صناعة الذئاب البشرية المنفردة بالإيحاء
نرجو أن نقرأ هذا السيناريو ببطء ودقَّة :
(1)
سيناريو غريب ولكنه للعارفين سهل الحدوث. أول ما استخدمته هي أجهزة الاستخبارات المتقدمة. تحول من وسيلة علاج قديمة الى وسيلة لمعرفة النوايا ، وتفخيخ البشر!! .كثُر الحديث عن " داعش" أو ما أطلق على نفسه " الدولة الإسلامية " وفقاً لتسمية زعيمها " أبوبكر البغدادي" فهو تنظيم يتّبع ذات المنهاج . منذ زمان ولم تزل القاعدة ،ثم طالبان تستخدمان ذات السيناريو . اليوم يستخدمون ذات التقنية ، مضافاً إليها "نباتات التخدير" التي تُسرع بعملية الإيحاء وتسخير الشباب والأطفال ليصبحوا دمى تتبع الأوامر ،مع الخضوع التام .
كل تلك التنظيمات ابتدعت خيار استخدام علوم النفس البشرية وتقنية الإعلام الكوني الجديد، لتجنيد وصناعة وتفخيخ البشر ليقوموا بالعمليات الانتحارية دون علمهم ومسئوليتهم القانونية الكاملة!!! .
ولكنا لن ندع الأمر يمرّ علينا مرور الكرام ، فالتحليل الصحافي الذي نقرأ عن هذه الجرائم البشعة ضد الانسانية . والمتكررة في كل بقاع الأرض لم تعُد وحدها تُفسر تلك الهالة الغريبة من صناعة الدهشة والوحشية والبربرية التي تُحيط بالدماء التي تسيل والأشلاء البشرية المبعثرة .لم يمنع مُرتكبيها خلقٌ أو رحمة أو سماحة دين . ونسأل أنفسنا من هو المجرم ؟ أهو الدُمية أم منْ يُحرك الدمية ؟!.
(2)
لم يتناول الإعلام في كل صوره غير منْ الممول ، ومنْ هم أصحاب المصالح ، دون النظر لعمق الظاهرة وتقنية استخدامها وعولمتها! . لم يسأل أحد كيف تنتشر خلايا الإرهاب السرطاني من باطنها والجميع يغضون الطرف عن قدرة التقنية الإعلامية واستخدام وسائل العصر لتنفيذ أهداف أبلّتها السنين . تمّ إعادتها لتشكيل العقول المُخدّرة والنفوس الشابة البشرية ، و من ثمة صناعتها "ذئاب منفردة " لإنجاز أهداف التنظيمات . تخرج "الذئاب المنفردة "من الدنيا بلا ثمن وتذهب إلى جحيم الموت . كأنها تطّلع من المناديل الحُمر والحمام الذي يطير من ألعاب الحواة . وأصبح سلاح العصر. كيف انتقل من أجهزة الاستخبار إلى الجماعات الإرهابية . وهو سؤال يقف لوحده في حاجة لإجابة !!
انتقلت هذه التقنية إلى العُصبة التي تُدير بؤر الإرهاب . وصناعة أية مادة تفجيرية من عناصرها الأولية لتفلت من الرّقابة . صارت تقنية الانترنيت ، وسيلة لتحويل كوابيس الأحلام إلى واقع حقيقي ماثل أمامنا .ونشهده حياً في التلفزة وملون بالدم والأشلاء .
تمكنت التنظيمات الإرهابية من استخدام عطر العصور الغابرة ، لتكون ملهاة عظيمة بالصوت والصورة . تصعد قمة الأخبار الإعلامية ، بحدث أنجزه أفراد!! ، ولكنه طاف بالكون الذي نعيش ، يُربك كل الأحياء ، ولا يؤثر شعرة في الصانعين ، لأن الهدف قد تحقق . فإنجاز دموي تصنعه " الذئاب المنفردة " كافٍ لإعلان قوة المنظمة الإرهابية ، وهي وسيلة شريرة لتحويل البشر إلى فِخاخ متفجرة ، تماماً كما تم في 11 سبتمبر 2001 .
(3)
أعادت صناعة التنويم الإيحائي أو ما يُطلق عليه " التنويم المغناطيسي " دورها من جديد لتحقيق الأهداف البعيدة واستغلال الشباب والأطفال . تلك الكائنات البشرية الطيّعة لتكون ضحايا وتتفجر لقتل النفس التي حرم الله وقتل من تستطيع وبعثرة أشلاء البشر ، أياً كانوا مستهدفين أم رواد سوق !!. والحقيقة المُرّة " دون مسئوليتهم الكاملة" ، بل المسئولية عند حامل التقنية السحرية ، الذي لا تستطيع التقنية المتقدمة من الوصول إليه، بعد أن أباد "الذئاب المنفردة " واختفى ،ليبدأ من جديد للتخطيط لاستجلاب دمى جديدة !!! . والهدف : خبطة دموية إعلامية ، تنشر دماء الآمنين وأشلاءهم على الأرض ، بدل علاج الإنسان من أمراضه وعلله . بل القتل العشوائي ، الذي ينجزه قليل من الأفراد . ويحقق طفرة إعلامية وزوبعة متفجرة و دموية ومُدمّرة .
(4)
ليس صعباً تدريب الأشخاص على مهارة "التنويم الإيحائي ". فلا نرغب في بث معلومة يُخفيها كثير من العلماء خوف أن يستغل البشر أسرار العلاج النفسي، لتدمير البشرية وصناعة وسيلة جديدة لتنفيذ الملهاة الدموية التي تعبث بالبشر. يكفي ما صنع الإنترنيت الذي فتح العيون الخيّرة واستغلتها العيون الشريرة لتتغذى بالدم البشري ، بدعوى العودة إلى القيم النبيلة . فأي نُبل وأي فتوى شريرة تُبيح هذا القتل الجِزافي وتلك الوحشية الخارجة عن الأعراف والنواميس !
لن ندع كل ذلك التراث الملتبس. إننا نعيد التفكير في كيفية صناعة " الذئاب المنفردة " وكثرة الحيرة في كيف تعمل الذئاب المنفردة لتدير العمليات الانتحارية أو ما تسمى عندهم بالعمليات " الاستشهادية" وفق مراجع التنظيمات الجهادية وكهنة الفتاوى الذين يُشرعون لهم ، بتفتيش التاريخ القديم للعثور على المراجع ومن ثمة اختيار" القنابل البشرية الموقوتة " والتضحية بها . إن أنجز الذئب المُنفرد التقتيل ولم يمُت ،يتم تفجير الحزام الناسف عن بُعد عبر الهاتف النقال!!!.
*
كتب "غاي ليون بليفر " في سفره " السحر المعجزة "أو ثلاثية الطب والعقل والسحر :إن أكثر أنواع الإيحاء شيوعاً ، تطبق على ملايين الناس كل يوم في بيوتهم ، مقرونة بتنويم مغناطيسي مُستجر على التلفاز ويحدث ذلك عبر وابل من المشاهد الإرباكية ، حيث يُمطر المشاهد بوابل من تعليمات متناقضة ، إلى الحد الذي يستسلم لأول أمر يمكنه استيعابه ومعالجته مثل " نَم ".
(4)
الضحايا الدُمى :
يعرفهم الجميع بأن الضحايا أو " الانتحاريون " هادئو الطباع ، قليلي الكلام . تعبير الأوجه التي تبدو في حالات " التنويم الإيحائي العميق " كقطعة حجر ، بلا تعبير . هذا هو وصف الضحية التي تم استجرارها بالتنويم . الضحية التي يرغب التنظيم الارهابي في اختياره لتنفيذ العملية ، قد تم استجراره عبر فيديوهات الانترنيت ، قبل أن يلتقي بما يسمى " الشيخ الداعية " أو " مولانا " لتجهيز الضحية . وهنا يأتي استخدام التعابير الدينية المُدرة للعواطف ، لاستدرج الضحية الذي لا يتعرف على العقيدة إلا أولياتها ، ولا يمتلك "الرؤية النقدية " وهي الحاجز المنيع الذي يقف دون إعداد الضحية. بل يختارون الضحية من أرباع الجهلة وليس أنصافهم ، ليسهل إدخاله لمرحلة التنويم العميق الإيحائي العميق .
*
بعد الأحداث الدرامية الدموية ، تؤكد الأسر الغافلة بأنها تفاجأت بجريمة أبنها أو بنتها!! .تفاجأت بالجريمة والعنف المفرط والقتل، لأن" الذئب المنفرد " كان طيباً لا يتحدث كثيراً !؟ . وهي ذات أعراض التنويم الإيحائي قبل التنفيذ . إنه سجلٌ أسود في سمعة التنظيم الإرهابي، الذي يتخذ العقيدة مطية لتنفيذ القتل عبر شباب منوَّمِين استجرارا من خلال فيديوهات الإنترنيت. يقوم بالتنويم الإيحائي أفراد مختصون في علوم النفس البشرية . و يقومون بتقنية استخدام الموسيقى الرتيبة أو الكلمات المُدّرة للعواطف الدينية النبيلة . ويلبس " المجرم " لباس أهل العلم وادعاء المشيخة ولبس عُباءتها . ثم يبدأ الحديث الناعم وصولاً إلى التكرار الآمر والمُمِل للكلمات الرتيبة حتى الدخول للتنويم الإيحائي عن طريق الفيديو المبثوث في فضاء الإنترنيت ، وهي المرحلة الأولى . ومن ثمة الوصول للتخدير العميق للضحية المتلقي ، ثم تلقي الأوامر، في المنطقة (... ) التي سوف يتصل بهم على الهاتف من يقول لهم ( ... ) .ثم يتابع الشيخ الجديد ويكمل الدراما .
من بعد السفر والتدريب على السلاح ، يُرسل " الضحايا " إلى بلدانهم . ويتم تحديد نقاط التجمع عبر شفرة الهواتف النقالة بأشخاص لا يعرفون بعضهم . ويتم تخديرهم بالإيحاء. ومنها يقوم الشخص الذي تم تنويمه بإطاعة الأوامر ،لتنفيذها . لقد أصبحت " الضحية " قنبلة موقوتة تنتظر الأوامر أيضا بشفرة عبر الهاتف النقال. ويتم تزويده بالسلاح بواسطة آخرين لا يعرفهم وهو مُخدر. ويتم ربط الحزام الناسف بالبطون ، وربط تفجيرها عن بُعد بالهاتف النقال . ويتم توصيل الضحية إلى الموضع مع التوقيت " الزمان والمكان " .إن لم يمت "الذئب المنفرد" أو قُتل ،فيتم تفجير حزامه عن بُعد . لذلك نشهد الجرائم في صورة تفجيرين متزامنين . يكون المُجرم الحقيقي قد أنجز مهمة التفجير عن بُعد . يختفي ويذوب !!!! .
(5)
ذكرنا نموذجاً للتنويم الإيحائي في موضوعنا " رحيل لم يكُن في الخاطر " :
*
تخير الشيخ مقعداً وجلس مواجهاً ( .... ) . أمسك يديه ، اليمين باليسار واليسار باليمين ، والعينان يُنظُران برقة ودفء ، وبود تحدث مبتدئاً :
ـ قُل بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أفضل المُرسلين .
تبعه (.... ) في مَقالته . علت نبضات القلب . رهبة وسكينة ، وعينا الشيخ لا تُفارق صاحبه ، تتفرس الوجه النضيد ، حَسَن الصورة .
قال الشيخ :
ـ أمس الأول كنتُ في حُلمٍ رباني عجيب ، أللهم املأ صدري ومَكنِّي أن أقول لك ما وددتُ قوله . لقد سُررت برؤية أعظم الخلق في المنام . مُناي أن يصطفيك المولى مثلي برؤية الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام .
تقلبت عينا (.... ) ثم تحركت شفتاه :
ـ اللهم صل وسلم وبارك عليه ، في انتظار وعدك ربي .
قال الشيخ :
ـ ما أعجب الدُنيا ، وما أعجب أن يسألني النبي الكريم عنك في حضوره بهياً لمنامي . دون معارفي كلهم خصكَ أنت بتحيته وبعثني اليوم إليك .
توهجت عينا ( .... ) وهو ينظر و استطرد الشيخ :
ـ كانت جبينه طلعة ناضرة . نور على نور ، وكان ثوبه أبيضاً . وقفت ارتجف من رهبة الوقوف بين يديه. حياني وتبسم مُشرقاً ، وسمَّاك دون خلق الله جميعاً . قال لي : قل لحبيبي ( .... ) ، سيدكَ ومُنية نفسك يُقرِؤك السلام ، ويقول لك كيف حال دُنياكَ ، سكنك ومآلك ؟ . قلتُ له : هو يتبعُ خُطاك في كل حركاته وسكناته . قال لي سيد الخلق: قُل له إني اصطفيت حبيبي ( .... ) لنُصرتي في الجهاد وأقرأه .. ثم بدأ تلاوة ما تيسر من الذكر الحكيم على مسامعي ، نور فوق كل أنوار الدنيا. ما سمعت أجمل من لؤلؤة تجويده وما سمعت موسيقى قُرآنية بمثل ما سمعت منذ تفتحت عينايَّ . قرأ لي من سورة التوبة : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
قرأ لي من سورة البقرة :
{213 }أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ{214} ، ثم قرأ :
{215} كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{216}
ثم صدَّق النبي الكريم الله وعظّم شأنه .
*
صمت شيخ ( الأمين ) بُرهة ، ونظر .
اغرورقت عينا ( ....) بالدموع وقد خنقتُه العبرة ، مسح دمعه وقال:
ـ اللهم عِدنا محبة النبي . لبيك يا رسول الله .
ثم أجهَش مرة أخرى بالبُكاء .
اقترب الشيخ ونظر مُحدقاً في عيني(..... ) وقال له بنبرة عطوفة :
ـ قل بسم الله والحمد لله ..
ردد (.....)
ـ بسم الله والحمد لله ..
توهجت عينا الشيخ وتغيرت نبرته من الرقة والخضوع إلى نبرة شبه آمرة :
ـ انظُر جبهتي عند الغُرة .
نظر (..... ) ببطء ، وأحس بطُمأنينة ، واسترخت عضلات وجهه ، وتراخى جسده على المسند.
قال الشيخ :
ـ تنفس نفساً عميقاً ، وقل الحمد لله ...
تبعه (..... ) يُنفذ الأوامر . بدأ العالم الهادئ يتسلل إلى الذهن . الكون وهج يخبو ضوؤه رويداً رويدا ، ثم إلى دُنيا الخدر والنوم ، راح ( ..... ) في سباتٍ عميق . الآن تحرك الشيخ ولبِس لباس الخاصة ، وهبطت الأوامر على الذهن النائم ، الأمر يتبع الآخر ... وتمَّ المُراد .
عبد الله الشقليني
25 يونيو 2016
alshiglini@gmail.com