ضرورة انحياز الجيش لثورة البجا

 


 

 

يطالعني وجه شاب بجاوي أسمر يبرق الذكاء في عينيه واسمه يناديني (يها ماهوك) فاحث الخطي نحوه... وهنا مدينة ساكنة . لاتري فيها الا بيوت متناثرة هنا وهناك. وافق ممتد وعميق حتي لتكاد أن تلامس السماء عنده الارض. والهواء هنا نقي. والطبيعة ساحرة خلابة حين الشروق وحين الغروب والشمس ترسل اشعتها عند الصباح .لتسفر المدينة عن وجهها الحقيقي . ونظرات وخطي قوية وثابتة. لايتطلع الا الي السماء. ولاينكس رأسه الي الارض او ينحني ..بجاوي وكأنه قادم لتوه من اعماق التاريخ .يلبس علي قدميه حذاء من الخشب والجلد .ويفتح (حقة) للسعوط يشمها قبل أن يدردم سفة يضعها خلف شفته السفلي ثم ينفض يديه..وبيني وبينه ود قديم وحب ازلي .
أرض البجا الان لاشئ فيها ولكن كل شئ فيها. أولا يكفي أنها قد أنجبت افذاذ الرجال ومن سوي أرض البجا يستحق كل هذه المشاعر الجياشة .وعمق المعاني. فهي علي الفطرة .وكأنها كما قد خلقها الله. فيها سر عميق لايدركه الا من عاش فيها . الحب سر فيها ينمو ويتجدد في الأجواء الطبيعية. والمساحات الواسعة .والفضاء الرحيب. ليخرج من الدواخل ويندلق في أشعار وأوتار وبيبوب. وبين كسلا والبحر الاحمر وسنكات وهداليا ووقر ودرديب ومدن وقري بجاوية عبقرية فذة تشف وترقي حتي تستجم علي قلب ثوري بجاوي أسمر .وفيه يتجلي وادروب واوهاج واوكير وتلجواريب ومتاتيب وتندلاي والعقد النضيد . وقصة عشق لا تنتهي للأرض وللانسان والطبيعة .وقد تسمع صوت قيثار يأتي من بعيد بلحن بجاوي معتق عريق. فالإنسان والطبيعة هنا سيان .ومحمد البدري حين يغني وكانما العسل يقطر من فمه. نداوة الكلمات وحلاوة اللغة .وصدق التعبير فالبجاوي انسان متميز. عاش في زمان رمادي اغبر. وسكت عنهم حين لم يستطيعوا أن يسبروا غوره ويدركوا سره .وعاش في السودان بين السودانيين وهو غائب عنهم. فشتان مابين وهنا وهناك فايم الله أنه لبعد المشرقين..
جبال البحر الأحمر عالم بديع حين يرخي الليل سدوله ويرسل القمر اشعته الفضية فتبدو ساحرة جميلة.. او حين يسفر الصبح عن وجهها القوي وتهب نسائم الصباح علي قممها العالية وتشرق الشمس باشعتها الذهبية .فليس للروعة منتهي هنا كما أن ليس للفخر منتهي.ويميل غصن ويميس ساق نبتة صغيرة. فيستشف القوة الجمال من بين هذا وذاك. حتي اذا ماغرد بلبل . جادت قريحة شاعر بجاوي بكلمات تقطر حلاوة وتفوح عطرا.
وقد ساقني الهوي الي عوالم البجا والي بورتسودان اغرودة العذاري وزغرودة الحرائر (وفاتنة الدنيا وحسناء الزمان) وبيني وبين أهلي البجا وصل روحي وعمق وجداني.وأرض البجا محطتي الثانية في الحياة. ووقع سير القطار علي قضيب السكة الحديد ورشق مياه الزير . فلابد أن أكون حاضرا فمن للقطار سوانا يافتي.. ومن لأهلنا البجا سوي شبابهم .. يعطونهم البعد الحقيقي. الذي لايراه الآخرون.
شاب بجاوي قد رأي بام عينه كيف يضام اهله البجا وكيف تنهب خيرات بلادهم واهله البجا لايجدون مايسدون به اودهم والمرض ينهش اجسادهم دون وجود ادني مقومات العلاج والصحة. وحتي الماء النقي يندر في تلك البقاع ويستجلب من اماكن بعيدة. اما عن تردي مستوي التعليم او انعدامه فحدث ولاحرج. شاب بجاوي يحس بالالام شعبه ومعاناتهم. شاب بجاوي قوي تمور نفسه عزة واباء وشمم.
شاب بجاوي قح كانه قادم لتوه من اعماق التاريخ حيث اباء له واجداد عظام رؤوسهم مرفوعة وهاماتهم عالية قعساء وتاريخهم زاخر وماضيهم تليد. يطلق شعره كما كان اجداده
واليوم يبرز اسمه لغيرته علي اهله وتفانيه في خدمتهم وصبره وثباته الامحدود. وحينما كان يقلني قطار الشرق بين الفينة والاخري وانا صغير مع ابي في عربة الفرملة من كسلا الي بورتسودان مرورا بهيا ودرديب كنت لا اري البجا لا يضعون العمامة علي رؤوسهم وانما يطلقون شعورهم ويضعون عليها الودك والخلال ويلبسون نعلا من الجلد والسروال والعراقي والثوب والسديري والخنجر في وسطهم او السكين في ازرعهم والكولاي وهي العصا او العكاز والسيف متدلايا علي اكتافهم ولربما السفروك في بعض الاحيان. وكنت اراهم وانا صغير في السن كانهم دائما في حالة تاهب قصوي وتحفز دائم ومستمر. وشاب الان يمثلهم ويعبر عنهم حالا ومقالا وهو قيادة بجاوية بحق وحقيقة و مسيرة مستمرة من اجل قضية البجا ليس في ذلك ادني شك او ريبة فالامر لايحتمل سوي الثبات والصمود ومثل هؤلاء الشباب الصامدين الثابتين القابضين علي جمر القضية حتي ينال البجا كل حقوقهم كاملة غير منقوصة.
الذين يعملون ليل نهار لايكلون لايملون من شباب البجا الصامد الوثاب هم الان علي موعد مع التاريخ والتاريخ علي موعد معهم. فاما ان يكونوا اولا يكونوا وهم يصطفو ويتوحدون . وقد رفضوا مسار الشرق رفضا باتا ولن يتنازلوا عن ذلك قيد انملة وليس هنالك من سبيل لبث الفتنة والفرقة بينهم فالجميع الان علي قلب رجل واحد وكالبنيان المرصوص وما مؤتمر سنكات الا خير شاهد ودليل علي ذلك.
التحية لهؤلاء الشباب .الذين لن يخذلوا جماهيرهم الوفية وسيكونون كالعهد بهم دائما لايساومون في قضيتهم وقد حددوا هدفهم وعرفوا صديقهم من عدوهم ولن تفت عضدهم المؤامرات ولن تضعف ارادتهم ولن تهمهم المحاولات لاضعاف موقفهم فانهم ماضون في دربهم بعزيمة قوية وارادة وثبات علي المبدأ.
انه مثلما انه قد أقر مبدأ الحكم الذاتي في ماعرف باتفاق سلام جوبا باعطاء النيل الازرق حق الحكم الذاتي وحقه في أربعين في المئة من الموارد في الأقليم وبنود اخري تضمنها الاتفاق . كذلك فان من حق اقليم البجا ان يطالب بحق تقرير المصير حسب ميثاق الامم المتحدة وفي حالة تعذر ذلك لاسباب موضوعية فان الحد الادني هو الحكم الذاتي لاقليم البجا واعطائه اكثر من سبعين في المئة من موارد الاقليم ومن ذلك عائدات الموانئ والجمارك والضرائب والمشاريع الزراعية والصناعية وعائدات الذهب والبترول وبقية المعادن المستخرجة من ارض البجا. وليس هنالك أي مبررات عادلة تقضي بان يورد اقليم البجا كل عائداته للخزينة العامة في المركز من دون ان تأتيه اي عائدات تذكر من المركز في مجال ضروريات الحياة من اكل وشرب وملبس وعلاج ودواء وكهرباء وماء وصحة وتعليم ومشاريع تنمية.
ان مايحدث الان في اقليم البجا هو انفجار لتراكمات وظلامات تاريخية لابد من الاعتراف بها أولا والاعتذار عنها ثانبا والتعويض المجزي عن كل ما اخذ او نهب من ذهب ومعادن وخيرات اخري .ولن يرضي البجا عن ذلك بديلا .وليس ما يحدث الان في أقليم البجا فورة ولكنه ثورة وليس بزوبعة في فنجان ولكنها رياح الهبباي القوية تقتلع الاشجار العاتية وتفيض منها الانهار.واي ابتذال لقضية البجا ووضعها في اطار غير اطارها الصحيح كما ادعي احدهم انها انعكاس لصراعات داخل المركز .أي حديث من مثل هذا النوع من شأنه ان يزيد النار لهيبا. ويؤجج الصراع في شرق السودان. والمقاتلون الشرسون الان قد اعتلوا العوالي محصنون بجبال البحر الاحمر. وهم من يعرفهم التاريخ شدة وبأسا وقتالا. وقدرويت عنهم الروايات وحفلت بهم كتب الحروب والتاريخ حين كسروا المربع الانجليزي بقيادة الامير عثمان دقنة الذي انتدبه الشيخ الطاهر المجذوب ليكون أمير الشرق في الثورة المهدية.
تكوين مؤسسات الحكم الذاتي في اقليم البجا وتحري الدقة و١منتهي الحساسية في التعامل مع قضايا هذا الاقليم الحساسة ولابد من مراعاة المشاعر القوية للثورة البجاوية التي انفجرت وستاتي علي الاخضر واليابس من مؤثرات وتراكمات الماضي البئيس وستعيد الامور الي نصابها ليأخذ كل ذي حق حقه وتوضع الاستراتيجيات في كآفة المجالات و الخطط وتجري الدراسات العميقة لتؤسس دولة أو حكم ذاتي للاقليم يحدد الاولويات ويضع السياسات وينهض بالاقليم الذي عاني التهميش والاهمال عبر كل الحكومات الوطنية ومنذ الاستقلال.
التصعيد الثورى هو مرحلة من مراحل أخذ الحقوق وبمعايير الرؤي والنظريات الثورية فان ما يحدث في أقليم البجا هو ثورة حقيقية لابد ان تنحاز لها القوات المسلحة.
/////////////////////////

 

 

آراء