شقيق البلخي … الامام الزاهد

 


 

 

"إن وجدنا آثرنا، وإن لم نجد شكرنا"
• علي كرزازي/ المغرب
هو أبو علي الأزدي شقيق بن إبراهيم من بلخ أحد أشهر مشايخ خراسان ، تتلمذ على يد إبراهيم بن أدهم وأخذ عنه الطريقة مثلما أفاد من غيره من علماء عصره كعباد بن كثير وكثير بن عبد الله الأبلي. ومن أبرز تلامذته حاتم بن الأصم ، الذي عمّق بمعيته فلسفة الزهد والنقاء الروحي وقصتهما عن المسائل الثمانية مشهورة .
يرجع سبب توبته إلى أنه كان من أبناء الأغنياء الموسرين فخرج للتجارة في أرض الترك وهو شاب فدخل بيتاً للأصنام، فرأَى خادماً فيه قد حلق رأسه ولحيته، ولبس ثياباً أُرجوانية فقال شقيق للخادم " إنَّ لك صانعاً حيًّا ، عالماً ، قادراً ، فاعبده.. ولا تعبد هذه الأصنام التي لا تضر ُّولا تنفع " فقال له الخادم : " إن كان كما تقول ، فهو قادر على أَن يرزقك ببلدك ، فلم تعنَّيت إلى هاهنا للتجارة ؟ " فانتبه شقيق.. وانخرط في طريق الزهد.
عرف شقيق بكثرة النفقة في سبيل الله ، وعُدّ من كبار المجاهدين المنافحين عن الإسلام، وبحسب كتب التاريخ الصوفي يعتبر هذا الصفي العارف أول من تكلم في علم الأحوال (عبد الرحمن السلمي: طبقات الصوفية)، وله رسالة في آداب العبادات حدد فيها منازل السالكين في درب العروج إلى الله وسمّاها ب "منازل أهل الصدق". ومقام الصدق هذا كان هو المعيار الذي استند إليه شقيق في التمييز بين الناس إذ قسمهم إلى فئتين : فئة أهل الرياء النفاق وفئة أهل الصدق ، وإذا كانت كل منهما تدعي التدين فإن الأولى كاذبة والأخرى صادقة ، وعليه تتحدد منازل أهل الصدق عنده في أربعة منازل هي: الزهد، الخوف، الشوق إلى الجنة ومحبة الله. وهذه الأخيرة (محبة الله) هي أشرف المنازل وأرفعها وعنها يقول شقيق :
«فإذا صيّره (يقصد المؤمن الصادق التقي) الله إلى هذه المنزلة كان في قلبه نور المحبة، فغلب عليه من غير أن يكون فارقه نور الزهد والخوف والشوق إلى الجنة ».
عديدة هي الحكايات التي تعكس حقيقة التصوف الزهدي لدى شقيق ، من ذلك مثلا وصيته لهارون الشريد إذ يقول: «[..] إن لله دارا تعرف بجهنم وإنه جعلك بواب تلك الدار وأعطاك ثلاثة أشياء لترد عباده عنها : أعطاك بين المال والسوط والسيف وأمرك أن تمنع الخلق من دخول النار بهذه الثلاثة ، فمن جاءك محتاجا إلى طعام حلال فلا تمنعه حقه في بين المال حتى لا يسرق ويقتل، ومن خالف أمر دينه تعالى وخرج على حدود الله فأدبه بالسوط ، ومن قتل نفسا بغير حق فاقتله بالسيف بإذن ولي المقتول ، فإن لم تفعل ما أمرك الله – تعالى- فأنت تكون الغريم لأهل النار والمتقدم إلى أهل البوار.فقال له الرشيد : زدنا فقال له شقيق: يا أمير المؤمنين مثلك مثل معين الماء ومثل سائر العلماء كمثل السواقي ، وإذا كان المعين كدرا لا ينفع صفاء السواقي ، فبكى هارون الرشيد من قوله وأمر له بمال ، أبى أن يأخذه وتركه وانصرف ».
ما نفيده من هذه الحكاية هو أن الصوفي لم يكن انعزاليا أو سلبيا – كما يظن البعض - بل كان يصدر عن رؤية مخصوصة مستمدة من ذلك النبع الصافي للشرع الإسلامي، الذي رسم حدود العلائق بين الإنسان وذاته وبين الإنسان وربه ، كما بيّن علاقة الحاكم والمحكوم والساسة والرعية ذلك ما يؤكد عليه شقيق في أكثر من مناسبة، يقول «لو أن رجلا عاش مائتي سنة لا يعرف هذه الأربعة لم ينج: معرفة الله ، ومعرفة النفس، ومعرفة أمر الله ونهيه، ومعرفة عدو الله وعدو النفس ».
عديدة هي مناقب شقيق البلخي التي ترسم صورة سنيّة لرجل تقيّ آثر أن يكون الله سنده ومعتمده في المبتدى والمنتهى و من أشهر أقواله رضي الله عنه:
- " التوكل أن يطمئن قلبك بموعود الله"
- " الثقة بالله هي أن لا تسعى في طمع ، ولا تتكلم في طمع ، ولا ترجو دون الله سواه، ولا تخاف دون الله سواه ، ولا تخشى من شيء سواه ، ولا يحرك من جوارحك شيء دون الله "
اكتمل نسك شقيق بنيله شرف الاستشهاد في سبيل الله، كان ذلك في غزوة كولان سنة 194هـ.رحم الله هذا الصوفي الشهيد وأدخله فسيح الجنان.

ورقة تعريفية
*الاسم: علي كرزازي
*من مواليد: 1967م
* الجنسية: مغربي
*حاصل على دكتوراه في الآداب سنة2010 في موضوع:" شعرية الاغتراب الصوفي بالأندلس: ابن عربي نموذجا"
*له:
- كتاب نقدي موسوم بعنوان:" الاغتراب الصوفي الأندلسي")نشر ورقي)
- كتاب:" درر التصوف الإسلامي" (نشر الكتروني)
- كتاب:" القدس مزود الحلم والشجن"( نشر الكتروني)
- عدة مقالات نقدية أدبية منشورة بالمجلات المحكمة والمواقع الالكترونية.
- فائز ببعض جوائز الشعر بالمغرب
* معد لبرامج إذاعية ثقافية
* عضو لجنة اللجنة الموسعة لأكاديمية المملكة المغربية المشرفة على جمع دواوين معلمة الملحون.
* كاتب رأي ببعض الجرائد والمواقع الالكترونية
• المحمول:068470453600212
• الايميل:kkarzali@gmail.com
• العنوان:226 مرجان4 مكناس50000 المغرب

 

آراء