“شويه سيكولوجي 20”: أسباب الاضطرابات النفسية
طيفور البيلي
23 May, 2022
23 May, 2022
Etiology (Causes) of Mental Disorders
talbeely@gmail.com
جلست مع صديقي الفيلسوف المتفلسف دوماً وبيننا طاولة صغيرة عليها كوبان من الشاي الأحمر الساخن ، وقد كان اليوم ذو شمس ساطعة. رفع صديقي كوبه إلى فمه وأخذ رشفة طويلة مجلجلة قضى بها على نصف الكوب رغم سخونته .. ثم اتجه بوجهه ناحية الشمس ، وفغر فاه إلى أقصى درجة لما يزيد على الدقيقتين .. ولما سألته عن ماذا يفعل ؟ قال لي : "أحاول ابتلاع شعاع الشمس عله يحرق ما بداخلي من قلق وضيق وتوتر لأستعيد توازني !! ثم أردف : " تعرف يا دكترة .. يعني ليه أنا وكافة الشعب السوداني الكريم ما نلصق وتفك مننا كلنا .. أراهنك إنو كووولنا قد تجمعت لدينا وحوالينا جميع أسباب ومبررات الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية ، وإنو كل سوداني الآن حايم ليهو بأربعة أو خمسة من الأمراض النفسية من نوع أبو كديس القاعدين توصفوها لينا دي ، وكلها شوية كده ونبدأ نطقع ونفلع بعض بالحجارة والدراب .. كان ناس المقاومة خلو لينا حجار ذاتو ..
فقلت له ، ألا تدري يا صديقي أنه من نعم الله على العباد أنه كلما ذادت لديهم وحواليهم النوائب والمصائب والضغوط ، كلما استثار ذلك لدى غالبيتهم ما نسميه Resiliency ، وهو مفهوم يتضمن في داخله معاني وآليات الصلابة والصمود والمقاومة ، والارتباط هنا ارتباط إيجابي Positive Correlation ، فكلما تعاظمت الشدائد على غالبية الناس تعاظمت لديهم الصلابة والصمود ودافعية المقاومة وعدم الاستسلام. صحيح ان الاضطرابات النفسية ليس لها مسبب واحد ، بل تضافر مجموعة من الأسباب نسميها عوامل الخطورة Risk factors ، وبالتالي كلما تكالبت عومل الخطورة على فرد او مجموعة ما ، ذادت لديهم احتمالية الوقوع في براثن الاضطرابات النفسية أو العقلية. ورغم تعدد عوامل الخطورة وصعوبة حصرها ، يمكننا ان نذكر منها الوراثة والبيئة وخبرات الطفولة الصادمة والأحداث الضاغطة نفسياً Stressful events والأفكار السالبة والعادات غير الصحية وتعاطي الكحوليات والمخدرات واضراب كيمياء المخ بعدم الاتزان الهرموني والكيميائي العصبي. وهذه العوامل لا تحدد فقط من سيصاب بالاضطراب النفسي او العقلي ، بل تحدد أيضا مدى شدة وحدة الاعراض ومتى سيبدأ ظهورها لديه.
ولكي تعم الفائدة (وبخاصة للطلاب المقبلين على دراسة مقررات الـ Abnormal Psychology ) ، سأذكر لك فيما يلي التصنيف الأكاديمي العلمي لكافة أسباب وعوامل الإصابة بالاضطرابات النفسية والعقلية ، ووفقاً لهذا التصنيف والنهج العلمي فهي مقسمة إلى فئات ، وهي كالآتي :
أولاً : الأسباب/ العوامل الأولية Primary Causes/Factors :
وهي العوامل أو الأسباب التي توصف بأنها Necessary but not Sufficient أي ضروري تواجدها لحدوث الاضطراب النفسي أو العقلي ، ولكنها قد لا تكون كافية لحدوثه. وكمثال يضربه Coleman (2015) فان الإصابة بسيفليس المخ المسبب للخلل العقلي عامل أولي في الإصابة بالشلل الكلي أو الجزئي Paresis.
ثانياً : الأسباب/ العوامل المهيئة Predisposing Causes/Factors :
والمقصود بها حالة أو أحداث تحدث أو تأتي سابقاً لتمهد الطريق للاضطراب النفسي لاحقاً .. وكمثال لها فإن رفض الطفل من قبل الوالدين Rejection وسوء تعاملهما المتواصل معه يعد الطفل لصعوبات جمة في تكوين واستمرارية العلاقات الشخصية لاحقاً.
ثالثاً : الأسباب/العوامل المعجلة Precipitating Causes/Factors :
ويقصد بها حالة أو حدث يصعب على الفرد تحمله (Triger) ، وفي الغالب يأتي هذا الحدث أو الحالة بعد تراكمات حدثت سابقاً عبر الزمن ، وبالتالي فإن السبب أو العامل المعجل تنطبق عليه مقولة " القشة التي قصمت ظهر البعير".
رابعاً : الأسباب/ العوامل المعززة Reinforcing Causes/Factors :
وهي حالة تعزز وربما تطيل أمد إضطراب قد حدث بالفعل ، وتطيل من عمر السلوك غير السوي Maladaptive behavior لدي المريض . مثال ذلك الانتباه والتعاطف المبالغ فيه للمريض وسلوكياته وإعفائه من أي مسؤوليات قد يحثه على التمادي في إظهار الأعراض المرضية والسلوكيات غير السوية. وعلى الرغم من أن الأسباب المعززة تظهر جلية لدى الأطفال الذين يتمارضون بعد انتهاء المرض لديهم لضمان استمرارية الاهتمام ، فإن الكبار والمسنين ليسوا براء من ذلك.
ونشير هنا إلى أن جميع الأسباب والعوامل التي ذكرت أعلاه ( الأولية والمهيئة والمعجلة والمعززة) يمكن أن تعمل جميعها كعوامل أو أسباب مهيئة Predisposing تزيد من قابلية الفرد للإصابة بالمرض أو الاضطراب النفسي (Vulnerability).
وختاماً نقول ؛ وبصورة عامة ، أن الاضطرابات النفسية التي نقصدها تشمل (وليس حصراً) الاكتئاب Depression ، الاضطراب ثنائي القطب Bipolar Disorder ، الفصام وأنواع أخرى من السايكوسيس Schizophrenia and other Psychoses ، العته العقلي Dementia ، والاضطرابات النمائية شاملة التوحد Developmental Disorders including Autism.
بعد أن أكملت حديثي هذا الذي ربما قد استغرقت فيه انتبهت إلى أن صديقي الفيلسوف قد غادر المكان دون أشعر بزوغته .. وحمدت الله ان جنبني طويل جدال ..
///////////////////////
talbeely@gmail.com
جلست مع صديقي الفيلسوف المتفلسف دوماً وبيننا طاولة صغيرة عليها كوبان من الشاي الأحمر الساخن ، وقد كان اليوم ذو شمس ساطعة. رفع صديقي كوبه إلى فمه وأخذ رشفة طويلة مجلجلة قضى بها على نصف الكوب رغم سخونته .. ثم اتجه بوجهه ناحية الشمس ، وفغر فاه إلى أقصى درجة لما يزيد على الدقيقتين .. ولما سألته عن ماذا يفعل ؟ قال لي : "أحاول ابتلاع شعاع الشمس عله يحرق ما بداخلي من قلق وضيق وتوتر لأستعيد توازني !! ثم أردف : " تعرف يا دكترة .. يعني ليه أنا وكافة الشعب السوداني الكريم ما نلصق وتفك مننا كلنا .. أراهنك إنو كووولنا قد تجمعت لدينا وحوالينا جميع أسباب ومبررات الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية ، وإنو كل سوداني الآن حايم ليهو بأربعة أو خمسة من الأمراض النفسية من نوع أبو كديس القاعدين توصفوها لينا دي ، وكلها شوية كده ونبدأ نطقع ونفلع بعض بالحجارة والدراب .. كان ناس المقاومة خلو لينا حجار ذاتو ..
فقلت له ، ألا تدري يا صديقي أنه من نعم الله على العباد أنه كلما ذادت لديهم وحواليهم النوائب والمصائب والضغوط ، كلما استثار ذلك لدى غالبيتهم ما نسميه Resiliency ، وهو مفهوم يتضمن في داخله معاني وآليات الصلابة والصمود والمقاومة ، والارتباط هنا ارتباط إيجابي Positive Correlation ، فكلما تعاظمت الشدائد على غالبية الناس تعاظمت لديهم الصلابة والصمود ودافعية المقاومة وعدم الاستسلام. صحيح ان الاضطرابات النفسية ليس لها مسبب واحد ، بل تضافر مجموعة من الأسباب نسميها عوامل الخطورة Risk factors ، وبالتالي كلما تكالبت عومل الخطورة على فرد او مجموعة ما ، ذادت لديهم احتمالية الوقوع في براثن الاضطرابات النفسية أو العقلية. ورغم تعدد عوامل الخطورة وصعوبة حصرها ، يمكننا ان نذكر منها الوراثة والبيئة وخبرات الطفولة الصادمة والأحداث الضاغطة نفسياً Stressful events والأفكار السالبة والعادات غير الصحية وتعاطي الكحوليات والمخدرات واضراب كيمياء المخ بعدم الاتزان الهرموني والكيميائي العصبي. وهذه العوامل لا تحدد فقط من سيصاب بالاضطراب النفسي او العقلي ، بل تحدد أيضا مدى شدة وحدة الاعراض ومتى سيبدأ ظهورها لديه.
ولكي تعم الفائدة (وبخاصة للطلاب المقبلين على دراسة مقررات الـ Abnormal Psychology ) ، سأذكر لك فيما يلي التصنيف الأكاديمي العلمي لكافة أسباب وعوامل الإصابة بالاضطرابات النفسية والعقلية ، ووفقاً لهذا التصنيف والنهج العلمي فهي مقسمة إلى فئات ، وهي كالآتي :
أولاً : الأسباب/ العوامل الأولية Primary Causes/Factors :
وهي العوامل أو الأسباب التي توصف بأنها Necessary but not Sufficient أي ضروري تواجدها لحدوث الاضطراب النفسي أو العقلي ، ولكنها قد لا تكون كافية لحدوثه. وكمثال يضربه Coleman (2015) فان الإصابة بسيفليس المخ المسبب للخلل العقلي عامل أولي في الإصابة بالشلل الكلي أو الجزئي Paresis.
ثانياً : الأسباب/ العوامل المهيئة Predisposing Causes/Factors :
والمقصود بها حالة أو أحداث تحدث أو تأتي سابقاً لتمهد الطريق للاضطراب النفسي لاحقاً .. وكمثال لها فإن رفض الطفل من قبل الوالدين Rejection وسوء تعاملهما المتواصل معه يعد الطفل لصعوبات جمة في تكوين واستمرارية العلاقات الشخصية لاحقاً.
ثالثاً : الأسباب/العوامل المعجلة Precipitating Causes/Factors :
ويقصد بها حالة أو حدث يصعب على الفرد تحمله (Triger) ، وفي الغالب يأتي هذا الحدث أو الحالة بعد تراكمات حدثت سابقاً عبر الزمن ، وبالتالي فإن السبب أو العامل المعجل تنطبق عليه مقولة " القشة التي قصمت ظهر البعير".
رابعاً : الأسباب/ العوامل المعززة Reinforcing Causes/Factors :
وهي حالة تعزز وربما تطيل أمد إضطراب قد حدث بالفعل ، وتطيل من عمر السلوك غير السوي Maladaptive behavior لدي المريض . مثال ذلك الانتباه والتعاطف المبالغ فيه للمريض وسلوكياته وإعفائه من أي مسؤوليات قد يحثه على التمادي في إظهار الأعراض المرضية والسلوكيات غير السوية. وعلى الرغم من أن الأسباب المعززة تظهر جلية لدى الأطفال الذين يتمارضون بعد انتهاء المرض لديهم لضمان استمرارية الاهتمام ، فإن الكبار والمسنين ليسوا براء من ذلك.
ونشير هنا إلى أن جميع الأسباب والعوامل التي ذكرت أعلاه ( الأولية والمهيئة والمعجلة والمعززة) يمكن أن تعمل جميعها كعوامل أو أسباب مهيئة Predisposing تزيد من قابلية الفرد للإصابة بالمرض أو الاضطراب النفسي (Vulnerability).
وختاماً نقول ؛ وبصورة عامة ، أن الاضطرابات النفسية التي نقصدها تشمل (وليس حصراً) الاكتئاب Depression ، الاضطراب ثنائي القطب Bipolar Disorder ، الفصام وأنواع أخرى من السايكوسيس Schizophrenia and other Psychoses ، العته العقلي Dementia ، والاضطرابات النمائية شاملة التوحد Developmental Disorders including Autism.
بعد أن أكملت حديثي هذا الذي ربما قد استغرقت فيه انتبهت إلى أن صديقي الفيلسوف قد غادر المكان دون أشعر بزوغته .. وحمدت الله ان جنبني طويل جدال ..
///////////////////////