صلاح ونسي مع الخالدين.. عملا وذكرى
i.imam@outlook.com
كان يوم الأحد الماضي يوما مشهوداً، تزاحم نَفَرٌ من السودانيين على اختلاف مشاربهم السياسية، وتباين اطيافهم الحزبية، واختلاف أعمارهم السنية، زُمراً وفرادى مثل ما يدعو الحجيج الموسم، ليكونوا شهداء عيان للمسة وفاء، في زمن قل فيه الأوفياء. وهوءلاء الأوفياء هم أهل وأصدقاء وزملاء ومعارف الأخ الصديق الراحل صلاح الدين ونسي محمد خير وزير رئاسة الجمهورية، تنزلت عليه شآبيب رحمات الله الواسعات، لملتقى تأبينه وتدشين مؤسسة صلاح ونسي لأبحاث ومكافحة السرطان. فقد عكفت مجموعة من اولئك النفر الطيب على دراسة جملة من الخيارات والمبادرات، من اجل تخليد ذكرى الأخ الراحل صلاح الدين ونسي محمد خير الذي اختطفته يد المنون بعد بلاءٍ اصطبر عليه، بحكم أنه قضاء مؤجل لا ينبغي الجزع فيه، بل الصبر والحمد والشكر، وهذه صفات المؤمنين الصابرين الصبورين، وصلاح الدين نحسبه من اولئك. فأفضى هذا القضاء المؤجل (المرض) الى القضاء المبرم (الموت)، وهذا يتطلب منا الصبر، نسبقه بالصلاة، امتثالا لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". وكان موت صلاح فاجعة لأهليه وأصدقائه وزملائه ومعارفه. واختطافه كاختطاف سارقٍ بليلٍ بهيمٍ، لنفيس ما نملك، مما جعلنا نلتمس العزاء في آيات الله البينات، وأحاديث رسوله النيرات، وبعضنا زاد على ذلك، بترديد قول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبيء:
وما الموت إلا سارق دق شخصه يصول بلا كفٍ ويسعى بلا رجل
ولم يكن بعيداً عن أذهان بعض من أهليه وأصدقائه ومعارفه، تذكر حكمة الشاعر العربي كعب بن زهير بن أبي سلمى، عندما كنّا نشيعه، حباً في صلاح الدين ونسي، والتزاماً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق المؤمن على المؤمن الخمس "وإذا مات فشيعه"، فشيعناه الى مقابر الصحافة، ومن ضمن ما كان يترى علينا وقتذاك، تصبرا وتجملا تلكم الحكمة من ابن حكيم شعراء العرب زهير بن أبي سلمى صاحب قصائد الحوليات :
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلةٍ جدباء محمول
ظل أولئك النفر الطيب الخير في تفكير مضنٍ، للبحث عن عمل يكون بمثابة صدقة جارية لأخيهم الراحل صلاح الدين ونسي محمد خير، تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". فهذا الحديث النبوي من أوضح الواضحات لا يحتاج إلى كثير شرحٍ وتفصيلٍ، فانقطاع عمل ابن آدم الذي يجري عليه الموت إلا من ثلاث، فكانت الصدقة الجارية أولى الثلاث. فلا غرو إن أسفرت تلكم الاجتماعات المباركات عن منظومة يكون خيرها عميم على كل أهل السودان، لأن صلاح الدين رُبي تربية صالحة جعلته يحرص أن يكون ابن كل أهل السودان، في المواقع التنفيذية والوزارية التي تسنمها طوال عهد الإنقاذ. وقد بذل الأخ الصديق علي حسن أحمد البشير جُهداً مقدراً، وسعياً حثيثاً،وعملاً دؤوباً مع ذاك النفر الطيب، لإعلان ميلاد مؤسسة صلاح ونسي لأبحاث ومكافحة السرطان، تقبل الله تعالى منهم هذا العمل الطيب، وأثابهم عنه خير الجزاء. وجعل الله تعالى هذه المنظومة المباركة جهداً خالصاً لوجهه، وثوابها جارياً عظيماً، لأخينا صلاح الدين، فهي بحق وحقيقة، ينتفع من أبحاثها مرضى السرطان في رحلة الشفاء، ومسير القضاء المؤجل (المرض) حتى لا يفضي عاجلا الى القضاء المبرم (الموت).
وفي رايي الخاص، إن أذن لنا الاخ علي حسن أحمد البشير، وصحبه الميامين في هذا العمل الطيب المبارك، أن نقترح دون أن نلكن جهودهم في انشاء هذه المنظومة التي ستعنى عناية خاصة، ورعاية كاملة، بأبحاث ومكافحة السرطان، أن يحدث تعديلاً طفيفاً في اسم تلكم المنظومة، للتيسير والإيجاز في المبنى والمعنى، عند ترجمانها بلغات أجنبية، بأن تصير "مؤسسة ونسي لأبحاث ومكافحة السرطان". وهذا عندي، قُبل المقترح أو عُزف عنه، بمثابة جُهد المقل، في عمل نسأل الله تعالى ألا نتأخر عنه، إعلاما وتذكيراً في الوسائط الصحافية والإعلامية، حاضراً ومستقبلاً، بكل ما أوتينا من فهمٍ، مهما قل شموله، ومن جُهد مهما تصاغر ذيوعه.
أخلص إلى أنني والأخ الصديق والجار العزيز الدكتور عبد الوهاب مصطفى السيسي استشاري طب وجراحة العيون، كنّا نعد الأيام والليالي، لنشهد ذلكم الحدث الذي يذكرنا بصديقنا الحبيب الراحل صلاح الدين ونسي محمد خير، وتعاهدنا على أن يذكر بَعضُنَا بعضا لنؤم تلكم الليلة المباركة، ونشهد بأم اعيننا ميلاد مؤسسة ونسي لأبحاث ومكافحة السرطان، ونحمد الله تعالى أن حقق لنا وطرنا في إمضاء سويعات في رحاب الأخ الراحل صلاح الدين ونسي محمد خير وتدشين منظومته التقليدية، بحضور الأخ الرئيس عمر البشير الذي وعد برعاية هذه المنظومة، وتبرع لها تبرعاً سخياً، ليعم خيرها شفاء للسودانيين داخل الخرطوم وخارجها. وكم كانت كلمته في ذاكم الملتقى جد مؤثرة، ومؤكدة لمعاني الوفاء، ومفاهيم الإخلاص، شارحاً سبق المعرفة بالأخ الراحل صلاح الدين ونسي محمد خير من أيام الإنقاذ الأولى الى يوم الوفاة الحُزنى.
\\\\\\\\\\\\\