مرت البشرية بصراعات دموية عنيفة واقتضى التطور الهائل في كافة المجالات ومنها التقنية العسكرية الى تنظيم العلاقات بين الدول حتى لا تؤدي النزاعات والحروب الى دمار البشرية . الأمم المتحدة هي المرحلة الأخيرة التي تمثل الجسم الذي ينظم العلاقات بين الدول وقد انضوت تحت عضويتها كل دول العالم المستقلة بما يشبه الحكومة العالمية. وقد صدرت من الأمم المتحدة العديد من المواثيق والمعاهدات التي تهدف الى الحفاظ على حقوق الانسان وعلى البيئة والتعاون بين الدول وتخفيف حدة التوتر بينها ونزع السلاح لا سيما النووي وتثبيت مباديئ العدل والمساواة والكرامة الانسانية..الخ. اتفاقية (سيداو) أو اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أتت من باب رفع الظلم عن النساء وتتويجا لاتفاقات سابقة في المجال. والنساء من ضمن الفئات الأكثر تعرضا للظلم بسبب كثير من المفاهيم التي تؤسس لدونيتهن. برزت اتفاقية سيداو الى حيز الوجود في 1979 وتم انفاذها منذ العام 1981ومنذ ذلك الحين وقعت عليها العديد من دول العالم إذ وقعت 189 دولة من 197 بفارق 8 دول لم توقع .. من المفيد تصنيف هذه الدول بصورة أكثر تفصيلا لفهم أكبر فقد وقعت على سيداو 54 دولة اسلامية من 57، و 52 دولة افريقية من 54، 20 دولة عربية من 22. ومن الدول الاسلامية الموقعة 35 من 54 دولة صادقت على الاتفاقية بدون تحفظات. السودان من الدول التي رفضت المصادقة على سيداو بحجة مخالفتها للشريعة الاسلامية(علمت أنه كانت هناك توصية من وزارتي العدل والخارجية بالانضمام للاتفاقية من قبل النظام السابق لكن هيئة علماء السودان التابعة للنظام المباد رفضت). واليوم ترتفع الأصوات الداعية لرفض سيداو مجددا مثلما أتى في صحيفة اليوم التالي الصادرة في 27 اكتوبر تحت عنوان نساء يرفضن سيداو برغم أننا نشهد عهدا جديدا يعيد تعريف وطننا للعالم لاستعادة دوره الذي غيبه النظام المباد وقد كان للنساء قدح معلى في إحداث هذا التغييرفلا أقل من تكريمهن بحقوق مستحقة عبر قوانين وأعراف تعمل على ذلك. نقاش سيداو لا يجب أن ينطلق من أن ديننا يكرم المرأة ويعطيها حقوقها كاملة فلا حاجة بنا الى استيراد الاتفاقيات التي تعطي الحقوق، ذلك رغم بداهته لكنه يستبطن سوء نوايا تجاه حقوق النساء اذ ما معنى عدم الانضمام لاتفاقية تعطي النساء حقوقهن بحجة أن الاسلام يعطي المرأة حقوقا أكبر.. قبل التعرض لوجاهة رفض سيداو من عدمه نقوم بتلخيصها بايجاز : تتكون الاتفاقية من ديباجة و30 مادة. تتحدث الديباجة عن أنه بالرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان ينصان على المساواة التامة بين الجنسين وحق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ومع وجود العديد من الاتفاقات المعقودة بواسطة الأمم المتحدة والتي تنص كذلك على هذه المساواة إلا أننا نجد برغم هذا الكم من الصكوك لكن يمارس تمييز ضد النساء على نطاق واسع مما يشكل انتهاكا لمبدأ المساواة والكرامة الانسانية ويمثل عقبة أمام مشاركة النساء على قدم المساواة مع الرجال ويعوق نمو ورخاء المجتمع والأسرة ويزيد من صعوبات التنمية الكاملة كما تتناول الدييباجة دور النساء الهام في رفاه الأسر وفي تنمية المجتمع وهو الشيء الذي لم يتم الاعتراف به حتى اليوم على نحو كامل كما تتحدث الديباجة عن عدم جواز أن يكون الانجاب أساسا للتمييز ضد المرأة وأن يتقاسم الأبوان المسئولية في تنشئة أطفالهما كما تحث الديباجة الدول باتخاذ كافة التدابير التي تجعل كامل المساواة بين الجنسين ممكنة. مواد الاتفاقية يمكن تقسيمها الى ستة أجزاء: الجزء الأول فيه التعريفات والتدابيرو به ست مواد:من المادة 1-6 يتناول تعريفا لمصطلح التمييز ضد المرأة و الجانب التشريعي والقانوني واتخاذ كافة التدابير التي تضمن الغاء التمييز ضد المرأة بما فيها الأحكام التي تميز بين الرجل والمرأة واستبدالها بقوانين تؤكد القضاء على التمييز ضد المرأة .وأن تكون القوانين عامة للجنسين مع امكانية اتخاذ قوانين مؤقتة تميز النساء للإسراع بمساواتها بالرجل. وكذلك تغيير السلوكيات والعادات التي تؤسس على دونية أحد الجنسين والمسئولية المشتركة بين الأبوين عن تنشئة أطفالهما.اتخاذ كافة التدابير لمكافحة استغلال النساء وتسليعهن في البغاء وغيره. الجزء الثاني عن الحقوق الاسياسية وبه ثلاث مواد:7- 9 كفالة الحقوق السياسية ترشيحا وانتخابا والعمل في المجال العام للنساء من مشاركة في صياغة السياسات وتمثيل الحكومات دوليا وفي كافة المجالات وفي اكتساب حقها المساوي للرجل بالنسبة للجنسية أو تغييرها أو الاحتفاظ بها. الجزء الثالث عن حق التعليم والعمل به: خمس مواد: 10-14 كفالة حق التعليم بفرص متساوية للنساء مع الرجال في كافة المراحل والتدريب وحق المشاركة في الألعاب الرياضية والبدنية والترويحية وتشجيع التعليم المختلط، وامكانية الحصول على معلومات تساعد على كفالة صحة الأسر بما فيها الارشادات التي تتناول تنظيم الأسرة.الحق في العمل وفرصه والحرية في اختيار المهنة والمساواة في الأجر والحق في الضمان الاجتماعي والوقاية الصحية بما في ذلك حماية وظيفة الانجاب .ضرورة عدم اتخاذ الزواج والانجاب مدخلا للتمييز ضد المرأة بحظر الفصل من الخدمة بسبب الحمل والانجاب والتمييز في الفصل من العمل بسبب الحالة الزوجية، ادخال نظام اجازة الأمومة المدفوعة الأجر وتوفير الخدمات الاجتماعية المساندة لتمكين النساء من القيام بالالتزامات العائلية والتزامات العمل وتوفير حماية خاصة للنساء أثناء الحمل وتوفير الخدمات المناسبة والتغذية أثناء الحمل. ضمان نفس الحقوق في الاستحقاقات العائلية والخدمات المصرفية والاهتمام بالمرأة الريفية بذات الكيفية بما يضمن لها ما تحقق لغيرها من النساء الحضريات. الجزء الرابع حق الأهلية القانونية : به مادتين 15-16 المساواة أمام القانون وحق حرية اختيار السكن والاقامة والسفر والغاء كافة أشكال التمييز فيما يتعلق بالزواج :عقده وحرية اختيار الزوج، ويكون بكامل رضاها ونفس الحقوق أثناء الزواج وعند فسخه،نفس الحقوق والمسئوليات فيما يتعلق بأطفالهما: عدد الأطفال وتنظيم الفواصل بين الانجاب والولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم ،الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل، حقوق الملكية والتصرف في الحيازات وتحديد سن أدنى للزواج و جعل تسجيل الزواج في سجل رسمي الزاميا. الجزء الخامس عن الهيكل الاداري به ست مواد:17-22 تتعلق بالوسائل الادارية لمتابعة الاتفاقية وكيفية تكوين اللجنة الخاصة بمراقبة تنفيذ الاتفاقية ووسائل المتابعة من تقارير تقدمها الدول المنضمة لسيداو للأمم المتحدة لضمان انفاذ الاتفاقية خلال عام واحد من التوقيع عليها وتقرير آخر يقدم كل 4 سنوات يحوي تقريرا مفصلا عن وضع النساء والهيكل القانوني والسياسي ووضع المرأة في الدولة المعنية ومتابعة كل مادة من مواد الاتفاقية وما تم فيها من تقدم .كما يشتمل الجزء على اللوائح الداخلية للجنة وتنظيم اجتماعاتها ..الخ الجزء السادس والأخير عن النفاذ والتوقيع والتحفظ به ثمان مواد: 23-30 تقرر مواد هذا الجزء عدم مساسها بالتدابير والقوانين التي تكون أكثر تيسيرا لتحقيق المساواة في تشريعات الدول أو في أحكام اتفاقيات دولية نافذة كما تلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لضمان تحقيق الحقوق التي تكفلها هذه الاتفاقية للنساء وتجعل باب التوقيع عليها مفتوحا، والمواقيت التي يبدأ فيها نفاذ الاتفاقية بعد التوقيع عليها والمصادقة وايداع صك التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك امكانية طلب إعادة النظر في الاتفاقية عن طريق إشعار كتابي للأمين العام للأمم المتحدة ويتلقى الأمين العام نص التحفظات التي تبديها الدول وقت التصديق أو الانضمام ويقوم بتعميمها على جميع الدول بما لا ينزع روح الاتفاقية، وامكانية التحكيم اختياريا عند الخلاف على تفسير المواد بين الدول وفي حالة الرفض، الدول الأخرى لا تكون ملزمة تجاه الدولة التي ترفض التحكيم.مع امكانية سحب التحفظات متى شاءت الدول المتحفظة.ومراحل النزاع بين الدول حول تفسير الاتفاقية تحل عبر التفاوض ثم التحكيم الدولي وأخيرا محكمة العدل الدولية،أخيرا يقرر هذا الجزء إيداع الاتفاقية لدى الأمم المتحدة بكافة اللغات. التحفظات على سيداو: التحفظ هو إعلان كتابي يقوم لدى المصادقة أو الانضمام من دولة ما للاتفاقية وهو موقف متاح في القانون الدولي وفق موجهات إعلان فيينا 1965م الذي يحصر التحفظ في المواد التي لا تمس صلب الاتفاقية. كما تصف سيداو المادة "28- 2" التي لا تجيز التحفظ المنافي لموضوع الاتفاقية. وبالرغم من ذلك وجدت تحفظات عليها "خاصة المواد 2-7-9-15-16-29" من قبل الدول الإسلامية والعربية، والفاتيكان "لمناقضة تقاليد الكنيسة وحق الطبيعة"، والهند "القوانين الجنسية" وأمريكا التي تراها كحق من الحقوق الفردية. كما وجدت معارضات لملاحق سيداو. ومع أن مبدأ مساواة الرجال والنساء مبدأ يرد في كل مواثيق حقوق الانسان المقررة من الأمم المتحدة إلا أن هذه الحقوق الواردة عبر سيداو وجدت الكثير من التحفظات مما يجعلنا نفكر في أن تلك التحفظات بنيت أساسا على ما ركز في العقول من دونية النساء لذلك كان الرفض لاعطائهن الحقوق عبر اتفاقية خاصة بهن. أتت تحفظات بعض الدول العربية والاسلامية غير متفق عليه فيما بينها مما يدل على أن تلك التحفظات منطلقاتها شتى ومرجعيتها ليست واحدة في تفسيرها لتعليمات الاسلام. المواد المتحفظ عليها : المادة 2: تتناول مبدأ ادماج مبدأ المساواة في الدساتير الوطنية وحظر كل تمييز ضد المرأة عبر التشريعات وفرض حماية قانونية لحقوق المرأة والامتناع عن أي عمل تمييزي ضد المرأة واتخاذ جميع التدابير المناسبة من تشريعية وغيرها لابطال القائم من القوانين والأحكام الجزائية والأعراف التي تميز ضد المرأة . المادة 7: التي تتناول الحقوق السياسية للمرأة في الانتخاب والترشيح والمشاركة في صياغة السياسات وتنفيذها وفي الوظائف العامة في كل المجالات الحكومية وغير الحكومية. المادة 9: التي تتحدث عن حقوق متساوية في اكتساب الجنسية أوتغييرها أو الاحتفاظ بها وأن لا تتغير جنسية المرأة تلقائيا بالزواج ومنح النساء حقوقا مساوية للرجال فيما يتعلق بجنسية أطفالهما. المادة 15: التي تتناول المساوة أمام القانون والاعتراف بأهلية النساء القانونية وابطال الصكوك القانونية التي لا تقول بذلك وحرية الحركة والسكن والاقامة للنساء مثل الرجال. المادة 16: القضاء على التمييز بكافة التدابير في الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية لضمان نفس الحق في عقد الزواج واختيار الزوج ويكون الزواج بكامل رضاها الحر ونفس الحقوق والمسئوليات أثناء الزواج و عند فسخه ، نفس الحقوق والمسئوليات بوصفهما أبوين فيما يتعلق بالأطفال لتكون مصلحة الأطفال أولا، حرية تقرير عدد الأطفال والفاصل بين الطفل والذي يليه والحصول على الوسائل والمعلومات التي تمكنها من ذلك ، نفس الحقوق فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم ،الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل ،نفس الحقوق فيما يتعلق بالملكية وحرية التصرف في الحيازة .تحديد سن أدنى للزواج وتسجيل الزواج في سجل مدني بصورة الزامية. المادة 29: تتعلق بالتحكيم في حالة النزاع بين الدول على تفسير بنود الاتفاقية ويمكن للدول عند توقيع الاتفاقية أو الانضمام اعلان أنها غير ملزمة بالتحكيم وتكون الدول الأخرى غير ملزمة بالتحكيم تجاه الدولة المعترضة كما يمكن للدول المتجفظة على التحكيم سحب التحفظ متى شاءت بأشعار توجهه للأمين العام. في الاسبوع القادم نناقش هذه التحفظات من منطلقاتها ونقدم نموذجا اتخذه كيان ديني سوداني وسطي لدراسة الاتفاقية وما خرج به من رأي وتوصيات . وسلمتم