بعد إعادة احتلال العاصمة السودانية ، بعد معركة كرري في 2 سبتمبر 1898 ، قام الإنكليز بإعادة ردم شاطئ النيل الأزرق الذي يقود للخرطوم وسط ، كي لا تُغرق الفيضانات الخرطوم ، كما كان في السابق . وتم تخطيط الطرقات ومساحات المباني بصورة مشابهة للعلم البريطاني . وذلك توطئة لتنفيذ مباني الخرطوم الإدارية ،من إعادة تأهيل قصر الحاكم العام ، وتنفيذ مبنى البوستة ومبني وزارة الأشغال ومبنى المساحة ومبنى وزارة المالية والداخلية ومباني كلية غردون التذكارية ، ومبنى الفندق الكبير وفندق السودان ، إضافة إلى مباني الإداريين البريطانيين ومساكنهم المواجهة لشاطئ النيل الأزرق. وتم تشييد طريق شارع النيل الأزرق بالخرطوم . تم كل ذلك خلال نصف قرن. (2) تم تنفيذ البنية التحتية لصرف مياه الأمطار ، بخطوط أنابيب رئيسة تمتد من وسط الخرطوم وتتجه شمالاً وتعبر تحت الردمية وتحت المباني والطرقات وتصل النيل الأزرق . وتم تجهيز حوابس خرسانية بالأسمنت والحجارة في طرف الشاطئ لتثبيت مخارج أنابيب صرف الأمطار. وتم تجهيز ما يسمى حينها بكورنيش شاطئ النيل الأزرق. وبعدها تم تشييد الطرقات : شارع النيل الذي يتجه شرقاً وغرباً ، والطريق الموازي له " شارع الجامعة" ،ثم الطريق الثاني الذي يوازي شارع الجامعة " شارع الجمهورية " وكذلك الطرقات الأخرى وبمسميات تختلف عما هو اليوم . وتم تنفيذ مهارب على جانبي الطرقات الأسفلتية ، لتصل إلى أنابيب صرف الأمطار التي تصب في النيل الأزرق . كان نظام صرف مياه الأمطار ينتقل من قطع الأرض والمباني ، وتنتقل المياه من الأسقف إلى باحات المساكن والمباني الإدارية . وتنتقل مياه الأمطار إلى الممرات جوار الطرق الأسفلتية ، ومنها تنحدر إلى الطرقات . ويتم صرف المياه على الطرقات عبر مهارب على طرفي كل طريق ، على مسافات متقاربة وتمتد إلى الأسفل عبر المناهيل المُشيدة وفق الأصول. وتنتقل مياه الأمطار من المهارب إلى المناهل التي تتصل في الأسفل بأنابيب صرف الأمطار الرئيسة، التي تنقل مياه الأمطار إلى النيل الأزرق . هذا هو النظام الذي نفذه المستعمر لنظام صرف الأمطار . (3) لم يتم توسعة أو تطوير نظام مياه صرف الأمطار منذ مغادرة المستعمر ، بل أن المهارب الخاصة بصرف مياه الأمطار في طرقات الخرطوم ، لم يتم صيانتها ، أو نظافتها على أقل تقدير . ولما جاءت ظاهرة الانقلابات العسكرية ، واعتياد رؤية الدبابات في الطرقات الأسفلتية ، مما عجل بإهتراء طبقة الأسفلت . عندها تمّ عمل طبقات جديدة مكان طبقات الأسفلت القديمة ،و لم يتم إزالة الطبقات القديمة ، بل تم سفلتتها بطبقة ثانية وثالثة وهكذا . ارتفعت مناسيب الطرقات . وتم تغطية المهارب التي تصرِّف مياه الأمطار في جنبات الطرق. وبذلك تم إغلاق المناهيل التي تذهب بمياه الأمطار إلى أنابيب صرف مياه الأمطار إلى النيل الأزرق . بقيت الأنابيب معطلة عن العمل ، ولا تصلها مياه صرف الأمطار . وبذلك توقف تصريف مياه الأمطار ، وأصبح تجمّع مياه الأمطار في الطرقات ، وطفحت مياه الأمطار في الطرقات والبيوت والمباني الحكومية . ولا يتم صرفها إلا بواسطة التناكر التي تقوم بشفط المياه .وذلك بعد المثل الشهير " بعد الفاس ما وقع في الراس "!. (4) صدق الذي قال أننا في حاجة للعلم ، والاستفادة من وجود المستعمر ، الذي خلّف نظام مساحي وهندسي وفق الذي كان متوفراً في أوائل القرن العشرين وإلى منتصفه . بل أن البعض كان يرى أن مغادرة المستعمر للسودان قد تمّ قبل أوانه! . وكان السيد " عبد الرحمن المهدي " من ضمن هؤلاء . لم تكن لدينا كفاءات علمية وهندسية في علم تصريف مياه الأمطار ، رغم بسطة الأرض واستوائها ، وسهولة توصيل المهارب والمناهيل وأنابيب الصرف إلى النيل . لم يهتم أحد بالبنية التحتية للمدن . والمجاري ونظام الصرف الصحي ، كان من أصدق الأمثلة على هذا القصور ، فقد عينت الإنقاذ وزيراً لهندسة الخرطوم لمدة تسع سنوات وكان مختصاً في صرف مياه الصرف الصحي ، فماذا كانت إنجازاته !؟ (5) كارثة توسعة شارع النيل بالخرطوم ، بردم النيل الأزرق عام 2012 : ليس ردم البحر ، بل ردم مياه النيل الأزرق الحلوة الذي يكّون 80% من مياه نهر النيل !. ماذا يقول عنا الذين يعتبرون هذا القرن هو قرن صراع البشر على المياه الحلوة ، ونحن نهدرها بدفن حوض النيل الأزرق؟!. يا للبؤس. ونحن نسأل ماذا تم بشأن مخارج أنابيب مياه الأمطار القديمة بعد الإضافات الجديدة . منْ أراد أن يعرف، يتعين عليه أن يُشاهد ماذا تمّ في الواقع . (6) منذ أوائل العهد الاستعماري ، قامت الإدارة البريطانية بمسح المناطق والحدود بين الدولة والدول المجاورة . تم فرز روافد مياه السيول ، وبناء حواف مجريها بالحجر والأسمنت ، وذلك لبيان أماكنها ، وتمتد هي دون عوائق لتصب في مياه النيل، رافداً طبيعياً . قامت الإنقاذ وجهازها الإداري ، بمسح مجاري السيول وتوزيع أراضيها على المواطنين وبالسعر التجاري . وعندما تم تشييد المساكن ، جاءت السيول من أعالي الوادي ، ملتزمة طريقها القديم . وخلال سويعات أحالت المساكن التي شيدها المواطنين إلى خراب ، فقد جرفت مياه السيول خلال ساعات كل شيء. (7) تقول موسوعة ويكيبيديا : المشاكل: أصبح الشارع أكثر اكتظاظاً بالمركبات والناس ويعاني من اختناقات مرورية في الأوقات كلها، ذلك لأن معظم مؤسسات الدولة ووزاراتها تطلّ عليه، إضافة إلى بعض الأندية الإجتماعية ودور الأنشطة الشبابية كدار الكشافة وغيرها، التي يرتادها المواطن في المناسبات العامة والخاصة، خاصة بعد ربط الشارع بجسر المنشية الذي يُعد منفذاً لشرق النيل وشرق الخرطوم، علاوة علي الفلل الرئاسية التي يُعد شارع النيل منفذها الوحيد. يضاف إلى ذلك وقوعها في منطقة تتركز فيها القصور والمرافق الرئاسية ، مما يؤدي إلى إغلاقه عند مرور ضيوف البلاد من رؤساء الدول أو زعماء الحكومات أو قيام شرطة المرور بحجز سيارات المواطنين عند خروج أو دخول أحد المسؤولين الكبار إلى تلك المرافق والقصور.
خطة إعادة تنظيم الشارع وتوسعته : ودفعت هذه الأسباب وزارة التخطيط والبنى التحتية بولاية الخرطوم، إلى توقيع عقد مع بنك قطر الوطني الإسلامي لتوسعة شارع النيل داخل مجرى نهر النيل الأزرق، بتمويل قدره 30 مليون دولار أمريكي . وقامت شركة A&A للتنمية الحضرية الأمريكية بتنفيذ التوسعة وهي الشركة التي نفذت من قبل أعمال بناء جسر توتي. وتولّت" دار كونسلت" الجوانب الإستشارية بمشروع التوسعة. وتم بناء التوسعة في شكل جسر خرساني محازي لشارع النيل الأصلي بطول 760 متر ليكون بمثابة شارع للمرور السريع بولاية الخرطوم ، والوحيد داخل مدينة الخرطوم ويشمل أربعة اتجاهات، ولا تعترضه أية تقاطعات. وهو طريق بإتجاه واحد من الشرق نحو الغرب. وتم بنائه على هذه الطريقة لتفادي هدم المباني الأثرية والتاريخية وبعض مباني الوزارات. وليكن المشروع في حد ذاته مشروعاً لواجهة جمالية على النيل الأزرق أيضاً. ويهدف مشروع التوسعة إلى المساهمة في فك الإختناق المروري بوسط الخرطوم في المنطقة الواقعة بين جسر توتي وجسر المك نمر وطولها 1,200 كيلومتر ، وبذلك يكون لشارع النيل مسارين اضافيين. وبعد حوالي عامين من أعمال البناء والتشييد تم افتتاح التوسعة في 19 يناير / كانون الثاني 2013 م من قبل رئيس الجمهورية. (8) جزء من حلّ مسألة الكارثة الهندسية تلك ، هو عرض القضية لتُصبح " قضية رأي عام " ، رغم علمنا التام بأن قضية البنية التحتية لا تشغل أهل السلطان ، لأن البنية التحتية تنفق الأموال التي لا تظهر للعيان ، وأهداف السلطة أنها دائماً في حاجة لحفل الإفتتاح لأي شيء ، لا يهُم إن كان افتتاح " حفل ختان " ، ما دام الرقص بالجلابيب وأصابع السبّابة ممدودة بواسطة أهلها " الربّانيون " !.