طه .. بعيداً عن السياسة قريباً من الفكر

 


 

البدوي يوسف
12 November, 2014

 

abahmed2001@hotmail.com
على غير عادته، تخلى علي عثمان محمد طه النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية  ــ تحت وابل من سهام النقد التي ظلت تنتاشه منذ مغادرته القصر ــ عن حذره وتحفظه وتحصنه بالصمت، بمرافعة مطولة عبر "الرأي العام "،  نافياً ما راج عن ممارسته ارهاباً معنوياً لحمل أعضاء مجلس شورى المؤتمر الوطني على اعتماد البشير مرشحاً للحزب في الانتخابات الرئاسية المرتقبة ، مدافعاً عن اتفاقية نيفاشا ، موزعاً وزر انفصال الجنوب عن الشمال، بين المجتمع الدولي وكل القوى السياسية السودانية التي اعترفت بحق تقرير المصير، ما مهد الطريق لمفاوضات نيفاشا واتفاقية السلام الشامل التي انتهت بالسودان إلى دولتين. 
وقدم طه نفسه في الحوار، بلباس الزاهد في المناصب السياسية ، بقوله إنه لن يتولى منصباً عاماً في الفترة المقبلة، مع استعداده لوضع خبراته بين يدي من يطلبها أياً كان موقعه في الحزب (المؤتمر الوطني) أو الدولة "دون أن أفرض نفسي عليهم أو دون أن يقتضي ذلك أن أكون موجوداً على قيادة مؤسسة أو جهاز، وهذا الذي يمكن أن يحقق تواصل الأجيال لأن هذه تجربة غير معهودة"، وتساءل طه الذي لم يعرف له اهتمام بالرياضة "كيف يمكن أن تتحول إلى مدرب بعد أن كنت لاعباً؟" ، قبل أن يحاول الشرح بلغة أهل المستديرة "خلي اللاعب قد يشوت كورة غلط في هذا الاتجاه أو ذاك ,أنت كمدرب يمكن أن تتكلم معه لكن ما بالضرورة تطلعوا من اللعبة ولا بالضرورة تخلع رداء المدرب وتنزل لتلبس فنلة اللاعب مرة أخرى". 
واقع الحال ، أن طه زهد في المناصب العامة، بعد أن ظل بدون أية أعباء منذ إسناد منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية للفريق بكري حسن صالح في 8 ديسمبر 2013 ، قبل أن تتبخر الشهر الماضي، أحلامه في الرئاسة ـ بعد أن كان الظن أنها آتية إليه لا محالة تجرجر أذيالها ـ فقنع بدور مسؤول علاقات عامة في حملة التجديد للبشير لولاية جديدة تنتهي في 2020 ، وحل رابعاً في تصويت مجلس الشورى بعد بكري المرشح الأول لخلافة البشير ومساعد الرئيس السابق نافع علي نافع الذي حل ثالثاً، ومن ثم لم يبق  له، غير بصيص أمل ، في المجلس الوطني الذي تردد قبيل مغادرته القصر الجمهوري، أنه مرشح بقوة لرئاسته ، مسنوداً بخبرته السياسية الطويلة وخلفيته القانونية. 
وتعيد قيادة طه لحملة إعادة ترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة إلى الأذهان، ماذهب إليه المحبوب عبد السلام في كتابه " الحركة الإسلامية السودانية ـ دائرة الضوء وخيوط الظلام ( تأملات في العشرية الأولى لحكم الإنقاذ)"، من اتهام طه ــ المعروف بصلاته القديمة مع القوات المسلحة ـ  بالتمكين لشمولية الإنقاذ منذ أيامها الأولى، بداية من عدم تقيده في صياغة البيان الأول للإنقاذ بتوجيهات القيادة، وإسقاطه فقرة تبشر الشعب باستعادة الحريات وتسليم الحكم للشعب حال استقرار الأحوال السياسية والعسكرية في البلاد، وتعمده إطالة أمد سجن الترابي من شهر لستة أشهر وإبقائه مثلها بمنزله، ومماطلته في جمعه بالعسكريين الذين نفذوا الانقلاب، بعد خروجه من محبسه الاختياري .. وهي مجرد اتهامات تحتاج إلى إثبات. 
ويستدعي إعلان طه،اعتزامه التفرغ لتقديم الاستشارة والتوجيه والنصح والترتيب لمساهمات في المجالات الفكرية والثقافية والاجتماعية، ما تردد بعد المفاصلة بين الوطني والشعبي، عن أن وفداً من الوساطة الإسلامية بقيادة الداعية اليمني الأشهر عبد المجيد الزنداني ، طرح على طرفي الأزمة، إطلاق سراح الترابي من السجن ـ الذي دخله للتو لحظتها ـ مقابل ابتعاده عن النشاطات السياسية على أن يركز على العمل الفكري والدعوة الإسلامية، إلا أن مقترح الوساطة ذهب أدراج الرياح ولم يجد أذنا صاغية ، حيث بقي الترابي سجيناً لمدد تطاولت، وبالطبع لم يتفرغ للعمل الفكري والدعوي، بل أنه بات أقرب إلى البشير أكثر من أي وقت مضى، بعد خروج طه من القصر. 
ومع ذلك، من شأن خطوة طه المرتقبة ــ ما لم تكن مناورة أو بالون اختبار ــ أن تؤسس وترسخ لثقافة غائبة في المشهد السياسي السوداني، الذي  تتصدره أحزاب أبتليت بقيادات أقرب إلى المعمرين منها إلى الشيوخ، تتحدث بعضها عن إفساح المجال للشباب وترسخ أقدام الشيوخ، وتصر أخرى على اقتران أسمائها بالقومية والديمقراطية وتتحدث ليل نهار عن حتمية التغيير والتداول السلمي للسلطة في ذات الوقت الذي ترقي فيه أبناءها وتفتح الطريق لهم لوراثة القيادة ، دون أن يرمش لها جفن.

 

 

آراء