صعود أصحاب الثقة والولاء سبب هزيمة الجيوش (3 – 10)

 


 

صديق الزيلعي
17 January, 2024

 

صديق الزيلعي
ركز المقال الأول على الأولوية القصوى لإيقاف الحرب ومعالجة مسبباتها، ودور وحدة المدنيين في انجاز ذلك. أما المقال الثاني فجوهره يستند على ان الجيوش عندما تنحرف عن مهامها الأساسية وتستولي على الحكم، تتحول الي أداة قمع وفساد وخراب. وهذا ما علمتنا دروس التاريخ القديم والحديث. هذا المقال يناقش كيف تتدهور قدرات الجيوش عندما يؤدي التدخل السياسي لأن يصعد اصحاب الولاء على حساب أصحاب الخبرة، فتتعرض للهزائم المرة في ميادين المعارك. الأنظمة العسكرية عندما تختطف السلطة بالتآمر يصبح همها الشاغل الحفاظ على سلطتها. وهذا الهم يحولها الي مؤسسة قمعية لإرهاب الشعب وتعذيبه وقتله، وحرمانه من ضروريات الحياة. هذا مصدر خوفها الأول، اما مصدر الخوف الثاني فهو الجيش، وهنا بيت القصيد. فمن أتي بانقلاب يخاف من ظله، لذلك تقوم السلطات الانقلابية بحملات واسعة لتصفية أي ضابط لا ينتمي للطغمة الحاكمة، وتقوم بترقية أصحاب الولاء، وهنا تأتي مقتلة الجيش.
أداء الجيش السوداني في هذا الحرب خير مثال على أزمة الجيوش الناتجة عن الأنظمة العسكرية، التي تحكم باسم الجيش، ولكنها بؤرة دماره. فالاسلامويين الذين انفردوا بحكم السودان لثلاثة عقود من الزمن أوصلوا الجيش الي هذه الحالة المزرية، رغم الادعاء الكاذب بدعم الجيش. هم من قاموا بفصل الالاف من خيرة الضباط السودانيين، وأكثرهم كفاءة وتشهد بكفاءتهم البلدان الخليجية التي ساهموا في تطوير جيوشها، بالإضافة للبلدان الافريقية المجاورة. وقام الاسلامويين بترقية اعوانهم وخريجي الدفعة 40 والفنيين ليتسلموا أهم المواقع في الجيش. واهملوا تنمية قدرات الجيش وتحولوا للاستثمارات والتجارة، التي لم يستفيد منها الا كبار الضباط. والاغرب من الخيال ان عدد اللواءات والفرقاء في الجيش السوداني مقارنة بحجم الجيش الكلي اضعاف من يحملون نفس الرتب في الجيش الأمريكي أو الصيني أو المصري، رغم الفارق الهائل في عدد الجنود. وينطبق على الجيش السوداني تماما صفة انه صاحب رأس عملاق وبأرجل كسيحة. وهذا التضخم، غير المسبوق، في الرتب العليا مقصود خلق أوضاع وظيفية مريحة ومجزية لأعضاء التنظيم. جيش مشغول بالبزنس والتنافس المحموم على الوظائف السيادية، ذات المخصصات المفتوحة، لا يمكنه ان يكسب حربا. لذلك قام البشير باستئجار بندقية الجنجويد لمحاربة حركات دارفور المسلحة. ثم لحمايته شخصيا.
هذا الوضع المفزع ليس خاصا بنا، وانما هو من اهم سمات كل الأنظمة العسكرية، التي تنشئ أجهزة امن ومخابرات قوية، ولكنها تفشل في انشاء جيش مقاتل. وسأقدم بعض الامثلة لتوضيح الفكرة أكثر.
وكان اغلب الضابط في الجيش المصري، بعد انقلاب 1952، هم اهل الثقة والولاء لا الكفاءة. وكمثال عبد الحكيم عامر قفز بالزانة من ضابط صغير الى رتبة مشير، وقس على ذلك بقية القادة، في جيش في حالة حرب مع عدو قوي. وعند اقتراب حرب 1967، اضطر عبد الحكيم عامر وشمس بدران الى تغيير ضباط الثقة، وعينوا بدلا عنهم ضباطا آخرين لهم دراية بالقتال، لكن ذلك جاء متأخرا، قبل أسبوع من اندلاع الحرب. والقوات البرية تم اعدادها من قادة آخرين. وكان الوقت ضيقا لهم ولا يعرفون قواتهم وضباطهم. والنتيجة، دمرت إسرائيل سلاح الجو المصري في ساعات. وقرر عبد الحكيم عامر الانسحاب اما الغزو البري في سيناء، بل كان القرار مستعجلا وأعلن بطريقة هستيرية. وكانت قوات الفرقة السابعة مشاة ما تزال متماسكة وقادرة على الدفاع عن مواقعها. ولكن عبد الحكيم عامر طلب من محمد فوزي الانسحاب الي غرب السويس خلال عشرين دقيقة.
تعرض الجيش الصومالي للدمار خلال السنوات الطويلة لدكتاتورية سياد بري العسكرية. وتجسدت قمة المأساة في عجز الجيش عن حماية مقرات الحكومة. وكلفت قوات بعثة الاتحاد الافريقي في الصومال لحماية تلك المقار الحكومية. والمثير للشفقة هروب الجيش امام حركة السباب الصومالية.
استحدث نظام القذافي العسكري فرق عسكرية جديدة عرفت بالكتائب الأمنية وهي فرق عسكرية خاصة لحماية العقيد، جنودها من أبناء قبيلته وبعض القبائل المتحالفة مع قبيلة القذاذفة. قادتها من أبناء العقيدة وبعض اقرباه. في الوقت نفسه أهمل شأن الجيش بتسمياته المختلفة. بينما بذل عناية كبيرة بالكتائب الأمنية تدريبا وتسليحا ومزايا مادية. ولم يصمد الجيش الليبي وتبخرت الكتائب، ووصلت ليبيا الى ما وصلت اليه.
قامت الولايات المتحدة بعد غزو العراق في 2003، بتصفية الجيش لأنه بعثي. وكونت جيش من العناصر التي أيدت النظام العسكري الذي فرضته أمريكا. وتنصلت من التزامها بتدريبه، ولجأوا لتجنيد الفصائل والمليشيات العسكرية الجاهزة. أدت تصرفات تلك الميليشيات لتعزيز روح التخندق الاثنى وتعميق الانقسام الطائفي. فشل الجيش الجديد في انجاز مهامه. وكانت أكثر اللحظات تعبيرا عن الفشل هي منظر انسحابه المذل من الموصل. والغريب انه انهزم امام الدولة الإسلامية وصارت مدن العراق تتهاوي تباعا بدون ان تجد أي مقاومة. والمذل حقا ان قادته هربوا الى كردستان طلبا للحماية.
الخلاصة ان الأنظمة العسكرية الشمولية تنشأ قوات خاصة لحمايتها أفضل تسليحا من الجيش الرسمي مثل الفرقة الرابعة في سوريا، الحرس الجمهوري في العراق، الكتائب الأمنية في ليبيا.

siddigelzailaee@gmail.com

 

آراء