شخصيات …. حيوات ومواقف

 


 

د. أمير حمد
19 February, 2010

 

نساء حول البطل

أربع نساء انتهت حياتهن بمأساة أليمة .... ثلاثة منهن انتحرن لاكتشافهن – في نهاية المطاف – لخديعة البطل لهن , والرابعة جين موريس زوجته اغتالها  طعنا لأنها كانت  تخونه وتستفزه , وتتأبى عليه حتى بعد تزوجه بها . كانت جين موريس امرأة لا مبالية تبحث عن الموت بأي وسيلة فوجدت البطل خير من يمنحها له فقد كان هو الآخر لامبالي معتقدا في مسرح الوهم \ أكذوبة حياته إلى حد التناهي فيه فلم يميز بين دوره على خشبة مسرحه الذي أنشأه بذاته وبين الحياة الواقعية.

نقول " قد أطال التمثيل فصعب عودته إلى الواقع.

كانت شيلا غرينور إحدى ضحاياه الأربعة من مجتمع انجليزي ريفي لا يقبل الارتباط بالأجنبي لا سيما الرجل الأسود غير أن شيلا لم تكترث للمقاييس العنصرية والتعالي فاستسلمت لحبها للبطل مصطفى سعيد الذي أدرك إيمانها بمستقبل الطبقة العاملة . لم يهمه شيء – سوى أنانيته – فأغراها باستراتيجية اغراء- عطور الصندل والبخور الشرقي والعوالم الإفريقية بمكنوناتها  وصورها , فوقعت في فخ حباله " كانت تتأملني كل مرة كأنها تكتشف شيئا جديدا . تقول لي ما أروع لونك الأسود , لون السحر والغموض والأعمال الفاضحة.

أثر أن دخل الراوي غرفة البطل كان كل ملمح وصورة فيها –صور ضحاياه الأربع من النساء – يضيء ذاكرته   -كمصباح يدوي  - فيستحضر  حياة ومغامرات هؤلاء النساء مع البطل.

ما أن وضع الراوي صورة شيلا غرينود  الجميلة السابقة الذكر  , إلا وامتدت يده إلى صورة ضحية أخرى – إيزابيل سيمور – فتذكر ما رواه البطل عنها , سيدة متزوجة من جراح ناجح , قضت معه أحدى عشر عاما في حياة زوجية سعيدة فاصطادها البطل.

كانت إيزابيل سيمور مريضة بالسرطان تبحث عن السعادة بأي شكل كان حتى تنسى ألم هذا الداء العضال فوجدتها عند البطل المتمرس في الأكاذيب والوهم.

وفي المحكمة لم يشن  زوجها الجراح عداءا ضد البطل ولكنه أبدى فقط حزنه لفقد زوجته. بارحت إيزابيل سيمور مسرح الحياة تاركة رسالة اعتذار وطلب صفح من زوجها . لقد اعترفت له قبل موتها بعلاقتها بالبطل مصطفى سعيد , أما هو فزوج  صفوح  لم يثأر من البطل وإنما كان ينظر إلى الأمور بموضوعية في محكمة الأولدبيلي . كان شاهد دفاع لا اتهام ...." أما البطل مصطفى سعيد فكان يرى في كل دفاع عنه تآمر عليه ليسجن فيعذب , بدلا عن الحكم  بالموت الذي جبن من تنفيذه بنفسه منذ أن شهقت جين موريس زوجته وهو يقتلها طعنا قائلة " تعال معي .... لا تتركني لوحدي ..... كانت حياتي وقتها قد اكتملت وما من ثمة داع للبقاء.

يقول الراوي وهو يلتقط صور ضحايا البطل واحدة تلو أخرى ويتذكر مجرى الأحداث ومأساتهن " والتقط صورة في إطار من الجلد, هذه آن همند ...." كانت آن  " ابنة كولونيل من عائلة أرستقراطية تدرس الفلسفات الشرقية ومترددة  بين اعتناق الإسلام والبوذية فاصطادها البطل مغريا لها بتراث الشرق – وأشعار أبو نواس – وبغرفته المسحورة بالعطور , والتماثيل الإفريقية والخطوط العربية فأوهمها بقصص خيالية حتى أصبح الوهم حقيقة في واقعها  والعكس تماما . قلب البطل الأدوار في استراتيجية اغراءه فجعلها الخادمة وهو السيد \المستعمر " قلت لها بصوت آمر " تعالي

............. فأجابتني بصوت خفيض............ سمعا وطاعة يامولاي...

ومثلما تركت شيلا غرينود رسالة وداع لاكتشافها لحبه لها ومسرح وهمه تركت آن همند كذلك " وجدوها في شقتها في هامستد ميتة انتحارا بالغاز ورسالة تقول فيها " مستر سعيد لعنة الله عليك " هكذا كانت نهايتها حينما اكتشفت خديعة البطل لها , وخواء مسرح الوهم الذي أنشأه ومهدت له دون أن تدري معنية الأمر في  آخر مطاف..

..

كان الراوي يقلب بصره في متحف الشمع \مسرح الوهم \  غرفة            البطل

فما أن أبصر صورة شيلا غرينود , وآن همند , وايزابيل سيمور , إلا والتفتت نظراته بصورة البطل اليافع السن مع عائلة روبنسون في القاهرة

.............

 

بعد أن تمعن الراوي في  هذه الصور الشخصية   للنساء الثلاث   وعائلة روبنسون  تذكر  حسنة أرملة البطل  و حبه له.ورحيلها من الحياة منتحرة وقاتلة ل ود الريس  لواد أهل قرية ود حامد  لحريتها وتقرير مصيرها "   يقول الراوي متذكرا للبطل .".... لا يوجد عدل في الدنيا ولا اعتدال...........

وأنا أحس بالمرارة والحقد , فيعد هؤلاء الضحايا جميعا توج حياته بضحية أخرى , حسنة بنت محمود المرأة الوحيدة التي أحببتها.

 

Amir Nasir [amir.nasir@gmx.de]

 

آراء