شريكا نيفاشا بين السياسة والأعلام … بقلم: السر سيد أحمد

 


 

السر سيد أحمد
12 November, 2009

 

alsir sidahmed [asidahmed@hotmail.com]

 

 لم تكن قيادة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية محتاجة الى أجتماع طويل على أعلى المستويات لتقرر وقف الحملات الأعلامية مدخلا لأعادة ترتيب العلاقة بين الشريكين. كان يكفي فقط الألتفات الى تجربة الشراكة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والأستعانة بأحمد هارون ونائبه من الحركة الشعبية عبدالعزيز الحلو، ومالك عقار ونائبه من المؤتمر الوطني أحمد كرمنو لأعطاء دروس عملية في كيفية أدارة الشراكة ووضع لبنات يمكن البناء عليها سياسيا وأقتصاديا وأمنيا. ويكفي أن هذا المناخ نجح في فتح مناطق أمام سلطة الدولة في جنوب كردفان ظلت مقفلة بعد قرابة سنوات أربع من أنتهاء الحرب. ونجاح قيادة جنوب كردفان لم يقتصر فقط على المضي قدما بالشراكة بينهما، وأنما في التصدي حتى للخلافات التي عانت منها الحركة ودفعت بمجلس التحرير في الولاية الى حجب الثقة عن نائب الوالي وقتها دانييل كودي. ولعل هذا النجاح ما دفع القيادات في الولايتين الى التلميح وأحيانا التصريح أن يبعد الشريكان خلافاتهما عنهما.

كذلك لم تكن قيادة الشريكين محتاجة الى التصعيد قبل أن تكتشف خطورة مثل هذا المنحى، الذي أدى الى  عدم الأستفادة من تجارب سابقة كان يمكن البناء عليها، وهو ما أشرت اليه من قبل بغياب تراكم تجارب الوفاق والتعاطي الأيجابي مع القضايا مما يمكن أن يضع لبنة تشكل مع غيرها خطوات على طريق تقوية بنيان الشراكة الذي يمكن أن يتمدد ليصبح أساسا لوفاق وطني. ويمكن ذكر مثال أبيي في هذا الصدد. فطريقة تنفيذ بروتوكول أبيي عبر تقرير الخبراء ووجه بمعارضة من المؤتمر الوطني وصلت الى حد التجميد بل وأمتشاق السلاح مما زاد من المخاوف أن تصبح أبيي نقطة الأشتعال الجديدة وبروز تعبير "كشمير السودانية" وصفا لهذه الحالة التي تهدد بنسف أتفاق السلام وعودة الحرب.

لكن رغم ذلك توصل الشريكان الى خارطة طريق لحل مشكلة أبيي عبر التحكيم الدولي، وهو خيار على مرارته يبقى أفضل من ترك الأمور معلقة أو العودة الى خيار الحرب مرة أخرى. تجربة التحكيم وما أنتهت اليه وقبول الطرفين بالنتيجة والعمل على وضعها موضع التنفيذ رغم بعض العثرات كان يفترض أن يشكل أحدى هذه اللبنات التي يمكن البناء عليها، خاصة والشريكان توصلا لوحدهما الى ذلك الأتفاق ودون وساطة من أحد، رغم أن المبعوث الأمريكي وقتها ريتشارد وليامسون كان في السودان وعرض فعلا التوسط في نزاع أبيي، لكن الشريكين فضلا أتفاقا بينهما مباشرة.

ما جرى ويجري في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان والتحكيم في أبيي يشكل نموذجا عمليا للأنجاز والتحرك السياسي الرشيد، الذي لم يلعب الأعلام أي دور في تخريبه. ولهذا فالعبارة الواردة في الأتفاق الأخير بضرورة وقف الحملات الأعلامية بين الشريكين تبدوغير موفقة في تقديري من قوتين سياسيتين يفترض أن يقودا البلاد في أتجاه التحول الديمقراطي، وأول بشائر هذا التحول حق المواطنين في معرفة ما يجري في القضايا المختلف عليها وأين نقاط الأختلاف. فالأسلوب الذي أديرت به مفاوضات نيفاشا عبر التعتيم الكامل والأعلان فقط عما تم الأتفاق عليه ليس هو الأسلوب الأنجع. والنتيجة ان أحد العثرات التي تعاني منها الأتفاقية غياب هذا البعد المعرفي بتفاصيل الأتفاق وكيفية التوصل اليه.

فعبارة وقف الحملات الأعلامية من مخلفات الحرب الباردة وأرث هيمنة الدولة على الفضاء السياسي والأقتصادي والعسكري. ويكفي أن يصدر الأمر بذلك حتى تتوقف وسائل الأعلام الحكومية من اذاعة وتلفزيون وتلك التي تسيطر عليها من صحف في وقف الحملات أياها، وذلك لأن المنبع الأساسي لتلك الحملات سياسي أولا وأخيرا، ومع تغير النغمة السياسية يصبح من السهل تغيير النغمات الأعلامية.

لكن تلك ممارسة قديمة لا تستصحب معها متغيرات المشهد الأعلامي والسياسي، وتستيعد أرثا يكاد ينمحي من الوجود مع تتالي موجات العولمة والتقدم الذي يشهده ميدان الأتصالات بما يجعل المتلقي مشاركا وبأيجابية بعد أندثار خيار تلقي ما يعرض عليه فقط. فالخيارات متعددة، والدولة لم تعد تسيطر لوحدها على الفضاء الأعلامي، والمتلقي يمكنه التعليق مباشرة على ما يرى ويقرأ ويسمع ويقول رأيه في تصرفات الساسة. وهذا ما ينبغي أن ينصرف اليه هم هؤلاء في أن يتصرفوا بالحس القومي والمسؤولية تجعلهم يبنون على ما تحقق من أنجازات، كي لا تتم العودة الى نقطة البداية في كل مرة والتقدم الى الأمام في دائرة.

و لايعفي هذا بالطبع وسائل الأعلام من المسؤولية. فبنفس القدر الذي يطلب فيه من السياسيين التصرف بمسؤولية، فأن على الأعلام أعمال قواعده المهنية في التعامل مع الأخبار والتعليقات والتحقيقات. ويمكن القول بأطمئنان أن جزءا من حالة التشويش والأضطراب التي تعاني منها الساحة السياسية غياب الضوابط المهنية في التعامل مع الساسة وتصريحاتهم التي لا تنتهي. وأفضل مثال يمكن ذكره نقل تصريحات شخص ما لأنه قيادي في الحزب الفلاني رغم انه قد لا يكون عضوا في الحكومة الأتحادية أو الولائية أو في أي من البرلمانات أو المفوضيات أو من المؤسسات ذات الثقل التي تؤثر بصورة أو أخرى فيما يجري.

وهذه من نوع القضايا التي لا يحسمها ميثاق الشرف الصحافي، المفترى عليه لأنه يحمل ما لا يستطيع تحمله، وأنما تضبطها مهنية مفهومة ومعروفة من رئيس ومدير تحرير الصحيفة وتتم عبر ممارسات مستقرة. فلا يمكن نشر أي تصريح لأي شخص لأنه مثير وأنما يعتمد أمر النشر على قرب المصدر من المعلومة التي يدلي بها ووزنه من خلال الموقع الذي يحتله. وبخلاف ذلك يصبح الأمر أفتئاتا على المهنية الذي يصل الى درجة عدم المسؤولية.

التحدي أما الشريكين لا يتمثل فقط في الوصول الى أتفاق لمعالجة القضايا العالقة بينهما في الوقت الحالي، وأنما في أيجاد مناخ يسمح بالحفاظ على أهم أنجاز وهو السلام، والعمل على تحويل أتفاقهما الثنائي الى وفاق قومي. فسودان اليوم ليس في وضع نيفاشا قبل خمس سنوات. 

 

 

آراء