شعر النيل .. نيل الشعر … بقلم: محمد عثمان ابراهيم
محمد عثمان إبراهيم
23 July, 2010
23 July, 2010
هذا المقال جزء من سلسلة غير منتظمة ستحاول الإسهام- دون افتعال- في إعادة تحفيز أصحاب المعارف والخبرات المدنية ، غير الخاضعة بالضرورة إلى شهوة السياسي، للمساهمة في توسيع وتجلية مدى النظر إلى ما صنع الله من وشائج توثيقة لم ينجح رجال الدولة، والمهربون، وعملاء المخابرات وأصحاب الأموال المبيضة في التشويش عليها. ربما يحتاج مشروع طموح كهذا إلى وقت أطول وإلى جهد أكبر، لكن أن نشعل شمعة خير لنا من أن نلعن الظلام. لا تملك هذه السلسلة (هذا المقال والمقالات التي ستكتب لاحقاً، بشكل متقطع، في هذا السياق) أن تزعم لنفسها العلمية والإلتزام بالصرامة الأكاديمية، لكن ما نحن على يقين منه أنها تصدر عن محبة.
....
إلى مصطفى عبدالعزيز البطل من السودان
و هاني رسلان من مصر
أصدق من عرفت ممن يعقلون طبيعة الأشياء في وادي النيل، وممن يؤمنون بأن الصورة لا تكفي لنقل الواقع، وإن اقتناص اللآليء يستلزم غوصاً جريئاً نحو العمق.
عسى أن يكون في ثناياه ما يحفزنا جميعاً للإلتفات إلى مخزون هائل مما هو قريب من الناس، وبعيد حتماً- عن السياسة.
***
لا بد إن من يقولون بموات الشعر لم يقرأوا عالم عباس وحسن طلب، هبتى شعر النيل من جنوبه وشماله. لو قيض لنا أن نصحو كل صباح أدبي جديد على كلمات الشاعرين الفصيحات، لأيقنا تماماً أن الشعر بخير رغم تراجع نجومية الشاعر لصالح نجومية الروائي أو القاص أو غيرهما. مصر الولود والسودان مستحقان للفخر إذ حافظا على نقاء الشعر واللغة عبر المساهمات الكبيرة للشاعرين الكبيرين. صحيح أن بلدان الشام والعراق والجزائر وموريتانيا لم تكف عن إنجاب الشعراء وإنتاج القصائد المبهرة، إلا إن حسن طلب وعالم عباس في وادي النيل يكتبان كما لا يكتب أحد وكما لاينبغي لأحد أن يكتب فيما بعد. حين يلج أي من الشاعرين الكبيرين باباً من أبواب القصيد فإنهما يحملان معهما المفاتيح ويضبطان المزاليج لئلا يلج من ورائهما مشاغب.
هل يمكن لأحد أن يدخل ديواناً من الشعر مكتوب على بابه:
كتبت:/ألف../ لام../ حاء../ ثم اغفلت الباء عمداً..!/ باء: هو الباء، باء البهاء، وباء البهار، وباء البنفسج /باء هو البحر، بوابة، للبكاء، وللبوح، والباذخات من الغيم تهمي على باسقات الشجر!/ باء بعيد كما بحة الناي بعد الرحيل إلى بكة الشعر، حيث البلاغة تزهو بباء البديع وباء البيان./ هو الباء، بئر القوافي وبدر المنافي التي بارحتها الندى /باء، كباء الختام الذي يتشكل يهدي المعاني لحاء مجاور،/هو الباء، باء بوزر من البوح يسري ببهو الكلام /باء، يبلل برد الهوى ويبلل بوصلة العاشقين، بباء البنين وباء البنات!
وحاء/ يحرك حرية العشق، حاء من الحيرة المستكنة، حال الحمام / تحمى بماء النوافير في حالمات البكور/ حاء هو الحلم حين تحول من حالة الوهم، حاء الحقيقة /والحيرة المصطفاة (الباء التي أغفلت، ديوان في إنتظار الكتابة، عالم).
ماذا يا ترى ترك الشاعر لحرف الباء والحاء في كتب الآخرين؟ ربما يفوت على البعض أن يدرك لسلاسة الشعر وعذوبة الكلمات والموسيقى- أن يدرك الإستخدام المكثف لحرف واحد أو حرفين في قصيدة واحدة. هذه مقدرة هائلة لن يتأتى الظفر بها لكثيرين لكنها لا تقتصر فقط على عالم عباس وإنما تمتد أيضاً إلى حسن طلب، صاحب الديوان الأوحد في الإحتفاء بحرف الجيم (آية جيم). في مقدمة الديوان ذي القصيدة الواحدة المنقسمة هي نفسها إلى قصائد، يفصح الشاعر عن مشروعه الأبهى بكل وضوح في إشارة مكثفة ومفردات قليلة ا ليست العربية- منذ الآن- إلا لغة الجيم/ وليست الجيم إلا جماع أجروميتها)
تقول القصيدة في مقطعها الأول المعنون ( الجيم ترجح): ( الجيم تاج الأبجدية/ وهي جوهرة الهجاء../ جمانة اللهجات/ أو مرجانة الحاجات / أجرومية الهزج/ إرتجال جر بالمجتث../ هجهجة الرجز!) حتى يبلغ ( فالجيم تجربة التجاوز والتجدد/ الجيم تزويج البنفسج للزبرجد/ الجيم عسجد/ والجيم جاهزة لتسجد) وفي مقطعها الثاني (الجيم تنجح) يقول أحد المقاطع: (جيماتكم منجاتكم/ فتجهزوا لنجاتكم/ من جائحات جناتكم/ جيماتكم جِنّاتكم وجَنَاتُكم/ جيماتكم مرجاتكم خلجاتكم حجراتكم/ جيماتكم جاماتكم جرّاتكم جداتكم زوجاتكم/ فاحرنجموا بين الحِراج../ وهجّنوا جيناتكم!). منذا القادر على قول مثل هذا في مملكة الشعر؟
وحده الراحل درويش فيما قرأت- هو من اقترب من هذا الباب المعجز في جداريته الباهرة (واسمي ، إن أخطأت لفْظ اسمي/ بخمسة أحْرفي أفقيٌةِ التكوين لي :/ميم / المتيٌم والميتٌم والمتمٌم ما مضي،/ حاء / الحديقة والحبيبة ، حيرتانِ وحسرتان،/ ميم / المغامِر والمعدٌ المسْتعدٌ لموته، /الموعود منفيٌا ، مريض المشْتهي/ واو / الوداع ، الوردة الوسطي ،/ ولاء للولادة أينما وجدتْ ، ووعْد الوالدين/ دال / الدليل ، الدرب ، دمعة دارةٍ درستْ ، ودوريٌ يدلٌلني ويدْميني / وهذا الاسم لي). فيما عدا ذلك فإن الباب مغلق إلا من مدخل آخر يطل منه الشاعر الجزائري عبدالله عيسى لحيلح لكن الإحتفاء الآن بإسهام النيل في ملكوت ومجد الشعر فعسى أن يتيسر لنا ان نقرأ لحيلح في مناسبة اخرى وهو قمين بالقراءة وجدير بالإحتفاء.
***
طِلِب (وتقرأ بكسر الطاء واللام) وعالم عباس من جيل متقارب فقد ولدا في الأربعينيات من القرن الماضي ونشآ في الريف كل لعائلة ذات قدم راسخ في علوم الدين واللغة وبرعا في كتابة الشعر في وقت باكر من سنوات العمر وحظيا بالفوز بجوائز ذات قيمة أدبية رفيعة وكلاهما جعل بينه وبين بلاط السلطان حائطاً من الزجاج فلم يمالئا أحداً ولم يتكسبا من بديع ما وهبهما الله من قدرة لم تتأت لغيرهما. ظل حسن طلب بعيداً جداً عن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في بلاده حتى رأيناه لأول مرة في قناة دريم مع منى الشاذلي وكذلك ظل عالم عباس حتى فتح الله على فضائياتنا فاحتفت به بميزان.
ولد الشاعر حسن علي طِلِب في مدينة سوهاج في الصعيد العام 1944م ومن يعرف الجيم السوهاجية لا بد مدرك لشغف الشاعر بالجيم كلها. تخرج في كلية الآداب، جامعة القاهرة، العام 1968 ثم حصل على الماجستير والدكتوراة فى الفلسفة وعمل أستاذاً للفلسفة وعلم الجمال. كان أحد مؤسسي لجماعة الإضاءة للشعر. نال جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب و جائزة كافافيس وجائزة السلطان قابوس للإبداع الثقافي. نشر العديد من الدواوين الشعرية وكتابات في الفلسفة وعلم الجمال.
في الفاشر عاصمة سلطنة دارفور وبعد اربع سنوات من ميلاد طِلِب في سوهاج، ولد الشاعر عالم عباس محمد نور العام 1948 . درس وتخرج في جامعة أم درمان الإسلامية 1972، حصل على جائزة الشعر الأولى للشباب العام 1973م ووسام الدولة للآداب والفنون 1979 م. يترأس حالياً إتحاد الكتاب والأدباء السودانيين ويكافح مع قلة من كبار المبدعين من أجل الحفاظ على إستقلالية الإتحاد وإبقاء ولائه نقياً لأجل الكتابة والأدب. عاش مغترباً لأكثر من عقدين ونشر العديد من الدواوين الشعرية والكتابات النثرية.
***
يكاد الشاعران حسن طلب وعالم عباس يقتسمان القصيدة الواحدة في مائدة الشعر الباذخة فالمفردات تتشابه في كثير من قصائدهما والأغراض تتوافق والموسيقى تتناغم والأوزان تعمل على إيقاعات متوائمة. منذ سنوات أقرأ القصيدة لأحدهما فأكاد أن أقول إن سمعت صداها عند الآخر.
في قصيدة (أنا.. أنت) من ديوان وشم على نهدي فتاة والذي صدر لاحقاً بعنوان (الوشم) يقول طلب:
(لم يزل ينفخ في صور القيامهْ /ممسكاً في كفه اليسرى حمامهْ / وعلى الوجه ابتسامهْ / وتباشير شهامهْ / وعلى الرأس عمامهْ / تكسب المرء بهاءً. ووسامهْ /وسماط العز ممدود أمامهْ)
وفي مطلع القصيدة الطويلة التي صدرت لوحدها في ديوان (ماريا وأمبوي ) يقول عالم :(أجيئك في المسا المخضل بالرعشات / محمولاً على جنح الوسامة / هذا زمانك / أن تظل حبيس من تهوى / وبينكما علامة / أن تنبضا وجداً وتحراقاً ومسغبة / تمد جذورها، عمقاً، إلى يوم القيامة)
لكأن الشاعرين يعبان من كأس نبيذ شعري مشترك.
***
لا يخفى في قصائد الشاعرين أثر المفردة القرآنية وأوزان الآيات القرآنية والقرآن صاحب معجزة اللغة العربية أحق بالإتباع وأحكم لقياس الفصاحة. في غالب قصائد الشاعرين نفس من القرآن وظل من ظلال لغته الساحرة. في السودان حيث المناخ الإجتماعي أكثر تسامحاً وحيث الساحة الأدبية أكثر أريحية وأبعد عن حكايات التنافس غير الشريف، لم يفتعل أحد مشكلة ضد شاعر أو كاتب بدعوى الإقتباس من القرآن. لم ينصب أحد نفسه حارساً على بوابة الألفاظ القرآنية الشريفة يسمح بتداولها لمن يشاء ويرفض منحها لمن يشاء. هكذا كان تلقي القصيدة الشعرية في جنوب الوادي وهكذا أتيح لنا أن نتلقى قصائد مثل قصيدة (شيء من حتى) التي نشرت في ديوانين للشاعر : (بخ بخ يا حبيب / بالزيارات طيفاً،/ واللقاءات خوفا، /والرسالات حرفاً فحرفا، / وبالشوق ما يرتوي، / وبالهم ما يرعوي، / وبورد الكلام / وجمر الملام / ودمع الغمام / وجهد الأوام /ومرِ السقام./ وبالنازفات من الجرح نزفا / والمثيرات الزوابع / عصفاً وقصفا / وبالناسفات الأضالع نسفاً / والمذيقات بطشاً وخسفاً / لقلبي.)
وفي ديوان (أوراق شوق للخرطوم) وضع الشاعر بين الغلافين قصيدة بعنوان (آيات عشر من سورة العشق والنوى) وفي (في انتظار الكتابة) نقرأ قصيدة أخرى بعنوان (هي يونس قلبي في اليم، وعيناها شجر اليقطين) وفي نفس الديوان نقرأ في قصيدة (أحبك ما أحبك فاستريحي): ( أضأت، / كأن مصباحاً / بصدري، / على مشكاة قلب / من صفيح / توقد زيته / شلال نور، فيا عجبي / من الضوء السفوح / سأغفر ما حييت / إليك قتلي ، / فأنت / محجة القلب الصفوح) ترى هل بي حاجة لإحالة القاريء إلى الآية (35) من سورة النور لنرى من أين تم اقتباس المعنى البديع؟
لكن حسن طلب كان أقل حظاً من عالم عباس في مناسبة واحدة فقط حين تم جمع جميع نسخ ديوان (آية جيم) فور صدوره العام 1992/ بالرغم من أن الديوان صادر عن الهيئة العامة للكتاب التابعة لوزارة الثقافة. لم تستند تلك المصادرة على أي قانون أو قرار رسمي وإنما تكفلت جهة غامضة بإصدار وتنفيذ القرار دون أن تكلّف نفسها بتقديم أي مبرر أو مسوغات. يحدث هذا دائماً حين يناط بجهات غير مؤهلة القيام بأمور تتطلب معارف ومهارات ذات طابع خاص. حال الخرطوم من بعض حال القاهرة، فمنذ أسبوعين او اكثر منعت السلطات نشر أبيات شعر إستشهد بها الكاتب المعروف مصطفى عبدالعزيز البطل في إحدى مقالاته. لم يتأت لمن أصدر القرار تحصيل ما يكفي من القصائد والشعر ليدرك أن الأبيات الممنوعة كانت من قصيدة ذائعة في السودان نشرت في ديوان متاح للجميع وكان غرضها الرثاء ليس إلا، لا علينا!
***
بعد سبعة عشر عاماً من صدوره الأول، أصدرت دار التلاقي للكتاب ديوان (آية جيم) مرة أخرى وأقامت حفل توقيع محضور للنسخ الأولى من الديوان أمته وسائل إعلام مختلفة وفضائيات كثيرة جاءت لتنقل في سخرية إعادة إصدار الديوان دون ان يأبه به أحد! السبب بسيط لقد قال الشاعر حسن طلب كلاماً أكثر إيلاماً في نقده للمؤسسة الحاكمة. في بطشها الأول منعت السلطات الديوان بسبب الجملة التي يستهل ويختتم بها قصائده والتي تقول (أعوذ بالشعب من السلطان الغشيم) أخفى من منع القرار الأسباب السياسية وجعلوا الشارع يرجم بالغيب أن لا بد إن في الديوان ما يمس الدين ولم يكن ذلك صحيحاً. كانت خاتمة الديوان التي جرت على اقتباس الوزن القرآني تقول : ( أعوذ بالشعب من السلطان الغشيم / باسم الجيم ، والجنة والجحيم ومجتمع النجوم/ إنكم اليوم ستفاجأون/ كم وددتم لو ترجأون/ غلى يوم لا جيم فيه ولا جيوم/ فإذا جد الهجوم/ فأجهشت الجسوم فسجرت الجيم وما أدراك ما الجيم/.../ قل يا أيها المجرمون / إنكم يومئذ لفي وجوم/ تستنجدون فلا تنجدون/ وقل يا أيها الراجون / إنكم يومئذ الناجون...)
***
مثل هذا النقد لم يعد يؤلم السلطة في مصر فقد حدث تطور كبير في المجتمع ولم يعد بوسع الدولة وأجهزتها كبت حرية النشر والتعبير إلى الأبد. تغاضت السلطات في البداية عن بعض متنفسات النقد من أجل تحقيق مكاسب سياسية لصالح النخبة الحاكمة تتمثل في إعادة ترتيب هيكل القيادة العليا، ثم اعتاد الناس على حرية الصحافة. لا يمكن بالطبع للدولة إعادة عقارب الزمن للوراء وهكذا لم يكن في مقدورها منع قصيدة شهيرة لحسن طلب موجهة بشكل مباشر إلى شخص الرئيس يهنئه فيها -ساخراً- بالفوز في الإنتخابات الرئاسية لكن بلاد الادباء مصر الآن أكثر احتمالاً للشعر وللشعراء ولم تعد تضيق بالتقريع المخبوء في بنيان الكلام.
في ديوانه قبل الأخير(هذه كربلاء وأنا لست الحسين ) وهي قصيدة طويلة نشرت بالعربية والفرنسية عن مأساة الحرب الأمريكية على العراق تجد المفردات القرآنية حاضرة بشكل مكثف : (أشهد اني قرأت في كتاب الشهداء:/ أنه من يخف الوحش-على حيطته / -يبطش به / وأنه من يسم الوحش على الخرطوم : / يتسم!/ ... / أشهد أن ليس على الصائم / إلا ما نوى/ وليس للآكل إلا ما هضم)
***
ليس بوسع هذا المقال الإحاطة أو حتى تقديم الإشارات الكافية إلى حيث نبع الشعر الذي يستقي منه الشاعران الكبيران، لكن يصعب وضع نقطة على نهاية السطر دون أن نشير إلى شغف حسن طلب وعالم عباس بالإشتغال على المفردات وتطويعها وترويضها لتكون صالحة للتشكل اللدن ضمن سياق القصيدة. في قصيدته (زبرجدة الخازباز) المنشورة ضمن ديوان (زمان الزبرجد) يقول طلب: ( ما لم يكن سيصح صحَ / ولم يكن سيجوز جاز: / يبس السحاب / تبخر القاموس / كيف إذن سيحيا الإنقليس؟ / وكيف يفك من إسار المرمريس الخازباز؟ / حتى يقول: / الخازباز يكاد من فزع يموت / من القمحدوة اقشعر إلى الجعري / واستبد به الحزاز)
وتحفل القصيدة الزينية ذات القافية العصية بمفردات مثل الخازباز وهي حشرة الحدائق وعشرات الكلمات من غريب اللغة نحو القطرب والحباحب والعكاشة والرتيلى والقرلي واليعفور وعطبرة وكردفان )
لكن عالم عباس يكشف عن قصيدة أشبه بهذه القصيدة من حيث احتفائها بالمفردات ذات التضاريس الناتئة وهي تتحول إلى أنغام سلسة ذات ملمس ناعم كما في قصيدة (سوميت بنات درجيل) من ديوان (أوراق شوق للخرطوم) التي نقرأ منها : (وإذا شعري غابات من التنضب والكتر/ وحميض الجبال / صرت مغبراً كما السهل الذي ما بين سنار وكوستي / فإذا امتد الأصيل / صرت محمراً كسيقان من الطلح اليبيس / ضئت (كالإبريز) من نال نيالا / أو كقمح البيدر المهجور في تلٍ بليب / عسجدياً مثلما امتص عصير الشمس قش من بياض / عوسجياً مثل وديان الحراز)
وتضم القصيدة مفردات من غريب الكلام بالنسبة للأذن العربية رغم تداولها في بقاع السودان المختلفة نحو الحميض والعويش والشاف والطلح والهبيل والهجوري والدلاليك والرحط والسكسك والسوميت.
***
إلى رجال الأعمال الذين يدفعون الملايين من الدولارات في شراء توقيعات لاعبي كرة القدم الناجحين منهم والفاشلين، لا أحد يريد منك أموالكم فقط انشئوا لنا دوراً للنشر رابحة تطبع لشعرائنا الكبار من لدن عالم عباس وصحبه، فتثرَى أرواحنا، ويغنَى وجداننا، وتلتئم شقاق الخاطر فينا. إطبعوا 20 ألف نسخة من ديوان واحد لعالم عباس وبيعوا النسخة بعشرة جنيهات تجدون أنفسكم من الرابحين. قدموا دعوات من دور نشركم الرابحة التي اقترحنا لشعراء مثل حسن طلب ليقيموا أمسيات شعرية تكسب بها الخرطوم مكانة في ساحة الأدب بعد أن احتل اسمها كل أرفف المكتبات المعنية بالحرب والجوع والموت والرصاص. يا حكومة السودان إلغوا دعوة واحدة لأي مبعوث أممي أو غربي وكرموا الشعر في الخرطوم وسترون أوردة المدينة تدب فيها الروح وشرايينها تغرورق بالنشوة.
* لا حاجة للقول بأن ترتيب الأسماء في العنوان لا يعبر عن أي موقف نقدي، وقد فرضته موسيقى الاسمين فقط لا غير.