حكومة السودان. فلم ينُفذ سوى طلبان من طلبات مجموعها سبعة عشر طلب اً منذ التقرير الأخير. ولم تنُفذ عشرة طلبات من الفترة المشمولة بالتقرير السابق أيضاً.
وفي الفترة من 20 إلى 24 آب/أغسطس 2022، سيسافر المدعي العام إلى السودان لتناول هذه الأمور مع السلطات السودانية. وسيؤكد على استعداد المكتب لاتخاذ إجراءات فورية بقصد تعزيز التعاون، ولا سيما من أجل زيادة فرص عمل المكتب مع المجتمعات المحلية المتضررة وحكومة السودان.
وفي مواجهة التحديات في التعاون مع السلطات السودانية في الفترة المشمولة بهذا التقرير، سعى المكتب أيض اً إلى تعميق تواصله مع الشركاء الآخرين من أجل إحراز تقدم في التحقيقات، بما في ذلك من خلال تطوير سبل جديدة للتعاون خارج السودان. وظل تواصل مكتب المدعي العام المستمر مع المجني عليهم والناجين رغم صعوبته ضروري اً للحالة بأكملها، سواء فيما يتعلق بمحاكمة السيد عبد الرحمن، أو فيما يتعلق بالأفراد الآخرين الذين صدرت أوامر بالقبض عليهم. وعلى الرغم من العديد من المشكلات في الوصول إلى المجتمعات المحلية المتضررة الرئيسية، فقد تم إحراز تقدم في جهود التوعية في الأشهر الأخيرة داخل السودان وخارجه، في حين أن الشراكات مع المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية كانت حاسمة في الدفع بعجلة أعمال التحقيق في هذه الحالة إلى الأمام.
وكان التعاون الفعال من جانب الدول والمؤسسات الدولية الأخرى محوري اً أيض اً في التقدم المحرز في الوصول إلى الأدلة والموارد والمهارات والخبرة ذات الصلة. واستناد اً إلى شبكة الشراكات الواسعة هذه، سعى المكتب إلى تجاوز الأدلة المستندة إلى الشهود فانتقل إلى مصادر أخرى للبيانات ووضع استراتيجيات جديدة لحماية المصادر الحساسة. والمكتب ممتن للدعم القوي الذي قدمته دول ثالثة في أثناء الفترة المشمولة بالتقرير.
وكما ذكر المدعي العام في التقرير السابق، لا يمكن أن تظل استجابة المكتب لإحالات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مفتوحة بشكل دائم. ويلزم الآن أن ينعكس التقدم المحرز في الدعوى المقامة على السيد عبد الرحمن على المشتبه فيهم الذين أصدرت المحكمة أوامر بالقبض عليهم ولم تنُفذ بعد حتى يتأتى الانتهاء بنجاح من هذا الفصل من العمل المشترك من أجل العدالة بين المحكمة والمجلس وأولئك المتضررين من الجرائم الواردة في نظام روما الأساسي. وسعي اً إلى ذلك، سيستمر المكتب في العمل على تنفيذ نهجه الجديد في الأشهر المقبلة بهدف تقديم استراتيجية إنجاز فيما يتعلق بالحالة في التقارير اللاحقة.
ويتطلع المكتب إلى أن يتعاون تعاون اً معزز اً مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة في الفترة المشمولة بالتقرير المقبل، ولا سيما حكومة السودان، التي يظل تعاونها المجدي أمر اً حاسما ً في الاستجابة للمطالبات المشروعة بتحقيق العدالة للناجين والمجتمعات المحلية المتضررة.
إن صبر المجني عليهم لا يمكن أن يكون بلا حدود. وثمة فرصة الآن، والتزام جماعي، بترجمة الوعود والتطمينات التي صدرت في العقدين السابقين إلى إجراءات مجدية.

أولا المقدمة 5
ثانيا التقييم: التقدم المحرز والتحديات 5
’1‘ التقدم المحرز في مسارات التحقيق الرئيسية 7
(أ) علي محمد علي عبد الرحمن المعروف أيضا ً باسم علي كوشيب 7
(ب) عمر حسن أحمد البشير وأحمد محمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين 8
(ج) عبد ﷲ باندا أبكر نورين 8
’2‘ أنشطة التحقيق والتعاون في الفترة المشمولة بالتقرير الحالي 8
’3‘ السياق والموارد 10
(أ) البيئة التشغيلية والأمنية والسياسية 10
(ب) التعاون والتكامل 10
(ج) الموارد الداخلية 11
ثالثا التطلع إلى المستقبل: خريطة طريق للمساءلة 12
’1‘ أولوية التحقيق في دارفور: المبادئ الأساسية للعمل الجديد 12
(أ) تمكين المجني عليهم والشهود والمجتمعات المحلية المتضررة 12
(ب) تعزيز التعاون مع السلطات الوطنية السودانية 14
(ج) زيادة سبل المساءلة: التعاون مع الدول الثالثة والمنظمات الدولية والإقليمية 14
’2‘ خريطة طريق مستكملة للمساءلة: المعالم المحددة في إطار استراتيجية التحقيق الجديدة 15
رابعا الخاتمة 16

أولا المقدمة
1 - في 31 آذار/مارس 2005، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1593 (2005)، القاضي بإحالة الحالة في دارفور منذ 1 تموز/يوليه 2002 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. ودعا المجلس المدعي العام إلى إفادته كل ستة أشهر بالإجراءات المتخذة عملا بهذا القرار.
2 - وأشار المدعي العام في تقريره الرابع والثلاثين فيما يتعلق بالحالة في دارفور إلى أنه شرع في مراجعة هيكل تقاريره المقدمة إلى مجلس الأمن ومحتواها وغرضها، بهدف تلبية توقعات المجلس على نحو أكثر فعالية وتقديم خريطة طريق لإنجاز هذه الإحالات.
3 - ويعكس هذا التقرير نتيجة هذا الاستعراض، ويسعى إلى تقديم رؤية واضحة للعمل المستقبلي فيما يتعلق بالحالة في دارفور على أساس تقييم شفاف للتقدم المحرز وللتحديات المتبقية. ويورد نبذة عن استراتيجية وخريطة طريق أعيد ضبطهما للمساءلة في الحالة في دارفور بناء على قدرة المكتب على الاستفادة من شراكاته مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة عملا ً بنظام روما الأساسي. ويؤكد كذلك أن تحقيق هذه الرؤية الجديدة يجب أن يشتمل على زيادة تعاون السلطات السودانية.
4 - ويشار إلى أنه فور تولي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أ. خان مستشار الملكة، لمنصبه، تنحى طوع اً عملا ً بالمادة 42 (6) من نظام روما الأساسي عن جميع الدعاوى التي قد يظهر فيها تضارب في المصالح بسبب مشاركته السابقة في إجراءات المحكمة بصفته محاميا ً. وهذا ما شمل التنحي في قضية السيد عبد ﷲ بندا أبكر نورين (’’السيد باندا‘‘). وقد تولت مسؤولية الإشراف على هذه الدعوى نائبة المدعي العام نَزهة شميم خان.
ثانيا التقييم: التقدم المحرز والتحديات
5 - لقد مضت الآن سبع عشرة سنة على فتح مكتب المدعي العام التحقيق في الحالة في دارفور، بالسودان. وقد حلت لحظة فاصلة في أثناء الفترة المشمولة بهذا التقرير مع بدء المحاكمة فيما يتعلق بالسيد عبد الرحمن. وهذه علامة بارزة، ليس فقط في سياق حالة دارفور ولكن في النطاق الأوسع للعلاقة بين المحكمة ومجلس الأمن، إذ تمثل أول محاكمة تنبع من إحالة للمجلس. ويُعد ّ انعقاد هذه المحاكمة الأولى ثمرة لثبات المكتب هو وشركائه وبرهان اً على شجاعة الناجين والشهود الذين تقدموا لإدلاء بشهاداتهم.
6 - وفي أثناء الفترة المشمولة بالتقرير، انتهى المكتب من تقييم شامل للإجراءات المتخذة فيما يتعلق بالحالة في دارفور. وقد أخُذ بعين الاعتبار في هذه المراجعة الشاملة كيف سعى المكتب إلى استغلال مجموعة واسعة من السبل لجمع الأدلة، بالتعاون مع الدول والكيانات الأخرى، محافظا ً في الوقت ذاته على استقلاليته وموضوعيته وحياده. وتباينت سرعة التقدم المحرز في هذا العمل عبر الزمن، إذ يعكس إلى حد كبير مستوى التعاون الذي تلقاه من السلطات السودانية والموارد التي خصصها المكتب للحالة.
7 - وفي السنوات الأولى من التحقيق، استفاد المكتب من مستوى ملموس ولكنه محدود من التعاون من جانب حكومة السودان، في الوقت الذي ركزت فيه جهود التحقيق أيض اً على جمع الشهادات من الشهود الموجودين خارج السودان، وجمع الوثائق المقدمة من مجموعة متنوعة منالأفراد، والدول والمؤسسات غير الحكومية والمنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة. وبعد إصدار أوامر القبض الأولى فيما يتعلق بهذه الحالة في عام 2007، سعى المكتب إلى مواجهة التحديات المتزايدة في تعاونه مع حكومة السودان من خلال تركيز جهود التحقيق على جمع الشهادات وغيرها من أشكال الأدلة التي يمكن جمعها خارج البلد.
8 - وكما ورد تفصيله أدناه، أفضت إجراءات التحقيق الخارجية هذه إلى خطو خطوات هامة إلى الأمام بما في ذلك إصدار أوامر القبض فيما يتعلق بعدد من الجناة المدعى بارتكابهم لجرائم واردة في نظام روما الأساسي. غير أن التقدم العام المحرز في التحقيقات فيما يتعلق بالحالة ظل يتأثر على الدوام بعدم القدرة على الوصول إلى البلد وما ترتب على ذلك من عدم قدرة الفريق على التعامل مباشرة مع المجتمعات المحلية المتضررة. وقد أدى الانعدام التام لأي تعاون من جانب السلطات السودانية في ذلك الوقت إلى فترة دخلت فيها التحقيقات في سبات مؤقت.
9 - وأعطى توقيع مذكرتيّ تفاهم مع حكومة السودان بتاريخ 14 شباط/فبراير و12 آب/أغسطس
2021 على التوالي أملا ً جديدا في إمكانية توليد المزيد من الزخم في التحقيقات، بالاعتماد على زيادة تعاون السلطات السودانية بمقتضى هذه الالتزامات. وقد مثلت مذكرة التفاهم الصادرة في 12 آب/أغسطس على وجه الخصوص لحظة هامة حيث وسعت مجال تعاون حكومة السودان مع المكتب بحيث يشمل الالتزامات بالتعاون فيما يتعلق بكل فرد من الأفراد الذين صدرت أوامر بالقبض عليهم وليسوا قيد التحفظ لدى المحكمة حالياً.
10 - وبعد إبرام اتفاقي التعاون هذين، تمكن المكتب من الوصول إلى الشهود الموجودين في السودان واغتنم الفرصة للتعامل مباشرة مع مختلف الهيئات الحكومية. غير أنه عقب الأحداث التي وقعت في 25 تشرين الأول /أكتوبر 2021، لم تنفذ السلطات السودانية عدد اً من طلبات المساعدة أو نفذتها جزئيا ً. وكما هو موضح أدناه، واجه المكتب منذ الإحاطة الأخيرة التي قدمها المدعي العام إلى المجلس، تحديات كبيرة في الاضطلاع بأنشطته التحقيقية في السودان.
11 - وفي خلال الفترة المشمولة بالتقرير، حظي المكتب بتعاون متزايد من الدول والمؤسسات الأخرى مما أدى إلى توفير مواد جديدة وتقديم مساعدات أخرى فيما يتعلق بالمشتبه فيهم الطلقاء حالي اً، وكذلك فيما يتعلق بمحاكمة السيد عبد الرحمن.
12 - وترد في القسم الفرعي ’1‘ نظرة عامة أكثر تفصيلا ً للوضع الحالي لمسارات التحقيق الرئيسية، ويرد في القسم الفرعي ’2‘ عرض مستكمل عن إجراءات التحقيق الأخيرة التي تم الاضطلاع بها في الفترة المشمولة بالتقرير الأخير، كما ترد في القسم الفرعي ’3‘ لمحة عامة عن العوامل السياقية الرئيسية والتحديات التي تؤثر على نشاط التحقيق حتى الآن.
13 - ولا يزال المكتب مقيد اً في قدرته على تقديم تفاصيل محددة عن مسارات التحقيق والأهداف والأدلة والمعلومات التي تم جمعها والتعاون أو خطوات التحقيق بسبب الطابع السري للتحقيقات الجارية وما يرتبط بها من مخاوف أمنية. غير أن الأمل معقود على أنه عند تقديم لمحة عامة عن التقدم المحرز والتحديات والفرص الحالية، سينشأ زخم جديد في تعاون جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة وتقديمها للدعم لضمان التنفيذ المجدي للمسؤوليات التي أسندها مجلس الأمن إلى المكتب عند اعتماده القرار 1593 (2005)، تماشيا ً مع الاستراتيجية الجديدة للمدعي العام فيما يتعلق بالحالة فيدارفور.
’1‘ التقدم المحرز في مسارات التحقيق الرئيسية
(أ) علي محمد علي عبد الرحمن المعروف أيض ا باسم علي كوشيب
14 - بدأت المحاكمة في الدعوى المقامة على السيد عبد الرحمن في 5 نيسان/أبريل 2022 في مقر المحكمة في لاهاي. وباعتبارها الدعوى الأولى التي تحُال إلى المحاكمة في الحالة في دارفور، فإنها كانت لحظة تاريخية في السعي لتحقيق العدالة، ليس فقط للمجني عليهم وأسرهم، ولكن أيض اً لمجتمع دارفور على نطاق أوسع وللعدالة الدولية ككل. وقد شكل افتتاح المحاكمة تحركا ً مبدئياً، ولكنه ملموس، من المكتب صوب المساءلة ومثلّ علامة بارزة في العلاقات بين المجلس والمحكمة، باعتبارها أول محاكمة تنبع من إحالة إلى المدعي العام بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
15 - ويواجه السيد عبد الرحمن 31 تهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل العمد، والشروع في القتل، والنهب، وتدمير الممتلكات، والتعذيب، والاغتصاب، والنقل القسري، والاضطهاد فيما يتصل بالهجمات على السكان المدنيين، والقبض على رجال وصبية واحتجازهم وإساءة معاملتهم وقتلهم في محليتي وادي صالح ومكجر بدارفور بين آب/أغسطس 2003 وآذار/مارس 2004.
16 - ويعد بدء المحاكمة تتويج اً لفترة من التقاضي التمهيدي المكثف منذ تسليم السيد عبد الرحمن نفسه في 9 حزيران/يونيه 2020. وعلى الأخص، في 9 تموز/يوليه 2021، اعتمدت الدائرة التمهيدية الثانية جميع التهم التي قدمتها هيئة الادعاء، وأحيلت القضية إلى المحاكمة. وسارت المحاكمة بكفاءة، حيث قدم 28 شاهد إثبات شهاداتهم حتى الآن. وظل السيد عبد الرحمن رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة منذ تسليمه.
17 - وتم تأمين قدر كبير من الأدلة المدلى بها في أثناء سير المحاكمة بالوصول إلى الشهود الموجودين في السودان وبدرجة أقل من خلال التواصل بين المكتب وحكومة السودان منذ توقيع مذكرة التفاهم الأولى في 14 شباط/فبراير 2021. وسمحت تلك الفترة التي شهدت التعاون للمدعي العام بالوصول إلى أراضي السودان لإجراء أنشطة التحقيق لأول مرة منذ 14 عام اً. وكان هذا الوصول أمرا ً بالغ الأهمية بالنسبة للتحقيق، حيث مكّن المكتب من إنشاء شبكات محلية للحصول على معلومات أولية، والعثور على الشهود ذوي الصلة والاتصال بهم، ومقابلة الشهود في السودان والحصول على الوثائق الرسمية ذات الصلة بأولويات التحقيق. وكما أشُير إليه أعلاه، فإن هذا التعاون قد شهد خطوات إلى الوراء بعد فترة الازدهار ما بين شباط/فبراير وتشرين الأول/أكتوبر 2021.
18 - ونظرا لأهمية محاكمة السيد عبد الرحمن بالنسبة للمجتمعات المتضررة، تم بث الإجراءات على الهواء مباشرة على شبكات التلفزيون والإذاعة الرئيسية في السودان، كما عقد المدعي العام جلسات إحاطة مخصصة للصحفيين السودانيين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني في خلال الفترةالمشمولة بالتقرير.
19 - ولزيادة تعزيز مشاركة المجتمعات المحلية المتضررة في الإجراءات، اضطلع المكتب أيض اً بسلسلة من أنشطة التوعية بالاشتراك مع قلم المحكمة، بما في ذلك عقد حلقات دراسية وحلقات عمل تدريبية بشأن عمل المحكمة. وشارك في هذه الأنشطة، المضطلع بها في آذار/مارس وحزيران/يونيه 2022 ما يفوق 200 شخص يمثلون محامين ومنظمات مجتمع مدني، ووسائل إعلام، وكذلك أعضاء مجتمعات محلية متضررة من السودان، إما من خلال جلسات عبر الإنترنت أو حضوريا. وأتاحت للمحكمة جماعي اً ضمان فهم أفضل للمحاكمة الجارية لدى الكيانات الشريكة الرئيسية من السودان.
20 - وتوضح محاكمة السيد عبد الرحمن ما يمكن تحقيقه بالمثابرة المشتركة في العمل الجماعي للمكتب وشركائه الرئيسيين بمن في ذلك الناجون والمجتمعات المتضررة.
(ب) عمر حسن أحمد البشير وأحمد محمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين
21 - اتُّ هم كل من أحمد محمد هارون (’’السيد هارون‘‘) وعبد الرحيم محمد حسين (’’السيد حسين‘‘) بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل العمد والاضطهاد والنقل القسري والاغتصاب والتعذيب والنهب، في محليتي وادي صالح ومكجر في دارفور بين عامي 2003 و2004. وا تُّ هم السيد عمر حسن أحمد البشير (’’السيد البشير‘‘) بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل العمد والإبادة والنقل القسري والتعذيب والاغتصاب والنهب، وجريمة الإبادة الجماعية، بين عامي 2003 و2008 في دارفور.
22 - وتتواصل التحقيقات بشأن أوامر القبض المتبقية. واستناد اً إلى ما أفادت به التقارير، فإن السيد البشير والسيد حسين والسيد هارون لا يزالون رهن الاحتجاز في الخرطوم. وقد طلب المكتب الوصول إلى المشتبه فيهم عن طريق السلطات المختصة في السودان ولكن هذا الوصول لم يتحقق حتى الآن. وستبُذل مزيد من الجهود في الفترة المشمولة بالتقرير القادم لتحقيق ذلك.
(ج) عبد ﷲ بندا أبكر نورين
23 - اتُّ هم السيد بندا بارتكاب جرائم حرب تتعلق بهجوم على قاعدة لحفظ السلام في شمال دارفور في 29 أيلول/سبتمبر 2007. ولا يزال السيد بندا طليق اً رغم إصدار أمر بالقبض عليه. والمكتب كان ولا يزال يقوم بأنشطة تحقيق متعددة تحسب اً للمقاضاة في نهاية المطاف.
’2‘ أنشطة التحقيق والتعاون في الفترة المشمولة بالتقرير الحالي
24 - في خلال الفترة المشمولة بالتقرير، حدد المكتب وتتبع الأفراد ذوي القيمة العالية القادرين على تقديم روايات مؤكدة والذين كانوا في مناصب رئيسية أو مركزية في شبكات السلطة في السودان. وبخصوص محاكمة السيد عبد الرحمن واصل المكتب التواصل مع المجني عليهم والشهود لزيادة تأمين تعاونهم، وعمل أيض اً مع الدول والمؤسسات ذات الصلة للحصول على وثائق لدعمالإجراءات الجارية.
25 - وفي خلال الأشهر الستة الماضية، تمكن المكتب من إجراء تحقيقات ميدانية محدودة في الخرطوم، مما أتاح له التعامل مع بعض الوزارات الحكومية وزيارة المواقع ذات الصلة بالتحقيقات. ومن بين سبعة عشر طلب اً رسمي اً جديد اً للمساعدة أحيلت إلى حكومة السودان منذ إحاطة المدعي العام الأخيرة للمجلس، تم تنفيذ طلبين ونفذ طلب واحد جزئيا ً. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك عشرة طلبات معلقة من الفترة المشمولة بالتقرير السابق لم يحرز بشأنها تقدم أو لم تنفذ. وقد تابع المكتب مرار اً طلبات المساعدة هذه مع السلطات السودانية في مناسبات مختلفة، بما في ذلك في خلال الاجتماعات الحضورية من دون إحراز تقدم ملموس.
26 - ويؤكد أهمية الوصول المستدام والمنتظم إلى السودان ذلك التقدم الذي أحرزه المكتب في تحقيقاته في خلال الفترة القصيرة من التعاون المعزز بعد توقيع مذكرة التفاهم في شباط/فبراير 2021 حتى تشرين الأول/أكتوبر 2021، والأثر الإيجابي الذي أحدثه فيما يتعلق بالإجراءات المتعلقة بالسيد عبد الرحمن. فوجود المحققين وغيرهم من مسؤولي المكتب في الميدان يعزز بشكل كبير قدرته على التعامل مباشرة مع السلطات الوطنية ومع المتضررين من الجرائم الواردة في نظام روما الأساسي المدعى بارتكابها. وعلى عكس الفترة المشمولة بالتقرير السابق التي اتسمت بدعم جدير بالثناء من حكومة السودان في توفير التأشيرات في الوقت المناسب، لاحظ المكتب زيادة في الصعوبات في إصدار التأشيرات.
27 - وفي ضوء ذلك، يكرر المكتب مرة أخرى دعوته لحكومة السودان للوفاء بالتزاماتها بإصدار التأشيرات لكل الموظفين المعنيين من دون تأخير لا مبرر له وبطريقة لا تقيد الوجود المستمر اللازم لموظفي المحكمة الجنائية الدولية في السودان للوفاء بولايتها. ويمثل إصدار تأشيرات الدخول المتعدد لأعضاء المكتب في الأسبوع الماضي للمدعي العام وسبعة أعضاء آخرين من المكتب خطوة إيجابية إلى الأمام.
28 - وخارج السودان، واصل المكتب إحراز تقدم في التحقيقات من خلال شراكة مع عدد من الدول والكيانات من غير الدول للحصول على الأدلة والمعلومات. وقد أثبتت الشراكات الجديدة وسبل التعاون التي أقامها المكتب مؤخرا ً مع دول ومنظمات مختلفة أنها مثمرة ومن المتوقع أن تستمر في تحقيق مكاسب جيدة للمضي قدم اً. وسيكون الوصول إلى المواد الموجودة في حوزة المؤسسات والدول الأخرى أمر اً أساسي اً بالتوازي مع الجهود المبذولة لتعزيز التعاون مع السودان.
وقد تعاون المكتب أيض اً تعاون اً فعالا ً مع المستشار الخاص للمدعي العام المعني بدارفور والشركاء الآخرين ذوي الصلة لتعزيز تحليل واستعراض المعلومات والأدلة التي تم جمعها.
29 - وظل العمل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية يمثل أولوية أيضا، مع استمرار المكتب في زيادة تفاعله مع المجني عليهم ومجموعات الناجين، ومع منظمات المجتمع المدني. ووفرت المائدة المستديرة السنوية للمحكمة مع منظمات المجتمع المدني، التي عقدت في 1 حزيران/يونيه 2022، محفلا ً آخر تمكن المكتب من خلاله من تعميق فهم أنشطته في السودان وفهم التحديات التي يواجهها، واستكشاف سبل تعزيز التعاون مع الجهات الفاعلة غير الحكومية داخل السودان وخارجه. كما شكلت الأنشطة الأخرى الرامية إلى تدريب شركاء منظمات المجتمع المدني من خلال الوسائلالتقليدية والوسائل الأكثر ابتكار اً فرص اً رئيسية لتعزيز استراتيجية المكتب.
’3‘ السياق والموارد
30 - عند استعراض المكتب لأنشطة التحقيق التي يقوم بها فيما يتعلق بالحالة في دارفور، حدد التحديات الرئيسية الآتية: (أ) البيئة التشغيلية والأمنية والسياسية الحالية في السودان؛ (ب) أهمية تجديد التعاون مع السلطات السودانية؛ (ج) محدودية الموارد الداخلية.
(أ) البيئة التشغيلية والأمنية والسياسية
31 - كما ورد بيانه أعلاه، أدى استئناف التعاون مع حكومة السودان في تشرين الأول/أكتوبر
2020، وما تلاه من توقيع مذكرتي تفاهم بين الحكومة والمكتب، إلى نشوء زخم أولي جديد في التعاون وأفضى بالتالي إلى زيادة في قدرة المكتب على إجراء أنشطة تحقيق مجدية في السودان.
32 - غير أنه في الآونة الأخيرة، أثر عدد من التحديات على محاولات مواصلة تسريع أنشطة التحقيق في أراضي السودان. وقد تطلبت التطورات السياسية من المكتب أن يتكيف باستمرار ويعزز جهوده للتعامل مع السلطات السودانية. وفي خلال فترة الانتقال السياسي المتوقعة، سعى المكتب إلى الحفاظ على التواصل مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة من أجل توطيد أسس التعاون. غير أنه بعد الأحداث التي وقعت العام الماضي، صار تعاون السلطات السودانية مع المكتب محدود اً.
33 - وفي أثناء الفترة المشمولة بهذا التقرير، حظي المكتب بفرص ضئيلة للتعامل بشكل فعال مع المسؤولين المعنيين لبناء التفاهم والدعم اللازمين لأنشطته. وكان للحالة الأمنية الصعبة في كل من الخرطوم ودارفور منذ نهاية عام 2021 تأثير تشغيلي سلبي على قدرة المكتب على التعامل مع المجني عليهم والشهود في السودان بطريقة تتفق مع التزاماته بموجب نظام روما الأساسي لحماية سلامتهم ورفاههم المادي والنفسي وكرامتهم وخصوصيتهم.
34 - وكما سبقت الإشارة إليه أعلاه، يلاحظ المكتب أيض اً عدم تنفيذ عدد من الطلبات الرسمية للمساعدة، بما في ذلك ما يتعلق بالوصول إلى المسؤولين الحكوميين والعسكريين أو إلى الوثائق أو المحتجزين. ويعتزم المدعي العام من خلال زيارته إلى السودان في آب/أغسطس 2022 أن يتناول عددا ً من الأمور التي أثرت تأثيرا ً سلبي اً على التحقيقات.
35 - ويشير المكتب إلى أن غياب أي تحرك واضح فيما يتعلق بالجرائم الدولية المدعى بارتكابها في دارفور حالي اً من شأنه أن يفاقم من دوامة الإفلات من العقاب التي يشعر في ظلها الجناة بأنهم يمكنهم التحرك من دون رادع ومن دون تحمل مغبة أفعالهم. وهذا بدوره يؤدي إلى مزيد من إزكاء العنف. وفي هذا السياق، لاحظ المكتب بقلق بالغ ما أفادت به التقارير الأخيرة من أعمال عنف طائفية أدت إلى مقتل مدنيين، ونزوح واسع النطاق، وتدمير للممتلكات، وشن هجمات على المستشفيات في غرب وشمال دارفور في خلال شهري نيسان/أبريل وحزيران/يونيه 2022.
(ب) التعاون والتكامل
36 - منذ إحالة مجلس الأمن الحالة في دارفور، سعى المكتب إلى التواصل مع السلطات السودانيةلاستكشاف فرص التحقيق والنظر في طريقة تطبيق مبدأ التكامل بأكبر قدر من الفعالية في السياق الوطني. وفي هذا الصدد، سواء في ظل الإدارة الانتقالية السابقة أو الإدارة الحالية، أبدى المكتب استعداده لاستكشاف مختلف السبل الممكنة للتصدي بشكل جماعي لثغرة الإفلات من العقاب القائمة فيما يتعلق بالحالة في دارفور. ويظل المكتب على استعداد للمشاركة في هذا الحوار واستكشاف نهج مبتكرة لمعالجة المساءلة على المستوى المحلي بشرط وجود استعداد من جانب حكومة السودان للمساهمة والمشاركة الكاملة في عملية المساءلة.
37 - غير أن المكتب لم يقف، حتى الآن، على أي فرص محددة لتقديم الدعم للإجراءات الجارية في السودان. وتكمن نقطة الانطلاق للتنفيذ الأنجع لمبدأ التكامل في الحالة في دارفور في استئناف السودان للتعاون الفعال فيما يتعلق بالتحقيقات الجارية والطلبات التي يقدمها المكتب.
38 - ونظر اً لثغرة المساءلة الحالية في السياق المحلي، في إطار خريطة الطريق المقترحة، سيسعى المكتب إلى مضاعفة جهوده لتحديد أي فرص واقعية لدعم إحداث التدابير التشريعية والتشغيلية اللازمة للمضي قدم اً في إجراءات جنائية محلية ذات مصداقية.
(ج) الموارد الداخلية
39 - اع تبُر تخصيص الموارد الكافية في كل الحالات التي يعالجها المكتب تحديا داخليا رئيسيا في تقرير استعراض الخبراء المستقلين المؤرخ 30 أيلول/سبتمبر 2020 والذي بادرت إليه جمعية الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية. وقد تسبب غياب الموارد الكافية في تحديات مستمرة في التحقيق في الحالة في دارفور.
40 - وكما ورد بيانه في التقرير الرابع والثلاثين المقدم إلى المجلس فيما يتعلق بهذه الحالة، ما فتئ المدعي العام يسعى في الوقت الراهن إلى إعادة تركيز تخصيص الموارد لفريق التحقيق المخصص باتخاذ إجراءات فيما يتعلق بالحالة في دارفور، ودعم توظيف موظفين إضافيين بمجموعات المهارات المطلوبة. وشمل ذلك تعيين موظفين يتقنون اللغة العربية ولهم خبرة تحليلية إضافية وتجربة عميقة في إدارة الشهود والمصادر.
41 - ولئن نجم عن ذلك دعم تسريع وتيرة العمل في بعض المجالات المستهدفة لأنشطة التحقيق والتحليل، فإن المزيد من الموارد الإضافية سيعزز قدرة المكتب على معالجة جميع جوانب الحالة في دارفور. وعلى سبيل المثال، سيستمر فريق التحقيق في دارفور في الاستفادة من المحققين والمحللين الإضافيين الناطقين بالعربية ولغة الفور من أجل إحراز مزيد من التقدم في أنشطة التحقيق في مسارات التحري الرئيسية.
42 - وما زالت القيود المفروضة على الموارد تشكل تحدي اً يحول دون الأداء الفعال لوظائف المكتب في جميع الحالات ويقيد قدرته على التعجيل بجمع الأدلة وتحليلها. وفي هذا السياق، وكما ورد بيانه بمزيد من التفصيل في القسم الثالث، يشير المكتب إلى مذكرته الشفوية المؤرخة 7 آذار/مارس 2022 التي أحيلت إلى جميع الدول الأطراف والتي تسعى للحصول على تبرعات مالية وتوفير خبراء وطنيين على أساس الإعارة لدعم عمله، ويرحب بما تلقاه حتى الآن من الدول الأطراف من استجابة قوية لطلب المساعدة هذا، وهو ما سيسمح بتخصيص خبراء وطنيين دعم اًللتحقيق في الحالة في دارفور.
ثالثا التطلع إلى المستقبل: خريطة طريق للمساءلة

43 - أظهرت محاكمة علي كوشيب الأثر الذي يمكن أن يحدثه عمل المكتب والمحكمة على نطاق أوسع على المجتمعات المحلية المتضررة في السودان. ولزيادة تلبية توقعات أولئك الذين ينتظرون إنصافهم، وتقديم حل مُجْدٍ للدعوة التي وجهها المجلس منذ سبعة عشر عام اً إلى اتخاذ إجراء، يجب أن يكون النهج المستقبلي للمكتب محدد الهدف ومركز اً على النواتج الملموسة التي يمكن تحقيقها في الأمدين القريب والمتوسط.
44 - وسعيا إلى ذلك، واستنادا إلى تقييم الإجراءات المتخذة حتى الآن الوارد بيانها في الفرع الثاني، حدث المكتب استراتيجيته في التحقيق من أجل تعزيز تركيز العمل وتخصيص الموارد لدعم أهداف التحقيق الرئيسية. وسوف يوجه إطار واضح للمبادئ الأساسية العمل نحو تحقيقها.
45 - أولا، نهج متجدد لتمكين المتضررين من الجرائم المدعى بارتكابها في دارفور من المشاركة في عمل المكتب، بطرق منها الوجود الميداني المعزز في السودان. ثانيا، ضمان تحسين التعاون والتواصل مع السلطات السودانية. وسيكون ذلك حاسم اً في الفترة المشمولة بالتقرير المقبل. وأخيرا، وضع سياسة استباقية ومعجلة للتعاون مع الدول الثالثة والمنظمات الإقليمية والشركاء الدوليين من أجل الاستغلال الكامل لجميع السبل في استخدام المعلومات والأدلة التي يجمعها الفريق.
46 - وكما أشير إليه أعلاه، فإن رد المكتب على إحالة مجلس الأمن لا يمكن أن يظل مفتوحا على الدوام. وتظهر استراتيجية المكتب الجديدة هذه الحاجة الملحة للتحرك، مع التأكيد على تعاون السلطات السودانية تعاون اً فعالا ً كعامل حاسم في التنفيذ الفعال لولاية المكتب في دارفور التي تنبع من القرار 1593 (2005).
47 - وتوجز الأقسام الفرعية التالية المبادئ الاستراتيجية الأساسية للاستراتيجية الجديدة، وتورد
بتفصيل الإجراءات الرئيسية التي يتعين اتخاذها في تنفيذها، وترسم المعالم الأولية التي يسعى المكتب إلى تحقيقها من خلال هذه الرؤية.
’1‘ أولوية التحقيق في دارفور: المبادئ الأساسية للعمل الجديد
(أ) تمكين المجني عليهم والشهود والمجتمعات المحلية المتضررة
48 - إن قدرة المكتب على المساعدة في تحقيق العدالة لضحايا الجرائم المرتكبة في دارفور والناجين منها لا تكمن فقط في قدرته على إقامة دعوى أمام القضاة بناءً على العناصر القانونية وعناصر الإثبات المطلوبة، ولكن أيض اً في التعامل مع أولئك الذين يسعى لخدمتهم والاستجابة لاحتياجاتهم. وفي إطار استراتيجيته الجديدة فيما يتعلق بالحالة في دارفور، سيسعى المكتب إلى تعميق تواصله تعميقا ملموسا ومستمرا مع المجتمعات المتضررة، من خلال تقريب عمله منهم. وفي هذا السياق، يعتزم المكتب زيادة تواتر البعثات الموفدة إلى دارفور كما يعتزم تعزيز وجودهالميداني الدائم من أجل السماح له بالتواصل بشكل أكثر فعالية مع كل المجتمعات المحلية.
49 - وينعكس هذا التأكيد على الحاجة إلى تعزيز العلاقات مع المجتمعات المتضررة في الزيارة المقررة للمدعي العام إلى السودان في الفترة من 20 إلى 24 آب/أغسطس 2022. وفي إطار هذه المهمة، سيجتمع المدعي العام مع مجموعات المجني عليهم والناجين في مخيمات النازحين في كل من ولايتي جنوب ووسط دارفور، ويجري تواصلا آخر في الخرطوم بين المكتب والقانونيين والمجتمع المدني في دارفور.
50 - وتتمثل إحدى الخطوات الرئيسية نحو تعميق التواصل مع أولئك الذين تأثروا بالجرائم الواردة في نظام روما الأساسي في اعتزام المحكمة إنشاء مكتب ميداني في الخرطوم، تنفيذا ً للاتفاقات المبرمة مع حكومة السودان في شباط/فبراير 2021 وآب/أغسطس 2021. ومنذ الزيارة الأخيرة للمدعي العام إلى السودان، اتخذ قلم المحكمة خطوات لاستعراض المواقع التي يمكن أن توجد بها المحكمة في السودان والتي ستحظى بامتيازات وحصانات بحسب ما هو منصوص عليه في الاتفاقات المتقدم ذكرها.
51 - ويعمل رئيس قلم المحكمة مع السلطات المختصة في حكومة السودان لتيسير الوجود الميداني بغرض دعم أنشطة المحاكمة وتقديم دعم فعال لأنشطة التحقيق الجارية والأنشطة الأخرى التي تضطلع بها المحكمة. وسيرحب المكتب بالتواصل العاجل من جانب حكومة السودان في هذا الصدد بهدف الانتهاء من الترتيبات اللازمة في المستقبل القريب من أجل ضمان إنشاء مكتب في السودان في أثناء الفترة المشمولة بالتقرير المقبل.
52 - وسيسمح إنشاء وجود ميداني مستمر للمكتب في الخرطوم بالبناء على عدد من المبادرات التي تم اتخاذها بالفعل للتواصل مع المجتمعات المتضررة، بما في ذلك التواصل بقدر كبير مع المجني عليهم الذين لا يزالون في مخيمات النازحين في دارفور.
53 - وبتسليم السيد عبد الرحمن، وضع المكتب أيض اً استراتيجية توعية معززة، بالتنسيق مع مبادرات قلم المحكمة ذات الصلة. ويتضمن ذلك إجراء أنشطة للتوعية وتوفير التدريب المخصص لتزويد المجتمعات المحلية المتضررة أو ممثليها والمنظمات الإعلامية والمحامين والممارسين القانونيين بمعلومات عن سير عمل المحكمة وولاية المكتب وتقارير مستكملة محددة عن الإجراءات المتعلقة بالسيد عبد الرحمن.
54 - ونظرا للصعوبات الجديدة التي يواجهها المكتب في الانتشار في دارفور في ضوء السياق الأمني والسياسي السائد، تبنت المحكمة استخدام الأدوات الافتراضية لضمان استمرار وصول الناجين والمجني عليهم والمصادر الأخرى إلى المعلومات فيما يتعلق بعمل المحكمة. وعلى وجه الخصوص، عمل قلم المحكمة مع المكتب لكي يضمن، إلى أقصى حد ممكن في الظروف السائدة، إطلاع المجتمعات المحلية والشركاء المحليين الآخرين على مستجدات المحاكمة الجارية.
55 - وكما ورد بيانه أعلاه، تواصل المدعي العام أيض اً مع منظمات المجتمع المدني وممثلي الناجين والمجني عليهم، بما في ذلك في خلال زيارة إلى السودان في آب/أغسطس 2021 وفي مقر المحكمة في حزيران/يونيه 2022. وتعزيزا ً لهذا العمل، أعلن المكتب عن مبادرة جديدة تهدف إلىتعزيز قدرته على الاستفادة من خبرة المجتمع المدني وطاقته ، سواء فيما يتعلق بتنفيذ أعمال التحقيق والمقاضاة الفعالة أو في وضع إطار سياساتي أوسع يحكم ممارسة المكتب لولايته المستقلة.
56 - وأدت هذه المبادرة الجديدة فعلا ً إلى وضع مشترك لمواد إرشادية مع وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال العدالة الجنائية (يوروجست) والشبكة الأوروبية المعنية بالتحقيق والمقاضاة في الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب (’’شبكة الإبادة الجماعية‘‘) بهدف دعم منظمات المجتمع المدني في التواصل مع الشهود والمجني عليهم وفق اً لأفضل الممارسات التي تحافظ على نزاهة الشهادات المحتملة في الإجراءات الجنائية وتحد من مخاطر إحياء الصدمات.
وسيعقد المكتب عدد اً من أنشطة التوعية في الفترة المشمولة بالتقرير المقبل من أجل نشر ودعم الاستخدام الفعال لهذه المبادئ التوجيهية من قبل شركاء المجتمع المدني في السودان وبلدان الحالات الأخرى.
(ب) تعزيز التعاون مع السلطات الوطنية السودانية
57 - ستسعى استراتيجية التحقيق الجديدة إلى إعطاء الأولوية لإعادة التواصل مع السلطات السودانية من أجل ضمان الوفاء بالتزامات التعاون المطلوبة واتخاذ خطوات فعالة نحو الفصل في الدعاوى المقامة على الأفراد الآخرين الذين أصدرت المحكمة أوامر بالقبض عليهم ولم تنفذ بعد.
58 - وسيولي المكتب أيض اً الاعتبار الواجب للإمكانيات الحقيقية، في حالة ظهورها، لمساعدة السلطات الوطنية على الاضطلاع بمسؤولية السودان الأساسية في التحقيق مع هؤلاء المشتبه فيهم ومقاضاتهم على الجرائم المدعى بارتكابها في الأوامر الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية للقبض على كل منهم.
59 - وكما لوحظ أعلاه، فإن الحاجة الماسة إلى التعاون تتطلب تحولا جوهريا في النهج. وفي خلال الفترة المشمولة بالتقرير، بذل المكتب جهودا ً عديدة للتواصل مع السلطات السودانية على مختلف المستويات لتعزيز التعاون ولم تتحقق إلا نتائج ضئيلة نسبي اً. وبين 20 حزيران/يونيه و25 تموز/يوليه 2022، أنجز المكتب بعثتين إلى السودان، تضمنتا اجتماعات مع مسؤولين حكوميين في وزارة العدل ومكتب النائب العام، كما شملتا التواصل مع الأفراد ذوي الصلة بالتحقيق. غير أن هاتين البعثتين أبرزتا أيض اً القيود المستمرة المفروضة على تعاون حكومة السودان، إذ لم تدعم السلطات الوطنية عدد اً من الاتصالات الرئيسية.
(ج) زيادة سبل المساءلة: التعاون مع الدول الثالثة والمنظمات الدولية والإقليمية
60 - وفي إطار الاستراتيجية الجديدة، سيسعى المكتب إلى توسيع تواصله مع السلطات المحلية للدول الثالثة والمجتمع الدولي من أجل الاستغلال الفعال لجميع القنوات المحتملة لتحقيق المساءلة.
61 - وقد اتخذ المكتب فعلا ً خطوات لزيادة التعاون والحوار مع العديد من الدول الأفريقية ومع الاتحاد الأفريقي في إطار هذه الاستراتيجية الجديدة وينوي توسيع نطاق هذه المبادرة بهدف الحصول على أوسع دعم ممكن للعمل على معالجة قضايا المساءلة في الحالة في دارفور. وهذا النهج، الذي لم يكن يخفى على المجلس عندما أحال الحالة إلى المدعي العام، يمكن أن يساعد في التصدي للتحديات الأخيرة التي تؤثر على أنشطة المكتب في مجال التحقيق والتي نشأت عن قيود تعاونالسلطات السودانية، بما في ذلك عدم الاستجابة لطلبات المساعدة وعدم تنفيذ أوامر القبض المعلقة.
62 - ويمكن استكشاف آليات مختلفة للفصل في القضايا المعلقة الحالية في إطار مبدأ التكامل مع حكومة السودان أو الاتحاد الأفريقي أو الدول الثالثة أو المؤسسات المعنية بما في ذلك الأمم المتحدة. وبالمثل فيما يتعلق بالجرائم الأخرى التي يدعى أنه يجري ارتكابها في دارفور، ينبغي بذل الجهود للمساعدة في تعزيز القدرات القضائية وقدرات التحقيق الوطنية في السودان لمعالجة ثغرة الإفلات من العقاب الموجودة وذلك بشكل يفضي إلى القيام بإجراءات عادلة ونزيهة وصون سلامة ورفاه الشهود والمجني عليهم.
63 - ولا يزال التعاون الممتاز الذي حظي به المكتب على مر السنين من مختلف هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها مهم اً لأنشطة المكتب الجارية والمستقبلية. وستكون المساعدة اللوجستية والإدارية للوجود الميداني للمكتب في السودان وغيرها من أشكال المساعدة، ولا سيما من جانب كيانات الأمم المتحدة، بالغة الأهمية في نجاح أنشطة المكتب في المستقبل.
’2‘ خريطة طريق مستكملة للمساءلة: المعالم المحددة في إطار استراتيجية التحقيق الجديدة
64 - تسعى الاستراتيجية التحقيقية المستكملة أيض اً إلى دعم نهج تحُد َّ د ُ أهدافه بدقة أكبر في إجراء التحقيقات فيما يتعلق بالحالة في دارفور. والقصد من ذلك هو ضبط كل عمل المكتب وفق اً لأهداف محددة مسبقا ً، مع دعم المتابعة التي تتميز بمزيد من الدقة والآنية فيما يتعلق بالتقدم المحرز.
65 - وتماشيا مع استراتيجية التحقيق الشاملة المذكورة أعلاه، حدد المكتب المعالم الرئيسية التالية لفترة الستة إلى التسعة أشهر القادمة.
(‌أ) إنشاء وجود ميداني دائم بالتنسيق مع قلم المحكمة بحلول أواخر عام 2022. وتتوقف هذه الخطوة على موافقة حكومة السودان على الترتيبات المؤسسية ذات الصلة في المستقبل القريب؛
(‌ب) تأمين الوصول المادي إلى مجموعات وثائق حكومة السودان ذات الصلة بالتحقيقات بحلول كانون الأول/ديسمبر 2022؛
(‌ج) الانتهاء من التحريات المتعلقة بممتلكات الأطراف الثالثة المحددة ذات الصلة بالأشخاص الذين لم تنفذ أوامر القبض عليهم وذلك بحلول 1 كانون الثاني/يناير 2023؛
(‌د) تأمين الاستجابة لجميع طلبات المساعدة المعلقة والموجهة إلى السلطات السودانية قبل التقرير المقبل من المدعي العام إلى المجلس في شباط/فبراير 2023؛
(هـ) الانتهاء من مرافعة هيئة الادعاء فيما يتعلق بقضية السيد عبد الرحمن في أوائل عام
.2023
66 - وسيستمر تقييم الاستراتيجية الجديدة والمعالم المرتبطة بها في أثناء التقدم في التنفيذ فيالأشهر المقبلة، مما سيدعم عملية مستمرة من المراجعة والتحسين بالاعتماد على الدروس المستفادة.
67 - وسيسعى هذا العمل أيض اً إلى إرساء أساس لوضع الصيغة النهائية لاستراتيجية الإنجاز فيما يتعلق بالحالة في دارفور، بالاعتماد على آراء وخبرات جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة بما في ذلك الناجون وأسر المجني عليهم والسلطات الوطنية المختصة والشركاء الدوليون.
رابعا الخاتمة

68 - تظُهر محاكمة السيد عبد الرحمن ما يمكن تحقيقه بالمثابرة على العمل ووحدة الهدف في الجهود المبذولة لتحقيق العدالة. وللوفاء بوعود المساءلة التي قطُعت للمجني عليهم والمجتمعات المحلية المتضررة من خلال قرار مجلس الأمن 1593 (2005)، يجب توظيف هذا الزخم الآن في الإجراءات بشأن الأفراد الذين صدرت أوامر بالقبض عليهم وما زالوا طلقاء.
69 - ويسعى المكتب من خلال تحديد نهجه الاستراتيجي الجديد للحالة في دارفور في هذا التقرير، إلى وضع خريطة طريق مشتركة لهذا العمل الجماعي، بهدف تحقيق عدالة واسعة وهادفة في دارفور. ولتحقيق ذلك، يحتاج المكتب إلى تعاون جميع الجهات الفاعلة ومشاركتها ولا سيما الحصول على دعم حقيقي من السلطات السودانية.
70 - وهذه هي الرسالة التي سيقدمها المدعي العام في زيارته المقبلة الرفيعة المستوى إلى السودان في الفترة من 20 إلى 24 آب/أغسطس 2022. ومن خلال العمل المتضافر، لدينا جميع اً الآن فرصة حقيقية للدفاع عن حقوق أولئك الذين انتظروا العدالة طوال عقدين من الزمن. لكن هذا يتطلب هدف اً مشتركا ً حقيقي اً وتواصلا ً وتعاونا ً مجدي اً من جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة. والمكتب على استعداد للعمل مع حكومة السودان وكل الشركاء في الفترة المشمولة بالتقرير المقبل من أجل تسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق عدالة مجدية.

 

آراء