صاحب إلا ” قليلاً ” جمع الأضداد … وورّث الزهد الأصيل !!

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

أفق آخر



صدمة الموت الأولى ونحن ندرك تماماً أنه حق أزلي، ولكن هي الحياة التي تورث الأمل، والحب، والتعلق، والامتلاك، وهكذا ظننا أن د. " كمال حنفي " قد مضى فجأة بدون إنذار ... مارس حياته الطبيعية من شرب الشاي إلى كتابة عموده اليومي في الرأي العام        " الغراء " ... ومثلما تجده يفكر بطريقة عبقرية، ويجتهد كثافة في المفردة، ليخرج " عموداً " مدهشاً في زمن عزّت فيه وصارت عملة نادرة ... يمارس هذه الهواية الفذة يومياً بدون تعب أو نصب كأنه أدمن هذا الفعل العبقري.
د. كمال حنفي تخرج من مدرسة الاتجاه الإسلامي في مصر والتي كانت ترفد الساحة بمثقفين حقيقيين أو دعاة أكثر التزاماً، إن لم نقل " سلفيين " ... وكمال من خلاصة الزمن الجميل، تقلب بين أصالة المدارس الفقهية إلى فكر مالك بن نبي، وفي الصحافة تابع عمقها من لبنان إلى أكاديمية الأهرام العتيدة ... فأصدر ومعهم ثلة من النابهين مجلة الثقافي التي أبرزت ومنذ زمن بعيد مواهبهم التي تتجاوز تخصصاتهم المتنوعة والمختلفة من هؤلاء الأخ الصحفي المرموق عثمان ميرغني.
نال د. " كمال حنفي " قدراً من الأخوة الصادقة، التي لا ترتجي شيئاً غاية في الصفاء والنقاء والإخلاص والحب الذي يورث الجنة ... تفيض نوراً وسعة تقلب في هذا الإحساس سنوات ظليلة ... ووجد شريكة حياته على هذا الشعور الأنيق، فالتقت الأرواح والأفكار والأحاسيس، فأسس بيتاً عامراً بالمودة والحميمية الخاصة، كل هذا الظل الوارف أثر على كمال حنفي ليزيد من مزاجه الصافي، ورفقته المأمونة، وعلمه الغزير ... وبرغم عموده اليومي ... وهو يكتب في السياسة السودانية المرتبكة، إلا أنه خرج من هذا الوحل كله ناصع البياض ... لم يتلف قلمه بقول بذيء، أو معركة مفتعلة، أو مقص رقيب ممل، ولم يصنف برغم انتمائه الباكر للحركة الإسلامية.
حين رحل د. كمل حنفي بحثت عن علة ظاهرة غير التي أودت بحياته ... فبصرت فلم أجد سوى فراق زوجته الرقيقة والشريكة والحبيبة التي رحلت قبل عام فلم يستطع على رحيلها المرّ ... هذه الإشارة سبقني عليها الأستاذ حسين خوجلى والذي يعرف الأسرة منذ زمن بعيد، ويدرك إحساس الفقد الذي أوجع كمال برحيل الشريكة والزوجة رحمهما الله معاً.
افتقد د. كمال حنفي عالم كثير ... وهذه ليست طبيعة الأشياء لكاتب له اتجاه سياسي، وهذا في ذاته سر السحر الذي يلفه من الرأس حتى أخمص القدمين.
ودهشت لدفعتي ياسر عرمان وهو لا يعرفه ولكنه أدرك بحصافة السياسي، أن هذا الرجل الذي هز الوطن كله لا بد من تعزية أصحابه وأهله فتجاوز الخصومة السياسية العمياء التي تكحل " عرمان " أما أنا أذكر أنه دائماً يحفزني على جسارتي مع المرض وبرقته وخلقه وعطفه لا يحملني كثيراً على إحساسي بالوجع وأنا أفقد قدراتي الواحدة تلو الأخرى ... رحل هو وبقيت أنا حيث المرض ابتلاء والموت أجلي !!.
كثر هم الذين أفتقدوك في شوارع مصر القديمة، ومحلات الكتب القديمة، والمسارح التي تنقل رنين الحياة ... ثم الرفاق في الاتحاد العام للطلاب السودانيين .... وأهل مجلة          " الثقافي " وزملاء الطب والصحافة والعشق الأزلي ... وجمهور غفير من القراء الذين يتابعون " العمود اليومي " ... كل هؤلاء يدعون برجاء " خاص " أن يتغمدك الله برحمة واسعة !!.
قصة أخرى جديرة بالتوثيق:
أحد أعمامي النبلاء والذي أعتز بهم وهو يعرف السفير د. بهاء حنفي شقيق الفقيد، ذكر لي أنه لم يره يوماً سوى الصورة التي تزين العمود، ولكنه فجع كثيراً برحيله، وتطلع أن أكتب فيه شيئاً وكنت انتظر أن يعتق الشجن حتى أستطيع، ويهدأ الحزن، عمي أحمد عمر عبد الرحمن رجل اقتصادي لا علاقة له بالمشاعر ظننت ذلك ... إلا أنني أخطأت، كما أنني ما زلت مريضاً ، بينما رحل د. كمال حنفي !!.
islam al sudanee [is582@windowslive.com]

 

آراء