ضرورة تفعيل دور القوات المسلحة والدعم السريع والأجهزة الشرطية والأمنية في إنفاذ اتفاقية جدة للشئون الإنسانية

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحیم
حث الاجهزة العسكرية والامنية علي إنشاء وحدات متخصصة في مجالات الشئون الانسانية وحقوق الانسان
أضحي التصدي لقضايا الأمن الانساني وحقوق الانسان من الأولويات القصوي مع تفشي مظاهر الفوضي والانفلات الأمني وإهدار الكرامة الانسانية
معالجة قضية الأسري، إطلاق سراح أنس والجزولي، ، حماية المساجد والكنائس، التحقيق في وقائع الاغتصاب تبقي من أعظم التحديات التي تواجه الدكتور حسيب جوناثان كوكو

د۰ فتح الرحمن القاضی
مستشار فی شؤون العمل الطوعی والإنسانی وحقوق الإنسان
Tel: +249912219666 / E-mail: elgadi100@gmail.com
ليس ثمة شك في أن إعلان جدة للشئون الانسانية لن يكون مقدراً له أن يثمر امناً وسلاماً ما لم يواكبة جملة من التدابير والاجراءات العملية التي تكفل تطبيق بنوده في أرض الواقع. ولا يماري احد في ان إعلان جدة كان مطلوباً بشدة لتمهيد الارضية الصالحة لوضع نهاية عاجلة للمعاناة الرهيبة التي ضربت البلاد جراء النزاع المسلح الناشب بين القوات المسلحة والدعم السريع. نجاح الاعلان في معالجة تداعيات الازمة ومعالجة اثارها الوخيمة يتوقف علي جملة من المرتكزات وفي مقدمتها الوقف الشامل لاطلاق النار، بيد أن استمرار القتال بضراوة وعدم احترام الهدنة ربما يجعل حديثنا كله غير ذي معني ؟!! . ورغم أننا اعتنينا بتفصيل جملة من المرتكزات التي يمكن التاسيس عليها لضمان إنفاذ إعلان جدة للشئون الانسانية، غير اننا نكرس هذا المقال باكمله للحديث حول أهمية تفعيل دور القوات المسلحة والدعم السريع وأجهزة الشرطة والأمن في إنفاذ إتفاق جدة للشئون الانسانية.
الاعتناء بالاجهزة الرسمية المنفذة للقانون وتثمين دورها يبقي أمر لا غني عنه إذا ما أردنا حقاً الشروع في إنفاذ خطة عمل محكمة في مجالات الطورئ وحقوق الانسان والامن الانساني. والمطالبة باعتماد نهج كهذا ، أي اسناد دور رئيس للاجهزة العسكرية والامنية لا يعتبر أمراً شاذاً نبتدعه بين الناس لا بل هو أمر شائع ومألوف في سائر أقطار المعمورة حيث يتم الاستعانة بهذه الاجهزة واستدعائها للعمل في حالات الطوارئ من اجل درء الكوارث والتصدي لاثارها الانسانية علي كافة الصعد والمجالات.
التركيز علي الادوار والمسئوليات التي ينبغي ان تضطلع بها كل من القوات المسلحة، والدعم السريع ، وجهاز الشرطة بما في ذلك آلية الدفاع المدني ، وجهاز الامن والمخابرات تبقي أمراً لا مناص عنه سيما وأنها تمتلك قدرات بشرية ولوجستية هائلة. وغني عن القول أنه علي الرغم من التعويل علي دور هذه الاجهزة كلا علي حده ، الا أن تفعيل دورها الجماعي لا يمكن أن يتم الا باعتماد منهج للتنسيق العلمي في مواجهة الحالات الطارئة (SCIENTIFIC COORDINATION) ، وإذا يبقي التنسيق داخل الاجهزة النظامية من جهة وبينها وبين بقية الشركاء المدنيين من جهة أخري هو مفتاح النجاح لمنظومة التصدي للطوارئ.
أولأ: القوات المسلحة:
لا أدري فيما إذا كان القانون الحالي للقوات المسلحة قد اعتني بتفصيل دورها ومسئولياتها بصورة قاطعة في حالات الكوارث، و مهما كان الامر فيبقي من الاهمية والضرورة بمكان الاعتناء بمسالة إصلاح القوانين وتطويرها في سياق الجهود المبذولة لدعم القوات المسلحة والارتقاء بدورها خلال الفترة القادمة. هذا علي مستوي التشريع اما علي المستوي العملي فيظل السؤال قائما حول مدي التقدم المحرز من قبل الجيش السوداني علي صعيد درء الكوارث وتقديم المساعدات الانسانية خلال حالات الطوارئ سواء كانت طبيعية ام من صنع الانسان علي شاكلة الكارثة الطارئة التي نشهدها حاليا، ولا شك أن قضية هامة كهذه تقتضي ان يتعهدها ذوي الشان العسكري والسياسي معاً بالنظر والتقويم من باب تطوير مهام القوات المسلحة وزيادة كفاءتها وفاعليتها في سائر المجالات.
من خلال الاطلاع علي التجربة التركية يتبين لنا اضطلاع الجيش التركي بالعديد من المسئوليات والمهام ابان الكوارث العظمي علي شاكلة ما شهدناه ابان كارثة الزلازل التي ضربت تركيا مؤخراً. ثم أن أدوار الجيش في هذا البلد الاسلامي الشقيق لا تقتصر علي الاعتناء بالانسان فقط وانما تمتد أيضاً لتشمل الحيوان وقد حرصنا علي بسط طرف من هذه التجربة المتفردة من خلال التنويه بدور الجيش التركي في اغاثة الحيوانات خلال فصل الشتاء القارص من خلال عمليات الاسقاط الجوي علي المرتفعات وسفوح الجبال وهو تراث حميد كان يمارس في جزيرة العرب حتي في العهد الجاهلي فهاهو عبد المطلب جد الرسول محمد (ص) يفعل ذات الشيئ ، أي نثر الطعام في سفوح جبال مكة حتي يقتات الطير والدواب وهذا من مكارم الاخلاق التي اتي الرسول لاستكمالها (جئت لاتمم مكارم الاخلاق) من باب (في كل رطبة أجر) وفق الحديث الشريف. أما الشواهد الدالة علي ذلك في التجربة الامريكية فعديدة ويكفي الاشارة الي دور الجيش في التصدي لاستنقاذ الناس واغاثتهم حال اعلان الرئيس الامريكي لاي ولاية بعينها منطقة منكوبة تستدعي تقديم العون الطارئ في بلد تغلب عليه الفيضانات والسيول والاعاصير كنمط متفشي للكوارث الطبيعية.
في سياق هذا الاستعراض لا يسعنا سوي أن نثمن دور القوات المسلحة ونثني علي المبادرة التي تم الاعلان عنها خلال الايام الفائته حيث ابدت القوات المسلحة استعدادها للمساهمة في تقديم خدمات العون الانساني عبر الممرات الامنة الي مناطق الهدوء التي يتم التوافق حولها وهو أمر جيد قمين بالاشادة والتقدير ، ومع ذلك فاننا ننبه الي أهمية العمل علي الالتزام بالمبادرة السعودية الامريكية (AUGMENT) والسعي باقتدار الي انفاذ البنود الواردة فيها ، مع الحرص علي عدم القيام باي أنشطة موازية (PARALLEL) لما جاء في اعلان الشئون الانسانية تفادياً لمظاهر الازدواجية والاضطراب التي يمكن ان تنجم عن عمليات مزدوجة في ذات الوقت .
ثانياً: جهاز الشرطة ( الادارة العامة للدفاع المدني):
لست في حاجه الي تاكيد دور جهاز الشرطة لا سيما الادارة العامة للدفاع المدني في درء الكوارث ابان الحالات الطارئة فهو مالوف ومعروف علي المستويين الداخلي والخارجي ، واود أن اغتنم هذه الفرصة للاشادة بدور الدفاع المدني ابان كارثة السيول والفيضانات العام الماضي علي امتداد السودان، فضلاً عن التنويه بدور الدفاع المدني في مد يد المساعدة للشعب التركي الشقيق ابان كارثة الزلزل حيث خف منسوبيه ، رغم تواضع الامكانات المتوفرة لديهم ، الي تركيا للمساهمة في عمليات الطوارئ والانقاذ اسوة بنظيراتهم في الدول الاخري التي تمتلك امكانات هائلة وخبرات متقدمة في هذا المجال.
والي جانب الدعوة لدعم الشرطة سيما ادارة الدفاع المدني فلا بد من الاشارة الي أهمية إدراج هذا الجهاز وتموضعه علي نحو صحيح في سياق الالية الوطنية لدرء الكوارث في حالات الطوارئ تفادياً لمظاهر الازدواجية والتضارب التي يمكن أن تتولد من وجود أكثر من جهة محورية لقيادة أنشطة التصدي للكوارث او ما يعرف ب (MULTIPLE FOCAL POINT) ، وهي ظاهرة خطيرة يمكن لها أن تربك أي نشاط حيوي أو انساني اذا ما ترك لها المجال للعمل بدون ضابط مرشد، والبديل الامثل في هكذا حالات اقتباس صيغة (النهج العنقودي) (CLUSTER APPROACH) في انفاذ الانشطة متعددة المهام أي أن تتولي جهة بعينها قيادة العمل بينما تلعب بقية المؤسسات دوراً مساعداً ونمثل لذلك بأن تتولي المفوضية السامية للاجين قيادة العمليات في حالات كوارث اللجوء علي أن تضطلع بقية الوكالات مثل برنامج الغذاء العالمي واليونسيف ومنظمة الصحة العالمية بدور مساعد وفق اطار اختصاص كل وكالة تحت قيادة مفوضية اللاجئين، وهذا ما نأمل أن يجري تقنينه والعمل به بواسطة الالية الوطنية لتقديم المساعدات الانسانية خلال عمليات الطوارئ سيما وأن هنالك شكاوي متزايدة من تضارب الاختصاصات والمهام مع مفوضية العون الانساني وما سواها من الاجهزة النظيرة ، مع الافتقار الي التنسيق بين الجهزة المختصة مما يؤدي الي ارباك العمل واعاقة تقديم الاغاثة وخدمات الطوارئ للمنكوبين في الزمان والمكان المناسبين، وقد شهدنا هذا كثيرا في بلادنا مع تفشي مظاهر الاضطراب والفوضي في حالات الطوارئ.
ثالثاً: جهاز الأمن والمخابرات:
غالباً ما ينتاب الناس الكثير من الهواجس والشكوك والمخاوف وهم يتحدثون عن جهاز الامن والمخابرات ، مما يحملنا علي دعوة أنفسنا والآخرين، للنأي عن هذا المنحي السلبي ومجانبته ، ذلك أن الاجهزة الامنية، في نهاية المطاف، تبقي ملكاً لسائر أطياف الشعب السوداني وليست جهازا حصرياً لفئة بعينها، وهكذا فإن الموقف الصحيح ينبغي أن يتمثل في الاعتناء بأمر جهاز الامن من قبل جميع افراد الشعب السوداني وأطيافه المتعددة فضلاً عن العمل علي تطوير الجهاز والارتقاء بادائه حتي يتسني له الاضطلاع بدوره بكفاءة واقتدار وفق القانون المنظم لاختصاصاته ومهامه.
صحيح ان الكثير من الناس بات ينفر من جهاز الامن ويخشي مقاربته والتعامل معه وفي ذلك يمكن التماس العذر لهؤلاء فقد كان الجهاز مفارقا لنهجه الاحترافي في ممارسته للعديد من المهام إبان فترة نظام الانقاذ ويتجلي ذلك في تخلي الجهاز عن نهجه الحيادي ونزوعه لممالئة فئة سياسية بعينها واستهداف بقية الفئات مما جلب عليه سخط قطاعات ليست بالقليلة من جماهير الشعب السوداني. وقد عزز من هذا الاحساس المضاد لدي المواطنين حيال جهاز الامن آنذاك استهداف بعض الوحدات التابعة له مثل (هيئة العمليات) التي جري تأهيلها وتسليحها علي نحو فائق للمواطنين بصورة شديدة الوطاة من جهة قمع الحريات وإهدار كرامة الانسان السوداني وليس ادل علي ذلك من تورط بعض منسوبي الجهاز ، وليس كلهم بالطبع، في ارتكاب انتهاكات جسيمة في حق الانسان (GROSS VIOLATION OF HUMAN RIGHTS) . ومن ابشع الممارسات التي ارتكبها بعض منسوبي الجهاز لقمع ثورة الشعب المعاملة المهينة التي اودت بحياة منسوب حزب المؤتمر الشعبي الاستاذ احمد الخير الذي استشهد جراء تعرضه للتعذيب. وتجئ هذه الواقعة ضمن حيثيات كثيرة ارتكبت من قبل بعض منسوبي الجهاز ضد الثوار مما شكل دافعاً قوياً لجماهير الامة السودانية للثورة ضد نظام الانقاذ والمطالبة بحل هيئة العمليات . نظراً لهذه الاعتبارات تبقي الاجهزة الامنية مطالبة بشدة بتقويم تجربتها في عهد الثورة مستلهمة في ذلك العظات والدروس من حقبة الانقاذ حتي يتسني لجهاز الامن بناء جسور الثقة المفتقدة مع سائر المواطنين واسترداد مكانته الاثيرة في نفوس الشعب علي اختلاف الوانه السياسية ومشاربه الفكرية .
وطالما كان الامن مسئولية الجميع ، وليس حصراً علي العاملين في الجهاز لوحدهم مع جزيل الاحترام والتقدير لدورهم الحساس، فان هذا يحتم علي سائر اهل الوعي والاستنارة علي اختلاف مشاربهم تقديم يد المساعدة للجهاز بلا وجل، كل حسب مقدرته، حتي يتسني للجهاز الاضطلاع بمسئولياته الوطنية باقتدار وفق القانون . وفي هذا الاطار فانني أنادي بتطوير إدارتي المنظمات وحقوق الانسان بجهاز الامن والمخابرات واحكام التنسيق فيما بينهما من جهة وبينهما وبين بقية الاجهزة ذات الصلة ، مع تكليف الادارتين المعنيتين بالاضطلاع بدور فاعل في مجال الاغاثة الطارئة وصيانة الامن الانساني وتعزيز الحقوق والحريات بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني خاصة أن نطاق عمل الادارتين المذكورتين يتعلق في العديد من جوانبه بنشاط المنظمات الطوعية الوطنية مما يحتم علي الجميع منظمات طوعية واجهزة أمنية الاجتهاد في اقامة علاقة عمل مشجعة (HARMONIOUS WORKING RELATIONSHIP) .
هذه النتيجة التي نطمع لبلوغها لن يتسني لها التحقق في ارض الواقع ما لم يجهد الطرفان، أي كل من جهاز الامن والمنظمات، في بناء أجواء من الثقة وإعمار العلاقة وإحكام التنسيق والتعاون لخدمة الغايات الوطنية الاسمي . وفي هذا الشأن فان الدور المطلوب من الجهاز وقادته يبدو اخطر واعظم من خلال الالتزام بالحياد الموضوعي في التعامل مع سائر المنظمات وعدم اعطاء الارجحية لمنظمات بعينها استناداً الي شبهة الانتماء السياسي او الفكري مع مناصبة الاخرين العداء . ومع كوننا لا نقدح في حيادية جهاز الامن في عهد الثورة بيد أنه ينبغي القول بأنه إذا ما أرادت الاجهزة الامنية لنفسها النجاح في انجاز رسالتها فيتعين عليها الوقوف علي مسافة واحدة من جميع الكيانات السياسية والطوعية وهي رسالة نبعث بها الي السادة مدراء ادارت المنظمات وحقوق الانسان وعبرهما الي السيد المدير العام للجهاز . من جهتنا فنحن لم نبرح نتعهد جهاز الامن بالنصح والمساندة في سائر الحقب والاطوار ، وقد خصصنا العديد من المقالات علي صفحات الصحف لمعالجة القضايا الامنية وأوضاع الجهاز في عهد الانقاذ قبل شيوع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ، والاراشيف موجودة، بيد أن رسائلنا لم تلق حظها الائق من العناية حيث أصبحنا بذواتنا مستهدفين، والان فاننا نامل أن يدير الجهاز مديراً ومنسوبين اذنا صاغية للمقترحات التي نتقدم بها وهو ما يصب في مصلحة الجهاز نفسه في المقام الاول والاخير.
وإذا ما كانت هذه هي النصائح والمقترحات التي نضعها بكل تواضع واحترام في بريد جهاز الامن ، فاننا نضع رسائل مماثلة في بريد مؤسسات المجتمع المدني علي مستوي المنظمات والشبكات الجغرافية والنوعية والاتحادات الطوعية ومضمون الرسالة أن هذه الكيانات جميعاً مطالبة بالتقيد بمواثيق للشرف والقواعد المنظمة للسلوك (CODE OF CONDUCT) وفق المبادئ والمعايير المنظمة للعمل الطوعي والانساني فضلاً عن القوانين السارية في البلاد خاصة مع الافتقار الي نظم فاعلة للرصد والمتابعة والتقويم (MONITORING ,FOLLOW UP AND EVALUATION) علي المستويين الرسمي والطوعي معاً.
رابعاً: قوات الدعم السريع:
غض النظر عن طبيعة التكييف القانوني والحقوقي للنزاع الدائر حالياً وموضع قوات الدعم السريع في سياقه فلا يمكن ان نغفل الحديث عن هذه الفئة في ماضيها القريب وحاضرها الآني وذلك من باب تسجيل الوقائع المجردة ليس الا. ومن اللافت للاهتمام ان الدعم السريع كان مبادراً بانشاء وحدة لحقوق الانسان برئاسة الدكتور حسيب كوكو في وقت غابت فيه المبادرة لدي الاجهزة الاخري . ثم ان الدعم السريع لعب ادواراً ايجابية في التصدي للكوارث سيما طوارئ الخريف وجائحة الكرونا من خلال قوافل المساعدات الانسانية التي درج علي تسييرها أنذاك لمختلف المناطق المنكوبة مما جعل منها محل اشادة من المواطنين . وغض النظر عن المالآت المترتبة علي وضعية الدعم السريع جراء الازمة الحالية فان تجربته في مجال الطوارئ ومكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر ، وقد لقيت اشادة من االمجتمع الدولي، تبقي جديرة بالدراسة والتقويم ومن الخير الاستهداء بها وتعميم النماذج الجيدة منها علي بقية المؤسسات العسكرية والامنية.
تسجيل هذه المواقف لا يعني بالضرورة مساندة الدعم السريع او معاداة القوات المسلحة وانما يعتني موقفنا بتقويم تراث الممارسة العملية لمختلف الاطراف ، بما فيها الدعم السريع، في مجال الاغاثة الطارئة والحد من الهجرة غير الشرعية و الاستفادة من التجارب الجيدة في مثل هذه الظروف الطارئة. ويصبح هذا التوضيح ضرورياً لكي لا يساء تفسير موقفنا سيما مع تنامي ظاهرة التخوين وتوجيه الاتهامات بالعمالة لكل من يحمل وجهة نظر أخري ، وفي ذلك فنحن ننطلق من موقف عملي داعم لكل ما يخدم قضايا الشان الانساني وحقوق الانسان وهي محور حديثنا في هذا المقام.
في هذا السياق دعونا نتساءل : هل هنالك يا تري وجه للشبه أو المقارنة بين المبادرات التي أنجزها الدعم السريع وأطر التكليف التي يتولاها (الحرس الوطني الامريكي) ؟!!، وهل استطاع الهلال الاحمر السوداني التصدي للكوارث مستأنساً بتجربة الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الاحمر ونظرائه في دول الجوار وفي مفدمتهم الاهلة الحمراء المصرية والسعودية والاماراتية والقطرية ؟؟.
ثم أنني اوداغتنام الفرصة لازجي تحية خاصة للقس (جوناثان حماد كوكو) الذي اسعدتنا الظروف بمعرفته في مطلع الانقاذ إبان مداولات مؤتمر الحوار الوطني لقضايا السلام. ويلزمني ان اسجل هنا أن الاب جوناثان كان من ضمن الشخصيات الاثيرة لدي الشهيد فضل السيد ابو قصيصة حيث كان ابو قصيصة حريصاً علي الاعتناء به واستصحابه في قضايا الشان الوطني وعلي راسها منتديات التعايش الديني وقضايا السلام. وها نحن نلتقي مجدداً في ساحة العمل العام بنجل القس جوناثان الدكتور حسيب مسئول وحدة حقوق الانسان بقوات الدعم السريع نائب رئيس المفوضية القومية لحقوق الانسان سابقاً، دماثة أخلاق القس جوناثان أهلته لكي يحتل مكانة خاصة في نفس ابوقصيصة، وإذاً فلم لا يمتد التقدير للقس جوناثان وابنه لدي إخوة ابو قصيصة ؟!!. وغض النظر عن التكييف القانوني لوضعية الدعم السريع فإن تداعيات الازمة الراهنة تملي علي الدكتور حسيب والوحدة التي يشغلها مسئولية عظمي في التصدي للانتهاكات. وهنا يمكن القول بأن معالجة قضية الأسري وإطلاق سراح المعتقلين بما فيهم أنس والجزولي، وحماية دور العبادة ، والتحقيق في وقائع الاغتصاب تبقي من أعظم التحديات التي تواجه الدكتور حسيب جوناثان. ويلزمني التاكيد هنا بأن الحس السليم لا يتعاطف مع دعاوي اطالة أمد النزاع الحالي حتي لو توشحت الدعوة بمسوغات دعم القوات المسلحة، ومع ذلك فان اعتقال من يصدرون عن هذا الري يعتبر من الاخطاء الفادحة ، ومن هنا فنحن اسجل إدانة لا لبث فيها لاعتقال الاخوة أنس عمر ودكتور الجزولي وما سواهما من قبل الدعم السريع ونطالب باطلاق سراحهم واعادتهم لدورهم علي الفور معززين مكرمين.
صحيح أنه ينبغي أن ننشط جميعاً في توثيق الانتهاكات المرتكبة في مجال حقوق الانسان جراء النزاع الحالي النزاع ومن ضمنها الانتهاكات المنسوبة للدعم السريع ، ومع ذلك فليس من الحكمة ولا المصلحة ان تقتصر جهودنا علي التوثيق والادانات لوحدها ، بل لا بد من العمل علي محاصرة هذه الانتهاكات والحد منها والحيلولة دون ارتكابها من الاساس وهذه هي المهمة الجليلة التي نرجو للدكتور حسيب والوحدة التابعة له الاضطلاع بها في ظل هذه الظروف غير المواتية . ولن يتاتي للدكتور حسيب انجاز هذه المهمة الحساسة ما لم يلقي الدعم والمناصرة من قبل الاجهزة الرسمية وفي مقدمتها القوات المسلحة ، ومن اجل هذا فقد دعوت للاستعانة بحسيب في المفاوضات المقبلة بمدينة جدة لمعالجة ملف حقوق الانسان.
ومن هذا المقام فإنني أقترح منح حسيب تفويضاً للعمل وتوفير مقومات الامان لوحدته وتقديم سائر ألوان الدعم حتي يتسني له النهوض بمهمة تعزيز الحقوق والحريات واعلاء شان الكرامة الانسانية في اوساط قوات الدعم السريع التي ينسب لها حالياً العديد من الاتهامات بارتكاب فظائع في حق الانسان السوداني في المناطق التي تخضع لسيطرتها. ومع كون الدعم السريع ينفي مسئوليته عن الانتهاكات ويصر علي تحميل المسئولية لطرف ثالث ينتحل هيئة الدعم السريع، فلا يمكن الافضاء الي حكم قاطع حول صحة الانتهاكات المنسوبة لهذا الطرف أو ذاك من عدمها ما لم يتم تكوين لجنة مستقلة عالية المستوي للتحقيق في الانتهاكات وفق القواعد المتعارف عليها وطنياً ودولياً وهذا ما دعونا له وأكدنا عليه من قبل، وما سوي ذلك تبقي مجرد مزاعهم لا يعتد بها.
أما إذا قدر لي أن أكون في موقع الاخ الدكتور حسيب فانني لن أنزوي ولن اتواري في ذرروة الازمة لا بل سوف اسارع الي ممارسة مهامي في مجال الحقوق لمناهضة الانتهاكات التي من المحتمل ان يقدم عليها الدعم السريع مستعيناً في ذلك بالطواف الميداني علي مواقع القوات ونقاط الارتكاز من أجل تنويرها بخطورة العواقب المترتبة علي ارتكاب اي شكل من أشكال الخروقات التي تمس حقوق الانسان، فضلا عن مخاطبة منسوبي الدعم السريع عبر القنوات الفضائية واصدار البيانات التوجيهية والرسائل التي تحض علي احترام كرامة الانسان السوداني عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذه إذا هي المهمة التي ينبغي أن يضطلع بها كل مدافع حقيقي عن حقوق الانسان (REAL HUMAN RIGHTS DEFENDERS) ، سواء كان القائم بهذا الضرب من النشاط هو الدكتور حسيب كوكو أو ما سواه من النشطاء ، وهذا ما يمكن أن ينفع أهل السودان درءاً للفتنة وترسيخا للحقوق والحريات ومحاصرة للانتهاكات الي ان تضع الازمة الراهنة أوزارها وذلك عوضاً عن الانشغال بالتحريض علي استمرار القتال الذي سوف لن يصحبه الا المزيد من الانتهاكات والخسائر الجسيمة وليس مجرد خسائر جانبية (COLLATERAL DAMAGE) التي لا يمكن تفاديها بالطبع ، ومن ينزع لهذا النهج فانه لن يفعل شيئا في حقيقة الامر سوي الاضرار بالقوات المسلحة وتعريض الامن القومي للخطر من حيث يحتسب انه يسجل موقفاً مشرفاً يصب في مصلحة الامة السودانية وقواتنا المسلحة، وهو ما يستلزم ان يبذل في سبيله كل الوان الدعم والنصح والمناصرة ؟؟!!.
أسوان، مصر في 19 مايو 2023 م

 

آراء