(1)
في صبيحة يوم عيد القُربان الموافق الثلاثين من ديسمبر عام ستة وألفين ، غادرت أنتَ الدُنيا في رحيل مهيب . هذا اليوم أصغر سناً من رفاقه وأطول قامة
أيعقلُ أن يغسل موت الشَجاعة ذنوباً ترهلت ؟
صغار اللِحي من طائفة أخرى، قَدِموا بكَ لغرفة النفي من الدُنيا، مأساة ركِبت ماكينة إعلام خُرافية وتجولت ذات زمان نحنُ فيه النَظَّارة ، نُشاهد صُبح عيدٍ ونبتئس. نَقَشَتْ صورتك الأبصارُ من بؤبؤ في العين التي تُشاهد التلفزة. كُنتَ أسبق في الرحيل من أليف الكائنات التي تنتظر ميعادها إلى ما بعد صلاة العيد! . قال قائلهم مُتعجباً :
ـ عيد طائفتنا لا يبدأ يوم إعدامه بل غداً ! .
(2)
كُنا نأمل عدالة تُناسب العصر، نفتح كل ملفات الدُنيا ونقرأ ماضٍ بأفراحه وسوءاته ونكشف أسراراً : كيف كانت تُدار سواقي الدُول الصغيرة و كيف تُدار طواحين الدول الكبرى ، ضخمة مراجلها وأقراصها مملوءة بالصديد ؟. كشفَ الكذب غِطاءه و تَعرى . الثروة هي مطلب الغزو . لم تكُن هنالك أسلحة دمار شامل مثل التي عند الغُزاة ، وعندها استبدلوا الأهداف بفوضى وسَمُوها الخلاقة ، رغوتها : إغراء بالديمقراطية . تنتظر أنتَ الوقت فتزول الرغوة وتبقى الكأس مُرَّة المَذاق .
(3)
صدر قانون المُحاكمة بقلم ذاكرته من عصور وسطى. تم بمباركة المُحتَّل الذي صاغ سيناريو لفلمٍ مشوه من أفلام الفن السابع. جاءت المُحاكمة بعيون رمداء. من وراء المَرايا جنودُ بيزنطة ينسجون النول ويَمسكُون خيوط العرائس. صوراً تُشاهد وصوراً مبتورة هي وأصواتها. شاهدةٌ أو شاهدٌ مُستتر، وآخرين لهم ذاكرة من ورق مكتوب !.
الطرد من المَحكمة للقضاء الواقِف، أو رصاص يطرده من الدنيا إن خرج. أُقيل قاضٍ و تنحَّى آخر من ثقلٍ فوق ظهره.
(4)
ألبسوا الضحية حُلة حداد سوداء ليوم موته. إلى المنصة ذهب معهُم. خمسة أشخاص في رفقته يرتدون لباساً أينما اتفق. تلثموا خوف هيبة الإفصاح، أن تَرى الدُنيا مَنْ شارَك المُحتل وجلس قُرب طاولته واستطعم. ذات التقنية التي أخرجت مسلسلات البشاعة في السماوات العنكبوتية : جمهرة مُلثمة بالسواد، ترتدي لباساً مدنياً ثم إلى الذبح المُصوَّر. لقطات مُتحركة من الجانب ومن تحت ومن علٍ !. هَتفوا شَامتين فقال:
ـ ( هاي هِيةّ المَرْجَلة ) .
بدأ قول الشهادة مرة أخرى، وقبل اكتمالها أدار أحدهم مفتاح الموت فهوى الجسد مُعلقاً.
(5)
إلى ( صدَّام ) في رحيله المهيب :
غسلتَ بعض ذنوبُك سيدي رغم عُلو قمم جبالها، واختفت سُفوح الخير الذي فعلتَ ذات زمان، فصُراخ الإعلام أعلى . صَغُر المُنتقمون أمام هيبة الموت، يظنون الجنة والجحيم ملك أيديهم حين هتفوا :
ـ سقط الطاغية .. إلى جهنم .
لبِسَتْ قلوبُ أعدائكَ أثواب الانتقام، قبل أن يعبثوا بجلال الرحيل، و تَقدَّمتَ أنتَ خطوة تُغتسل من بعض خطاياكَ. ورحلت تأتزر برماد الأسى: بَعض أُضحيةً، وبعض شهيد .
مَنْ يَرفع نخب البطولات القديمة، و مَنْ يقف على حافة الموت يضحك في زمن يزعمُ أهله أن العالم صار أكثر إنسانية وأكثر تحَضُراً ؟ .
عبد الله الشقليني
1 أبريل 2007
alshiglini@gmail.com
/////////////////////