سيناريو الخروج من المأزق السياسي في السودان 

 


 

محمد تورشين
13 November, 2021

 

من المفارقات المهمة في الحياة السياسية السودانية ان الشعب السوداني استطاع بعزيمة وارادة لا تقهر اقتلاع الانظمة الشمولية التي حكمت بلادنا، بدءاً من نظام الجنرال إبراهيم عبود مروراً بحكم الجنرال جعفر نميري وانتهاءً بنظام الجنرال عمر البشير.

 ورغم ذلك لم تتمكن القوى السياسية من المحافظة على هذا الارث وتوظيف قدرات الشعب تجاه استكمال الانتقال المدني الديمقراطي.

ونعنى بالتحول المدني الديمقراطي انتاج نظام يتجاوز حالة الفشل والبؤس والفقر المعيشي والتنموي إلى رحاب العدالة والحرية والتداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان وبناء التنمية المستقلة.

أسباب الفشل:

إن فشل النخبة السياسية السودانية في إنجاز تحول ديمقراطي عبر ثلاث حقب مختلفة يعود إلى عوامل مختلفة:

 أولاً: ضعف القوى السياسية باعتبار ان الأحزاب السياسية تعاني من اختلالات واشكاليات جوهرية، حيث نجد انها ترفع شعارات مرتبطة بمبادئ النظام العالمي الجديد وهي بعيدة عن ذلك.  فهي مازالت عالقة في الأسرية والجهوية الاثنية تستخدم مؤسسات الدولة كآليات فاعلة وناجعة لخدمة مصالح وتوجهات شريحة محدودة، مما أسهم بعزوف الشباب في الانخراط في صفوف الأحزاب. كما ان هذا المشهد للفشل استشري ليشمل حركات الكفاح المسلح التي نشأت كتمرد على الواقع الحزبي المشوه.

ثانياً: دور المؤسسة العسكرية أي الجيش السوداني، والذي يتميز عن نظرائه في المنطقة العربية والافريقية، حيث إن منظومة الجيوش في المنطقة هي التي تتحكم في سياقات العملية السياسية عن طريق أبعاد حكومات وتعيين اخري واستقطاب وصنع قوي جديدة لإحكام السيطرة خلف الستار. نلاحظ ان الجيش السوداني حتى قبل قرارات 25 أكتوبر 2021 م الانقلابية ظل مخترقاً من قبل القوى السياسية واستخدم في مراحل مختلفة لتحقيق أجندة حزبية. اعتقد الآن اننا امام واقعة معقدة ومختلفة، يسعى من خلالها بعض جنرالات الجيش لتغيير طبيعته بأن يتحول إلى متحكم في العملية السياسية كما يحدث في المنطقة.

ثالثاً: الدور الخارجي والذي يتمثل في بروز مؤثرات إقليمية ودولية لديها تصورات مختلفة حول مآلات استكمال مسار الانتقال المدني الديمقراطي وانعكاس ذلك في زعزعة عروش الانظمة الملكية الخليجية والنظم الشمولية في المنطقة العربية والافريقية وكذلك التفاعلات والتقاطعات الاقتصادية مع القوى الدولية ورغبتها في احتكار السودان ودوره في نفوذها.

رابعا: ضعف القوى الفاعلة من منظمات المجتمع المدني والنقابات واستقطابها حزبيا وايدلوجيا وبذلك خسرت موقعها المستقل كلاعب في المشهد السياسي والاجتماعي السوداني.

إعادة ترتيب العملية السياسية:

انقلاب الجنرال عبد الفتاح البرهان فتح الباب أمامنا لإعادة تريب العملية السياسية وفق أطر وسياقات تستهدف بناء مؤسسات قومية بعيداً عن الاستقطاب. هذا ينبغي ان يتم بوضع افق استراتيجي لاستكمال الانتقال الديمقراطي واطّلاع كل المؤسسات والاجهزة بدورها الطبيعي وفقاً للأطر القانونية والدستورية، حيث لا يمكن لنا تحقيق حلمنا التاريخي بإقامة دولتنا الوطنية الحديثة القائمة على شعارات الثورة(حرية سلام وعدالة) الا بالتمرد على تصورات واجندة القوى السياسية وواجهاتها الحالية. ما يشجع على إعادة الترتيب هو ان الشعب قادر على ذلك، حيث نجد إن مواقف ومطالبات الشارع رامية الي إسقاط فكرة الشراكة واستكمال المسار الانتقال بحكومة مدنية خالصة بعيداً عن المحاصصات الحزبية والعسكرية، في الوقت الذي تسعى فيه بعض القوى السياسية المحلية والإقليمية والدولية إلى إعادة الأوضاع الدستورية إلى ما قبل 25 أكتوبر، أي محاصصة جديدة مع العسكر.

ان إصرار العسكريين على التفرد بالحكم من جهة، واتساع الفجوة بين النادي السياسي القديم والشارع الثوري من الجهة الأخرى، يحتم علينا التفكير خارج الصندوق بضرورة تشكيل قوي سياسية جديدة تتطابق اطروحاتها مع تطلعات الشارع الثوري وان تصبح هي المعبرة عنه والرافعة السياسية لنضالاته الثورية.

الأكاديمي متخصص في الشؤون الأفريقية

11/11/2021م


mohamedtorshin@gmail.com

 

آراء