شفافية الاختيار للوظائف القيادية

 


 

د. صديق أمبده
15 December, 2019

 

 

أحد خزايا نظام الانقاذ الاساسية هو هدمه لأسس الاختيار والعمل بالخدمة المدنية ومسحه للذاكرة المؤسسية للوزارات والمؤسسات وطرق العمل بها. إن وجود خدمة مدنية محايدة في أدائها لعملها ومجوده له باختيار الأكفاء من المرشحين للوظائف وعدم استهدافهم سياسيا هو أحد أهم متطلبات التقدم بخطي ثابته نحو تحقيق النمو والرفاهية لأي شعب. كان هوس الانقاذ هو الاستيلاء علي الدولة ومواردها ووظائفها ولذلك كان همها تقسيم الغنيمة بتوزيع الوظائف لمنسوبيها دون مراعاة لمقدراتهم أو للهدف الاسمي من وجود المؤسسة نفسها. لا أحد يريد أن يكرر تجربة شبيهة بالطبع ولكن لا بأس من التذكير.

بعد ذهاب الجنوب (انفصالا أو استقلالا) التقيت صدفة بأحد أعضاء مفوضية الخدمة المدنية (الاستاذ حمدنالله) التي تكونت في أعقاب أتفاقية السلام الشامل مع الجنوب 2005 واتفاقية سلام دارفور 2006. كان الغرض من تكوين المفوضية هو تسكين بعض المؤهلين من مواطني الهامش الذين رفع بعضهم السلاح كوسيلة لرفع المظالم التأريخية التي طالت مناطقهم فيما يختص بالتقسيم العادل للسلطة والثروة. قال العضو أ نه وبعد أن هدأ ضجيج الاحتفالات وتكونت المفوضية أتي اليهم في مقر المفوضية شخصان من رئاسة الجمهورية، كل منهما بدرجة وزير حسب قوله وقالا للمسؤلين عنها عليهم فقط بمعالجة أمور الجنوبيين (والا يشتغلوا بأي جهة أخري). كان ذلك هو ديدن الانقاذ. التوقيع علي الاتقاقيات والمواثيق وبشهود اقليميين ودوليين ثم التنصل عن التزاماتها.

جذور الحرب الأهلية المتطاولة هي المظالم التأريخية المؤدية للصراع ، وقد تم أختصارها في موضوعي عدم المشاركة العادلة في السلطة (وهي ليست وزارات هامشية فقط)، والثروة معرفة هنا بموارد الدولة ومشروعاتها التنموية وخدماتها ووظائفها حيث سلطة اتخاذ القرار وذلك منذ الاستقلال. الثورتين الماضيتين ذهبتا ولم يتغير الحال والحكومات المتعاقبة عسكرية ومدنية وانتقالية اتت وذهبت ولم يتغير الحال. بقيت المظالم وتقاقمت في عهد الانقاذ بالبراميل الحارقة والقتل بالجملة. كان أحد هتافات الثورة الملهمة هو "يا العنصري المغرور كل البلد دارفور" وقد كان بلسما لشفاء كثير مما علق بالنفوس وأعاد الثقة للجميع بأن الوطن واحد "تعال معاك كفنك يا إنت يا وطنك". يجب ألا نخذل هذا الشباب المدهش الذي أعاد لنا جميعا الثقة في أن الوطن كما هولم تشوهه أيدي البغي والغالبية الغالبة من أهليه بخير.

فيما يختص بملء المواقع الوظيفية التي يتقرر إخلاؤها أري من المهم مراعاة استقرار الخدمة المدنية (مستقبلا) والبدء في رد المظالم بالحساسية الثورية ودون انتظار مقررات مفاوضات السلام . في رأي حق الشهداء علينا ليس فقط البحث عن المجرمين والمتورطين في قتلهم ومحاكمتهم وإنما في إجتثاث جذور الصراع ورد المظالم ووضع اللبنات الاولي لاستقرار السودان. إذا أرادت قيادات ق ح ت أن تحمي الثورة علي المدي المتوسط والطويل وتجنب السودان إخفاقات جديدة ناتجة عن عدم حساسية أهل المدن والمركز تجاه مواطنيهم البعيدين في الاستئثار بثمار التغيير،عليها بلجانها و أن توقف تطلعات شلل الافندية (نساءا ورجالا) ونهمهم وتكالبهم علي الوظائف.
لتحاشي أي عدم استقرار وظيفي مستقبلي في الخدمة المدنية يتمثل في إقتلاع حكومة قادمة لمن تم تعيينهم في الفترة الانتقالية بدعوي أنها نتيجة محاصصات حزبية أو نتجت عن توصيات شلل بعينها وليس علي أسس واضحة أو أي دعاوي أخري الافضل وضع معايير الاختيار لأي منصب قيادي في أي وزارة أو مصلحة و تكوين لجان إختيار تطعم بأشخاص من خارج الجهة المعنية مشهود لهم بالدراية والنزاهة والالتزام تخضع المرشحين لمعاينات وتقوم بترتيبهم حسب الافضلية مع الاعتبار للتمييز الايجابي للقادمين من المناطق الاقل حظوة. شيئ أخر ذو علاقة بما سبق وهو أن بعض لجان قحت من موظفي الدولة كما قيل اتخذت لها مكاتب في الوزارات والمصالح فإن صح ذلك فهو خطأ يجب أن يصحح باسرع ما يمكن. يجب الا يمارس أي نوع من النشاط السياسي أو النقابي أثناء يوم العمل الرسمي. اللجان دورها هام في الحفاظ علي مسار الثورة ولكن الاوطان لا تبني بالاجتماعات والكلام. الأمل أن يكون السلوك الثوري هو الهادي والدليل قوموا بأعمال حماية الثورة في أوقاتكم الخاصة. "سدوا الفرقة" لكن ما تغلطوا.

صديق امبده
13 ديسمبر 2019

sumbadda@gmail.com

 

آراء