طوكر وصحيفة الانتباهة … بقلم: د. طه بامكار

 


 

 

 

It is too late...

  في مقال سابق كتبتُ عن الصحافة الاتحادية و(ظروفنا) الولائية ووقتها كانت العلاقة بين (ظروفنا) الولائية والصحافة الاتحادية متينة وقوية لدرجة الهيام والعشق. الصحافة الاتحادية، أو في الحقيقة كتاب كبار جدا فيها قارنوا بين ولايتنا وبين لاس فيغاس من حيث الجمال والروعة. وأدناهم وصفا لولايتنا من قال إنها تشبه دبي في جمالها وروعتها وبالطبع هذا تقدير انطباعي سطحي جدا،حسب المشهد اللحظي الرومانسي الذي يعيشه الصحفي الاتحادي.وطبعا الصحافة الاتحادية تكتب حسب (الظروف) الولائية، ولا يهمها كثيرا قضايانا الحقيقية ومعاناتنا، فهي تأتي الي الولاية بخارطة طريق محددة المسارات تمر بالمناظر الجميلة وحدها.من أهم المسارات الفندق الفخم الذي يؤويهم ثم الانتشاء مساءً في الكرنيش والسي لاند وفي الصباح يتوجه الوفد الي سواكن حيث السمك الطازج الذي يعين علي الكتابة ثم زيارة الي قرية نموذجية واحدة ثم فطور دسم في سوق ديم عرب العريق وبعدها ينهمر القلم مدادا يجعل من ولاية البحر الأحمر جنة الدنيا وروض ربيعها الأخضر.

  الصحافة الاتحادية ولأنها لا تعاني مثلنا من سوء الخدمات فهي لا تختار المواضيع  التي تقلل من (قيمة) كتاباتهم الرائعة عن الولاية. ولكن هذه الأيام خرجت الإنتباهة عن المألوف وأرجو أن يكون هذا الخروج منطقي ومنهجي ولا علاقة له (بظروفنا) الولائية الصعبة هذه الأيام. وأرجو ألا تكون غضبة مضرية من صحفي لم يتمكن من مقابلة الوالي فيغضب لنفسه ويتواري خلف مأساة محلية أو إعدامها، وكثيرا ما تكون الكتابات السلبية الاتحادية استجابة لهذا النوع من الاستفزاز. لقد شاهدنا هذا النوع من الصحفيين ومللنا هذا النوع منهم الذي يصالح ويخاصم حسب حفاوة اللُقيا وحسب (الظروف) الولائية. لا يهتم الصحفي الاتحادي كثيرا بمعاناتنا وهذه حقيقة.أنا شخصيا وصلت درجة ان كتابات الصحفيين الاتحاديين السالبة والموجبة لا تدغدغ مشاعري ولا تلبي طموحي. وأفيد الاخوة في الصحافة الاتحادية أن والي البحر الأحمر الذي جاء بالانتخاب لا يهمه ولا يخيفه مقالٍ تتوارون خلفه ولن تجدوا منه تراجعا فيما يراه صحيحا.كون الوالي أصبح منتخبا أمرٌ لابد من التعامل معه بجدية. الوالي يعرف كيف تنهمر الأقلام الاتحادية مدحا إن أراد ذلك وأنتم السبب في ذلك. من تم استقباله بحفاوة وكرم يكيل المدح للوالي وحكومته ومن لم يجد ذلك فهو خصيم مبين وخصم شرس. الصحافة الاتحادية دائما تتاجر بقضايا الفقراء وتدغدغ أشواقهم وتطلعاتهم في غير صدق وأمانة. يصدق الفقير المعدم هذا السراب ويحسبه ماءً ،ولكن المفاجأة يجد الفقير نفس القلم الذي بكي مداده من أجل القضية يضحك ملء فيه مع الخصم دون خجل ودون وازع بعد زوال سوء الفهم ( الظرفي).

   المهم نحن أبناء هذه الولاية ونعيش تفاصيلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية يوميا وبدقة مصحوبة بحسرة لأننا نري الفيل كله ونتعايش مع مأساة حقيقية فيها أطفال يتوفر لديهم المعلم الجيد وأطفال يكتفون بالغذاء فقط من دون تعليم.

  مدينة بورتسودان ليست ولاية البحر الأحمر كلها فهنالك تسعة محليات ريفية تتسربل فقرا مدقعا وتعيش سوء تغذية مزرية وتنام بعيون بائسة وتنافح وتكافح الموت البطئ دون معينات.هذا ليس تحاملا مني علي الحكومة، ومن يسافر براً عبر الطريق القومي يقرأ الفقر في وجوه أهلي ابتداءً من هوشيري حتى نهاية حدود كسلا وكلكم تعلمون هذه الحقيقة. ونؤكد أن ما نقلته الإنتباهة هو بعضٌ من المعاناة في طوكر الحبيسة المظلومة وما لم يذكر أكثر من ذلك..............

  أطراف مدينة بورتسودان تعاني من المجاعة أو قل فجوة غذائية حتى لا نتهم في ديننا لأن ذكر المجاعة أمر غير مسموح به في ولايتنا التي نفاخر بها دبي ولاس فيغاس وقاهرة المعز. وسط مدينة بورتسودان يعاني من جفاف شبكات المياه للشرب. وفيها نشتري الماء علي مدار العام. جوز الماء فيها بألفين وخمسمائة جنية( بالقديم). هذه بورتسودان أما المحليات التسعة الباقية فهي الوجه المظلم في الولاية الذي لا ترغب في تَتَبَعه الأقلام الاتحادية. نحن بأقلامنا الولائية قلنا كثيرا وكتبنا بالواضح أن أدروب يموت جوعا ومسغبة أو قل يعيش حالة فقر ومتربة قاتلة، ونضيف أيضا الموت جهلا لأننا الولاية الوحيدة التي تشتري المقرر الدراسي من المكتبات التجارية مباشرة ونفتقر الي المعلم ووسائل التعليم. ولكن مع هذا كله تصر الحكومة الاتحادية علي أننا النموذج الأمثل والأحسن للتنمية الولائية، ويبدو أن حياة أدروب ليست أولوية بالنسبة لحكومة السودان والحكومة الولائية. حتى في حلايب تم تخفيض حجم الفقر وسط أهلنا البجا بسبب سياسة التمييز الإيجابي فلماذا لا نطبق هذه السياسة في محلياتنا المحررة؟.

   إضاءة الشوارع والانترلوك والكورنيشات مع انعدام الخدمات الأساسية من ماءٍ ودواءٍ وتعليم في بورتسودان لا تعني شيئا. حتى شعب الولاية المحترم في بورتسودان الذي يستمتع بتنمية الشكل دون الجوهر والمضمون التزم الصمت تجاه سوء الخدمات الأساسية في المدينة. ولزم مواطني حاضرة الولاية أو قل دبي السودان الصمت تجاه جريمة إهمال الريف التي يعاني فيها ومنها أدروب في تسعة محليات تموت جوعا.من هنا أناشد مواطني حاضرة الولاية المثقفين والكتاب أن يقولوا الحقيقة ولو مرة واحدة. نعم أطفالنا دون الخامسة وأمهاتهم يموتون بسبب سوء التغذية في أرياف الولاية يجب أن نواجه هذه الحقيقة ونناقش معا هذا الإهمال.

    أي كان هدف صحفي صحيفة الإنتباهة فهو تطرق لموضوع حيوي،  وأنا هنا أشكر الإنتباهة لغورها الجانب الذي تخفيه الحكومة وهو معاناة مدينة طوكر الكبري التي لا يزال الإسعاف فيها عربة كارو وهذه حقيقة من الصعب جدا أن يصدقها الذي يتمتع برفاهية الكرنيش متوسدا الإنتر لوك ولكن لا بأس، يقال يسخر من الجروح من لا يعرف الألم.

   أبدت صحيفة الإنتباهة جرأة كبيرة في عكس المعاناة وأرجو أن لا تكون هذه الخطوة تكتيكية. نعم أن تقول الحقيقة أصبح بمثابة جرأة في وقت صمت فيه حتى أصحاب المنطقة خوفا من الاستغلال السئ للسلطة التي كادت أن تصبح سلطة مطلقة. وأنا أيضا ينطبق علي المثل الذي يقول مجبرٌ أخاك لا بطل فما أنا إلا موظف في إدارة صغيرة،يمكن رفته أو نقله بجرة قلم، ولكني أري أن التألم والمعاناة لأجل الصدق أفضل من أن أكافأ لأجل الكذب. علي كل حال ليست معاناة طوكر في سوء الخدمات الأساسية وحدها ولكن يموت مواطنها جوعا جراء الفجوة الغذائية التي لم يعترف بها النظام الحاكم بالولاية. وليست طوكر وحدها التي تعاني ولكن حتى أطراف مدينة بورتسودان تبكي كمدا وتتحسس مكانها بين أخواتها من محليات الولاية.

 

Taha Bamkar [tahabamkar@yahoo.com]

 

آراء