ضبابية العلائق بين ترامب والوسائط الصحافية والإعلامية (1)

 


 

 


i.imam@outlook.com

عقدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية اجتماعاً مهماً مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد فريدريك ترامب في مقرها بمدينة نيويورك يوم الثلاثاء 22 نوفمبر 2016، في مبادرة منه لعقد ذاكم الاجتماع. وبعد مُلاججةٍ وترددٍ، قرر ترامب مواجهة صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في عقر دارها، للبحث عن إجاباتٍ شافياتٍ لتساؤلاتٍ حيرى عنده، عن أسباب ومسببات عداوتها له، وهجومها المستمر عليه، من وجهة نظره. إذ أنها منذ سبعينات القرن الماضي، وبالتحديد منذ 28 يناير 1973، عندما تحدثت الصحيفة النيويركية عن مشاريع إعمارية لوالده فريدريك ترامب، ووصفتها آنذاك، بمبانٍ توفر مساكن بأسعار زهيدة لعامة الشعب. وأصبح دونالد ترامب تاجراً نشطاً فيها. ومنذ ذلك الوقت، لم تألو الصحيفة جُهداً في تتبع أعماله التي صارت إمبراطورية داخل نيويورك وخارجها. ولكن الصحيفة زادت التركيز عليه انتقاداً وهجوماً، أكثر مما قبل، عندما أعلن ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة الأميركية، حيث تردد اسم ترامب أكثر من 12 ألف مرة، وفقاً لما جاء في إرشيف الصحيفة الإلكتروني. إذ دأبت الصحيفة على ملاحقة أخباره، وتوثيق كل تحركاته وتصريحاته المثيرة للجدل على صفحاتها السياسية وأعمدة الرأي والمقالات، بعد أن كانت أخباره قاصرة على صفحات الاقتصاد والعقارات والأعمال.
وكان الملحظ الأبرز، في صراعات الطرفين اليومية، حيث اختارت الصحيفة مسرحها، الصفحات السياسية وأعمدة الرأي، ولجأ ترامب إلى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "التويتر" للرد على "نيويورك تايمز". من هنا اعتبر خبراء الصحافة والإعلام أن العلاقة بين الصحيفة الأميركية الأشهر والرئيس المنتخب ترامب، أصبحت علاقة فيها قدر من الاضطراب والضبابية. فلذلك على الرغم من تردده في باديء الامر، حيث أعلن ترامب، في اليوم المحدد للقاء أسرة تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" نفسه، قرار إلغائه. إذ فاجاءهم عبر تويتر، أنه ألغي ذاكم اللقاء، بحُجية أن الصحيفة لم تلتزم بطلبه في أن يكون اللقاء كله "أوف ريكورد"، بينما ذكرت الصحيفة أن اتفاقها مع الرئيس المنتخب أن يكون اللقاء مناصفة، جزء "أوف ريكورد"، والجزء الآخر "أون ريكورد"، وإلا ليس هناك ما يضطرها أن تقبل بكل شروطه واشتراطاته. فكتب ترامب في تغريدة صباح يوم اللقاء نفسه (الثلاثاء 22/11/2016)، "لقد أُلغيت الاجتماع الذي كان مقررا اليوم مع "نيويورك تايمز" التي تشهد تراجعاُ، إثر تغيير بنود وشروط الاجتماع في آخر لحظة، هذا ليس جيدا". وأضاف "ربما يتم تنظيم اجتماع جديد مع "نيويورك تايمز"، وفي الانتظار، تواصل الصحيفة تغطية نشاطاتي بطريقة غير صحيحة وبلهجة بغيضة".
وقالت أيلين مورفي المتحدثة باسم الصحيفة "لم نغير القواعد الأساسية البتة ولم نحاول القيام بذلك". وأضافت إنه على العكس فان فريق ترامب "هو الذي حاول بالأمس مطالبا بان نجري لقاءً خاصاً بدون أن تكون ضمنه فقرة مسجلة (يمكن نشرها)، وهذا ما رفضناه". وأشارت إلى أن الصحيفة علمت بأمر الإلغاء "عبر قراءة رسائل ترامب عبر تويتر"، الوسيلة المفضلة لدى الرئيس الأميركي المنتخب ترامب للتعليق على الأحداث.
وفي رأيي الخاص، أن ترامب في حربه الضروس مع بعض الوسائط الصحافية والإعلامية، كان يكثر من اتهام صحيفة "نيويورك تايمز" بأنها تتعامل معه باستمرار بانحياز فاضح ضده. لكن الصحيفة الاميركية الأشهر، سارعت إلى الرد على موقعها، مؤكدة إنها لم تعلم بالإلغاء إلا عبر قراءة تغريدات ترامب. لم يتوان ترامب في عقد سلسلة من الاجتماعات مع بعض الوسائط الصحافية والإعلامية التي تخصصت في انتقاده والهجوم عليه، في إطار سياسة “Make or Break” قبيل تسنمه الرئاسة الأميركية الفعلية في العاشر من يناير 2017، من خلال هذه الاجتماعات التي هدف منها ترامب مواجهة هذه الوسائط الصحافية والإعلامية.
فلا غرو، أن نجد تبادل الاتهامات بين ترامب وهذه الوسائط الصحافية والإعلامية التي قدح ترامب في مهنيتها وصدقيتها ونزاهتها، خلال اجتماع عقده ترامب يوم الاثنين 21 نوفمبر 2016، مع عدد من مسؤولي كبرى قنوات التلفزيون الأميركية، إضافة إلى عدد من مقدمي البرامج التلفزيونية المعروفين. واغتنم ترامب هذه الفرصة، الأمر غير المألوف بالنسبة إلى رئيس منتخب، لينتقد مقدمي القنوات التلفزيونية، بشأن تغطيتهم التي يعتبرها غير منصفة له، بحسب تسريبات عن الاجتماع في وسائل الإعلام الأميركية. ولم يخف ترامب مغاضبته لهؤلاء، واصفاً تغطيتهم ب"غير النزيهة"، لا سيما الوسائط الصحافية والإعلامية الكبرى لأنشطته، وخص بالاتهام شبكة "سي إن إن"، ونعتها بالكذب. بينما وصف صحيفة "نيويورك تايمز" عبر "تويتر"، بالفاشلة والمنحازة.
لم يقطع ترامب حبائل العلائق مع الوسائط الصحافية والإعلامية، لعلمه اليقيني أنه في مسيس الحاجة إليها، لإنفاذ بعض برامجه الانتخابية، غير تلكم المثيرة للجدل التي سببت له كثير انتقاد من تلكم الوسائط الصحافية والإعلامية. فلذلك حرص على ألا يقطع شعرة معاوية التي بينه وبين الوسائط الصحافية والإعلامية، فسرعان ما تراجع ترامب في اليوم نفسه، عن إلغاء مقابلته مع صحيفة "نيويورك تايمز"، وأذعن للشروط المقررة سلفاً مع الصحيفة، إلا أنه تابع هجومه عليها متهماً إياها بالتعامل معه بانحياز. وفي نهاية المطاف، أعلنت هوبي هيكس المستشارة الصحافية للرئيس المنتخب ترامب، للصحافيين الذين يتابعون أنشطة ترامب في مانهاتن أن "المقابلة تمت كما كان مقررا". وعادت مورفي لتعلن في بيان أن "فريق ترامب أبلغنا أن اللقاء مع "نيويورك تايمز" تم تأكيده مجدداً". وقالت إنه سيشتمل على قسم مسجل للنشر. وعاد ترامب عن قرار إلغاء مقابلته مع صحيفة "نيويورك تايمز" بعد أربع ساعاتٍ فقط من إعلانه إلغاء تلكم المقابلة.
اخلص إلى أن، ترامب كان حريصاً على لقاء الوسائط الصحافية والإعلامية، تداركاً منه، أنه من الضروري مواجهة كبريات الشبكات التلفزيونية، وصحيفة "نيويورك تايمز"، بُغية إزالة الكثير من الضبابية في علائقه مع الوسائط الصحافية والاعلامية، وليوطن نفسه في مقتبل الأيام، لتصير العلائق بين الرئيس المنتخب وتلكم الوسائط الصحافية والإعلامية، فيها قدرٌ من العداوة والصداقة، وحافلة بالإشادات والمشادات. فبهذا الفهم لأهمية الوسائط الصحافية والإعلامية، كتب ترامب في تغريدته، معلناً موافقته على الاجتماع مع صحيفة "نيويورك تايمز"، بعد اربع ساعاتٍ فقط، من تغريدة يعلن خلالها إلغائه الاجتماع مع الصّحيفة: "الاجتماع مع نيويورك تايمز عاد، أتشوّق له". وفي الحلقة المقبلة، أتطرق الى ابعاد اخرى من ضبابية العلائق بين المسؤولين والوسائط الصحافية والاعلامية.

 

آراء