طعون أمام الدستورية: الاستفتاء…جدل القانون والسياسة يتواصل … تقرير: خالد البلولة إزيرق

 


 

 


 انتهى التسجيل للاستفتاء، ولم تنتهِ معركته بعد، حيث بدأت معركة الطعون القانونية في اجراءات التسجيل، والتي من المرشح ان تبلغ اعلى درجاتها امام محاكم الطعون والمحكمة الدستورية، الأمر الذي ربما يؤدي الى تأخير اجراء الاستفتاء عن موعده اذا قبلت نتيجة الطعون من قبل المحاكم المختصة. فاجراءات عملية الاستفتاء التي تسابق الزمن الذي يتقاصر أمامها، ربما تواجه بتضييق اكثر عليها في الزمن لاجراء عملية الاقتراع المقررة في التاسع من يناير القادم على ضوء الطعون المقدمة في اجراءات التسجيل للاستفتاء من قبل عدد من المواطنين الجنوبيين.
بدأت معركة الطعون ضد الاجراءات الادارية لمفوضية الاستفتاء في تسجيل الناخبين بجدل «اختصاص وعدم اختصاص» الذي قال به رئيس مفوضية الاستفتاء بروفيسور محمد ابراهيم خليل، بعدم اختصاص المحكمة الدستورية في النظر للطعون المقدمة في اجراءات الاستفتاء، ولكن الطعون التي تقدم بها مجموعة من المحامين إنابة عن مواطنين تضرروا من التسجيل للاستفتاء أمام المحكمة الدستورية، طعنوا في القانون والاجراءات التي تم بموجبها تسجيل الناخبين باعتبار انها تخالف الدستور لتمييزها بين المواطنين. إذاً حراك سياسي وجدل قانوني بدأت وتيرته تتصاعد حول اجراءات التسجيل للاستفتاء، ربما تلقي بظلالها على مجرى جدول عملية الاستفتاء برمتها او اعادة تحديد توقيت جداولها من جديد على ضوء تلك الطعون القانونية المقدمة، ورغم ان المعركة تبدو في ظاهرها واجراءاتها قانونية لكنها قد لاتخلو كذلك من البعد السياسي الذي يظلل عملية الاستفتاء برمتها والتي تجمع ما بين الجانب القانوني والسياسي، الأمر الذي دفع البعض الى التشكيك في قانونية الطعون المقدمة وعدها مشهداً من محاولات تعطيل اجراءات الاستفتاء ليس إلا..وهو ما ذهب إليه بروفيسور ابراهيم خليل رئيس مفوضية الاستفتاء حينما إتهم يوم السبت الماضي في تصريح «لرويترز» معارضين للاستفتاء بأنهم يحاولون عرقلة اجراءات التصويت يناير المقبل، وذلك بقوله «ان معارضين للاستفتاء المقرر الشهر المقبل يهددون برفع دعاوى قضائية ويثيرون التشوش في محاولة لاعاقة التصويت، واضاف «انه يتلقى فيضا من شكاوى لا أساس لها من الصحة وتهديدات باقامة دعوى قضائية مصدرها جماعة واحدة فيما يبدو، وقال خليل ان المفوضية تلقت شكاوى بعبارات مطابقة ولكن من جهات عدة الا أن مصدر الشكاوى يبدو أنه واحد، وأوضح أن الهدف منها هو اثارة التشوش واظهار أن هناك أمرا خطيرا يجري. ولم يحدد خليل وهو من أبناء الشمال من يعتقد أنه وراء حملة الاعاقة».
مفوضية الاستفتاء التي وجدت نفسها بين مطرقة القانون وسندان ضيق الوقت، اجتهدت في تقصير المدد الزمنية للجداول التي وردت في قانون الاستفتاء حتى تتمكن من اجراء الاستفتاء في موعده كإلتزام سياسي وقانوني نص عليه الدستور واتفاقية السلام الشامل بعد تأخر الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في اجازة القانون وتكوين المفوضية نفسها، وهو الاجتهاد الذي يبدو أنه جر عليها عدداً من الطعون المقدمة أمام المحكمة حول اجراءاتها في تسجيل الناخبين، وهو اجتهاد يبدو انها استهدت فيه بسابقة المفوضية القومية للانتخابات التي اجتهدت هي كذلك في تعديل الجداول الانتخابية الوارده في قانون الانتخابات لمواجهة ضيق الوقت كذلك الذي لازم العملية الانتخابية. إذاً كيف يبدو ما اقدمت عليه مفوضية الاستفتاء اجراء تقليصها للجداول قانونياً وماهي المترتبات التي تنعكس على اجراءاتها اذا كانت مخالفة للقانون حسبما ذهبت كثير من الطعون التي قدمت، مولانا محمد أحمد سالم، استاذ القانون الدستوري بالجامعات السودانية، قال لـ»الصحافة» ان مفوضية الاستفتاء والانتخابات كانتا ضحايا لقوانين ممعنة في الجزئيات، مشيرا الى ان القوانين السابقه كانت تترك للجنة الانتخابات تحديد الجداول الانتخابية في لوائحها عكس قانوني الاستفتاء والانتخابات الحاليه التي فصلت كل شئ، وقال « ان مفوضية الاستفتاء اضطرت لضيق الوقت للخروج من الجداول الزمنية في القانون، وتعترضت لنقد مرير من جهات عديده باعتبار انها غير مشرع، وانه كان عليها ان ترجع للمشرع «المجلس الوطني» لاجراء التعديلات اللازمة، واضاف «المفوضية اعتمدت على فقه الضرورة وسارت على نهج سبقته إليها مفوضية الانتخابات عندما اضطرت لتعديل جزئي لبعض جداول الانتخابات، واصفا التعديل بالخلل الجوهري في قانوني الانتخابات والاستفتاء، لأن الاصل في الصياغه التشريعية ان تترك التفاصيل للوائح والقواعد وان ينحصر القانون في المبادئ والاحكام الرئيسة» وقال سالم «بيد ان علاج الخلل في القانون لا يتم علاجه بتجاوزه.
مراقبون شككوا في جدوى اللجوء للمحكمة الدستورية للفصل في مثل هذه الطعون، مشيرين الى ان مايجري لا يعدو ان يكون من اختصاص محكمة الطعون الادارية المختصه بذلك بموجب قانون الاستفتاء، وشددوا على ان طبيعة المخالفات الادارية التي وقعت لا تتحمل وزرها مفوضية الاستفتاء التي تستند في عملها على قانون استفتاء جنوب السودان. ولكن الدكتور خالد حسين، مدير مركز السودان للبحوث والدراسات، قال لـ»الصحافة» أي طعن يقدم في هذه الفترة أياً كان شكله ودعواه القانونية لايخلو من العامل السياسي المتعاطى مع قضية الاستفتاء، وقال يجب التمييز بين نوعين من الطعون، الاول الطعون المتعلقة بالاجراءات الادارية في ممارسة العملية وفقاً لقانونها والتي يجب تطبيق ضوابطها وقواعدها لضمان نزاهة العملية، والثاني: الطعن الدستوري للمحكمة الدستورية لما يصاحب عملية الاستفتاء بوجود مخالفات دستورية وليست اجرائية، وهذا الطعن برأي حسين اذا قبلته المحكمة سيؤثر على عملية الاستفتاء وإلغاء الاجراءات، وخطورة ذلك ستواجه المفوضية التي تسعى لإجراء العملية في موعدها، ولكنه عاد وقال «ان مثل هذه الدعوة تتوقف على الحجج الموضوعية اثبات المخالفات لدى المحكمة الدستورية وهي عملية ليست ساهلة» واستبعد حسين ان تكون هناك جهة سياسية بعينها تقف وراء الطعون القانونية ولكنه قال ان اي وحدوي يمكن ان يكون وراء مجموعة المحامين التي تحركهم وطنيتهم للحفاظ على وحدة السودان، واضاف «من يحرك هؤلاء ان الحركة الشعبية تمضي في فصل الجنوب، وان ما تقوم به خرق واضح للاتفاقية حتى تكون نتيجة الاستفتاء هي الانفصال، لذا بالمقابل لذلك فان الوحدويين اذا وجدوا أية ثغرة قانونية سيتغلوها لإيقاف ذلك».
الحركة الشعبية المعنية الأكبر بعملية الاستفتاء والمتهم الرئيسي من قبل مناوئيها بارتكاب معظم التجاوزات وصفت الطعون حول خروقات بعملية التسجيل بأنها محاولة لتعطيل اجراءات الاستفتاء مطلع يناير القادم، مشيرة الى انه لا يحق لجهة ان تطعن في اجراءات التسجيل لأنها مسألة شخصية وان الطعن يجب بحسب القانون ان يقدمه الشخص المتضرر أمام المحاكم المختصه ولكن ليس من حق حزب ان يرفع طعناً دستورياً ضد اجراءات التسجيل لأن الضرر في هذه الحاله فردي. ويتهم قادة الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بتدبير الاجراءات التي تمضي امام المحاكم ضد اجراءات التسجيل، ويتهمونه بمحاولة تعطيل الاستفتاء الذي باتت نتائجه أقرب للانفصال على ضوء الحراك السياسي الدائر في جنوب السودان وانحياز الحركة الشعبية للانفصال، ووصف نائب الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان، الطعون ضد اجراءات الاستفتاء في تصريحات صحافيه بأنه «عمل تخريبي للاستفتاء» وأضاف «ليس سرا أن المؤتمر الوطني كان يعد الساحة لمثل هذا التحرك.. هذا لن يحل القضايا». ولكن الاستاذة زينب بشير، إحدى رافعي الطعون انابة عن مواطنين جنوبيين قالت ان لجان الاستفتاء رفضت تسجيل قبائل السليم والصبحة والتعايشة في مقاطعة الرنك برغم وجودهم بتلك المناطق منذ العام 1835م، الامر الذي يخالف نص قانون الاستفتاء وقالت ان مذكرة الطعون للمحكمة الدستورية طالبت كذلك بإلغاء اجراءات التسجيل لمخالفتها الدستور، مشيرة الى انهم لجأوا للمحكمة الدستورية نسبة لإرتباط الخروقات بالتمييز العرقي والإثني والديني ما يتعارض مع دستور السودان للعام 2005م. لكن الاستاذ نبيل اديب المحامي قال لـ»الصحافة» ان على المتضرر من اجراءات التسجيل ان يلجأ للمحكمة الادارية خاصة وان قانون الاستفتاء يتيح اللجوء للمحكمة الادارية وتقديم مرافعات قانونية واضاف «الفيصل في الشكاوي الادارية انها من اختصاص المحكمة الادارية وليست المحكمة الدستورية، مشيرا الى ان الاستفتاء لطائفه عرقية معينة من الشعب السوداني، وان المفوضية لايمكن تحميلها خطأ التمييز العرقي الذي يتطلب اللجوء للمحكمة الدستورية، ونوه الى ان اتفاقية نيفاشا لم تضع تعريفات واضحة لقبائل جنوب السودان، بل ان مفوضية الاستفتاء استمدت تلك التعريفات من قانون الاستفتاء».
dolib33@hotmail.com
 

 

آراء