سُقوطُ القناع ِالديني عن وجهِ الإنقاذ القبيح … بقلم: د.زاهد زيد
8 March, 2010
( فصلٌ آخر من خِداعٍ شعبٍ طيب)
خرجت الإنقاذ من تحت عباءة الدكتور الترابي الذي أدخل في الحياة السياسية مفهوم الدين وتطبيق الشريعة أو ما اسماه الخصوم بالإسلام السياسي . ولو ان الدكتور وجماعته واصلوا عملهم كما بدأوه بتربية الشباب وتهيئة المجتمع لنالوا من مكاسب الدنيا والآخرة ما لا يحلمون به .ولو أنهم أخلصوا لدعوتهم لحكموا البلد دون أن ينازعهم منازع ,والشعب السوداني متدين بطبعه وسلوكياته وأخلاقه في معظمها لا تصادم الدين ولا تتناقض معه ولكن الترابي وجماعته أغرتهم سماحة الديمقراطية الوليدة ولأنهم لم يكونوا على مستوى ما رفعوه من شعارات تعجلوا السلطة وما إن تربعوا عليها حتى ركبهم شيطان الدنيا وزين لهم ما هم فيه فأضلهم عن الحق .
كانت النوايا واضحة يوم ان وضع المتأسلمون يدهم في يد النميري وكان هذا أول خيانتهم لدعوتهم ولشعبهم , وكان من الواضح أن هذه الجماعة ماضية في التغلغل في مفاصل الدولة ولن يردعهم عن ذلك مبدأ أو خلق فلولا مصالحتهم لمايو عام1979 لمااستمرت مايو حتى 1985. كان خنوعهم وخضوعهم للمايويين مثار تندر العامة والخاصة ولم يهمهم ما كان يصفهم به الناس من الوصولية والانتهازية وحب السلطة والتكالب عليها .
كانوا يعلمون ان المايويين لا يثقون بهم وانهم لم يقبلوا بهم الا وهم في ضيق شديد , وهم بدورهم كانوا يدارونهم وينافقونهم من عرابهم الترابي وإلي أصغرهم , كانوا يزعمون في مجالسهم الخاصة بعد أن يأمنوا الرقيب أنهم يتحملون كل ذلك في سبيل الدعوة وأنهم مضطرون لذلك للحفاظ عليها وللتغلغل في اوساط الناس بحرية أكبر, بل إن عرابهم كان يقول لمن ينبهه لعدم اخلاص نميري وثلته للإسلام " من خدعنا باسم الإسلام انخدعنا له" والواقع أن العكس هو الصحيح فقد خدعوا هم الناس بالإسلام وكان أول المخدوعين النميري الذي لم ينتبه إلي ما ساقوه إليه إلا بعد فوات الأوان .
كانت الإنقاذ هي المحك الذي كشف ولايزال كيف أن الإسلام لم يكن للمتأسلمين الا قناع يتسترون خلفه والواقع أن ذلك متوقع ولم يكن صدمة الا للغافلين , فمعظم مَن انضمّ لدعوة الترابي هم من أبناء الفقراء المتدينين الذين تأسرهم شعارات التمكين والتأصيل للدين ويجرفهم تيار العاطفة الدينية دون التفكير والتروي ولكن دواخلهم تموج بنوازع الدنيا التي لايعرفون من نعيمها إلا الكد والجهد .
لا ينكر منكر أن غالبية المتأسلمين قد دخلوا بنية تمكين الدين في دنيا تكون لهم وحدهم ـ شعب الله المختارالجديد- فيفوزوا بالحسنيين . أما قياداتهم فأمرهم لايختلف إلا في كونهم أرادوا الدنيا قيادة وثروة وجاها يأتي في معية الشريعة ودولة الإسلام , لكن ما أن تمكنواحتي سقط عن الجميع ما كانوا يتسترون من قناع ان هي لله وانها ليست للجاه ولا للسلطان .لاشك في أن فهمهم للدين كجماعة فهم مغلوط يتداخل فيه الدين مع المصلحة الضيقة وقدعلمهم شيخهم الأول ان الغاية تبرر الوسيلة وغايتهم كانت الدنيا أما وسيلتهم للوصول اليها فهي الدين , لقد استخدموا الدين للنيل من خصومهم بتكفيرهم لهم ,و استخدموه لتعذيبهم و لقتلهم وسموا ذلك جهادا و استخدموه لتشريد الناس وقطع أرزاقهم واستخدموه للاثراء الحرام مستغلين موارد الدولة و استخدموه كغطاء يجعلهم فوق المساءلة والمحاسبة وباسم الدين احتكروا الوظائف لمنسوبيهم ولأهل الولاء والطاعة والمنافقين لهم دون وجه حق ولاكفاءة فتدنت الخدمة العامة لدرجة لم يسبق لها مثيل.
أن تدعي (قولا) كل فضائل الدنيا فهذا سهل وهين , اما الاختبار الحقيقي فهو في الأفعال لا الأقوال وأقوال متأسلمي الإنقاذ تناقض أفعالهم لدرجة الفضيحة والغريب انهم لا يستحون وصدق رسول الله الحياء من الإيمان .
لن نعيد أونكرر ما أصبح معلوما من أفعال متأسلمي الإنقاذ ومنكراتهم : مِن قتلٍ في دارفور وتعذيب للمعارضين وسرقتهم للمال العام , فقط تأمل أخلاق الشباب في مجتمعنا اليوم ممن نشأوا في عهد الإنقاذ , هل يمكن لمتأسلمي الإنقاذ أن يفخروا بتربيةهؤلاء الذين نشأوا خلال العشرين سنة الماضية ؟ أين قيم الإسلام السمحة التي بثها متأسلمو الإنقاذ في نفوس هؤلاء؟ أين المجتمع الاسلامي الفاضل الذي وعدونا به؟ سيكون سؤالنا بدعة لو سألناهم من منهم يعتبر قدوة إسلامية يجب ان يقتدي بها هؤلاء ؟
إن من لا تستوي أقواله مع أفعاله ليس جديرا بتولي أصغر أمور المسلمين , وكثير من متأسلمي الإنقاذ لايجدون حرجا في الكذب على الناس وعلي انفسهم ويدعون بكل استكبار ما يسمونه انجازات , فلو لم تكن في الانقاذ أي نقيصة سوى نقضهم لشعاراتهم الاسلامية لكفاهم ذلك ذلا وعارا يجللهم في الدنيا والآخرة .
أن يسرقوا أويكذبوا أو يقتلوا أو يشردوا الناس دون ان يكفوا عن ترديد أنها لله هذاهو الموجب لأن يخزيهم الله في الدنيا قبل الآخرة , فلإسلام عزيز عند خالقة عزة تحفظة من المنافقين وأدعياء التقوى والورع المفضوحين بافعالهم وبطونهم المنتفخة بقوت المحرومين.
إن من يحتج في تأيده للإنقاذ بخوفه على الشريعة , لا حجة له أمام خالق الشريعة بتمكين من فرط في أمر الدين بل إن أوجب واجبات أي مسلم أن يحمي الشريعة من هؤلاء وأن يفضح نفاقهم وأفعالهم المنفرة للناس من الدين , لِم لا يسأل هؤلاء المؤيدون أهل الإنقاذ : أين تربيتكم الإسلامية للشباب؟ أين منهجكم الإسلامي في الحكم ؟ أين محاربتكم للفساد والمفسدين ؟ أين أعمالكم القدوة للناس؟ أين ترفعكم عن عرض الحياة الدنيا؟ أين عدلكم الإسلامي في توظيف الخريجين ؟ أين شفافيتكم الإسلامية في التعامل مع المال العام؟ أين شرف الخصومة المستمد من تعاليم الدين ؟ أين الصدق والأمانة في خدمة الناس ؟
هذه الأسئلة لن تجد لها إجابات مقنعة من هؤلاء القوم لأن الواقع يقول ليس لمتأسلمي الإنقاذ مشروع لتربية الناس وإحياء قيم الدين في نفوس الناس ففاقد الشيئ لا يعطيه .وإن كان لهم شيئ من ذلك فقد دفنوه وتخلوا عنه فمن طلب الدنيا وملأت عليه سمعه وفؤاده لن يجد متسعا للدين في نفسه .
Zahd Zaid [zahdzaid@yahoo.com]