ضباب المدينة: في أزمة الطبقة الوسطي السودانية وحزبها الوطني الأتحادي
25 April, 2010
boulkea@yahoo.com
ملخّص:
تهدف هذه الورقة الي النظر في المأزق السياسي السوداني وذلك عبر تقصّي الأمر في مظانّه الأساسية المرتبطة بنشأة وطبيعة وتطورالطبقة الوسطي السودانية التي تحمّلت مهمة قيادة الدولة السودانية بعد خروج المستعمر في العام 1956. وتقرر الورقة أنّ جمعيتا الأتحاد السوداني واللواء الأبيض مثلتا النموذج الأمثل لوعي الطبقة الوسطي وأهدافها وتحالفاتها السياسية.وتقترح الورقة أنّ ظروفا موضوعية متمثلة في الوجود الأستعماري بجانب أخري ذاتية هي التي ساهمت في أجهاض مشروع هذه الطبقة. وتعتبر الورقة أنّ الأنتخابات البرلمانية التي أجريت في العام 1958 كانت فرصة تاريخية لأستعادة الدور المفقود للطبقة الوسطي وقد أمتد أثرها للبنية السياسية وكافة الأنظمة التي حكمت السودان طيلة خمسة عقود من الزمان هي عمر الحكم الوطني.
مفهوم الطبقة الوسطى:
يعرّف القاموس البابلي الطبقة الوسطي بأنها المرتبة الأجتماعية الوسيطة بين الأغنياء والفقراء, و أفرادها هم الناس أصحاب الوضع الأجتماعي الواقع بين الطبقة العاملة والطبقة العليا في المجتمع. [1]
و يحصر مورو برجر الطبقة الوسطي فى جماعتين أساسيتين الأولى: تشمل التجار وأصحاب المصانع الصغيرة ومن يعملون لحسابهم والذين لا يؤهلهم دخلهم ولا قوتهم لأن ينضموا لذوى النفوذ والجاه فى الحياة السياسية والاقتصادية وتشمل الجماعة الثانية: جماعات أخرى مختلطة تضم المهنيين المستقلين كالأطباء والمحامين والمهندسين والمديرين والتقنيين كما تضم المثقفين والفنانين والأدباء والكتاب وكذلك المشتغلين بالبحث العلمى.[2]
و يقول حنا بطاطو انّ المقصود بالفئات المتوسطة تلك الفئات ذات الطبيعة المركبة (أو المزدوجة) والتى تتعدد وظائفها، ولكن يجمع بينها احتلالها لموقع أو مكان وسط بين هؤلاء الذين لا يملكون وكبار الملاك، وهذه الفئات تضم ضمن ما تضم من عناصر وفئات: ضباط الجيش وموظفى جهاز الدولة وأرباب المهن الحرة، والتجار وملاك الأراضي المتوسطين".[3]
ورغم أن بعض الباحثين يرى فى هذا التعريف توسيعا لا مبرر له حيث يحدث تداخل بين الفئات الوسطى والبورجوازية الصغيرة، إلا أن معظم الباحثين المعاصرين الذين أولوا الفئات الوسطى أو الطبقة الوسطى اهتماما كبيرا يتفقون بشكل عام على هذا التعريف الواسع ولا يعترضون على اعتبار أصحاب المشروعات الصناعية الصغيرة ومتوسطى المزارعين من ضمن الطبقة الوسطى ويقبلون بهذا التداخل بين الطبقة الوسطى وقطاعات من البورجوازية الصغيرة لتقارب مواقعها من البناء الاجتماعى. حيث يرى الدكتور محمود عودة أن الطبقة الوسطى تضم فئات متنوعة فى ارتباطاتها الاقتصادية وانتماءاتها الاجتماعية وأصولها التاريخية. إنها تضم تشكيلة متنوعة من متوسطى المزارعين والحرفيين من أصحاب الورش، ومتوسطى التجار والجانب الأعظم من موظفى الدولة مدنيين وعسكريين .[4]
و يري المفكر الماركسي غازي الصوراني أن استخدام مصطلح “البورجوازية الصغيرة” بشرائحها الثلاث : العليا ، و المتوسطة ، و الدنيا هو الأكثر دقة و اقتراباً و تفسيراً للواقع الاجتماعي في بلادنا من مصطلح الطبقة الوسطي ، لا سيما و أنه يتفق مع التحليل الماركسي للمجتمع البورجوازي ، و هو تحليل يستند –كما هو معروف- إلى المقولة التالية : “في المجتمعات البورجوازية ثمة طبقتان رئيسيتان متناحرتان : البورجوازية ، و البروليتاريا ، و تشمل البورجوازية على ثلاثة أقسام هي :البورجوازية الكبيرة ، و البورجوازية المتوسطة و البورجوازية الصغيرة ، و هذه الأخيرة تتوزع على ثلاثة شرائح : العليا ، و المتوسطة ، و الدنيا ، و هي الطبقة الأقدم في التاريخ ، و الأكثر تعقيداً في أوضاعها الداخلية و تركيبتها ، و قد تناولها بالتعريف و التشخيص ماركس و انجلز و لينين و غيرهم من المفكرين الماركسيين ، نذكر منهم في بلادنا ، المفكر الماركسي الراحل د. فؤاد مرسي ، الذي أكد على أن “الحرفيين و صغار المنتجين و أصحاب الحوانيت و صغار الفلاحين و الموظفين ، يشكلون جميعاً ما يسمى بالبورجوازية الصغيرة ، أكثر الطبقات عدداً و أوسعها نفوذاً و أبعدها أثراً في مجتمعنا”.[5]
ويتفق الدكتور محمود عبد الفضيل مع هذه النظرة للطبقة الوسطى بشرائحها الثلاث :العليا والوسطى والدنيا، ويذكر أنّ أهم ما يميز هذا التقسيم أن الطبقة المتوسطة تعتمد أساسا على عملها سواء كان عملا مهنياً أو فنيا أو غير ذلك وإن كان ذلك لا يمنع وجود أفراد منها يملكون بعض أدوات الإنتاج، كأن يكون الفرد مالكا لقطعة أرض أو عقار أو لبعض الأسهم والسندات... إلخ، ولكن برغم ذلك فإن دخله الأساسى يكون من عمله المهنى. أما الشريحة العليا من الطبقة الوسطى فهى أقرب ما تكون في طموحاتها ونظام قيمها وأنماط معيشتها من الطبقة العليا.[6]
و يؤكد الدكتور رمزي زكي في كتابه " وداعا للطبقة الوسطي" أنه “يستخدم مصطلح الطبقة الوسطى تجاوزاً ، لأنه مصطلح هلامي و فضفاض يفتقد للدقة العلمية ، و لأن هذا المصطلح يضم في الواقع كتلة واسعة من الفئات الاجتماعية التي تتباين في حجم دخلها ، و هي طبقة غير منسجمة ، يسودها مختلف ألوان الفكر الاجتماعي و السياسي ، حيث أنها تضم مختلف الشرائح الاجتماعية التي تعيش بشكل أساسي على المُرتَّبات المكتسبة في الحكومة و القطاع العام و الخدمات و المهن الحرة ، و يطلق على أصحابها : ذوي الياقات البيضاء يتوزعون على ثلاثة شرائح : عليا و متوسطة و دنيا ". [7]
و من بين المعايير الموضوعية في تحديد ماهية الطبقة الاجتماعية نجد معيار الثروة والدخل والذي يعني مقدار الاموال التي يتقاضاها الفرد بعد قيامه ببعض الانشطة العقلية أو العضلية، أو بعد استثماره لعقار أو ملكية منقولة أو غير منقولة. أما الثروة أو الملكية فهي الأشياء المنقولة أ و غير المنقولة التي تكون بحوزة الفرد ومنها العقارات والاراضي والمكائن ووسائل النقل التي تدعم حالته المادية، وتعطيه درجة من القوة النفسية والاجتماعية. ويعتبر الدخل والثروة من العوامل الاقتصادية المهمة والجوهرية في تحديد مكانة الفرد وطبقته الاجتماعية. [8]
ففي الولايات المتحدة الأمريكية يضع مكتب الإحصاء الوطني قياسا كميا لمحددات الطبقة الوسطى، فيما يضع بعض الاقتصاديين خمسة سقوف كمية لشرح التمايزات الكمية بين خمس فئات من الطبقة الوسطى. وفي بريطانيا هنالك توصيف نوعي للطبقة الوسطى يضعها في الوسط ما بين البرجوازية الثرية وطبقة العمال الصناعيين والحرفيين الصغار. كما هو واضح هنالك آراء متغايرة، كي لا نقول مختلفة، حول تعريف الطبقة الوسطى. وهذا التغاير ناتج بطبيعة الحال عن اختلاف أوضاع الطبقة الوسطى من بلد إلى آخر ومن إقليم اقتصادي إلى إقليم اقتصادي آخر داخل البلد الواحد. وهو ناتج أيضا عن اختلاف أدوات القياس الكمي والنوعي المستخدمة من قبل الباحثين والدارسين، كاعتماد الكفاية الاقتصادية الذاتية معيارا أو مقياسا للتقييس الاجتماعي الطبقي.[9]
المفهوم أو المصطلح اذاً ملتبس بعض الشىء وتوصيفات الطبقة الوسطى كثيرة ومتغايرة ، وهي تختلف باختلاف المدارس الفكرية و الاقتصادية ومناهج القياس المستخدمة في تشخيصها.
لأغراض هذه الورقة فأننا نستخدم مصطلح الطبقة الوسطي ونعني به الفئات التي حددها التعريف الماركسي ضمن مصطلح البرجوازية الصغيرة و المتوسطة.
خصائص الطبقة الوسطي ودورها السياسي والأجتماعي:
تتمثل بعض خصائص الطبقة الوسطي في دول العالم الثالث في التالي:
(1) الطبقة الوسطى ترتبط بالمدن ( في مقابل الريف) حيث تنشأ في حضن المؤسسات الأنتاجية وتتميز بإنتشار التعليم بين أفرادها ويعمل جزء كبير منها بالتجارة والحرف المتوسطة والورش والمصانع الصغيرة والمنشآت الخدمية الصغيرة وامتلاك بعض الأراضي والعقارات الصغيرة وتدبير بعض وسائل النقل.
(2) تعتمد شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى الحضرية على الوظيفة العمومية في كسب عيشها.
(3) فئة الموظفين والمتعلمين من الطبقة الوسطي تعيش نوعا من انفصام الشخصية وعدم التجانس في تكوينها الفكري، نظرا لتباين نمط التعليم الذي تلقته. فبعض هذه الشرائح تلقى تعليما تقليديا أصيلا والبعض الآخر تلقى تعليما عصريا, ويؤدي هذا التناقض الكامن داخل الطبقة الوسطى إلى تعدد تعبيرات شرائحها السياسية وإلى إصطدامات فيما بينها .
(4) للطبقة الوسطى دور مشهود فى الحياة السياسية فى مختلف أقطار العالم الثالث، وكانت هذه الطبقة بمختلف شرائحها القاعدة الاجتماعية للعديد من الحركات والأحزاب السياسية التي نافحت الأستعمار، كما أن القطاعات المثقفة منها قامت بصياغة فكر وبرامج هذه الحركات والأحزاب.
(5) تعاني الطبقة الوسطي في ظل وجود الأستعمار من مشاكل جذرية مرتبطة بحجمها و مدي أنتشارها وفعاليتها.
(6) تقوم الفئات الوسطى فى فترة الأستعمار ببناء القطاع الأهلى والمجتمع المدنى من خلال الجمعيات الأهلية التى تتصدي مبكرا لتحمل مسئولية نشر التعليم الوطنى.
(7) ساهمت الفئات الوسطى فى تحديث مجتمعاتها وتبنى قضايا التنوير ومعالجة قضايا الثقافة والتعليم بما يدعم قدرة دولها على التطور ومواكبة تحديات العصر. كما قامت بنفس الدور فى تأسيس منظمات المجتمع المدنى والنقابات المهنية والصحافة الحديثة وطرح قضايا الثقافة وتحديات المعاصرة والأصالة.
(8) تتسم شرائح الطبقة الوسطى بدرجة مهمة من الطموح المقترن بقدر من المحافظة والتحرر . وفي هذا الإطار تقبل هذه الطبقة مبدأ تعليم البنات وحصولهن على أعلى الدرجات وكذا اشتغالهن في مختلف المهن.
الدور السياسي والأجتماعي للطبقة الوسطي السودانية:
يؤكد تيم نبلوك أنّ التركيب الطبقي للمجتمع السوداني في ظل الأستعمار البريطاني لم يكن متبلورا بالشكل الذي حدث في المجتمعات الرأسمالية الصناعية. ويقول أنّ الطبقة الوسطي السودانية تتكون من شبه المهنيين, والموظفين المتوسطين, صغار الموظفين والعاملين, مجموعات صغار التجار, المزارعين والمزارعين المستأجرين والرعاة الذين يعتمدون بشكل رئيسي علي العمل المأجور – ومن هنا, نلاحظ أنّ أوضاع هذه الطبقة تشبه, في الكثير من جوانبها, أوضاع الطبقة البرجوازية الصغيرة في البلدان الرأسمالية الصناعية. [10]
كان الربع الأول من القرن العشرين بمثابة منصة الأنطلاق التي شكلت واقع السودان السياسي والأجتماعي لسنوات عديدة تالية. فعلي صعيد المجتمع كانت ملامح الفرز الطبقي قد بدات بالتشكل حصادا لسنوات الأحتكاك مع الحكم الوافد الذي حمل معه حداثة أوروبا بانتاجها الآلي وتعليمها النظامي واساليبها الأدارية المتقدمة والتي كانت بدورها ثمارا لعصر التنوير والأنطلاق من قيود الكنيسة وعهود الظلام.[11]
وعلي الجانب السياسي كان جيل من السودانيين قد نشأ وترعرع ووعي في كنف الحكم الجديد ثم بدا في اعلان تمرده علي جيل الأبوة متاثرا بشعاع الثقافة الآخذ في الأنسراب من جهة الشمال. ونتيجة هذين العاملين طفت علي السطح خيوط تشابك وارتباط جمعت بين جيل المثقفين والطبقة الوسطي الناشئة في البلاد وخاصة في المدن.[12]
وقد لعبت الطبقة الوسطي الدور الأكبر والأهم في تشكيل الحركة السياسية الوطنية السودانية, حيث شهدت مدن الخرطوم وأمدرمان والخرطوم بحري ميلاد أول حركة وطنية سودانية منظمة في أوائل 1920 وهي جمعية الأتحاد السوداني التي كان جميع مؤسسيها من النقاد والأدباء والمثقفين الأجتماعيين ومن صغار الكتبة والموظفين بالحكومة.[13]
أما جمعية اللواء الأبيض التي فجّرت ثورة 1924 فقد أعتمدت في بناء أطرها التنظيمية و أستقطاب عناصرها الحركية علي فئة العمال الحكوميين والحرفيين من حائكين ونجارين وصنّاع أحذية. كما كانت قوتها كامنة في موظفي الدرجتين السابعة والثامنة أى في أدني السلّم الوظيفي. كما وطّدت علاقاتها بالطلاب وصغار ضباط الجيش في المدرسة الحربية وكلية غردون ومعهد امدرمان. وقد لمع في صفوف الجمعية أسم أول منظم نقابي سوداني بارع هو علي احمد صالح الذي عمل كاتبا بمخازن فكتوريا بعد تخرجه من المدرسة الوسطي. [14]
تبنّي مثقفو الطبقة الوسطي الناشئة في حضن المدينة مفاهيم تقدمية للوطنية السودانية و للأمة في مقابل مفاهيم أخرى جسدتها طبقة كبار الملاك و قواها الدينية و القبلية. هذه المفاهيم تقوم علي المواطنة الحقة دون أعتبار للعنصر أو القبيلة أو الجهة أو الطائفة. وقد أنعكس ذلك في الجدال الذي أثارته صحيفة " حضارة السودان" حول من هو صاحب الحق في التحدث بأسم الأمة السودانية. [15] وهو ذات المفهوم الذي قصد اليه شاعر مؤتمر الخريجين علي نور في مرحلة لاحقة من مراحل تطوّر الطبقة الوسطي:
مضي جيلنا يصنع المعجزات فما تأخر أو قصّرا
مضي الأزهري يقود الرعيل فما عرف اللون والعنصرا
وبعد هزيمة الثورة في 1924عمد مثقفو الطبقة الوسطي الي تأسيس الصحافة الوطنية والجمعيات الأدبية التي كانت بمثابة التمهيد للمرحلة اللاحقة من مراحل تطور الحركة الوطنية السودانية وهي مرحلة مؤتمر الخريجين. ففي عام 1931 صدرت صحيفة النهضة لصاحبها محمد عباس أبو الريش , وفي العام 1934صدرت مجلة الفجر لمؤسسها عرفات محمد عبد الله, وقد تميّزت هذه الأخيرة بخط وطني سياسي متنابذ مع الطائفية والقبلية وساعيا بكل جهده لتميز المثقف السوداني بمواقف الحداثة والتجديد والتطلع الي حركة ذاتية متوثبة.[16]
وفي الفترة ما بين 1925 و 1938 قامت الجماعات الثقافية والجمعيات الأدبية التي أهتمت بالقضايا العامة و التكوين الفكري والسياسي وتنمية الشعور القومي وجمع الصف الوطني و أعداد الخريجين والمتعلمين للأضطلاع بدورهم القيادي. ومن بين هذه الجمعيات جمعية أبوروف وجماعة الهاشماب ( الفجر) و جمعية ودمدني الأدبية وغيرها.[17]
وفي العام 1937 أطلق أحمد خير في ندوة لجمعية ودمدني الأدبية الدعوة لأنتظام المثقفين والخريجين في رابطة أو مؤتمر أو نقابة يكون لها فروعا في العاصمة والأقاليم وتنشر برنامجها القومي وبذلك يكون المثقفون قد عرفوا وحدّدوا واجبهم السياسي تجاه بلدهم و في مواجهة المستعمر. وفي فبراير 1938 ولد مؤتمر الخريجين بقرار ساهم فيه (1080) خريجا. و بجانب دوره السياسي لعب المؤتمر دورا كبيرا في القضايا الأجتماعية والثقافية حيث شجع الأعمال الخيرية و التعليم الأهلي . ومن مؤتمر الخريجين انبثقت الأحزاب السياسية التي قادت النضال الوطني ضد الأستعمار حتي أنجزّته في الفاتح من يناير 1956.
في مأزق حركة المثقفين السودانية : الذاتي والموضوعي
أنتهت حركة المثقفين من أبناء الفئات الوسطي التي بدأت منذ تكوين أول تنظيم سياسي لها في 1920 ومرورا بجمعية اللواء الأبيض والجماعات الفكرية ثم مؤتمر الخريجين الي الحزب الوطني الأتحادي الذي أكتسح أول أنتخابات برلمانية في العام 1953 بأغلبية مطلقة مكنّته من تشكيل حكومة منفردة أعلنت أستقلال السودان من داخل البرلمان في التاسع عشر من ديسمبر 1955.
في أطار نقده المعمّق للحزب الوطني الأتحادي يطرح الأستاذ المرحوم محمد أبوالقاسم حاج حمد عيوبا ذاتية أرتبطت بمسار الحزب وسلوك قيادته وخياراتها السياسية, أدت في رأيه الي أجهاض مشروع النهضة الذي عملت له طليعة مثقفي الطبقة الوسطي منذ 1920, ومن هذه الماخذ :
(1) لم تدرك قيادة الوطني الأتحادي (أزهري) طبيعة الدور الذي أناطه به التاريخ علي رأس حركة الخريجين والمثقفين فتحّول هو نفسه الي( شيخ لطائفة المثقفين), يبارك هذا بالتعيين ويحرم ذاك بالطرد, وعجز عن أدراك حقيقة أنّ بنية حزبه التي تعتمد علي جماهير غفيرة في المدن وترتبط بموروث حركة الخريجين ومنتديات النقاش والجمعيات تختلف في روحها وولاءاتها عن بنية الحركات الطائفية الأخرى حيث الأدارة الفردية مطلقة والعصبية الأتباعية كاملة المعني.[18]
(2) فشلت حركة المثقفين و قيادة الوطني الأتحادي في تطوير الحزب بأتجاه الأهتمام بالمهام التربوية والتعميق النظري للمفاهيم بأعتبار أنّ الأحزاب, كما يقول أحمد خير المحامي, هي في الأصل" مؤسسات لنشر التربية والثقافة الأجتماعية, والزعماء والقادة أساتذة الجيل, وعمداء مدارس فكرية قبل كل شيء. وبمثل هذا العمل تشيّد الأحزاب السياج الحصين للديموقراطية بجميع مظاهرها أقتصادية وأجتماعية وسياسية".[19] وكانت النتيجة هي غياب البرامج الحزبية والتخبط والأكتفاء بتهريج الليالي السياسية.
(3) أستبدلت حركات المثقفين والحزب الوطني الأتحادي أسلوب اللواء الأبيض في التوجه الي قطاعات العمال وصغار التجار والجنود والموظفين وبعض المزارعين من ذوي الوعي الناضج نسبيا بالتحالف مع الطائفية صاحبة القواعد الشعبية الجاهزة والمتسعة مما ادي لأنهيار التحالف الضمني الجنيني بين المثقفين والفئات العمالية والشعبية الحديثة التكوين والجنود.
لكل ذلك نعي حاج حمد حركة المثقفين وحزبها الوطني الأتحادي بقوله : " لقد أنتهت حركة المثقفين , قادة الطبقة الوسطي الناشئة في حضن تطور مؤسسات الأحتلال الأنتاجية , ممثلة في الحزب الوطني الأتحادي الي أطفاء نور النهضة وقد كانت هي مقدمة أشعاله , فعاشت هي الأزمة التاريخية بعجزها عن تعميق منظور المرحلة الوطنية الديموقراطية في ممارستها الذاتية. فأدت حقيقة لأن يعيش المجتمع السوداني (مأساته) مع فكر النهضة الذي بدأ منذ العشرينات."[20]
ولكن هل كان الوعي الذاتي لقادة الوطني الأتحادي هو وحده المسئول عن أجهاض مشروع النهضة الذي بدأ منذ العشرينات كما أستنتج حاج حمد أم أنّ هناك أسبابا موضوعية حالت دون أنجاز ذلك المشروع ؟
لا شك أنّ الظرف التاريخي الذي حكم تجربة التطّور السوداني بمجمل معطياته قد شكّل عائقا أساسيا في طريق النهوض حيث لم تتوفر القاعدة الأقتصادية والأجتماعية الداعمة لهكذا مشروع في أطار مجتمع متخلف وغير ديموقراطي ما زال يعيش في ظل الأستعمار و تسيطر عليه الأطر القبلية والعشائرية و الأقطاعية الطائفية وتتفشى فيه الأمية بنسبة كبيرة ( في العام 1937 كانت نسبة المتعلمين أقل من 3% من السكان)[21] . أنّ فشل الوطني الأتحادي في أنجاز أهم أركان المشروع الوطني – و اعني الديموقراطية والتنمية يمكن ان يعزي الي العديد من العوامل الموضوعية ونذكر منها :
(1) ضعف الطبقة الوسطي نفسها وقلة عددها ( أنظر الجداول المرفقة) في مواجهة نفوذ القبلية وقوي الأقطاع الطائفية. أنّ الأرتباط الجدلي بين الديموقراطية والطبقة الوسطي يمكن النظر اليه من خلال الأفادة القيمة التالية للباحث فالح عبد الجبار الذي يقول : " أولا: أن المجتمع هو الذي يفرز التيارات وليست التيارات هي التي تفرز المجتمع. ثانياً: التيارات الوسطية والديمقراطية عادةً تنشأ من الطبقات الوسطى حيث هناك نظرية كاملة صاحبها سوسيولوجي ماركسي أمريكي، هذه النظرية تقول: أن الطبقة الوسطى تساوي الديمقراطية، بمعنى إذا وجدت الطبقة الوسطى يعني وجدت الديمقراطية، وأكبر مثال على هذا – طبعاً هناك أمثلة كثيرة – هو الهند و الباكستان اللتان أستقلتا في نفس الوقت. الهند كانت فيها طبقة وسطى صناعية و مصرفية كبيرة، وباكستان كانت مناطقها زراعية, لم تكن فيها طبقة وسطى ولذا ظلت باكستان لخمسين سنة يحكمها حكم عسكري وحتى اليوم، أما الهند الديمقراطية مستقرة، كما أن الهند كانت فيها مؤسسات القضاء البريطاني والتي كانت مؤسسات متينة، والأقسام المسلمة من الهند قبل أستقلال باكستان كانت ترفض تعلم اللغة الإنكليزية بإعتبارها لغة الكافر ولهذا لم تكن عندهم مؤسسات القضاء البريطاني. مؤسسات القضاء البريطاني كانت مهمة جداً، يقول غاندي لولا هذه المؤسسات لأصبحت حركة اللاعنف مستحيلة لأن أساسها هو القانون. و هكذا نلاحظ أن فكرة القانون وفكرة الديمقراطية المستقرة في الهند ناتجة عن عاملين هما وجود طبقة وسطى ديناميكية ووجود مؤسسات قانونية حديثة"[22]
(2) أما من حيث قضية التنمية وارتباطها بالطبقة الوسطي, فأنّ الأحزاب الوطنية عموما , والحزب الوطني الاتحادي علي وجه التخصيص تعبىء الناس وفقا لشعارات الأستقلال وعندما يسألون عن البرامج الأقتصادية التي يطمحون في تطبيقها بعد الأستقلال أو عن طبيعة النظام الذي ينتوون تطبيقه , يعجزون عن الأجابة لأنهم ببساطة يجهلون طبيعة أقتصاد بلدهم, فهذا الأقتصاد قد نما خارج حدود معرفتهم.
وفي هذا الأطار يتحدث فرانز فانون في كتابه " المعذّبون في الأرض" عن "مزالق الوعي الوطني" قائلا : " الطبقة الوسطى الوطنية التي تتولي السلطة ( الحكم) بعد خروج المستعمر هي طبقة متخلفة. فهي من الناحية العملية لا تمتلك أى قوة أقتصادية تكافىء قوة الطبقة البرجوازية في البلد المستعمر, وفي خضم زهوها بالأنتصار يخيل لها انّها قادرة علي أن تصبح مثل مثيلتها في البلد المستعمر. أنّ هذه الطبقة التي تشتمل علي التجّار والموظفين وأساتذة الجامعة والتي تضم كافة القطاعات المستنيرة في الدولة الوليدة تعاني من قلة العدد ومن التمركز في العاصمة. أنّ أنواع الأنشطة التي تقوم بها هذه الطبقة تشمل التجارة والزراعة والأعمال الحّرة. أنّ البرجوازية الوطنية في البلدان المتخلفة لا تدخل مجال الأنتاج أو ألأبتكار أو البناء أو العمل, هي فقط محصورة في أنشطة الوساطة ( السمسرة). أنّ نفسية البرجوازي الوطني هي نفسية رجل الأعمال وليس رجل الصناعة" [23]
و يذهب محمد ابو القاسم حاج حمد الي تأكيد نفس المعني حين يقول " المثقفون في وقت متأخر. تلك الأشكالية الأولي التي كنت أعالجها في محاولة البحث عن قاعدة التغيير, تغيير ماذا ؟ هذه قضية مهمة هي التي قادتني فيما بعد. المثقفون حين نحللهم, ليس بالشكل التجريدي ولكن بمنطق جدل الواقع وتكوينه, هم عبارة عن فئات كوّنها البريطانيون بمنهج تجريبي محدود جدا ليكونوا محاسبين, وكتبة, وأداريين, ومعلمي مراحل وسطي. فهم جهاز خدمات مرتبط بالمستعمر, ولم يستطيعوا تشكيل طبقة وسطي لأنهم لم يرتبطوا بقوي الأنتاج, وكان أكبر ما كانوه – في حال تحولّهم من موظفين الي القطاع الأقتصادي- ملاك عقارات, أو كومبرادور في شركات ذات أصول أجنبية (كونتي ميخالوس, بيطار, جلاتلي هانكين). لنأخذ المثقفين كقوي رافعة للمجتمع لم نجد هذه المقومات."[24]
وهو كذلك يؤكد أنّ " العقل الأقتصادي غير موجود. فكل الذين أمسكوا بأقتصاد السودان أفندية يعّدون الميزانية وغير دارسين للاقتصاد وكل الذي يعرفونه كم هو الدخل والمنصرف لذلك أمسكوا الأقتصاد بغير مفهوم التنمية وهذا ينطبق علي كل الكوادر التي حكمت البلد بعد الأستقلال اذ المقصود ان لا يكون تأهيلها تأهيل تنمية".[25]
أنتخابات البرلمان 1958 والفرصة التاريخية الضائعة:
خاض الحزب الوطني الأتحادي الأنتخابات البرلمانية الأولي في 1953 مسنودا بالنفوذ السياسي للطائفة الختمية التي رمت بثقلها خلف التيار الأتحادي المناوىء لتوجهات طائفة الأنصار وحزب الأمة خصمها اللدود الذي رفع شعار السودان للسودانيين. و بعد أكتساحه لتلك الأنتخابات شكّل الوطني الأتحادي أول حكومة وطنية في 6/1/1956 برئاسة السيد أسماعيل الأزهري. ولكن سرعان ما بدأت الخلافات تدب بين الوطني الأتحادي والسيد علي الميرغني زعيم الطائفة الختمية الذي سارع في رأب الصدع بين طائفته وطائفة الأنصار حيث توّج ذلك بلقاء السيدين الشهير في أكتوبر 1955 , وكذلك أيّد السيد الميرغني أنقسام ثلاثة من قيادات الحزب من أنصاره ( خلف الله خالد , أحمد جلي , ميرغني حمزة) وتأسيسهم لحزب جديد هو حزب الأستقلال الجمهوري , وأخيرا أنقسم عن
الحزب الوطني الأتحادي في 28/6/1956 و قام بتأسيس حزب خاص بطائفة الختمية وهو حزب الشعب الديموقراطي الذي أسندت رئاسته للشيخ علي عبد الرحمن الأمين الضرير. وبعد ذلك حجب البرلمان ثقته عن حكومة الوطني الأتحادي لتسقط في 4/7/1956 وخلفتها حكومة أئتلافية بين الأنصار (حزب الأمة) والختمية (حزب الشعب الديموقراطي) في 5/7/1956 برئاسة السيد عبد الله خليل والتي أستمرّت حتي قيام الأنتخابات في الفترة من 27 فبراير 1958 وحتي 9 مارس 1958.
خاض الحزب الوطني الأتحادي معركة انتخابات 1958 في مواجهة الأطر الطائفية ( حزبي الأمة و الشعب الديموقراطي), وقد كانت هذه الأنتخابات فرصة حقيقية لتصحيح المسار التاريخي لحركة المثقفين لكي تعود وتحتل مكانها الطليعي في قيادة مسيرة النهضة التي أنقطعت منذ زمان اللواء الأبيض و الجمعيات الفكرية .
قد أظهرت نتيجة أنتخابات1958 نموا مضطردا في نفوذ و شعبية الحزب الوطني الأتحادي رغما عن خسارته لها, فقد حاز الوطني الأتحادي علي أغلبية الأصوات ولكن هندسة الدوائر الأنتخابية التي تحّكم فيها حزب الأمة من خلال سيطرته علي الحكومة ضمنت له أغلبية الدوائر الأنتخابية , و جاءت نتيجة الأنتخابات كالتالي: ( 63 مقعدا لحزب الأمة – عدد الأصوات 310019 , 45 مقعدا للوطني الأتحادي – عدد الأصوات 340410 , 27 مقعدا لحزب الشعب الديموقراطي – عدد الأصوات 147077 , 37 مقعدا للكتلة الجنوبية – عدد الأصوات 254264).[26]
قد تمثلت مظاهر عودة الوعي لدي حزب المثقفين وقيادته أبّان الأنتخابات البرلمانية الثانية و حكومة عبد الله خليل في التالي :
(1) خوض المعركة الأنتخابية في مواجهة الخصوم الطائفيين بشعار " مصرع القداسة علي أعتاب السياسة" , وهو الشعار الذي يضرب في صميم الأطر الطائفية و يتسق مع توجهات حركة المثقفبن. قد سعت قوي الوسط الي التميّز عن الزعامة الطائفية و سلبها دورها في قيادة البلاد. فشعار " مصرع القداسة علي اعتاب السياسة" لم يكن يعبّر في الحقيقة الاّ عن كل مقالات (الفجر) وعن تلك المواقف الصلبة ضد الطائفية التي تمسك بها الروّاد الأوائل لحركة الخريجين. لقد وصف الدكتور عبد السلام نور الدين أجواء المعركة الأنتخابية بقوله ". الجدير بالذكر انّ الحزب الوطنى الاتحادى تحت قيادة اسماعيل الازهرى ، مؤلف كتاب : " الطريق الي البرلمان " الذى اضحى دليل ودستور الحركة الوطنية فى ارساء قواعد ونظم ولوائح ادارة اجتماعات الجمعيات والاتحادات والمجالس التنفيذية والتشريعية في السودان ، قد شن قبيل الانتخابات البرلمانية الثانية حربا سياسية شامله ذات طابع علمانى صارخ – تحت شعار- موت القداسة على اعتاب السياسة - لتجريد السيدين على الميرغني وعبدالرحمن المهدى من اسباب واثواب واليات القداسة التي يتمتعان وينفذان بهما الى اعماق الوجدان الشعبى والعقل الجمعى في اقاليم شرق وغرب وشمال السودان ، وامتدت وسائط الاعلام والاتصال التى ادارها بكفاءة وبراعة مثيرة " دينمو " الحزب الوطنى الاتحادى يحي الفضلى عبر صحيفة " النداء" ومن حوله اركانه[ الصاروخ الشريف حسين الهندى ، ومولانا محمد احمد المرضى، والاستاذ المحامي- عبدالماجد ابو حسبو ، احمد زين العابدين ، وابراهيم المفتى ، ومبارك زروق ، حسن عوض الله ، خضر حمد ، وحسن عبدالقادر ] الى كل بيت واسرة وراع ومزارع وعامل وافندى في اركان السودان الشمالى لتنقل لهم الفكره العلمانية المطوله : موت القداسة على اعتاب السياسة ، في جمل شعرية قصيرة على ايقاعات سريعة تستقي من اغاني البنات بساطتها، ومن اغاني التمتم رمحتها وقفزاتها، ومن الشعر القومي خطابه المباشر، ومن منافرات ومطارحات كرة القدم تكرارها الاستفزازي :
حررت الناس ** يا اسماعيل
الكانوا عبيد ** يا اسماعيل
والكل بقى سيد ** يا اسماعيل
وهناك زولين ** يا اسماعيل
غاشين الناس ** ويا اسماعيل
باسم الدين ** ويا اسماعيل
والدين مسكين
تحوّلت ليالى الحزب الوطنى الاتحادى السياسية في انتخابات 1958م الى محافل واعراس علمانية متأججة ترقص على جثث القداسة فى اعتاب السياسة "[27]
وأنطلقت حناجر الجاغريو والزين الجريفاوي شعراء الحزب منددة باستغلال الدين مطيّة للدنيا :
بنعرف الشرف سبحة وصلاة وسجّادة
والزول الشريف زاهد وليله عبادة
أهل الله كمّل ما بدورو زيادة
من دار الزوال الكل يوم في عادة
أهل الله وين يا السائل المتحّير
أهل الله في الغار السكونه يحّير
أهل الله في الجوع والبرد والزيفة
أهل الله في الأسم التلاوته مخيفة
عادمين الدراهم ما بشتهوا التعريفة
لا ثلاجة لا داندرمة لا راس نيفة !!![28]
(2) التقارب والتنسيق ثم العمل في جبهة معارضة واحدة مع القوي الديموقراطية الحديثة واليسارية ممثلة في الحزب الشيوعي السوداني , والأتحادات المهنية والنقابات في مواجهة القوي الطائفية و الأستعمار الجديد وذلك أبّان أزمة حلايب والموقف من المعونة الأميركية.
(3) ترسيخ المفهوم التقدمي للوطنية السودانية الذي أرسته حركة اللواء الأبيض وجمعيات الفكر , والذي يتجاوز القبيلة والعشيرة والجهة واللون والأصل والمحتد. وفي هذا الأطار كان فوز الحزب الوطني الاتحادي في الدائرة 105 ( الخرطوم بحري) هو الفوز الأهم. وقد وصف الدكتور محمد عثمان الجعلي ذلك الفوز بقوله: " هذه دائرة الخرطوم بحري عرين أسد مساوي , ترشح فيها عن حزب الشعب الشيخ علي عبد الرحمن الأمين الضرير , وعن الحزب الوطني الأتحادي ترّشح نصر الدين السيد أبن الدائرة وخادمها من خلال السلك الوظيفي (كضابط لبلدية بحري) وأحد الرموز الجديدة القادرة علي التواصل مع الاخرين دونما كبير جهد وحذلقة , هذه هي النوعية التي قال عنها محمد بشير عتيق في " الأوصفوك" أنوارها اخذة بدون سلوك .... جاءت الأنتخابات فاوقعت جماهير بحري الهزيمة بالشيخ علي عبد الرحمن , فاز نصر الدين السيد وقسم من انصاره يهتفون : بحري لمين ؟ فترّد عليهم جماهير الديوم والأملاك والدناقلة وكوبر والوابورات : لنصر الدين . أعلنت نتيجة الدائرة 105 بفوز نصر الدين السيد فصاح الحضور بقهوة "ام سمارة" : ينصر دينك , هتف صالح نديم صاحب المقهي : عاش السودان , ثم نظم الرجز منفعلا : يحي و زروق , فأتاه جوابها من المحتشدين في المقهي : مع اسماعيل , كررها مرتين ثم هتف : عاش الأزهري , عاش نصر الدين السيد , أفتح الثلاجة يا ولد , وزّع البارد والساخن مجّانا . أمتد فرح أهل ديوم بحري يوّزعون " الشربات" و " مريم ووكر !" و "الذي منه !" مجّانا , لبست الضرائح " توب الحد" و دخلت حلة خوجلي " بيت الحبس". جاءت نتيجة الأنتخابات كما أرادها القطاع الأكبر من جيل علي المك, أفرزت الأنتخابات ظاهرة وعي المدينة و رؤيتها السياسية المختلفة, ترّشح أقطاب الوطني الاتحادي في المدن ومناطق الوعي وأذهلت النتيجة القطاع المحافظ." [29]
و في دائرة بحري (عرين أسد مساوي) صدح الزين الجريفاوي بأشعاره المناوئة للطائفة الختمية وزعيمها السيد علي الميرغني :
أوع السكة سيل الأتحادي جاك دافر
ده السيل القطع روبرتسون الكافر
جدّدوا عهدكم والعهد بيكم ظافر
وحطّموا معبد الطاغية الحداكم مجاور [30]
ولكن قبل أن يتحطّم المعبد هرع اليه ذات الرجال الذين سعوا لدّكه طالبين الصفح وملتزمين بترميم ما تهدّم منه.
دينمو الحزب في ماكينة الطائفة ( يحي الفضلي و السيد علي الميرغني)
رغما عن مظاهر عودة الوعي لحركة المثقفين وحزبها الوطني الأتحادي في عقابيل أنتخابات 1958 والتي كان مؤملا فيها شق الطريق المستقل بعيدا عن نفوذ الطائفية , تراجعت قوي الوسط عن شعاراتها التقدمية وتحالفاتها مع القوي الشعبية الحديثة , واثرت العودة الي الحضن الطائفي , وكان قربانها هو دينمو الحزب يحي الفضلي .
انّ التقارب المفاجيء للحزب الوطني الاتحادي مع حزب الشعب الديمقراطي وتراجعه عن خطابه الراديكالى – موت القداسة على اعتاب السياسة 1958م - ثم تقاربه للمرة الثانية مع حزب الامة وجبهة الميثاق الاسلامي بعد ثورة اكتوبر 1965م ثم اندماجه في عام 1967م مع حزب الشعب الديمقراطي قد اصاب بنية الحزب الوطني الاتحادي القبلية والعشائرية والطبقية والطائفية بالتشقق والتبعثر والاضطراب العصبي والفوضى في السلوك السياسي وكل ذلك نتيجة لفقدان توازنه واستقلاله الباطني. [31]
في محاولته الأجابة علي السؤال لم وقع الاختيار على يحي الفضلى دون غيره ليكون الضحية وثمنا لتراجع الوطني الاتحادي عن علمانية خطابه – موت القداسة على اعتاب السياسة ؟ يقول الدكتور عبد السلام نور الدين :
(1) ليس من تقاليد السياسة في السودان ان يعتذر رجل الحزب الاول باية حال او ان يتحمل اخطاء او نتائج السياسات التي لم تك لترى النور ابدا اذا لم يوافق عليها في المقام الاول رئيس الحزب او الامام او راعي الرعاة ، اما ان يتحمل الشخص الثاني او الثالث او الرابع في الحزب او من لم يك اصلا في العير او النفير حينما صدرت تلك السياسات التي تكشفت فيما بعد ولاسباب عملية انها ذات طابع كارثي على وجود الحزب او مصالحه او مستقبله القريب فذاك من صميم البرامج السياسية للاحزاب السودانية التي لا تكتب ابدا على الورق ولكنها تنفذ بكل دقة التفاصيل المرعبة الوارده فيها.
2) لم يك الشريف حسين الهندي الذى لا يحمل للسيد على الميرغني تقديرا يذكر في اعماقه وقد تامر الميرغني من قبل مع السيد عبدالرحمن المهدي على اقصاء ابيه الشريف يوسف الهندي من كل الواجهات المضيئة في ايوانات ومواكب واعراس السياسة السودانية ومن ثم تم تحجيم والده ونفيه الى البراري وغيب من المناسبات العامة والاعياد الرسمية لكل ذلك لم يك هذا الشريف الذى كان احرص على رد الصاع صاعين للمراغنه وخلفائهم ان يتقدم خطوات الى الخلف منحنيا امامهم , الشيء الاخر ان طبائع الجسارة وركوب المخاطر والمهالك في شخصية الشريف حسين الهندي لا تتفق مع من ضربت عليه المذلة والمسكنة كدور يؤديه ثمنا لمصالحة لا يريدها وتر اجعا عن موقف لا يليق بطبائعه وليس جديرا بابن المغدور ان يستجدى الغادر وليس ايضا من المقبول من ممثل طائفة الهندية في تجمع الوطني الاتحادي ان يتلاشي كضحية.
(3) واذا قبل يحي الفضلى لنفسه ان يؤدي احيانا دور المهرج السياسي في موكب صلاة الجنازة على جثث القداسة فان الرصانة والحصافة والنجومية التي وسمت مفكر الوطني الاتحادي الاستاذ المحامي مبارك بابكر زروق "المغربي" لن تسمح له ان يقول ما من شأنه ان يصدم وجدان جماهير الوطني الاتحادي التي لا تتوقع منه شيئا اقل من مقامه عندهم سيما طائفة التيجانية منهم وعلى وجه خاص اصحاب الذكر والامتاع والمؤانسة الصوفية مع الشيخ بابكر زروق من امثال الشيخ مدثر الحجاز وشاعرهم الطيب بابكر التليب الذين يتطلعون الى ابنهم مبارك بوجه ولسان التيجاني يوسف بشير - السحر فيك وفيك من اسبابه - دعة المدل بعبقرى شبابه.
(4) واذا كان كبرياء الاسماعيلية يمنع اسماعيل الازهرى وابراهيم المفتي وخضر حمد من الانحناء للعاصفة وكبرياء الهندية يدفع الشريف حسين الهندي بعيدا عن الذلة والمسكنة وزهي حسن التيجانية لدى مبارك زروق يقف حائلآ امامه فان العلمانية المقاتله لدى الاستاذ المحامي عبدالماجد ابو حسبو والاستاذ المحامي احمد زين العابدين اللذين شاركا بفاعلية في الزمان الاول في رفع القواعد من بيت الحزب الشيوعي فان تلك الخلفية لا تحضهما كثيرا على المشاركة في محفل بيت الطاعة الطائفي ، وهكذا لم يبق في قيادة الوطني الاتحادي في عام 1958م سوى يحي الفضلي بجذوة الختمية الاولي ومواهبه الفذة التي لا تجارى في لعبة كرة القدم السياسية السودانية والتي تؤهله بجدارة ان يلعب جناحا يمينا وايسرا ودفاعا، وهجوما ، وحارسا للمرمي وحكما ، ومتفرجا على المقاعد فى ذات الوقت لتحافظ اللعبة على طرافتها ومفارقاتها حتى اذا كان ذلك على حساب مضمونها وجوهرها. " [32]
إنَّ الخطاب الذي القاه يحي الفضلي عند وفاة السيد علي الميرغني يعبّر عن الحالة التي وصلت اليها قوي الوسط المستنير في علاقتها مع الأطر الطائفية . يقول الدينمو :
( مولاي السيد الأكبر محمد عثمان الميرغني:
رأيت أمس يوماً كيوم الحشر خرجت فيه أمتنا الوفية تلتف حول نعش زعيمها ثاكلة والهة واختلط نحيب النائحات بعويل الرجال:
فمـــــا ربـة الــــقرط المرن جـمانــة بـأجـزع من رب الحسـام الـمهند
ورأيتك:
ولم أر أعصي مِنك للحزَن عبرةً وأثبت عقلاً والقلوبُ بلا عــــــــــقل
ويبقي علي مر الحوادث صبره ويبدو كما يبدو الفرند علي الصقــل
ومـن كان ذا نـفس كنفسك حـرة فـــــفيــه لــها مغن وفـيها لـه مسل
مولاي السيد الأكبر:
إنَّ السهم لم يصب بيت الميرغني وحده وإنما أصاب الشعب السوداني بأسره في السويداء وإن كان ثمة بقية من تحمل وتماسك واحتمال فانما مرجع ذلك الي تعاليم والدكم الراحل العظيم وتربيته وتقديمه الشعب علي الاحتمال والصبر أمام حادثات الدهر ونوازل الايام – تلك الصفات العظيمة التي كانت تنبع منه وتتمثل فيه أمام جميع الأحداث وتغيرات الليالي فقد كانت تمُّر به ضروب الحالات المختلفة وحاله فيها واحد لا يتغير صامداً كالطود الأشم هذا التعبير الذي كنا نردده في أحاديثنا وخطبنا كلما أردنا أن نصفه ونشيد بفضله علي الحركة الوطنية. لقد وجدت هذا المساء صورة خطاب كنت قد بعثت به الي الفقيد الراحل العظيم بتاريخ 29 يناير الماضي حمدت الله أني عبَّرت فيه عن فضله عليَّ قبل أن يفارق الحياة فرأيتُ أن أخف بها رغم الوعكة التي أعانيها لأتلوها علي هذا الملأ الحزين وهذا هو نص الخطاب:
مولاي صاحب السيادة والفضل والسماحة الأستاذ الأكبر السيد علي الميرغني حفظه الله وأطال بقاءه ونفع به البلاد والعباد:
تحية لك خالصة عطرة من قلب يكن لك الأكبار كله والتقدير كله ويعتب علي اللسان والقلم لعجزهما عن القدرة علي التعبير عن مدي ما يجيش به من ذلك الإيثار والتقدير لشخصك العظيم الكبير الذي اختص به السودان ليفعمه نعمة وخيراً وسعادة علي مواطنية اجمعين. ولست أجد كفاء لفضلك العظيم الباهر علي الوطن وفضلك المتعالي وعطفك السابغ علي شخصي الضعيف إلا أن التزم الوفاء لبيتكم الطاهر سلالة الدوحة المحمدية الشريفة التزاماً أوفر له كل جهدي مابقيت قيد الحياة.
لقد اضفت ياسيدي الي مننك العظيمة عليَّ منِّةً ظاهرة عندما أخترتني وزيراً للتربية والتعليم، وفي يقيني أن كل عمل أديته في هذا المنصب انما يرجع الفضل فيه إلي سيادتكم.
مولاي السيد الأكبر محمد عثمان الميرغني:
إنَّ والدكم العظيم الذي فقدنا والذي أعدّك هذا الأعداد المثالي يطول فيه الحديث والرثاء وسترعف به أقلامنا وتلهج به ألسنتنا ما حيينا.
أما أنت أيها المواطن الباكي الحزين فلك أقول:-
أرأيــتَ كــــيف الشـامخـــاتُ تـــزولُ والنيـراتُ الـزهر كــيف تـــــحولُ
أرأيت َ أمـسَ الشعـب حـول سـريـره مــــوجاً عـــلتـــه رنــةٌ وعـــويـلُ
أرأيــــتَ مـيــراث الـنبّـــِوة نـــعشــهُ فـــوقَ الأكّــــَف كـــأنـهُ الـتنـزيــلُ
لـــو أن مـيتــاً لايـــمـوتُ لــــــــعزةِ فــي قـــومـهِ مـا مـاتَ قـبلُ رســولُ
أو كــانَ فيضُ الـدمعِ يــُحيي مــيتــاً لــبكــي بــذاخــــرهِ عـليـــكَ الــنيــــلُ
وعـزاء هذا الشعـــب –إنَّ عــزاءه عثمـــان فـــي ذاك الـمكــان بــديــــل ". )[33]
ولكن هل ترانا نخطيء عندما نحمّل الدينمو كل أوزار حركة المثقفين ؟ ومن من القيادات كان بلا خطيئة حتي يرمي الاخرين بكل الحجارة ؟
فها هو أحمد خير مؤلف أنجيل الحركة الوطنية " كفاح جيل" , رجل مؤتمر الخريجين , رجل ندوة ودمدني الأدبية , خصم الطائفية اللدود, الذهن المتّقد والبصيرة النافذة , يصبح في النهاية رجل النظام العسكري الذي جاء ليغتال الديموقراطية التي طالما كافح بأسمها ومن أجلها.
وها هو المحجوب كاتب النهضة ويراع الفجر , الأديب القلق الحائر, وقف يوما هو و زميله (عبد الحليم محمد) يرفضان دراهم السيد عبد الرحمن المهدي بعد أن أعيت مجلة (الفجر) نفقة الحياة, فضّلا الموت وقوفا علي التعاون مع الطائفية علي أمل الأستمرار في المعركة ضدّها , واذا بهما , كلاهما , في حزب الأمّة. [34]
ربما كان من الأجدي أن لا تقتصر رؤيتنا في تحليل مالات حركة المثقفين علي ( الذاتي) دون مراعاة (الموضوعي) المرتبط بطبيعة الطبقة البرجوازية الصغيرة أو الطبقة الوسطي , و التي هي من وجهة نظر التحليل الماركسي " طبقة ذات طبيعة مزدوجة نتيجة لوضعها المزدوج , وتأرجحها بين الأرتفاع والهبوط , وبالتالي فهي حين تشكل لنفسها تنظيماتها , لا تنجح عادة في الأحتفاظ بأستقلالها السياسي , حيث تترعرع فيها المظاهر الضارة من الشللية والتكتلات والأنشقاقات وعدم التجانس أو التوّحد الفكري والسياسي." [35]
في أزمة الطبقة الوسطي السودانية ومالات الحزب الوطني الأتحادي:
واجهت الطبقة الوسطي السودانية في العقود الثلاثة الأخيرة حالة من التدهور الشامل أودت بأوضاعها الأجتماعية والأقتصادية الي الحضيض وذلك بسبب أنخفاض مستويات دخولها ومستويات معيشتها أنخفاضا كبيرا , والأنتشار الواسع للبطالة في أوساطها , الذي أدي الي هبوط أعداد كبيرة منها الي عداد الطبقة العاملة أو الشرائح الفقيرة عموما, وجاء كل ذلك علي أثر تبني سياسة التكّيف الهيكلي وما تضمّنته من خصخصة وبيع لمؤسسات القطاع العام , والغاء الدعم علي السلع, والغاء مجانية التعليم والعلاج , وتخفيض قيمة العملة .
قد أزداد التضخم و ارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية، واتسعت الفوارق في الدخول بشكل كبير وتشكلت فئات جديدة قامت على النشاط الطفيلى مثل المضاربة على أسعار ألأراضي والتجارة فى العملة الأجنبية والتهريب وأعمال الوساطة والسمسرة أستطاعت تكوين ثروات كبيرة فى وقت قصير للغاية.
لقد أ ثر ظهور هذه الفئات في تغيير التركيبة الأجتماعية للطبقة الوسطي مما أدي لأكتسابها خصائص سلبية جديدة , فهذه الفئات تمّجد الحصول علي الثروة بدون عمل, وتستسهل أنفاق ما حصلت عليه في أسرع وقت لأنّها لم تبذل
جهدا كبيرا أو تنفق وقتا طويلا في الحصول عليه, وهي خصائص منخفضة جدا عن الخصائص التي ميّزت نفس الطبقة في النصف الأول من القرن العشرين.
ومع تغير التركيبة الأجتماعية حدث تحول كبير في القيم التي كانت تمّيز الأفراد المنتمين لهذه الطبقة . لقد أخترق الفساد الفئات الوسطى وأصبحت بعض قطاعاتها شريكاً فى الفساد العام باعتباره آلية لنهب ثروات البلد أكثر منه انحرافاً فردياً، وحدث هذا الاختراق نتيجة لتدهور الأحوال المعيشية ونتيجة لسلوك الفئات الطفيلية.
لم يعد التعليم هو القيمة الأساسية التي تعّول عليها هذه الطبقة وينبني عليها الحراك الأجتماعي الذي يزيد من فعاليتها وقوتها , فالقدوة والمثال تحّول من ألمعلم والموّظف والطبيب الي السمسار والجوكي والغسّال )من غسيل الأموال).
ونتيجة لهذه التطورات الاقتصادية والاجتماعية وما ألحقته من أضرار بالفئات الوسطى أصاب الإحباط كثيراً من أبنائها وفقدوا الأمل فى المستقبل نتيجة لاستشراء البطالة والفقر والغلاء والتهميش مما دفعهم إلى الهروب بتبني الأفكار الدينية الماضوية المتطرفة الوافدة من " صحراء نجد" , بينما وجد أخرون ملاذا امنا في المخدرات والجريمة والجنس.
وامام كل هذه المعطيات يتوجب علينا التأمل في رؤية الدكتور رمزي زكي لمستقبل الطبقة الوسطي حيث يرى أن مصيرها التآكل و ذلك بتحول جزء كبير منها إلى أسفل، إلى طبقة العمال بما تعانيه هذه الطبقة أصلاً من ضغوط ومشكلات، أما الشريحة العليا فإنها ستلحق بالفئات العليا فى المجتمع مستفيدة مما يجرى وخاصة كبار الضباط وكبار رجال القضاء وأساتذة الجامعات وقدرتهم على استصدار قرارات تفيدهم وتحميهم لقربهم من صانع القرار وخدمتهم له فى نفس الوقت.
في ضوء كل ما تقّدم تبدو أزمة الحزب الأتحادي أزمة مركبة و معقدة الي أبعد الحدود , فالمشاكل المتعددة التي تحيط بقواعده الأجتماعيه وخصوصا الفئات الوسطي في المجتمع تضاعف من ألمشاكل التي ما أنفكت تلازمه منذ اندماجه مع حزب الشعب الديموقراطي. وربما أنحصرت خياراته في الخيارين التاليين :
(1) الأستمرار في الأندماج الذي تم في العام 1967 والذي كانت نتيجته السيطرة الكاملة للطرف المنتمي لحزب الشعب الديموقراطي والذي وأن تأثرت بعض قواعده بالتحولات الأقتصادية الاّ أنّ الفئات الثرية فيه ما زالت تمتلك مؤسسات مالية كبيرة ومؤثرة وقادرة علي المحافظة علي مصالحها , وما زالت تلك القواعد تدين بالولاء الديني الكامل و الطاعة لقيادتها . و ربما يؤدى هذا الخيار الى الذوبان الكامل للطرف الأتحادي في حزب الشعب الديموقراطي.
(2) الأنفصال عن حزب الشعب الديموقراطي بحسب قول عبد السلام نور الدين الذي يؤكد أنّ الحزب الوطني الأتحادي لا يستطيع ان يحافظ على توازناته الداخلية وان تستبين له الرؤية الا اذا استقل تماما عن الطائفتين – الانصار والختمية - الامة والشعب الديمقراطي .[36] وأستنهاض مختلف قوي الوسط , فعلي الرغم من حالة التاكل التي تعاني منها الطبقة الوسطي الاّ انها ما زالت قادرة علي التأثير الأيجابي في مجري التطوّر الأجتماعي , اذا وجدت التنظيم أو الحزب القادر علي أثبات وجوده وتأثيره ووضوح أهدافه.
أصحاب المرتبات حسب نوع الوظيفة 55 / 1956
اولا / كبار الموظفين والمهنيين :
- محاسبون , أحصائيون الخ 197
- معلمو الجامعة والمدارس الثانوية 793
- وزراء , كبار موظفي الخدمة المدنية والحكم المحلي 1044
- الوظائف الدينية العليا 162
- أطباء , صيادلة الخ 276
- مهندسون , معماريون , مساحون 563
- أعضاء مجلس الشيوخ والنوّاب 147
- رؤساء تحريير الصحف والمجلاّت 27
- قضاة , محامون الخ 272
- ضباط الجيش فوق رتبة نقيب 52
- كبار ضباط الشرطة والسجون 29
- مديرو المؤسسات التجارية والصناعية الكبيرة 329
- اخري 290
- المجموع 4145
ثانيا / شبه المهنيون والموظفون المتوسطون :
- المحاسبون , الصرّافون 3803
- معلمو المدارس الوسطي والأولية 6397
- صغلر الأداريين في الخدمة المدنية والحكم المحلي 716
- المساعدون الطبيون 4375
- الرّسامون , المهندسون ( بدون درجة ) 909
- كبار الكتبة في الخدمة المدنية والحكم المحلي 2755
- كبار الكتبة في التجارة والصناعة الخ 1000
- ضباط الجيش حتي رتبة نقيب 360
- ضباط الشرطة والسجون 185
- أخري 939
- المجموع 21439
ثالثا / صغار الموظفين والعاملين
- الوظائف الدينية الدنيا 1039
- صغار المساعدين الطبيين 3555
- مدرسو المدارس الصغري 5034
- صغار الكتبة في الخدمة المدنية والحكم المحلي 10426
- صغار الكتبة في التجارة والصناعة 4712
- ملاحظو اعمال ( فورمان ) 210
- صف ضباط الجيش 684
- صف ضباط الشرطة والسجون 1619
- المجموع 27270
مجموع عدد أصحاب المرتبات 52854
مجموعات التجار في عام 55 / 1956
أولا / كبار التجار :
- المحلات الكبيرة 51
- أساطيل عربات التاكسي 76
- مراكز الخدمات ( السينما , البصات الخ ) 251
- المجموع 378
- أصحاب المشاريع المروية والالية 137
- اصحاب المنشات الصناعية 785
- أصحاب اللواري 459
- المجموع 1759
ثانيا / صغار التجار :
- أصحاب المحلات الصغيرة 6047
- أصحاب الدكاكين والبقالات 54580
- أصحاب المطاعم والقهاوي 3286
- أصحاب الورش 1159
- المجموع 65072
مجموع التجّار 66832
( بلغ مجمل تعداد السكان في 55 / 1956 10.263.000 )
المصدر : التعداد السكاني الأول 55 / 1956
تم أسترجاعه في يوم 06/12/2009http://dictionary.babylon.com/MIDDLE_CLASS القاموس البابلي , الشبكة العالمية , [1]
2 محمد عبد الحميد، الطبقة الوسطى، هموم مصر وأزمة العقول الشابة تحرير أحمد عبد الله، مركز الجيل للدراسات الشبابية والاجتماعي، القاهرة، الطبعة الأولى 1994، ص 12.
3د.محمود عبد الفضيل , تضاريس الخريطة الطبقية فى الوطن العربى، دراسات فى الحركة التقدمية العربية، ص 278.
5 غازي الصوراني , مفهوم المجتمع المدني وأزمة المجتمع العربي, موقع مجلة دروب بالشبكة العالمية, http://www.doroob.com/?p=62تم استرجاعه في يوم 01/06/2009 0
6 في عبد الغفار شكر , الطبقة الوسطي والمستقبل العربي, موقع العلمانية هي الحل بالشبكة العالمية ,
http://www.ssrcaw.org. تم أسترجاعه في يوم 05/22/2009
8 عبد السلام أديب , التحولات الأقتصادية والسياسية للطبقات الأجتماعية في المغرب , موقع النهج الديموقراطي بالشبكة العالمية ,
http://www.annahjaddimocrati.org/index.htm تم أسترجاعه في يوم 19/05/ 2009.
9 أحمد الحليمي , ملفات: تأهيل الطبقة الوسطي , صحيفة المغربية , النسخة الألكترونية بالشبكة العالمية , http://www.almaghribia.ma/Reports/Article.asp?idr=298&id=87829 تم أسترجاعه في يوم 05/10/ 2009
10 تيم نبلوك , صراع السلطة والثروة في السودان , ترجمة الفاتح التجاني و محمد علي جادين , دار عزّة للنشر,2007,الخرطوم,السودان. ص. 107
11 بابكر فيصل بابكر , عبيد حاج الأمين: نموذج جيل الصدي في الحركة الأتحادية, صحيفة سودانايل الألكترونية بالشبكة العالمية , http://www.sdanile.com تم أسترجاعه في يوم 02/09/2002
13 محمد أبو القاسم حاج حمد, السودان: المأزق التاريخي وافاق المستقبل, المكتب الدولي للدراسات والأبحاث, 1996, الهند الغربية. المجلد الأول , ص 241. القادة المؤسسين لجمعية الأتحاد السوداني هم : عبيد حاج الأمين – توفيق صالح جبريل – محي الدين جمال أبوسيف – ابراهيم بدري – سليمان كشة وقد كانوا جميعهم بأستثناء الأخير من خريجي كلية غردون.
15 كتب حسين شريف:((ان البلاد قد اهينت لما تظاهر اصغر و اوضع رجالها، دون ان يكون لهم مركز في المجتمع و ان الزوبعة التي اثارها الدهماء قد ازعجت طبقة التجار و رجال الاعمال)). ودعا الى استئصال شافة اولاد الشوارع و ذكر انها لامة ضعيفة تلك التي يقودها امثال علي عبد اللطيف وهذا الشعب ينقسم الى قبائل و يطون و عشائر و لكل منها زعيم او رئيس او شيخ و هؤلاء هم اصحاب الحق في الحديث عن البلاد فمن هو علي عبد اللطيف الذي اصبح مشهورا حديثا والى اي قبيلة ينتسب؟.
16 محمد أبو القاسم حاج حمد, السودان: المأزق التاريخي وافاق المستقبل, المكتب الدولي للدراسات والأبحاث, 1996, الهند الغربية , المجلد الأول . ص 353
17 د. قاسم عثمان نور, أضواء علي الحركة الوطنية السودانية: جماعات القراءة والجمعيات الأدبية ومؤتمر الخريجين 1925 – 1938. 2004 الخرطوم , السودان, وزارة الثقافة. ص 49
18 محمد أبو القاسم حاج حمد, السودان: المأزق التاريخي وافاق المستقبل, المكتب الدولي للدراسات والأبحاث, 1996, الهند الغربية , المجلد الثاني , ص 18 , 19
20 محمد أبو القاسم حاج حمد, السودان: المأزق التاريخي وافاق المستقبل, المكتب الدولي للدراسات والأبحاث, 1996, الهند الغربية , المجلد الثاني , ص 24
مجلة الفجر ,العدد (10), مجلد (3) , بتاريخ 7/16/1937, (مصالح البلد في أتون الحزبية .. فكيق ننقذها) , ص 305-308 .[21]
21 د. فالح عبد الجبّار , حوار مع صحيفة الأتحاد : الصحيفة المركزية للأتحاد الوطني الكردستاني http://www.alitthad.com/paper.php?name=News&file=article&sid=30527 تم أسترجاعه في 05/22/2009
27 عبد السلام نور الدين , الخرف والخرافة والأحزاب السياسية في السودان , صحيفة سودانايل الألكترونية , تم أسترجاعه في 15/6/2004
28 قيل أنّ السيد علي الميرغني رحمه الله كان يحب الايسكريم المثّلج والمعروف في السودان بأسم الداندرمة , بينما كان الأمام عبد الرحمن المهدي رحمه الله يحب أكل راس الخروف والمعروف براس النيفة.
د. محمّد عثمان الجعلي , رحيل النوّار خلسة : علي المك وجيله , دار عزّة للنشر , الخرطوم , السودان , 2003, ص 62 -64 [29]
31 عبد السلام نور الدين , الخرف والخرافة والأحزاب السياسية في السودان , صحيفة سودانايل الألكترونية , تم أسترجاعه في 15/6/2004
32عبد السلام نور الدين , الخرف والخرافة والأحزاب السياسية في السودان , صحيفة سودانايل الألكترونية , تم أسترجاعه في 15/6/2004
بابكر فيصل بابكر , حالة أنقطاع الرأس أو جهجهة المثقف : نموذج يحي الفضلي و محمد أحمد المحجوب, صحيفة سودانايل الألكترونية[33]
34 محمد أبو القاسم حاج حمد, السودان: المأزق التاريخي وافاق المستقبل, المكتب الدولي للدراسات والأبحاث, 1996, الهند الغربية , المجلدالثاني , ص 212 و 213.