صرخة الخرطوم

 


 

 

عندما يتصارع عُشاق السلطة وتعمي الأنانية قلوبهم التي في الصدور ، تصطف أرتالاً من المنتفعين وأذيالهم ، يتنافسون في حبك بالتبريرات المُنمّقة ، حتى يزينوا لهم قباحة أفعالهم ، يفترشون لِحاف الذل والهوان تحت سقوف الجبابرة ، بمقابلٍ لايسوى ذرة من تراب الوطن الغالي ، يعزِفون ليلا ونهارا على أوتار الفتنة والقتل والدمار ، يروِجون للحرب ويقدسون صُناعها ، ينزِهون المُجرمين ويجرّمُون الشُرفاء تحت شعار حماية الوطن وحبه ، وهم يُمارسون أقبح أنواع الكُره والعداء الذي قسّم الشعب إلى فئتين ( دعامي _كوز ) أي وطن وأي حب يتحدث عنه هؤلاء؟ والجنرالان يتقاتلان من أجل تحقيق المطامع الشخصية والسياسية ، وبالمقابل يدفع الشعب ثمن حقد وتكبر وطمع جبروتهم ، الكل يسعى للأنفراد بالسلطة وتحقيق المكاسب السياسية والمناصب المرمُوقة ، وكل فريق له مؤيدين من القوى السياسية حسب ماتقتضي مصالح أحزابِهم لا مصلحة الوطن ، جميعهم يستبِيحون دماء المواطن ، يرددون شعارات تنافي الواقع المرير ، هؤلاء هم من صنعوا فوضى الخرطوم وجعلوها ساحة إقتتال وتصفية للحسابات السياسية ، غير آبهين بسكانها وأهلها الكادحين الذين أرهقتهم مصاعب الأولويات ما بين سندانة العسكر ومطرقة المدنية.
الفريقان نفذوا خططهم الدموية باحتراف وسط الأحياء وداخل ساحات ملاعب الأطفال الأبرياء ، والملاهي التي يذهب إليها الصغار في أيام العطلة والأعياد في الوقت الذي وفروا فيه لاسرهم مساكن آمنه في دول أُخرى يعمها الأمن وتنعم بالتنمية بمجهود رؤساءها الذين عجز صُناع الحروب أن يفعلوا مثلهم ، الجنرالان جعلوا الخرطوم مأتماً كبيرًا يُنذر بالمصير المجهول ، بدلوا فرحة عيدها بصرخةٍ سُمع صداها في عواصم العالم أجمع ، صرخت مُستنجدة بمن تظن أنهم إبنائها الذين يبرونها ، وكانت لاتعلم حينها أنهم يسِنّون السكاكين لذبحها من الأذن إلى الأذن ، ويتباهون بالقوة والعتاد وكأنهم سيحاربون الروس أو أمريكا ، إستنفروا قواتهم وجهزوا الأسلحة الخفيفة والثقيلة برا وجوا ، تركوا مراكز قياداتهم وقواعدهم وتغلغلوا داخل الأحياء السكنية وبين أزقتها ، يلعبون لعبة (توم وجيري) بالأسلحة ، وكأن المقصود بهذه الحرب سكان الخرطوم الذين صبروا عليكم لأكثر من أربع سنوات وأنتم تتفننون في معاناتهم ، صنعتُم منهم مجسمات هموم تمشي على الأرض تركتموهم يعيشون نصف حياة ، وأنتم تحلقون من دولة إلى أخرى تبحثون عن رضى الآخرين وهم يذلون شعوبكم التى تسعى لإرضائكم ، ولكن لاغرابة فهذا ديدن عُشاق السلطة وعبدة الجاه ، لاحياء ولا اخلاق لهم دقوا طبول الخيبة التي يسمونها انتصارًا واحتفلوا وسط أشلاء الجثث وركام المساكن والمؤسسات، يتلذذون بنحيب الأمهات وأنين المرضى ، حقا كانوا بارعين في نزع فرحة الأطفال وترويعهم وزعزعة الإستقرار وسرقة الأمن والأمان من وجوههم ، هنيئاً لهم بهذه (الفضيحة) الكبرى لقد نالوا بجدارة وسام القتل والدمار والخراب ، وتفرقة الأسر وإحباط أولياء الأمور وتوهان الشباب وتهجيرهم وعجز النساء وتشويه براءة الأطفال.
صُناع الفتنة في فترة وجيزة استبدلوا أحياء الخرطوم العريقة والجميلة بساحات للحرب ، وشوهوا شوارعها كما هي دواخلهم المشوهة القبيحة، أوقفوا أمام المدرسة دبابة وزرعوا مكان الشجرة دانة ، اخرجوا المريض من المشفى حتى يموت بالبطئ أليس كل هذا إنتقام؟
وفوق هذا وذاك نصبوا خيام الفرح بلاشعور وغنوا ورقصوا فوق جثث بعضكم البعض ، تفاخروا وجاهروا بقصف المساكن وقتل الأبرياء ونهب الممتلكات وتدمير الوطن ودك مؤسساته ، وفي الأثناء يتبادلون الإتهامات ، بعد أن خاضوا معركة الخسارة ، فقد كانوا قبل ذلك أخلاء يتقاسمون التمرة ويمدحون بعضهم البعض في المنابر حال أعتلوها ، كانوا شركاء المناصب والمكاسب ، يهددون ويتوعدون من يشكك في تصريحاتهم ، ولكن عندما اختلفت الأحلام والطموحات أعلنوا حرب الخرطوم اللعينة ، وأقسم كلاهما بالنصر والفوز على الآخر ، وإن كان ذلك على جثة آخر مواطن في الخرطوم ، مؤكدين أن المُنتصر في الحرب سيشيد عرشه على جمجمة هذا المواطن ، جميعهم صُم بُكم ولا يشعرون ، باعوا ضمائرهم في سوق النخاسة مقابل السلطة ، وعرضوا جسد السودان في سوق العهر مقابل كاسات خمر أسكرت عقولهم وكشفت عن سوئاتهم أمام العالم ، صُناع الفتن وسُفهاء الوطن وعُباد السلطة وسماسرة المناصب ، هؤلاء جميعا لا يستحقون الإنتماء لتراب وطن يحتضِن في باطنه البروفسير عبد الله الطيب وأمثاله ، هؤلاء الجاحدون وتُجار السياسة لا يدركون معاني الوطن والوطنية كبقية أقرانهم في الدول المتقدمة ، يستمرون في دمار أوطانهم تحت شعارات مزيفة ، ويجيدون حياكة ثياب الخيانة على مقاس الشرفاء ، ليشيعوا الشرف والأمانة والصدق والوطنية.
حقا هؤلاء لايشبهون السودان ولا السودان يشبههم .

almadanikhalda@gmail.com
////////////////////////

 

آراء