طبائع الاستبداد
نبيل أديب عبدالله
18 September, 2020
18 September, 2020
أساس الحكم الإستبدادي عدم الخضوع للمحاسبة، إستنادا على سلطة القوة. وهذا ما يورث الشعور عند صاحب السلطة بأن قراره واجب النفاذ بذاته، لمجرد صدوره منه، وهو الأمر الذي يهدر طاقات وثروات عديدة للدولة، ولكنه فوق ذلك يهدر حقوق المواطن. مثل واضح لذلك ما أعلنته شركة زين صباح الأربعاء عن طريق رسالة نصية على المحمول وجهتها لمشتركيها تعلنهم بأنه بتوجيه من جهات عدلية سوف يتم قطع الانترنت يوميا خلال جلسات إمتحان الشهادة الثانوية من الثامنة وحتي الحادية عشر صباحا.
وتبدو طبائع الإستبداد واضحة في أن شركة زين لم تشعر بحاجة لأن تذكر على وجه التحديد من هو مصدر القرار، وما هي سلطته. عندما كنا حديثي عهد بالإستقلال، كانت مثل هذه القرارات تخرج وتتصدرها العبارة التالية" أنا (الإسم والوظيفة) بموجب السلطات المخولة لي بموجب المادة ... من القانون .... أصدر القرار التالي" وهي جملة تؤكد إستناد السلطة على حكم القانون. ولكن بعد عهود طويلة من الحكم الإستبدادي، أصبح حكم القانون مجرد جملة نزين بها الوثائق الدستورية فحسب. لذلك فقد إكتفت زين بإشارة غامضة إلى جهات عدلية، دون أن تشعر أن هنالك سبب يدعوها لتحديد الجهة التي أصدرته، لأن الإعلان هو مجرد إخطار للمواطن بأنه فقد حقه في تلقي الخدمة لزمن معين، ولكنه غير معني بتأكيد شرعية القرار الذي إنتهك حقوق ذلك المواطن.
وقف النت ينطوي على إنتهاك للوثيقة الدستورية، لأنه ينطوي على إنتهاك لحقوق الإنسان المضمنة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه السودان وأصبح جزء لا يتجزأ من الوثيقة. وهذا رأي فرانك لا رو، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، عبر عنه في تقريره الذي قدمه في مايو 2011 إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. قدم لا رو في ذلك التقرير 88 توصية بشأن تعزيز وحماية الحق في حرية التعبير على الإنترنت، لتأمين الوصول إلى الإنترنت للجميع. وصف التقرير الإنترنت بأنه يدعم قدرة الأفراد على التمتع بحقهم في حرية الرأي والتعبير، وهو"عامل تمكين" لحقوق الإنسان الأخرى. ويذكر المقرر الخاص أن منع المستخدمين من الوصول إلى الإنترنت، بغض النظر عن المبررات المقدمة، انتهاك للفقرة 3 من المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ورغم أن لا شيء يمكن أن يبرر الإنتهاك الذي سببه ذلك القرار، إلا أن مبررات القرار تظل مثيرة للرثاء، من حيث أنها تكشف في حد ذاتها عن تخلف نظام التعليم عندنا.
لاشك ان التعليم الذي يعتمد علي إمتحانات يفسد نتيجتها النت هو تعليم يقوم علي التلقين. التلقين يخلق شخصا محدود الأفق والمعلومات قادر فقط على تلقي التعليمات. أما ما يخلق الثقافة والعلم فهو المنهج القائم على تنمية القدرة على البحث في موضوع الدراسة. لذلك فإن الإمتحانات في النظم الحديثة اصبحت تتم في لجان يسمح بالدخول اليها بالكتب والمراجع، لان الطالب لا يُمتحن في قدرته علي تذكر ماتم تلقينه له، بل علي قدرته علي الاستيعاب والبحث في المواضيع التي درسها.
دعونا ننظر للتكاليف الباهظة والأضرار التي يسببها قطع النت. لقد أصبح النت في مجتمع المعلومات الذي نصبو إليه، هو النمط الرئيسي للإنتاج. وبالتالي فإن قطعه يؤثر على العملية الإنتاجية بجملتها. وهذا يعني تكاليف إقتصادية باهظة. أضف لذلك فإن العملية الإنتاجية تدعمها عدد من العمليات الخدمية تقوم كلها على الشبكة الإليكترونية. ينجم عن ذلك القرار أن جميع الخدمات المالية التي تشكل عصب العملية الإنتاجية من تحويلات مالية وسداد للرسوم والضرائب، ستتوقف لمدة ثلاث ساعات يوميا وما قلناه عن الخدمات المالية ينطبق على الخدمات المدعِّمة للإنتاج، المتعلقة بالإتصالات والمواصلات. فياهل ترى، كم تبلغ تكاليف توقف الإنتاج ثلاث ساعات يوميا؟
أضف لذلك أن المسائل المتعلقة بالأمن وبالسلامة العامة ، ستصاب كلها بخلل في أحسن الأحوال وبشلل في أسوئها فمن المسؤول عن كل ذلك؟
بالنظر لكل ذلك وإذا سلمنا جدلا بضرورة تأمين الإمتحانات ضد نقل المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية، ألم يكن يكفي منع دخول الإمتحانات بهواتف، وأي وسيلة إتصال إليكتروني أخرى؟
nabiladib@hotmail.com