سياسة × رياضة؛ من وحي المونديال … بقلم: مهدي إسماعيل مهدي/ بريتوريا

 


 

 


mahdica2001@yahoo.com
لعل من محاسن الصُدف أن أتيحت لنا (معشر السودانيين التائهين في بلاد الله) فرصة التواجد في "جنوب إفريقيا" والتفاعل مع المونديال تفاعلاً حياً والإحساس بنبضه ساعة بساعة والفرح الغامر بنجاحه، ومارافق ذلك من شعور بالإعتزاز بالإنتماء لإفريقيا القادرة على الإنجاز. فلقد كانت المخاوف والدعاية المُغرضة والإنطباعات السالبة تقبض النفس وتُرجف القلب، ولكن أثبتت لنا "بلاد ماديبا" مرة تلو الأُخرى إنها "حاجة تانية". وهذا التفرد والإمتياز ليس صُدفة عشوائية، فجنوب إفريقيا تكاد تكون الدولة "الديمقراطية" الوحيدة في إفريقيا، كما أن زعيمها الروحي، الأسطورة/مانديلا، هو الرئيس الإفريقي الوحيد الذي تخلى عن الحُكم طواعية بعد دورة رئاسية واحدة فقط، ولو كان البقاء في السُلطة تُبرره التضحيات والإنجازات، فأجزم صادقاً بأنه لا يوجد رئيس على ظهر الأرض يستحق الإستمرار رئيساً إلى الأبد غير "ماديبا"، ولكنه آثر أن يكون قدوة من خلال أفعاله (Leading by example)، وفضل حُكم المؤسسات على حُكم الفرد، وتسامى على إغواء السُلطة ووسواس النفس والسدنة، فالتحية له في ذكرى عيد ميلاده الـ92 (18 يوليو)، والذي أصبح يوماً دولياً (Mandela Day)، وربنا يمد في أيامه. 
من يظُن أن الرياضة لا تتقاطع مع السياسة فهو واهم، فالسياسة تؤثر في كُل منشط ومنحى من مناحي الحياة، ولعل التدامج والشعور القومي الدفاق الذي وصل الذروة خلال فعاليات المونديال، يؤكد على أن الرياضة عامل توحيد وتمتين للوحدة الوطنية ورتق للنسيج العرقي والإجتماعي، فقد كانت جنوب إفريقيا في الأسابيع الماضية أُمة قوس قُزح بحق وحقيقة. ولم يتأجج الشعور القومي المحلي فقط إنما تجاوز ذلك إلى الإعتزاز بالإنتماء إلى الهوية الإفريقانية (Pan-Africanism)، ففي مباراة غانا/أرجواي، مثلاً، كان الملعب يغلي كالمرجل، والكُل خلف الفريق الغاني يُردد "باغانا، باغانا" على وزن "بافانا، بافانا" شعار فريق جنوب إفريقيا. واستعاد المُخضرمون أمثالنا ذكريات الآباء المؤسسين دُعاة الوحدة الإفريقية ؛ نكروما وسيكوتوري وبن بيلا وعبدالناصر والمعلم نايريري وبقية العقد النضيد.
ولتأكيد عدم إنفصام السياسة عن الرياضة إليكم الدليل، وكما يقول المصريون "الحلو ما يكملش":
-    خرجت إيطاليا وفرنسا (بطل ووصيف البطولة الماضية) من الأدوار التمهيدية مثلما خرجت نيجيريا، ولكن وبمجرد أن حط المنتخب الفرنسي رحاله في مطار شارل ديجول، قدم رئيس الإتحاد الفرنسي إستقالته مُتحملاً النتيجة ومُفسحاً الطريق لغيره، أما في نيجيريا فقد أعلن رئيس الجمهورية/ تجميد نشاط المنتخب لمدة عامين، مُحملاً المسئولية للاعبين، مُتجاهلاً لحقيقة أن مجرد وصول نيجيريا لجنوب إفريقيا يعني أنها ضمن أفضل 32 منتخباً في العالم، والعجيب أن ذات الرئيس لا يُحرك ساكناً عندما تتذيل بلاده قائمة مُنظمة الشفافية العالمية، وتتصدر قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، لكأنما الفساد المالي والسياسي في نيجيريا لا علاقة له بالتدهور الرياضي وكافة مناحي الحياة.
-    قبل أقل من عام أُجريت إنتخابات إتحاد كُرة القدم في جنوب إفريقيا، ولم يفز بالرئاسة الرئيس السابق للإتحاد، رغم أن جنوب إفريقيا فازت بإستضافة بطولة كأس العالم في عهده، كما أن السيد/ داني جوردان، مسئول ملف البطولة ورئيس لجنة تنظيمها، إنسحب من المنافسة بعد أن تأكد له أنه لن يفوز برئاسة الإتحاد. وللمفارقة ففي ذات الوقت حملت لنا الأنباء أن الرئيس الأزلي لإتحاد كُرة القدم السوداني/د. كمال شداد، يسعى لتعديل قانون الرياضة (عبر البرلمان) وبدعم من رئيس الجمهورية، للإستمرار في الكنكشة رئيساً للإتحاد (ومن شابه رئيسه بالمكتب القيادي، فما ظلم)، والمُضحك المُبكي أن شداد وحارقي البخور، عللوا سعيهم بالإنجازات الإستثنائية التي حققها شداد للرياضة السودانية!!!! بالله عليكم "دي مُش حاجة تفقع المرارة"، ولكن أليس كُل سوداني تولى رئاسة بلاد أو رئاسة لجنة حي، كنكش في رئاسته بيديه ورجليه دون أن يسأل نفسه بصدق ماذا قدم وما هي إنجازاته؟؟. يبدو أن هذا كروموسوم أو جرثومة وراثية في دم الأفارقة عامة والسودانيين خاصة!! الله يشفيهم؛ ويشفينا منهم.
-    ألم يسترع إنتباهكُم أن الفريق الوحيد الذي هزم أبطال كأس العالم (إسبانيا) هو سويسرا، تلك الدولة الصغيرة المتعددة الأعراق والتي تتحدث ثلاثة لُغات رسمية وتعتبر واحة للديمقراطية وحقوق الإنسان، والأهم من ذلك (أن ليس لديها جيش)، مع مُقارنة أن كوريا الشمالية هي الفريق الوحيد الذي تلقى هزيمة ثقيلة بسبعة أهداف لصفر، ولم يسبق كوريا إلى ذلك، إلا المملكة السعودية عندما هزمتها ألمانيا 8/صفر، والكونغو كنشاسا عندما هُزمت 11/صفر في عهد ديكتاتورها العسكري/ موبوتو سيسي سيكو، فتأملوا ما يجمع بين هذه الدول الثلاث!!.
-    ألم يلفت نظركم (ونظر أدعياء الإستعلاء العرقي في منبر الشمال) الفريق الألماني الذي ضمت تشكيلته الأساسية ثمانية لاعبين من أصول غير ألمانية (كلوزه، بودولوسكي، أوزيل، خضيره، بواتينق،، إلخ)، وهي ذات ألمانيا التي أشعلت حرباً عالمية بسبب دعاوى تفوق العرق الآري، وأحرقت الملايين بزعم الحفاظ على النقاء العرقي، والمفارقة الكُبرى أنها تفعل ذلك في جنوب إفريقيا وفي بريتوريا بالتحديد، التي كان يُطلق عليها قبل سنوات قلائل بريتوريا العُنصرية (أي حكمة وأي صُدفة هذي!!).    
-    أعدت جنوب إفريقيا ساحات عامة لكي يتجمع فيها الجمهور من مختلف الملل والسحن والطبقات لمشاهدة المباريات في جو أُسري إحتفالي بهيج، وقد فعلت ذات الشئ دولة أوغندا، ولكن شاء طيور الظلام إلا أن يفسدوا على الأوغنديين بهجة اليوم الختامي، فتسلل ممن يطلقون على أنفسهم "المُجاهدين" ففجروا وقتلوا الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا يعرفون ماهي الصومال وأين تقع، وقال قائل شباب المُجاهدين الصوماليين "إنه جهاد لوجه الله"، !!!. أهذا جهاد ؟؟ أهذا نضال؟؟. اليست مثل هذه الأعمال تدفع المرء إلى قطع أي صلة له بهؤلاء؟؟ استغفر الله.
-    وفي مفارقة اُخرى مؤلمة، تزامنت إشادة المجتمع الدولي – مُمثلاً في رئيس الفيفا/ سيب بلاتر- بجنوب إفريقيا لحُسن تنظيمها للبطولة ومنحها تسعة من عشرة (كأفضل بطولة من حيث التنظيم)، وللأسف فقد تزامنت إشادة المجتمع الدولي "12 يوليو 2010" مع صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية (التي أحال إليها القضية مُمثل المجتمع الدولي، أي مجلس الأمن وليس أوكامبو) بتوجيه تُهمة الإبادة الجماعية للرئيس/ عُمر البشير!!!، ولعل ما زاد الأمر سوءاً التصريحات السوقية الشتائمية لمندوب السودان الدائم لدى المجتمع الدولي/ محمود عبد الحليم (الصحاف). ألا يوجد من بين دبلوماسيينا من يستطيع تمثيلنا بدلاً عن هذا الذي يُمثل بنا؟؟.
-    ختاماً، نحن في إفريقيا عامةً وفي السودان خاصةً، لن نرفع رءوسنا أبداً ولن نطوق أعناقنا بالميداليات الذهبية في أي بطولة رياضية طالما ظلت هذه الكنكشة قائمة، وكما قال أحد الكُتاب الإسفيريين " كيف ترفع رأسك في وطن منحني، حد الإنبطاح".

إضحكوا، إضحكوا في زمن البُكاء:
خطب الرئيس البشير في جمع شعبي قبل أسبوع أو أكثر وقال مُدغدغاً ومُستغلاً عواطف السابلة كالعادة، "سوف يكون نهائي كأس العالم القادم (بإذن الله وإذن شداد) بين المنتخب السوداني ومنتخب غانا، فهلل القوم وهتفوا "إسبانيا والبرازيل قد دنا عذابها"، ثُم جمع الرئيس المشير، أساتذة الجامعات "العُلماء الأجلاء" فتوافدوا على قاعة الصداقة في أروابهم المزركشة "ما عارف ليه إتذكرت أولاد الطهور!!!"،وأخضعهم لمُحاضرة عن دور الإستعمار (وليس الجهاد ونقض المواثيق والعهود والإلتفاف عليها) في مُشكلة الجنوب والتآمر الغربي على ثروات البلاد، والمستوى الرفيع لجامعاتنا لدرجة أن معاهد وجامعات جنوب إفريقيا تحاول سرقة مجهودات النابهين من خريجي ثورة المُبرفس/ إبراهيم أحمد عُمر، وسرح الرئيس في مُحاضرته وونسته، إلى أن فجر قنبلته (ياجماعة؛ الوحدة البنقصدها مُش الوحدة الجُغرافية، من حلفا لنمولي، وإنما وحدة الهوية)، وفسر لهُم هذا المُصطلح الجديد لنج، بأنه وحدة من يُكرمون ضيف الهجعة وضباح السمينة ومُقنع البايتات، و"التالي نصف الليل طوال القُرآن"، فهلل القوم العُلماء وقالوا بخٍ بخٍ، ولم يفتح الله على أحدهم بأن يقول له سيدي الرئيس/ لعله تشابه عليك البقر (كما تشابه على حمودة حلاق الجامعة، رغم أن العم المرحوم حمودة كان يُتقن عمله ولم يتطلع أو ينقلب ليكون مّديراً للجامعة، وكان يطلق مفارقاته من باب الدعابة، لا أكثر) فهذه يافخامة الرئيس؛ ليس إسمها وحدة هوية، وإنما "آحادية هوية" وهي سبب حشرنا في جُحر هذا الضب!!.
*- دعا الرئيس إلى إجتماع لكُل القوى السياسية بالقصر الجمهوري يوم السبت 24/07/2010 (وقد تم تأجيله) وأخشى أن يكون مثل لقاءات كنانة ونفرة إتحاد الجامعات، والتراضي والوفاق،،، إلخ. ومع ذلك أتمنى وأحلم بأن يكون بين المُجتمعين رجُلاً لا يخشى في الحق لومة لائم (ولا يرتجف من بيت أشباح أو حبل مشنقة) فيصدع بالحق في وجه سُلطان جائر، ويتقدم ويقول (سعادة الضابط العميد/ عُمر حسن أحمد، منذ عشرين عاماً وأنت تخطب ونحن نسمع، فأرجو أن تسمعنا مرة واحدة دون أن يتهمنا جلاوزتك وعسسك، بالتطاول على مقامك السامي والعمالة لأوكامبو، ويهددوننا بتقطيع الأوصال وتكسير العظام، (إن السيارة التي تقودها تتجه بنا سريعاً نحو الهاوية، ولذا لا بُد من تغيير السائق، فالعلة في السائق (وطاقمه) الذي لا يملك مؤهلات القيادة، فتنحى وترجل، يرحمك الله).  
تنويه واجب:
هذا المقال كُتب خصيصاً لصحيفة سنار الشهرية المُستقلة التي يُصدرها بعض السودانيين في بريتوريا:
Sinnar_newsletter@yahoo.com

 

آراء