طوق نجاة السودان: الكورونا جورج فلويد وترامب

 


 

مالك جعفر
30 June, 2020

 

 

 

أمريكا أعلنت مضاعفة دعمها السنوي للسودان عشرة اضعاف فوق مستوى العام الماضي، بتبرع بلغ 400 مليون دولار. التبرع جاء ضمن حزمة المليار وثمانمائة مليون دولار المقدمة من تجمع شركاء السودان، ليكمّلْ الضلع الثالث في مثلث اخراج السودان من لائحة الارهاب الدولية.

الضلع الأول أن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن ترسلْ بعثة أممية الى بلد مصنف بدعم الإرهاب، بعثة ستكلِّفْ مليارات الدولارات دون أن تكون قد حسمت مسألة رفع اسم ذلك البلد من قائمة الإرهاب. (شكرا لتصريح وزير الخارجية الفرنسي لودريان أمام العالم خلال مؤتمر الشركاء حين قال إنه من العيب أن يظل السودان مصنفا كدولة داعمة للإرهاب).
الضلع الثاني تصريح وزير الخارجية بومبيو لقناة (الحرة) عن قرب التوصل لاتفاق مع الخرطوم حول تعويضات تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا، وتأكيده أن قرارْ التعويضات سيصدر خلال أسابيع. وتعويض ضحايا تفجير السفارتين، هو آخر شرط جزائي ألزم به الأمريكان السودان قبل رفع دمغة الإرهاب.
والضلع الثالث تجسده مساهمة أمريكا المالية السخية في منتدى شركاء السودان وتصريح مندوبها أن الأربعمائة مليون دولار المدفوعة هي دفعة أولى من سلسلة دفعيات قادمة. وما تبعه أمس، والسودان يتهيأ للاحتفال بيوم انتصار إرادة شعب السودان على طغمة عسكر الانتقالية، من خروج السفارة الأمريكية في الخرطوم عن التقاليد الدبلوماسية، واصدارها بيانْ تأييدْ للمسيرات السلمية احتفالا بالذكرى. ذلك يشي بتوجه تفاعلي جديد من واشنطن تجاه قضايا السودان.
فهل لوباء الكورونا الذي ضرب الاقتصادالأمريكي دور أم هي حسابات ترامب الانتخابية الجديدة؟

**

أقل من خمسة أشهر تبقت على الانتخابات الأمريكية. وترامب في ورطة. بطالة متفشية. بورصة نيويورك في سقوط. وملايين الأمريكيين في تظاهرات وأحداث عنف تدين وحشية قتل الأمريكي من أصول افريقية جورج فلويد على يد الشرطة. أصوات الأفارقة الأمريكان كناخبين لم تكن يوما ضمن اهتمامات ترامب ولا أولوياته. وتغريداته العنصرية كانت مثار حديث الناس ووسيلته المحببة للتودد للناخبين البيض.
فجأة تغير كل شيء. الكورونا والعنف وضعا الولايات المتحدة أمام شقاق مجتمعي أقرب للحرب الأهلية. والفوز الرئاسي الذي كان في حكم المؤكد صار في كف عفريت. لن تحدث معجزة اقتصادية تعيد الأربعين مليون مواطن أمريكي الى وظائفهم أو ترفع مؤشرات البورصة الى مستوياتها القياسية السابقة. ولن تتوفر وسيلة تقنية تغسِلْ أدمغة الأمريكان وتنسيهم بشاعة مصرع جورج فلويد اختناقا أو تُوقِفْ العنف والدمار. وفن التغريد العنصري المريض يحتاج الى تغريدْ متوسلْ مسالمْ يستعطفْ الأقلية السوداء ومناصروهم كُثْرْ في أوساط شباب أمريكا البيضاء. يحتاج ترامب لميكافيللية وصولية. سمها جرعة نفاق ومخادعة تخفي فطرته العنصرية وكرهه الدفين للأفارقة والملونين. يحتاج لإزالة الاحتقان. وقد بدأ أمس التحول بتقبيل طفلة سوداء خلال حشد انتخابي.

****

لا شماتة.
لكن يبقى السؤال: هل يدفع الظرف المواتي ترامب لاستخدام السودان (البلد الأفريقي الأسود) لنفي صفة العنصرية عن نفسه؟
إعلان اخراج السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب في هذا التوقيت يحقق عدة مكاسب انتخابية:
ينفي عن ترامب تهمة العنصرية. يُظْهّره كانسان مهموم بفقراء القارة الافريقية. ينسب لإدارته فضل توقف المجازر في دارفور وتوطين اللاجئين. فضل انتشال دولة استضافت بن لادن من أحضان الإرهاب الإسلامي والتطرف. يرضي اليمين الأمريكي المسيحي المطالب دوما بالحريات الدينية. يُروّجْ للسودان كدولة تغيرت جذريا. خرجت من التشدد الى التسامح الديني درجة أنها تسمح حاليا لبعثات التبشير المسيحي الأمريكية بالعمل في اراضيها. والأهم: يباهى أمام اللوبي اليهودي المؤثر بقرب إعادة العلاقات بين السودان وإسرائيل.
قد يكون السيناريو أعلاه أمنيات رغبوية. قد تتحققْ وقد لا. لكن في الحالتين يبقى قرار اخراج السودان من لائحة الإرهاب هو قرار مفصلي حاسم، سيصدر حتما قبل وصول البعثة الأممية الى الخرطوم. فالأعراف الدبلوماسية تحتّم على واشنطن تهيئة المناخ المناسب لعمل البعثة الأممية في السودان بنزع صفة الإرهاب عن السودان قبل يناير المقبل.
الأمل أن يكون السودان القطر الوحيد في العالم الذي يخرج من حظر الكورونا بمكاسب. ليس المنح والهبات فقط. بل بالمكسب الأكبر: رفع اسمه من لائحة الدول الداعمة للإرهاب.

****

ما يجب الانتباه له والتذكير به أنه قبل الإزالة من قائمة الإرهاب، ينبغي أولا إعادة ولاية وزارة المالية على الـ 650 شركة التابعة للجيش والأمن والدعم السريع. بغير هذي لا تحدث تلك. الأيلولة لا معنى لها بغير سيطرة الدولة المدنية على مجريات الحكم في السودان. تعني شفافية إدارة المال العام. تعني قفل الباب امام شركات غسيل الأموال. وما أكثرها في افتصاد السودان.
وبصدور القرار سيتعافى الاقتصاد تلقائيا. سيتسابق تجار الحروب على توقيع اتفاقات السلام. ستتوقف شبكات التهريب. سيجلب القرار الاستثمارات. خاصةً الأمريكية. سيعفي عشرات مليارات الدولارات من ديون السودان. يصحح سعر الصرف. يفكك تجارة الدولار ويسرّح الآلاف من تجار العملة.
والأهم سيقلص القرار نفوذ الدول المتحكمة في مسار القترة الانتقالية والتي تدير بالريموت أراجوزات المشهد السياسي السوداني.

****

فكرة أخيرة من خارج (الصندوق) لوزير المالية المولع بـ (الصندوق).
رجاءً لا تقترب من، أو تحاول تسييل أصول أو أرصدة إزالة التمكين المتراكمة. خاصةً في هذا الظرف الذي يبلغ فيه سعر الدولار 150 جنيه.
بالإنتاج أو بدون انتاج، إزالة السودان من قائمة الإرهاب، وولاية وزارة المالية على الـ 650 شركة التابعة للجيش والأمن والدعم السريع، خطوتان كافيتان لإعادة التوازن الى سعر صرف الجنيه.
والفكرة أن تنشئ الدولة السودانية (صندوقْ سيادي) بلجنة تسيير.
يحتوي (الصندوق السيادي) كل عائدات أصول وأرصدة لجنة إزالة التمكين. كل ما تم مصادرته أو سيتم. وكل ما سيتم استعادته من عواصم التهريب في دبي وماليزيا وتركيا ومصر والصين ولندن وسنغافورة وسويسرا الى آخر القائمة الطويلة.
ملكية الصندوق ملكية عامة موزعة كأسهم.
ثلث الأسهم مخصص للشهداء من مجدي وجرجس مرورا بشهداء دارفور، جبال النوبة، النيل الأزرق، شهداء رمضان، مجزرة العيلفون، شهداء2013، مجزرة القيادة، الى آخر شهيد في 2020.
والثلثان يتم تقسيمها بالتساوي بين باقي الأربعين مليون سوداني.
الاستثناء أعضاء المؤتمر الوطني، أعضاء المؤتمر الشعبي، كل من تقلد منصبا برلمانيا أو وزاريا أو تنفيذيا خلال سنوات (الإنقاذ) الثلاثين الماضية.
لجنة التسيير تحصر الأسر. وتعلن للجميع أنه بدون فتح حسابات مصرفية لكل أسرة، بل لكل فرد، لا مشاركة في عوائد الصندوق.
يتزامن ذلك مع حملة توعية عبر المذياع، التلفزيون، القنوات الفضائية لشرح أهداف (الصندوق السيادي).

ذلك يجعل مؤتمرات لجنة إزالة التمكين (فرض عين) ومشاهدة ممتعة في كل بيت سوداني. تحمل البشريات. بل (ليلة قدر) للكثيرين تعيد المال المسروق الى ملاكه الحقيقيين.
.. مجرد فكرة من خارج (الصندوق) عساها تخرج الحكومة الانتقالية من فك (الصندوق).

abujaybain@gmail.com

 

آراء