شوقى أنا للبلد بى حالا والشوق لى تراب أهلى … بقلم: احلام اسماعيل حسن

 


 

 

 

 

 

 

(11)

 

 

 

- فى إطلالة هذا الصباح المشرق بينما كنت أجلس على هضبة مرتفعة أراقب شمس ذلك الصباح وهى ترسل أشعتها الذهبية من خلال أشجار النخيل لتملأ الأرض نوراً فتختلط الخضرة بالذهب بزرقة النيل فترسم لوحة يستحيل لبشر أن يجسدها .. فسبحان الله خالق كل شىء ...يحملنى إليكم مركب الشوق إلى أرض الزومة الحبيبة وسط النخيل والجروف ... ذكريات تخللت مساماتى فجرى عشقى لها ولأهلها مجرى الدم ..... أحببتهم بقدر محبتهم لأبى إسماعيل .... تنسمت طيبتهم .... رضعت من صدقهم .... تشربت وفائهم ....

_ طلب منى أبى أن أستعد لزيارة الأهل بمسقط رأسه فى قرية (البار) .... ففرحت كثيرا واستعديت مع شقيقتى أمانى وصويحباتى اللآتى تعرفت عليهن أبان فترة زيارتى لمرافقة الوالد ... توجهنا إلى قرية مقاشى التى إستقبلتنا بكل فرح وكرم ولقد سعدت أيما سعادة عندما رأيت كل هؤلاء النفر يتدافعون نحو أبى وبالطبع ينالنا الكثير من الترحاب والملاطفة عندما يعرفون أننا أبناء إسماعيل .... ولقد أصروا علينا للمكوث معهم لفترة أطول إلا أن ضيق الزمن لم يمكننا سوى ساعات معدوده تحرك ركبنا بعدها إلى الأراك حيث كان الناس يصطفون على جانبى الطريق تعبيراً عن فرحتهم بنا .... بدأنا زيارتنا للأراك بزيارة للشيخ الوقور (شيخ أحمد) ذلك الشيخ الذى يكسو وجهه الصلاح ونور القران يضىء محياه .... تشعر بالهيبة وأنت تدخل عليه ...ما زلت أذكر كيف أن شيخ أحمد قد قرّبنى منه وقرأ بعض الآيات وهو ممسك برأسى ومن ثمّ دعى الله أن يحفظنى ويبارك لى وزاد على ذلك بأن أهدانى (علبة حلاوة كبيرة) إحتضنتها بكل فرح تبركاً بهذا المكان الطاهر الذى يــُــتلى فيه كتاب الله ليل نهار ويلجأ إليه كثير من المريدين للتفقه فى دينهم والسؤال عن ما يقابلهم من أحداث يريدون معرفة رأى الشرع فيها فشيخ أحمد هو مرجعهم وشيخهم الذى يستمع إلي مشاكلهم ويفتيهم بطريقة لا غلو فيها متلمساً أبسط الطرق فى شرحها لهم بكل لين وطيب خاطر مما جعله قبلة لأهل القرى المجاورة ... رحم الله شيخ أحمد وأنزل الرحمات على قبره وجعل أعماله ثقلا لميزان حسناته فقد رحل عن هذه الفانية فبكيته لأنى أحببته ....

_ بعد ساعات قضيناها بالأراك توجهنا لقرية البرصة الخضراء وهاهى تخرج لأستقبالنا وعلى رأس مستقبلينا وقف الشيخ العجيمى مرحباً بمقدمنا فصحبناه إلى مسيده حيث نار القران وحيث تتنزل البركات ويتدافع الأحباب وبعد واجب الضيافة والدعوات إنتحى أبى بالشيخ العجيمى ودار بينهما حوار لم نتبين فحواه لكنى رأيت علامات الإرتياح تظلل وجه أبى فاستبشرت خيراً بعدها رفع شيخ العجيمى يده داعياً لنا جميعاً وخص أبى بدعوات أن يوفقه الله فى مسعاه .... خرجنا من المسيد لزيارة بعض الأسر التى لا يسمح ظرف أفرادها لكبر سنهم أو لمرض أقعدهم من الحركة فكان لزاماً علينا من الوصول إليهم براً بهم ووصلاً للرحم ...

بعد ذلك توجه ركبنا إلى قرية البار حيث البيت الكبير .... تهلل وجه أبى فرحاً وإنتابته حالة فرح طفولى فرفع يديه بالشــُكر لله أن أعاده لبيته وصاح (يا بنياتى أنا ولدونى فى البيت ده )... كنت أقف بجانب أبى .... سرحت مع فرحته التى حملتنى إلى زمن مضى إستعرضته خيالاً .... تخيلت أبى طفلا يلعب على كثبان الرمال البيضاء .... يخطو أولى خطواته وسط أهلنا الطيبين يتشبع بجمال الطبيعة الخلاب يستمد منه الإحساس المرهف وينتقى الكلمة الشفيفة التى تلامس القلوب ..... هذه الطبيعة التى تنقى النفوس وتضيف عليها صفاءاً تتساقط أمامه الضغائن ويختفى عند مقامه الحسد .... سرحت مع صفاء نيلنا وخضرة نخيلنا وشموخ أشجاره التى تجعل النفوس تسمو والحب يصفو ...

__ رغم أن جدتى لأبى (حد الزين ) كانت قد إنتقلت للرفيق الأعلى (عليها الرحمة) إلا أن أبى أصر على دخول المنزل مستصحباً معه بره بأمه وكل ذكريات طفولته فكان أبى عند دخوله للحوش الكبير غير إسماعيل الذى أعرفه .... خـيل لى أن صورة شخص آخر قد تقمصته ..صار يجول فى المنزل بحركة عشوائية دون ترتيب يوزع نظرات مبعثرة بين زمنين جرى بينهما تغيير كبير وانتقل خلاله الطفل القروى إلى أب يسكن المدن ويملأ صيته الدُنا ... لكن كل ذلك لم يغير طبيعة أبى المتواضعة البسيطة التى تعيش وسط الغلابا تستنشق مشاكلهم وتبثهم كلمات الريده التى تعبر عن دواخلهم سهلا ممتنعاً ... سألت أبى عن المبنى الذى نحن بداخله فقال لى يا بنيتى هنا ولدت أجمل قصائدى وحتى القصائد التى كتبتها وأنا بعيد عن هذا المكان جسداً كنت أصحبه معى روحا ..... لولا هذا المكان لما كان إسماعيل .... أما هذا المكان الذى أقف فيه الآن بالتحديد فهو الديوان الديمة مفروش

....

 

 

الصغيرة شجيرة الأراك

ياقمر عشرة الفي سماك

شاغلة روحي وقلبي المعاك

وين لقيتك لامن آباك

القمر بوبا عليك تقيل

................

العيون الما بدمعن

نامن أو صاحيات يبرقن

لا بصيدن لا بعشقن

سرهن في الجوف يحرقن

كشفن رموشن أو غمضن

كلو موت ما تقول برحمن

القمر بوبا عليك تقيل

...............

الصغيرون الما كبير

الرقيبة قزازة عصير

السنون براقن يشيل

العيون متل الفناجيل

مابتحش قش التناقير

مابتشيل جردل على الزير

الزراق فوقا تقول حرير

شتتي الشبـّال يا أم ضمير

خلي قلوب الصبيان تطير

انتي ريحتك دمور فرير

ولا بت السودان اصيل

القمر بوبا عليك تقيل

.................

القديما قديما الحمام

الويزيزين في موجو عام

ياما رايقه قليلة كلام

واااحلاتا تقول السلام

القمر بوبا عليك تقيل

.................

الغزال الفوق في السلم

المحبة تزيد الألم

كل يوم اصبحلي في هم

سيسبان عودك منظم

شمعدان نفسك مختم

البرتكان نهدك مدردم

القمر بوبا عليك تقيل

.................

الجزيرة أم بحرا حما

فيك روحي وحبي النما

مابسيبا ان بقا في السما

ما بخلي الناس تظلما

روحي في دربك سايمة

يا غرق يا جيت حازمة

القمر بوبا عليك تقيل

................

الصغيرون ام الجنا

ياكريم ربي تسلما

تبعد الشر من حلتا

تسلم الأم الولدتا

الفي جبل عرفات وضعتا

تسلم البطن الجابتا

دي ترباية حبوبتا

التميرة الفي سبيطتا

الصفار صابغ خضرتا

معزوره امها كان دستا

وااااهلاكي الناس شافتا

معذباني انا ود حلتا

القمر بوبا عليك تقيل

.................

الدفيفيق الدابو ني

البسيمتو بتكويني كي

اهلو ضنو عليهو وعلي

حبك النساني والدي

ما بخليك إن بقيت حي

يا قصيبة السكر الني

نهدك الما رضع جني

ووب على امك ووبين علي

القمر بوبا عليك تقيل

.................

الديوان الديمة مقشوش

بالزهور والورد معروش

بالحرير الأصلي مفروش

ريحتو مايقوما بلا رتوش

كان دا وصفو ماهو مغشوش

قدروا الساكنينو في الحوش

القمر بوبا عليك تقيل

................

بحر الدميرة العبا ونزل

مرة يسقي الفل والنخل

فيهو عام وزينا وقدل

يانى أنا البيك عقلى إنشغل

بعت روحي عشان ليك اصل

وانت ابعد لي من زحل

يا قمر بوبا عليك تقيل

................

المبارك شيخ الظهر

العليك ساسقت وفتر

قلي جنيت ولا دستر

واي أنا المرضان مكنتر

جابو لي حكيم خير وشر

قالي يا زول مرضك كتر

سببك أم شلاخا خضر

القمر بوبا عليك تقيل

................

 

كانت تلك أيام وكان ذلك زمن له نكهة بطعم البرتقال وشموخ النخيل وصفاء النيل وطيبة أهلى

AHLAM HASSAN [ahlamhassan@live.ca]

 

آراء