سوداني المهجر بين سندان الغربة .. وعصا وزارة الداخلية .. ( 2 – 2 )
20 January, 2010
بقلم ⁄ آدم جمال أحمد – سدنى
تناولنا فى الحلقة السابقة من المقال ظاهرة وجود لاجئين ومهاجرين ( المواطنون المخفيون ) فى أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية والجنوبية وأوربا واستراليا ، أى بالأحرى يوجد سودانيون الآن فى كل قطر من اقطار العالم تقريباً بما فى ذلك اليابان ونيوزيلندا قد حدثت للمرة الأولى خلال حكومة المؤتمر الوطنى (الانقاذ سابقاً) ، ويوجد بين هؤلاء العديد من عناصر نخبة المهنيين فى السودان .. منهم العلماء وأستاذة الجامعات والساسة والمفكرين والأدباء والمثقفين.
إن التحديات التى تواجه هؤلاء السودانيون المخفيون عند عودتهم هائلة ، وخاصة بعد أن لاحت على الأفق تباشير السلام وجنوح البلاد نحو السلم والاستقرار أصبح الكثير منهم يرغب فى العودة الى البلاد بصورة طوعية ، لكن العديد من المشاكل والعقبات بدأت تواجهم من إجراءات صارمة وصعوبات من أجهوة السلطة الحاكمة والتى تتمثل فى عصا وزارة الداخلية النى لا تسمح لأى شخص يحمل جواز سفر أجنبى بالعودة الى أرض الوطن إلا بعد الحصول على إذن دخول وكفيل وتليها أرتال من الرسوم وتصنيفهم فى خانة الأجانب ، بل إرغامهم للتسجيل فى شئون الأجانب من يرغبون فى الاقامة وإلا سوف يواجهون العقوبة ومغادرة البلاد.
من الواضح إن مشكلة العودة صارت فى غاية التعقيد وتحتاج الى تنسيق مركزى ودراسة مستفيضة من جانب البرلمان ورئاسة مجلس الوزراء ، ومن ناحية أخرى فأن آيام التخطيط والذى يتسم بالصرامة فى الإجراءات العقيمة الجائرة قد ولت ،لأن الدولة التى لا تحترم دستورها أوشعبها فلا خير فى أمر القائمين على إدارة شئونها ، فليست هناك حكومة فى العالم تضيق الخناق على مواطنيها ورعاياها كما تفعل حكومتنا فى السودان ، حتى لو كانوا يحملون جنسيات دول أخرى وتفرض عليهم هذه الإجراءات الجاحفة بحقهم فى ظل دستور يسمح لهم بحمل جنسيات دول أخرى بالاضافة الى الحفاظ بجنسيتهم السودانية ، والغريب فى الأمر رغم كل ذلك فإن سلطات المطار تطالبهم بابرازهم ما يؤكد سودانيتهم !!. فاى تناقض هذا ؟.
فلذلك المطلوب من الحكومة وجهات التشريع ومراكز صنع القرار وسن القوانين فى الدولة هو إيجاد خطوط عريضة لخطط شاملة تسمح لهؤلاء بالعودة الى السودان بجوازات سفرهم الأجنبية مع تسهيل إجراءات دخولهم وعدم تصنيفهم كأجانب حينما يبرزوا ما يؤكد سودانيتهم والعمل على دفع ضريبة الوطن أسوةً بإخوتهم المغتربون لكنها بالعملة الصعبة وحثهم على ذلك ، بل التبشير بتلك الفكرة فى بلاد المهجر ، لأننا لا نستطيع أن نفصل هؤلاء عن شريحة المجتمع السودانى لأن هناك الكثير من السودانيون الآن منهم وزراء وحكام وسياسيين على هرم أجهزة السلطة والدولة يحملون جنسيات وجوازات أجنبية سواء كانوا ينتمون الى المؤتمر الوطنى أو تحت مظلة تنظيمات وأحزاب سياسية أخرى أو الحركة الشعبية الشريك الأساسى فى حكومة الوحدة الوطنية والتى يحمل معظم أعضائها جنسيات دول أخرى ، والتى كنا نأمل منها أن تثير هذه القضية وتجعلها جل همها والتى أصبحت تؤرق مضجع كل المواطنون السودانيون المخفيون والراغبون فى العودة الى أرض الوطن ، والكثير منهم يتميز بتنوع كبير فى المهارات والخبرات المهنية والمؤهلات التعليمية ، فيجب على الحكومة أن تشجعهم فى العودة والسعى لخلق التجانس للاستفادة من مؤهلاتهم وخبراتهم للانخراط والمساهمة فى بناء المجتمع والوطن وإلا فلماذا الكيل بمكيالين!.
فلا بد من السعى لنوظيف هذا التنوع من الجوازات الأجنبية لكل السودانيون المخفيون فى دول المهجر المختلفة من أجل تحقيق أفضل المنافع للوطن ولا سيما تحويلات أموال هذه الفئة تتدفق يومياً على البلاد ، والتى تشكل مصدراً أساسياً من مصادر العملات الأجنبية للسودان ، لأن قدرتهم على جلب الأموال فى الخارج أكثر واسهل منها فى الداخل ، فقط نحتاج الى رصد العناصر الايجابية والسلبية للسياسات والاجراءات التى تتعلق بفئة المهاجرين والسودانيون المخفيون الذين يحملون جوازات أجنبية الى المزيد من المراجعة والفحص المتأنى كمدخل لرسم سياسات وطنية ، لأن كل هذه التحويلات تأتى عبر شركات خاصة لها أفرع فى جميع مدن السودان وهى مبالغ ضخمة تصل مليارات الدولارات فى السنة أى ما يعادل ( 75% ) من إجمالى الناتج القومى السودانى بالاضافة الى تحويلات المغتربين ، ومساهماتهم هذه تعتبر عنصراً مهماً وأساسياً فى الحفاظ على اقتصاد السودان كما ذكرت طافياً عبر الأزمات التى مر بها ، بالرغم أن نصيباً كبيراً يذهب الى أسرهم وأقاربهم فى السودان والتى أحدثت تغيييراً كبيراً على معظم مستوى الأسر وطفرة عمرانية واجتماعية على مستوى مناطقهم وهذا شئ إيجابى.
لذلك لا بد للحكومة أن تخصص بعض التسهيلات وتحاول أن تصل الى كل هؤلاء لأنهم مواطنون سودانيون لكنهم مخفيون ، وذلك باجراء مسح جغرافى وإحصاء دقيق لمعرفة تعدادهم والعمل فى تسهيل إجراءات دخولهم عند العودة الى البلاد مع دفع ضريبة للوطن بالعملة الصعبة لاستشعارهم بأنهم مواطنون سودانيون فقط يتميزون بجوازاتهم الأجنبية ، وهذه يحتاج الى بذل جهد من جانب الحكومة بأن تبعث وترسل وفود ومناديب الى الجلوس مع هؤلاء فى تلك الدول حول التفاكر والتشاور بما يجرى فى الوطن وما تم من إنجازات والتحدى الذى يواجه السودان والوقوف على ما يواجه هؤلاء من صعوبات ومآسى ، والعمل على تشجيعهم بتخصيص مساحات من الأراضى والقطع السكنية والشقق والمواقع الاستثمارية بأقساط مريحة والاتفاق على كيفية سدادها ، بالاضافة الى فتح بنوك فرعية أو شركات فى شكل صرافات خاصة بتلك البنوك تساعد فى تسهيل عملية إنسياب تحويلاتهم الى السودان فى خلال ساعات ، لأن مساهماتهم تشكل عنصراً أساسياً على اقتصاد السودان بدلاً أن تتحكم عليها وتستفيد منها جهات أخرى مشبوهة غير معروفة تشكل طبقات لمافيا اقتصادية طفيلية عالمية تدير تلك الوكالات وشركات التحويلات الخاصة ، وتحاول أن تشجيع الأثرياء منهم باستثمار أموالهم فى السودان ، لأن ذلك من شأنه أن يرغب هؤلاء فى العودة ذهاباً وإياباً وخلق الثقة فى تحويلات أموالهم عبر البنوك السودانية ـ ولكن إذا لم يتوفر ذلك فإن هذه المهارات والخبرات ورؤوس الأمول الضخمة قد تكون ضاعت على السودان الى الأبد.
فهناك تجارب لعدد من الدول لها رعايا ومواطنون يحملون جنسيات وجوازات أجنبية لدول أخرى لكنها تحاول جاهدة أن تسهل لهم كل الاجراءات فشجعتهم وخلقت لهم الرغبة الطوعية فاستطاعت بذلك أن تربطهم بأرض أوطانهم ، مما جعلت ضمان وإنسياب وتدفق تحويلات العملات الصعبة والتى تساهم بدورها فى دفع اقتصاد بلادهم ، ومثال لتلك الدول لبنان التى يعيش أكثر من خمسة عشر مليون لبنانى خارج لبنان وهم يحملون جنسيات وجوازات أجنبية متنوعة تتمثل فى دول الاتحاد الاوربى وامريكا الشمالية والجنوبية وآسيا واستراليا وغيرها من الدول ، وأما الذين يعيشون فى لبنان لا يتجاوز الثلاثة مليون ، ولكنهم يتدافقون بأسرهم فى الاجازات والمناسبات الى وطنهم فى ألوان طيف من الجوازات والجنسيات فى شوق وحنين رغم اختلافاتهم السياسية والطائفية إلا أنهم يتفقون جميعاً فى حب وطنهم ويكنون له الاحترام وذلك بفضل اهتمام حكوماتهم ، وقد شاهدتم وتابعتم كيف استطاعت حكومة لبنان فى الانتخابات الأخيرة حصر كل اللبنانيون بدول المهجر وفتح مراكز للاقتراع بتلك الدول للمشاركة فى العملية الانتخابية كما فعلت حكومة العراق مع رعاياها وجاليتها فى دول المهجر ، وهنالك نماذج لدول كثيرة مثل مصر والمغرب والسنغال وزمبابوى وساحل العاج ونيجيريا وغانا وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول تعترف رسمياً بمواطنيها الذين يحملون جنسيات دول أخرى وتقدم لهم كل التسهيلات والاجراءات غير المعقدة الشروط والسماح لهم فى حق الاقامة وحرية التنقل ، فلذلك استفادت كثيراً من تدفق تحويلات رؤوس العملات الصعبة والتى ساهمت وما زالت تساهم فى إنعاش اقتصاديات تلك الدول ، فأين حكومتنا من كل هذا أليس فيهم رجل رشيد ؟!!,,
هناك حاجة ماسة الى توفر مجموعة من الموجهات الشاملة لتساعد فى التعامل مع التحديات ذات الصلة بالمواطنون السودانيون الذين يحملون جنسيات وجوازات أجنبية تتعلق بالنظر فى تغيير سياسات الحكومة المتمثلة فى إجراءات وزارة الداخلية والخارجية ، لأن هؤلاء يعتبرون رصيداً لها وليس عباً عليها ، ويجب النظر الى التنوع على صعيد التجربة والعيش فى ظل ثقافات وطرق وأنماط حياة مختلفة بوصفه إضافة إيجابية للبلاد ، وإننا ندخل مرحلة من العولمة وعلى السودان أن يستفيد من ألوان الطيف للجنسيات والجوازات لتلك الدول المختلفة ومن التنوع الاجتماعى والثقافى المتزايد الذى آتى نتيجة للتجارب المحزنة التى مر بها فى العقود من السنوات الأخيرة.
سدنى – استراليا - 9 سبتمبر 2009 م