سيكولوجية الجماعات

 


 

 

اكمالا لما بدأناه في المقال السابق من حديث حول الجماعات وما تحدثه من تأثير في المجتمعات ، وقوفا على ما ذكره غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير ، نواصل الحديث حول الجماعات والعوامل التي تؤثر على الفرد في الانصياع للجماعة، حيث أن درجة تماسك الجماعة تزيد كلما زادت قدرة الجماعة على فرض معاييرها وقواعدها السلوكية على أفرادها ، وثانيا الإتفاق على المعايير حيث كلما زاد عدد الأفراد الممثلين لرؤي الجماعة كلما زادت قوة هذا الراي في التأثير على وجهة نظر وموقف الفرد، وتعتبر الجماعات هي المحدد الأساسي لسلوك الفرد وانضباطه فهي التي تساعد على اكتساب سلوك معين أو تعديل هذا السلوك كجماعة الأسرة والجماعة المنحرفة، والملاحظ أن للجماعات قوة تأثير واضحة في تنمية قدرات الفرد سواء الجسمية أو العقلية أو الاجتماعية، ومن العوامل المؤثرة في ديناميكية الجماعة أهدافها فكلما زاد الهدف وضوحا دعا ذلك إلى ادراك الجماعة له والعمل على تحقيقه، كما أن اتفاق الجماعة على هدف معين يزيد من تماسكها، أما الذي لا تتفق عليه فإنه يضعف من تماسكها ، وبالعودة لكتاب سيكولوجية الجماهير فقد تناول الكاتب في أحد فصوله قيادة الجماعات وطرقهم في الإقناع ، ويرى غوستاف في هؤلاء القادة أنهم ليسوا غالبا يكونوا من أهل الرأي والحصافة، لكنهم من أهل العمل والاقدام، ويراهم قليلو التبصر على أنه ليس في قدرتهم أن يكونوا بصراء، لأن التأمل يؤدي غالبا إلى الشك ثم إلى السكون ويكون عملهم على الدوام خلق الاعتقاد في النفوس (ونحن كمسلمين رأينا في تصويب الكتابات العلمية ) أن نقول يشكل أو يبني وليس يخلق لأنها صفة الخالق عز وجل، والإنسان عاجز على أن يخلق فهي صفة الخالق، اذن القيادة دورها أن تشكل الإعتقاد في النفوس ولا فرق بين أن يكون هذا الإعتقاد دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا ، وبهذا فتأثيرهم عظيم لأن الإيمان أكبر قوة في تصرف الإنسان ، وضرب في ذلك مثلا بمقولة في الانجيل ( أن الإيمان يزحزح الجبال عن مواضعها) فمن كان مؤمنا زادت قوته عشرة أمثالها، والذي قام بأكبر حوادث التاريخ أفراد من الضعفاء المؤمنين الذين لم يكن لهم من الحول إلا الإيمان،، ولنا في ديننا الاسلام أمثلة لا تحصى ولا تعد ، وبجانب آخر ذكر غوستاف أن القادة ينقسمون إلى فريقين قادة أولو عزم وإرادة قوية لكنها وقتية وذكر أمثال لهؤلاء ( ناي) و( مورات )، أما الفريق الثاني فهم ذوو إرادة ثابتة وتأثيرهم أعظم بكثير ، و ذكر أمثال هؤلاء (القديس بولس) و(كوستوفر كولومب) وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،،وهنا لابد من وقفة والإشارة إلى أنه من المشهود لغوستاف أنه أحد أشهر فلاسفة الغرب وأحد الذين امتدحوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية، ولم يسير على نهج معظم مؤرخي أوروبا حيث أنه أعتقد وأكد على وجود للحضارة الاسلامية وفضلها على العالم الغربي، واذ يشهد غوستاف لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من ذوي الإرادة الثابتة والقلة النادرة وعده مع أمثاله من بشر اخرين، ولا يعلم أنه قد أدبه الله فأحسن تأديبه وارتقى به درجات تفوق درجات البشر جميعهم، لكن ما يهمنا في ذلك أنه يمثل القائد العظيم الذي يلتف حوله الجماعة وفي تقديري من يلتفوا حوله أصبحوا مجتمعا وليسوا جماعة ودلالة ذلك حينما رأى سيدنا أبو بكر الصديق مظاهر لزعزعتهم عند انتقاله صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى ثبتهم وأعادهم إلى صوابهم حتى لا ينفرط عقد هذا المجتمع المتماسك ولو كان قائدا لجماعة لانفرط عقدها ولما كان هذا المجتمع الذي ظل طيلة هذه القرون فيه من يحملون صفة الإيمان التي تعتبر أكبر قوة في تصرف الانسان ونتفق في ذلك مع غوستاف لذلك تجد دائما المؤمن بقضية ايمانا حقا لا يكتفي بمجرد الاقتناع بها لكنه يناضل من أجلها إن كانت على المستوى الفردي أو كانت على مستوى العمل الجماعي.
إن مسألة تكوين الجماعات وإن كان يحقق لها أهدافها ، ويؤكد البعض على ضرورتها ووجوبها يظل عالقا ومرتبطا ببيئات ، هل تصلح في كل بيئة وكل تركيبة مجتمعية،،أي هل يمكن لمجتمع كالسودان بتنوعه وتعدد طوائفه أن تنجح جماعة في تحقيق ائتلاف ورتق نسيجه وضمان وحدته والقدرة عبرها على حسن ادارة هذا التنوع ؟ سؤال ينتظر مراجعات

leila.eldoow@gmail.com
////////////////////////

 

آراء