صفات الملك والسلطان وعدم توفرها عند حكام أهل السودان -4- … بقلم: د. أحمد حموده حامد
11 May, 2010
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم - يارعاك الله - أن للملك والسلطان صفات لا بد لمن يروم حكم العباد ان يتصف بها حتى تستقيم ولاية الله فى الأرض بالعدل والقسطاس بين الناس وتعمر البلدان ويتجه الناس لعبادته سبحانه وتعالى وهي نهاية الغاية من الخلق. قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون", صدق الله العظيم. نعرض في هذا المقال لبعض من الصفات الضرورية التي لا بد للحاكم والسلطان ان يتصف بها كما جاءت في الإثر, ونتتبع سيرة حكام السودان الحاليين, ونخلص الى عدم توفر هذه الصفات فيهم.
أذن من القراء الكرام واليهم: أرجو من القراء الكرام تأمل العبر الواردة فى هذه الآتار, ومقارنة الصفات المذكورة بصفات وأفعال حكام السودان الحاليين لتبيان مجافاتهم العدل فى الحكم ومجانبتهم الحق وحيادهم عن الطريق القويم. وحيث قد أوردت مثالا أو اثنين فقط لتبيان المفارقة والاختلاف, آمل أن يضيف القراء الكرام ما يعنّ لهم من شواهد حتى تكتمل الصورة وتقوم الحجة. وأشكر جدا للقراء الكرام ان هم أمدونى بآرائهم تلك.
الثامنة/ الرفق بالرعية:
ويعود حسن الملكة الى الرفق. فان الملك إذا كان قاهراً, باطشاً بالعقوبات, منقباً من عورات الناس وتعديد ذنوبهم, شملهم الخوف والذل, ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلقوا بها, وفسدت بصائرهم وأخلاقهم؛ وربما خذلوه في مواطن الحروب والمدافعات, ففسدت الحماية بفساد النيات, وربما أجمعوا على قتله لذلك فتفسد الدولة ويخرب السياج؛ وان دام أمره عليهم وقهره فسدت العصبية لما قلناه أولاً, وفسد السياج من أصله بالعجز عن الحماية. واذا كان رفيقاً بهم متجاوزاً عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به وأشربوا محبته واستماتوا دونه في محاربة أعداءه, فاستقام الأمر من كل جانب. وأما توابع حسن الملكة فهي النعمة عليهم والمدافعة عنهم, فالمدافعة بها تتم حقيقة الملك. وأما النعمة عليهم والإحسان لهم فمن جملة الرفق بهم, والنظر لهم في معاشهم, وهي أصل كبير في التحبب الى الرعية (ابن خلدون, المقدمة 1: 176).
دونك فى السودان البطش والظلم والجور وافقار الناس وتجويعهم حتى لاذوا بالمكر والخديعة ومداهنة السلطان نفاقا ومخادعة وتسويفا, حتى تطبع القوم بهذه الخصال الذميمة, وصار حال المدافع عن الحق والقائل به كحال الطيبين من قوم لوط الذين قال فيهم الفاسقون الخبيثون "اخرجوا آل لوط من قريتكم انهم أناس يتطهرون", صدق الله العظيم, ( سورة النمل, الآية 56). ودونك العيون المبثوثة فى كل ركن ترصد حتى همسات الناس فى مخادعهم لدرجة بلغ فيها التجسس على عورات الناس مبلغا قيل فيه "ان الحيطان لها آذان".
التاسعة/ وجوب ا لامتناع عن الاشتغال بالتجارة أو المشاركة فيها:
واعلم أن التجارة من السلطان مضرّة بالرعايا مفسدة للجباية. ذلك أن السلطان لا ينمي ماله ولا يدر موجوده إلا الجباية وإدرارها انما يكون بالعدل على أهل الأموال, والنظر لهم بذلك؛ فبذلك تنبسط آمالهم, وتنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها؛ فتعظم منها جباية السلطان. وأما غير ذلك من تجارة أو فلح فانما هو مضرة عاجلة للرعايا وفساد للجباية ونقص للعمارة. وقد ينتهي الحال بهؤلاء المنسلخين للتجارة والفلاحة من الأمراء والمتغلبين في البلدان, أنهم يتعرضون لشراء الغلات والسلع من أربابها الواردين على بلدهم, ويفرضون لذلك من الثمن ما يشاؤون, ويبيعونها في وقتها لمن تحت أيديهم من الرعايا بما يفرضون من الثمن. وهذه أشد من الأولى وأقرب الى فساد الرعية واختلال أحوالهم. وربما يحمل السلطان على ذلك من يداخله من هذه الأصناف, أعني التجار والفلاحين لمن هي صناعته التي نشأ عليها, فيحمل السلطان على ذلك ويضرب معه بسهم لنفسه ليحصل على غرضه من جمع المال سريعاً, سيما ما يحصل له من التجارة بلا مغرم ولا مكس, فإنها أجدر بنمو الأموال, وأسرع في تثميره؛ ولا يفهم ما يدخل على السلطان من الضرر بنقص جبايته. فينبغي للسلطان أن يحذر من هؤلاء ويعرض عن سعايتهم المضرة بجبايته وسلطانه, والله يلهمنا رشد أنفسنا, وينفعنا بصالح الأعمال, والله تعالى أعلم (ابن خلدون, المقدمة 1: 258 - 259).
حكام السودان هم التجار أو من ينوب عنهم فى تصريف تجاراتهم بين الناس. ولك أن تعلم عزيزى القارئ أن ما يربو على 85% من جملة النشاط الاقتصادى فى البلاد هو فى أيدى الأجهزة الأمنية, وهى كما تعلم القوة الحقيقية الممسكة بتلابيب الحكم والسلطان. فلا عجب اذن أن نرى هذا الحيف الواقع على الناس وفساد عيشهم واختلال أحوالهم بسبب سيطرة أجهزة الدولة الفاعلة على التجارة والاقتصاد فى البلاد.
العاشرة/ جماع ما ينفع لخاصة الملك وعامة الرعية:
أمر انو شروان أن تكتب الوصايا الاثني عشر بالذهب, فيها جوامع أنواع السياسات الملوكية: الصدق, الوفاء, مشورة العلماء وكلامهم, العدل في المعاملة والقضاة والعمال, حسن الجزاء، تفقد أحوال المسجونين، تعهد أحوال الناس ومعاشهم وأسواقهم، حسن التأديب واقامة الحدود، إعداد عدة الحرب, تفقد الأهل والولد واصلاح حالهم، مراقبة الثغور لتفادي المخاطر والاستعداد لها, تفقد الوزراء والعاملين واستبدال ذي الغش والعجز.
جلس أنوشروان يوما للحكماء يأخذ من آدابهم, فقال: دلونى على حكمة فيها منفعة لخاصة نفسى وعامة رعيتى, فتكلم كل واحد منهم حتى انتهى الأمر الى بزرجمهر بن البختكان فقال: أيها الملك لك ذلك في اثنتي عشرة كلمة, فقال هات. فقال: أولهن تقوى الله في الشهوة والرغبة والرهبة والغضب [والهوى], فاجعل ما عرض من ذلك كله لله لا للناس، والثانية الصدق في القول [والعمل] والوفاء بالعدات والشروط والعهود والمواثيق, والثالثة مشورة العلماء فيما يحدث من الأمور, والرابعة إكرام العلماء والأشراف وأهل الثغور والقواد والكتاب والخول بقدر منازلهم, والخامسة التعهد للقضاء والفحص عن العمال محاسبة عادلة, ومجازاة المحسن منهم بإحسانه والمسيء على إساءته, والسادسة تعهد أهل السجون بالعرض لهم بالأيام لتستوثق من المسيء وتطلق البريء, والسابعة تعهد سبيل الناس وأسواقهم وأسعارهم وتجارتهم, والثامنة حسن تأديب الرعية على الجرائم وإقامة الحدود, والتاسعة إعداد السلاح وجميع آلات الحرب, والعاشرة إكرام الولد والأهل والأقارب وتفقد ما يصلحهم, والحادية عشر إذكاء العيون في الثغور ليعلم ما يتخوف فيؤخذ [له أهبته قبل هجومه, والثانية عشر تفقد الوزراء والخول والاستبدال بذي الغش والعجز عنهم, فأمر أنو شروان أن يكتب هذا الكلام بالذهب, وقال: هذا كلام فيه جوامع أنواع السياسات الملوكية (المسعودى, مروج الذهب: 204).
دونك فى السودان عمارة جامعة الشرطة التى انهارت بسبب عجز القائمين عليها, فتمت ترقية العاجز الى وزير للحربية. ثم انظر كم من العهود نقضت وكم من المواثيق نكص عنها, ثم انظر اى مبلغ من الغش والمكر والخداع بلغ الحكام فى السودان ودونك ما جرى من غش فى الانتخابات الأخيرة. ثم انظر الفقر المستشرى بين السودانيين (95%) يعيشون تحت خط الفقر ولا احد من القائمين على الأمر يتفقد أحوال الناس ومعاشهم , بل تزداد معاناتهم يوما بعد يوم بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار. هذا كله بسبب الضرائب الكثيرة الباهظة التى تفرضها الدولة لتكثير الجبايات لاشباع نهم الدولة للأموال للصرف على حياة البذخ والترف ولأرضاء الأشياع والأتباع والحاشية.
اللهم أصلح حال عبادك باصلاح حال ولاة أمورهم, وأنت المستعان.
(يتبع)
fadl8alla@yahoo.com