طائر الفنينق الناهض من رماد الحريق … صلاح احمد ابراهيم: ابداعات ادبيه وروحا عبقرية (3/5)

 


 

 

صلاح احمد ابراهيم على ضفاف نهر ادونيس الموشح بالدم متنزها يقطف وردا منبثق من دمه
د. سامية عباس كرجويل
أكاديمي باحث وناقد

ظهرت مدرسة الديوان كحركة تجديدية في الشعر العربي على يد عباس محمود العقاد، وإبراهيم المازني وَعَبَد الرحمن شكري. هذه المجموعة تمسكت بالتجديد ونظروا الى الشعر نظرة تختلف عن شعراء مدرسة الأحياء الذين تمسكوا بالشكل القديم للشعر والمضمون وفي مقدمتهم شوقي، حافظ، والرافعي. لحق بمجموعة الديوان ادونيس وقد جادت قريحته بالكثير من القصائد المعبرة عن الرمزية ، التأويل ، والغموض في شاعريته والتي تمثل الحداثة والتمرد على القديم، ومن نماذج الرمزية في شعر ادونيس قصيدته 'الحوار ' :
" والزمن الراكض في عينيك/ يكبو، وفي يديك
ينكسر القيثار......
المحك الان على الضفاف رأسا، وكل زهرة غناء/ والماء مثل صوت،
أسمعك الان اراك ظلا/ يفر من مداره، ويبدا الطواف ...
اتكأ ادونيس على الرمزية تجسدت جليا في قصيدته "امنية ":
" لو أرزة من شجرة الأعماق والسنين
غواية اللؤلؤ والشراع/ يرسو وراء قشرها الحزين،
في الأفق - هذا البلد الأمين.
في شجرة الأعماق والسنين
نار من الحمى من الضياع
في الأفق -هذا البلد الأمين.
لكنني احيا وكل غصن
في شجرة الأعماق والسنين
نار على جبيني/ نار من الحمى من الضياع
تلتهم الارض التي تقيني."
تأجج هذه الرمزية عند ادونيس الخيال فيدور في فلك' الجالكسي' متسابقا مع كواكب المجموعة الشمسية محدثا في ذلك مدار ثامنا، فيسبح في بحار من الجمال يصعب معها الامساك بصهوة جواد الرمزية عند ادونيس ومن حذا حذوه وقد تبعه في ذلك صلاح احمد ابراهيم.. كان ذلك جليا في كثير من قصائده ففي 'مريا' كانت الرمزية في:
" لنحت الفتنة الهوجاء في نفسي تمثالا مكبر، 'وفي الطير المهاجر': "تلقى النيل بلمع في الظلام / زي سيف مجوهر نجوم من غير نظام ". اتكئ صلاح احمد ابراهيم في هاتين القصيدتين على الرمزية وعلى عضوية الموضوع، وامتلأ بالرومانسية محاكيا في ذلك ادونيس. تجسدت العضوية في قصائد صلاح والاسترسال الشعري، وعدم الاهتمام بوحدة الوزن والقافية تفاديا للملل، واستخدام طريقة الحكاوي في عرض الأفكار والآمال ومنها على سبيل المثال وليس الحصر قصيدته '. عشرون دسته':
" لو انهم حزمة جرجير يعد كي يباع/لخدم الافرنج في المدينة الكبيرة
ما سلخت بشرتهم أشعة الظهيرة/وبان فيها الاصفرار والذبول
بل وضعوا بحذر في الظل في حصيره/ وبللت شفاههم رشاشة صغيره
وقبلت خدودهم رطوبة الأنداء/والبهجة النضيرة
لو انهم فراخ/ تصنع من اوراكها الحساء
لنزلاء " الفندق الكبير"/ لوضعوا في قفص لا يمنع الهواء
وقدم الحب لهم والماء
لو انهم
ما تَرَكُوا ظماء
ما تركوا يتصادمون بعضهم لنفس الهواء/ وهم يجرجرون فوق جثث الصحاب الخطوة العشواء
والعرق المنتن والصراخ والإعياء
ما تركوا جياع/ ثلاثة تباع
في كتمة الانفاس في مرارة الأوجاع
لو انهم....
لكنهم رعاع
من "الزريقات"
من "الحسينيات"/ من "المسأليت"
نعم ...رعاع/ من الذين انغمست في قلبهم براثين الإقطاع
وسملت عيونهم مراود الخداع/ حتى إذا ناداهم حقهم المضاع
عند الذين حولوا لهاثهم ضياع/ وتبادلوا امالهم عداء
وسددوا ديونهم/ واستلموا مجهودهم قطنا وسلموه داء
حتى اذا ناداهم حقهم المضاع
النار ...الرشوة...والدخان..
والكاتب المأجور..... والوزير
جميعهم وصاحب المشروع/ بحليفهم يحارب الزراع
يحارب الأطفال والنساء/ وينشر الموت على الارجاء
ويفتح الرصاص في الصدور / ويخنق الهتاف في الأعماق
ويفتح السجون حيث يحشد الانسان كالقطيع/ ويحكم العساكر الوحوش
فيحرمون الآدمي لقمة في الجوع
ويحرمون الآدمي جرعة من ماء/.
ويغلقون كل كوة تمرر الهواء
وفي المساء/ بينما كان الحكام في القصف وفي السكر
وفي برود بين الغانيات البيض ينعمون بالسمر
كانت هناك/ عشرون دستة من البشر
تموت بالإرهاق/ تموت باختناق"
تأثروا شعراء الديوان بالرومانسية في الأدب الانجليزي، وقد مالوا الي الحداثة وذلك بالتحرر من القيود والصدق في التعبير. ان شعراء الديوان أسروا الهروب من الواقع المحطم للآمال الجميلة الذي احدثه الاستعمار بهدف تحطيم الشخصية العربية الاسلامية.٠ فكان الفرار الي الطبيعة ليبثوا لها امالهم الضائعة، والتأمل في الكون والتعمق في اسرار الوجود، والهروب الى عالم الأحلام فكانت انطلاقة رواد مدرسة الديوان في طريق الرومانسية٠ فكان الفكاك من القيود الملزمة لوحدة الوزن والقافية. فجاءت قصائد ادونيس معبره عن ذلك ومنها على سبيل المثال وليس الحصر قصيدته: ' اول الشعر '
"أجمل ما تكون ان تخلخل المدى
والاخرون- بعضهم يظنك النداء/ بعضهم يظنك الصدى.
أجمل ما تكون ان تكون حجة
للنور والظلام
يكون فيك اخر الكلام اول الكلام
والاخرون- بعضهم يرى إليك زبدا
وبعضهم يرى إليك خالقا.
أجمل ما تكون ان تكون هدفا-
مفترقا/ للصمت والكلام."
وقد تأثر به صلاح احمد ابراهيم فكان 'وقع الحافر على الحافر ' فكانت في قصائده الحكاوي والأحاجي كما هي الرومانسية فمن قصائد ادونيس التي امتلأت رومانسية: بين 'عينك وبيني ':
" حينما أغرق في عينيك عيني / المح الفجر لعميقا
وارى الامس العتيقا/ وارى ما لست أدرى،
وأحس الكون يجري/ بين عينيك وبيني."
فولج صلاح احمد ابراهيم من نفس الباب دون استئذان فكانت قصيدته:" بسمة" (في صورة):
"يا صافيه 'كأنها غدير'
او انها أميرة تغوص في الحرير/ او انها أميرة تطل من شباك
في روعة البدر وفي طهارة الملاك
وضيئة...... كأنها ملاك/ دفيئة .... كالشمس في الشتاء
بريئة... تبرا من رياء
يباسمه كبسمة الرضيع/بهجة كنرجس الربيع
على محيا ساذج وديع/ مرتديا غلالة من الخجل
في قامة مديدة كأنها الأمل
و يا خطاها، كالزهور، كاللحون، كالقبل
يباسمه كنسمة رخية كأغنية/ يحلوه منشورة تميد بي في امسيه
يا عذبه كرغبة حالمة كامنيه/ يباسمه كالفجر، كالخلاص للميكروب
تطهر الروح وتمنح السعادة القلوب / وتقهر الشرور في النفس وتغفر الذنوب
يباسمه كأنها ترويسته الحنان في اساي
كالخبر المفرح/ كالحليب للأطفال
كالوعود في هواي/يابسة تألقت كالشمس في راد الضحى/
ونورت دنياي/
أشرقت يا أميرتي/ كالحلم الشفاف/ كالراحة في عناي
رسالة خفية مرت ولم يشعر بها سواي/
ياغضه لو مرة عدت/ إذن لتم لي مناي"
على الرغم من تأثر المدرسة الرومانسية بالغرب، فقد انعتق منها ادونيس عندما ارتدى منها لقراءة الموروث العربي بنظره جديده ليحقق استقلاله الثقافي الذاتي وان يتعرف على الحداثة الشرعية العربية من داخل النظام الثقافي العربي ليرى التقدم فيه والتأخر في حداثة الغرب ( محاضرات: ادونيس 1984 ) فآثرت بوصلة شعراء الديوان في توجيه قاطرة صلاح احمد ابراهيم المليئة بورد ادونيس الذي نبت من قطرات دمه فكانت قصائد صلاح المعتقة بالحكاوي وحجى الجدات ترسم الأشكال على جدارية قطار التفرد والابداع،. فكان تميزه عن من سواه من داخل النظام الثقافي العربي ليرى التقدم فيه والتأخر في حداثة الغرب.
فآثرت بوصلة شعراء الديوان في توجيه قاطرة صلاح احمد ابراهيم المليئة بورد ادونيس الذي نبت من قطرات دمه فكانت قصائد صلاح المعتقة بالحكاوي وحجى الجدات ومنمنمات ثقافية متعددة رسمت الأشكال على جدارية قطار التفرد والابداع والتناغم في الفكرة فكان التميز عن من سواه لا محال.

مراجع:
محاضرات:
ادونيس ( 1984} .الشعرية العربية، الناشر دار الآداب- بيروت1989
صلاح احمد ابراهيم . غابة الأبنوس، دار مكتبة الحياة، بيروت

kargwell65@yahoo.co.uk
//////////////////////

 

آراء