ظاهرة الإسلاموفوبيا (الرهاب من الإسلام)

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
ظاهرة الإسلاموفوبيا Islamophobia (الرهاب من الإسلام)
المفهوم ، التجليات، المآلات، وكيفية درء مخاطرها
بقلم : أ.د.احمد محمد احمد الجلي

تقديم: رغم روح التسامح التي تضمنتها تعاليم الإسلام ،وبينتها نصوصه المقدسة،وحملها المسلمون في فتوحاتهم وطبقوها في تواصلهم مع الآخرين كما بينت حقائق التاريخ ووقائعه،فإنَّ العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي اتسمت من جانب الغرب بالعداء للإسلام والصراع مع المسلمين.،وتبلورت فيما عرف في العصور المتأخرة بظاهرة "الاسلاموفويبا" او الرهاب من الإسلام، وسنحاول في هذه المقالة تتبع هذه الظاهرة وبيان أسبابها،والدوافع التي تقف وراءها، والأهداف التي يتوخاها القائمون عليها،وكيفية التعامل معها من قبل المسلمين لتجنب مخاطرها..
بداية الصراع بين الإسلام والغرب وتطوره: قد بدأ أول احتكاك للإسلام مع الغرب من خلال الفتوحات الإسلامية التي بدأت منذ عهد الرسول ، وتوسعت حدودها وآفاقها على امتداد قرون طويلة لاحقة، شكلت- بما ارتبط بها وتمخض عنها من دحر جحافل الروم وتهديم معاقل وجودهم في المناطق التي اكتسحتها راية الإسلام- أُولى وأبرز التجارب المؤلمة التي تعرض لها الغرب في علاقته بالعالم الإسلامي. وقد سعت حملات الفتح الإسلامي إلى تحرير شعوب الشرق المضطهدة والمقهورة دينياً وحضارياً من قبل الاغريق والرومان والبيزنطيين. وقد شهدت شعوب تلك المناطق بعدل المسلمين وحمدت سعي المسلمين لتحريرهم من الاضطهاد،كما شهد بذلك الأسقف "يوحنا النقيوسي" ،الذي كان شاهد عيان على الفتح الإسلامي لمصر، وبين أنَّ ذلك الفتح الذي حرر مصر من الإستعمار البيزنطي، إنما كان بمثابة العدل الإلهي الذي انتقم الله به من ظلم الرومان واضطهادهم للمصريين الأرثوذكس".( تاريخ مصر للاسقف ليوحنا النقيوسي: "رؤية قبطية للفتح الإسلامي"، ص 201، 202، 220، ترجمة ودراسة: د. عمر صابر عبدالجليل، طبعة القاهرة دار عين، 2001م.).
وقد أورد الأستاذ «أرنولد» في كتابه «الدعوة إلى الإسلام» ما نصه: «ولما بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن، وعسكر أبو عبيدة في بلدة "فحل"، كتب الأهالي المسيحيون في هذه البلاد إلى العرب المسلمين يقولون:" يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كان الروم على ديننا، أنتم أوفى وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا ومنازلنا،وأغلق أهل حمص مدينتهم دون جيوش هرقل، وأبلغوا المسلمين أن ولايتهم أحب إليهم من ظلم الإغريق وتعسفهم. ( الدعوة إلى الإسلام (ارنولد) ص:73.)
ويقول جون اسبوزيتو:"فقد رأى بعض مسيحي الشرق الذين عاشوا تحت حكم البيزنطيين أن قدوم الإسلام قد عتقهم من الضرائب الأكثر إرهاقاً،وأنه قد منحهم حرية دينية سمحت لهم بالبقاء كمجتمعات مستقلة، وبممارسة شعائرهم الدينية.وفي هذه الحالات كان ينظر الى الإسلام بوصفه قوة سياسية محررة ،وليس شراً او تحديا للعقيدة المسيحية". ( الإسلام والغرب عقب 11 أيلول /سبتمبر: (جون اسبوزيتو) ، ص:4.)
وقد غرست تلك المواجهة بذور الخوف من الإسلام في ذهنية الغرب، وجعلته يطور نزوعاً مرضياً يحكم تفاعله مع ذلك الدين وأتباعه،ثم جاءت الهزيمة المنكرة التي منيت بها جيوش الغرب الجرارة في معركة اليرموك في عام 15 هـ636) م)، وما ترتب عنها من جلاء الاحتلال الرومي عن المنطقة العربية حيناً من الدهر. ثم تلى ذلك فتح الأندلس سنة 91 هـ، ومعركة بلاط الشهداء (لابواتيه) سنة 114هـ، التي لو انتصر المسلمون فيها لدخل الإسلام إلى باريس نفسها، وفتح القسطنطينية على يد العثمانيين سنة 857 هـ...الخ، قائمة لا تكاد تنتهي من وقائع الصراع الدامي بين الجانبين.
الحروب الصليبية: ومنذ تلك الفترة المبكرة بدأت عداوة الغرب للإسلام ،وبدأت تتبلور الصورة الغربية المعادية للإسلام وحضارته وأمته ودولته وعالمه، في الثقافة الغربية.ومنذ ذلك التاريخ توالت محاولات الغرب للثأر من الإسلام : -فكانت الحروب الصليبية:التي بدأت بصيحة البابا أوربان الثاني،في مجمع كليرمونت،سنة 1095م،وحثه ملوك وأمراء وشعوب أوروبة للزحف على أرض الشرق،لإنقاذ بيت المقدس، وبقية الأماكن المقدسة في فلسطين،من أيدي المسلمين،و حماية المسيحيين في المشرق،وتسهيل طرق الحجاج إلى القدس. (انظر: تاريخ الحروب الصليبية (رنسيمان) 1/159-160.).وقد شارك في تلك الحملات الصليبية الغرب ،بقيادة الكنيسة الكاثوليكية،وتمويل المدن التجارية الأوروبية،وجنود أمراء الإقطاع الإوربيون.
وقد قام الصليبيون -خلال تلك الحملات التي وجهت ضد بلاد الشام،ومصر،وشمال أفريقية ،ودامت قرابة قرنين من الزمن ( 489-690ه/1096-1291م)- بارتكاب أبشع المذابح التي سجلها تاريخ البشرية. وتذكر المصادر أنه بعد أن دخل الصليبيون مدينة القدس انطلقوا في شوارعها يذبحون كل من يقابلهم من رجال ونساء وأطفال، ولم تسلم المنازل الآمنة من اعتداءاتهم الوحشية، واستمر ذلك طيلة اليوم الذي دخلوا فيه المدينة. وفي صباح اليوم التالي استكمل الصليبيون الهمج مذابحهم فقتلوا المسلمين الذين احتموا بحرم المسجد الأقصى، وكان أحد قادة الحملة قد أمنهم على حياتهم، فلم يراعوا عهده معهم، فذبحوهم وكانوا سبعين ألفًا، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارقوا الأوطان وأقاموا في هذا الموضع الشريف. هذا فضلاً عن من قتل من اليهود والنصارى المخالفين للصليبيين في المذهب.
ويعترف مؤرخو الحملات الصليبية ببشاعة ذلك السلوك الهمجي المتوحش الذي أقدم عليه الصليبيون، ويذكر مؤرخ صليبي ممن شهد هذه المذابح وهو "ريموند أوف أجيل"، أنه عندما توجه لزيارة ساحة المعبد غداة تلك المذبحة لم يستطع أن يشق طريقه وسط أشلاء القتلى إلا بصعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه ،وقال :" لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان،وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهنالك،وكانت الأيدي والأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها،فإذا ما اتصلت ذراع بجسم لم يعرف أصلها،وكان الجنود الذين أحدثوا تلك الملحمة لا يطيقون رائحة البخار المنبعثة من ذلك إلاًّ بمشقة.."(. انظر:حضارة العرب(غوستاف لوبون)،ص: 322 ،وانظر أيضاً: تاريخ الحروب الصليبية 1/404-405.).
ويصف راهب آخر المجزرة نفسها دون أن يخفي شماتته فيقول:"حدث ما هو عجيب بين العرب ،عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم؛ فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار؛ فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا" (حضارة العرب، غوستاف لوبون ، ص325)
ماسأة الأندلس :ثم جاءت مأساة الأندلس- او محاولة استرداد الأندلس - كما يحلو للغربيين تسميتها، لتكشف عن مزيد من تلك العداوة في نفوس الغربيين: فقد عاش المعاهدون من نصارى ويهود أكثر فترات تاريخهم إزدهارا تحت حكم المسلمين في الأندلس ،إذ حفظت حقوقهم وحميت ذممهم ، ونالوا الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم،واشتركوا مع المسلمين في كل شؤون الحياة والعمران. وكما قال هنري بيرس:" إن أي شعب مغلوب في أي قطر من الأرض لم يحظ بما حظي به الشعب الأسباني إبان حكم المسلمين، من تسامح تجلى في تطبيق العهود والقوانين الإسلامية التي أعطت لأهل الكتاب حقوقاً كاملة في العيش الكريم"( انظر: حول التسامح الديني ،ابن ميمون والموحدين ( محمد بن شريفة) ،ندوة أكاديمية المملكة المغربية، ،حلقة وصل بين الشرق والغرب،أبو حامد الغزالي وابن ميمون،ص:19).
.وقد سبق أن رأينا كيف خان أهل الكتاب العهود فانحازوا إلى أعداء المسلمين في الصراع الذي دار بين المسلمين ونصارى الغرب، وتآمروا ضد الدولة التي وفرت لهم الحماية والأمن.
وبعد سقوط الأندلس وسيطرة المسيحيين عليها ،قامت حملات مكثفة باسم المسيحية ،لانهاء الوجود الإسلامي في أسبانيا، تمثلت فيما يعرف :بمحاكم التفتيش.وقد جاء في نص قرار الملكة إيزابيلا ،والملك فرديناند،الذي صدر عام 1501م (إنه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة،فإنه يحظر وجود المسلمين فيها،فإن كان بعضهم فيها، فإنه يحظر عليهم الاتصال بغيرهم،خوفاً من أن يتأخر تنصيرهم،أو بأولئك الذين نصروا ،لئلا يفسد إيمانهم،ويعاقب المخالفون بالموت ،أو بمصادرة الأموال). وفي سنة 1524م أصدر البابا مرسوماً يحث قضاة الديوان على تنصير المسلمين، وان يخرجوا من يأبى النصرانية منهم من أسبانية،وأن تكون عقوبة المخالفين الرق مدى الحياة،ثم أتبعه بمرسوم آخر جاء فيه الأمر بتحويل كل المساجد الى كنائس. وفي سنة 1525م صدر أمر ملكي في أسبانية يأمر المسلمين بوضع شارة زرقاء على قبعاتهم ،وأن يسلموا أسلحتهم،ومن خالف عوقب بالجلد ،وأن يسجدوا اذا مر كبير الأحبار في الطريق،وألا يقيموا شعائرهم،وأن يغلقوا مساجدهم. ( انظر :العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين (بدران ابو العينين بدران) ص:328.-29)
وانشيء ما عرف تاريخياً بمحاكم التفتيش، التي اقترفت فيها كثير من الفظائع والمجازر بغية إجبار المسلمين على ترك دينهم واعتناق الديانة المسيحية. وكان أول ما قامت به تلك المحاكم هو جمع كل المصاحف والكتب العلمية والدينية وإحراقها على الملأ في ساحة عامة، كخطوة أولى لتنصير المسلمين،وذلك بقطع صلتهم مع تراثهم الديني والعلمي. ثم أعقب ذلك تحويل المساجد إلى كنائس، وإجبار من تبقى من الفقهاء وأهل العلم على التنصر، ليوافق بعضهم مكرهاً، ويواجه بقيتهم القتل بطريقة بشعة، مع التمثيل بجثث الضحايا، وذلك لبث الهلع في صفوف المسلمين، وإيصال رسالة لهم مفادها التخيير بين التنصر أو التعذيب والقتل وسلب الأموال والممتلكات . (الأندلس بعد سقوط غرناطة: ماذا حدث لأمة الإسلام وفارس الأندلس الأخير، مقالة منشورة في الموقع الإلكتروني :الأندلس للأخبار).
وترتب على تلك الإجراءات أن أجبر المسلمون على ترك دينهم، وحُرًم عليهم استخدام اللغة العربية،والأسماء العربية،وارتداء اللباس العربي،ومنعوا من الاغتسال ودخول الحمامات. وهكذا عمل الصليبيون لمحو كل أثرٍ إسلامي بالأندلس، فحرقت المكتبات وطمست معالم الثقافة الإسلامية،واُبيد ملايين المسلمين. ويذكر أنه في تاريخ: 26/4/1598م، أصدر (الديوان المقدس)، قراراً بإدانة جميع سكان الأرض الواطئة( أسبانية)،والحكم عليهم بالإعدام،متهمين بالهرطقة( أي الكفر)،وبعد عشرة أيام أعلن الملك صحة هذا القرار،وأمر بتنفيذه في الحال،فقدم إلى المقصلة عدة آلاف،من الرجال والنساء والأطفال،فيما يروي المؤرخ ليكي.( قصة الإضطهاد الديني "توفيق الطويل"ص: 80 ،نقلا عن: الحوار الإسلامي المسيحي (عجك) ص: 62.)
وجاء في كتاب حضارة العرب:" وخسرت أسبانية بذلك مليون مسلم،من رعاياها في بضعة أشهر،ويقدر كثير من العلماء ،ومنهم المستشرق الفرنسي لويس سيديو عدد المسلمين الذين خسرتهم إسبانية،منذ أن فتح فرديناند غرناطة حتى اجلائهم الأخير بثلاثة ملايين. وقد عبر المستشرق الفرنسي عن بشاعة تلك المذابح التي تعرض لها المسلمون في أسبانية فقال:" و لا يسعنا سوى الإعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين."( حضارة العرب:ص: 286.)
الإستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي: ثم تلى مأساة الأندلس، الإستعمار الأوربي للعالم الإسلامي ليكشف عن مزيد من العداء الأوربي للمسلمين .فقد بدأ الإستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي منذ منتصف القرن السادس عشر وشاركت فيه معظم الدول الأوربية هولندا،وروسيا القيصرية، والامبراطورية البريطانية،و فرنسا، وأسبانيا،وايطاليا.ووقعت معظم الدول الإسلامية تحت الاحتلال الأوربي من أندونيسيا ،و شبه القارة الهندية ومصر وشمال افريقية :الجزائر، تونس. والمغرب،و ليبيا،و قبرص,و جنوب اليمن،الى السنغال ونيجيريا.
ولم يقتصر الإستعمار الأوروبي على احتلال الأرض ونهب الثروات بل سعت الدوائر الإستعمارية الأوروبية إلى طمس الهوية الدينية والثقافية والحضارية واللغوية للشعوب الإسلامية، وعملوا على تغيير المنظومة القانونية و تفكيك المنظومة الاجتماعية الإسلامية ومظاهرها المختلفة.وحيكت المؤامرات ووضعت الخطط ، لتمزيق العالم الإسلامي، وإضعافه، واستغلال موارده الطبيعية من أجل بنـاء الاقتصاديات الأوروبية المزدهرة في تلك المرحلة، مما كان له مضاعفات سياسية ونفسية وثقافية على مجمل العلاقات التي تربط دول العالم الإسلامي بالدول الأوروبية، وبالولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد.ونشأت نتيجة للإستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي أوضاع وجدت بسببها الدول الإسلامية ،بعد الاستقلال ،نفسها أمام أزمات كبيرة نتيجة لشيوع الفقر والجهل والمرض وسوء الإدارة والفساد، ولانعدام الشروط الموضوعية لإقامة هياكل جديدة للدولة المستقلة. وقد ترتبت على تلك الأوضاع مشاكل كثيرة ظلت تتفاقم، فتعطّـلت عملية النمو في مناطق، وتعثرت في مناطق أخرى، وتباطأت في جل الأقطار. (.انظر: العالم الإسلامي والغرب:.التحديات والمستقبل ( عبد العزيز بن عثمان التويجري) ص:12-16.)
الكنيسة والإستعمار وتشويه صورة الإسلام والمسلمين : صاحب تلك الحملات العدائية والدموية ضد الإسلام والمسلمين، حملات لبث ثقافة الكراهية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين في الذهنية الأوربية ،حتى تكون خلال التاريخ مخزون هائل من الصور النمطية السالبة عن الإسلام والمسلمين.
وقد كان للكنيسة وللإستشراق دور كبير في رسم تلك الصورة وتقديم نموذج مشوه عن الإسلام والمسلمين في المجتمعات الأوربية. ذلك أنه بعد أن فشلت الحملات الصليبية في القضاء على الإسلام أو هزيمة المسلمين بقوة السلاح ، أدرك رجال الكنيسة أنَّه لا سبيل إلى مقاومة العقيدة الإسلامية بالسيف والحرب،ومن ثم أقبلوا على دراسة الإسلام للرد عليه،ووضع حاجز سميك يحول بين الإسلام الحق وبين المجتمعات الأوربية.وهكذا أضيف إلى جو العداء والحقد الذي ولدته الصراعات الدموية والحروب،جو من التعصب والجهل غذته الكنيسة وشجعته لخدمة أغراضها وأهدافها التبشيرية،وتوطيد نفوذها في أوروبا،وسيطرتها على عقول الناس وقلوبهم وأفكارهم.
الإستشراق الكنسي :في هذا الجو المشحون بالعداء ،نشأ الإستشراق، وخطا خطواته الأولى في أحضان الكنيسة.واتخذ الرهبان الصليبيون من الهجوم على الإسلام وسيلة لإثارة حماس الجماهير ضده.ومن ثم نجدهم يصفون الإسلام بأنَّه رجس من عمل الشيطان.وأنَّ القرآن هو نسيج من الأباطيل،وأنَّ المسلمين هم نوع من الهمج المجردين من أية مشاعر إنسانية.ويوصف الإسلام أحياناً بأنَّه بدعة مسيحية ومكيدة من الشيطان لإغواء الناس من الاعتقاد الحق. ويمضي آخرون في الخيال والجهل، فيصورون الرسول  كساحر استطاع أن يحطم كنيسة الشرق وأفريقيا عن طريق الشعوذة والخداع.واستطاع أن ينال النصر في حروبه عن طريق إطلاق العنان للشهوة الجنسية بين أتباعه،وحول هذه الأكاذيب حيكت الكثير من الأساطير الشعبية والقصص الخيالية عن الإسلام والمسلمين. ) انظر: في هذا الصدد: 1-Islam and the West (N.A.Daniel)
2-Western Views of Islam in the Middle Ages (R.W. Southern)
واستمر الإستشراق مرتبطاً بتحقيق أهداف الكنيسة التبشيرية. فنجد كثيراً من أساتذة الجامعات المشتغلين بالدراسات الإسلامية بدأوا حياتهم في دراسة اللاهوت المسيحي،وتلقوا تعليمهم في ظلال الكنيسة، ثم تحولوا إلى الدراسات العربية الإسلامية.واستمرت هذه الصلة وثيقة بينهم وبين دوائر النفوذ الكنسي لدى البعض الى يومنا هذا.
الإستشراق الإستعماري السياسي :وفي مرحلة لاحقة دخل على خط الإستشراق دافع آخر هو الدافع الإستعماري ،ثم السياسي : إذ شهد القرن التاسع عشر بلوغ الدول الغربية القمة من حيث التفوق الإقتصادي والسياسي والحضاري والحربي،في حين كانت الشعوب الإسلامية تمر بمرحلة انحدار مريع. وظهرت الأطماع الأوروبية ضد الامبراطورية العثمانية التي لم تعد كما كانت مصدر خطر على الغرب،بل أصبحت تعرف في تلك الفترة بالرجل المريض،ودخل معها الغرب في صراع، أدى إلى تمزيقها إلى مجموعة أقاليم ،سقطت الواحدة منها بعد الأخرى لقمة سائغة للمستعمرين الأوربيين.
وقد كان لهذا التغيير في الخريطة السياسية،أثر كبير في تحديد نظرة الغرب إلى الشرق،وخاصة الشعوب الإسلامية،وبالتالي في توجيه سير الدراسات الإستشراقية،إذ كان سكان معظم تلك الشعوب المستعمرة يدينون بالإسلام.فلكي يتسنى للمستعمرين إحكام القبضة عليهم،كان لا بد من معرفة عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم،ووجد رجل السياسة خير عون في هذا المجال فيما يقدمه المستشرقون من دراسات عن طبيعة تلك البلدان وعادات أهلها ولغاتهم وآدابهم وتقاليدهم ومعتقداتهم.ومن هنا قام الإستشراق بدور مهم في تذليل الصعاب لرجال السياسة والإستعمار،وكان الارتباط بينهما وثيقاً.( الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ( محمود حمدي زقزوق) ص:43-48.)
واستمر الإستشراق يلعب دوراً خطيراً في معظم البلاد الأوربية وأمريكا ،بعد استقلال أكثر الدول العربية والإسلامية، ،وتكونت روابط وثيقة بين الإستشراق وبين العمل الدبلوماسي للسفارات الغربية في العالم الإسلامي،ومراكز البحوث العلمية التابعة للدوائر الإستخباراتية ،ودوائر اتخاذ القرار في الدول الغربية لا سيما في أمريكا.كما ارتبطت بعض دوائر الإستشراق بالحركة الصهيونية وأطماعها في فلسطين المحتلة،ومصالحها في الشرق الأوسط. وتاريخياً،يمكن الإشارة إلى أنَّ جزءاً كبيراً من الدراسات الإستشراقية في فرنسا ،وجه خلال النصف الأول من القرن العشرين،لخدمة أهداف الإستعمار الفرنسي لشمال أفريقيا.واهتم المستشرقون الفرنسيون بدراسة تاريخ البربر وعاداتهم وتقاليدهم،ومحاولة إحياء لهجاتهم وإثارة العصبية بينهم وبين الشعوب العربية،كل ذلك ليتمكن الإستعمار الفرنسي من تشديد قبضته على هذه المنطقة من العالم الإسلامي.كما نجد كبار المستشرقين الفرنسيين أمثال بلاشير وماسنيون،يعملون مستشارين بوزارة المستعمرات الفرنسية في شمال أفريقيا.ونجد نفس الظاهرة تتكرر في بريطانيا وروسيا وأمريكا وألمانيا. ففي بريطانيا يمكن أن نذكر برنارد لويس المستشرق اليهودي ، وأستاذ التاريخ الإسلامي الحديث بجامعة لندن،يعمل مستشاراً بمكتب الخارجية البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية،وأندرسون ،أستاذ القانون الإسلامي بجامعة لندن،يقوم بمسح للقانون الإسلامي في الدول الأفريقية المستعمرة ،ويقدم تقريره لمكتب المستعمرات البريطانية. وبالمثل نجد أنَّ الدراسات الإستشراقية في الولايات المتحدة الأمريكية،تهتم أهتماماً عظيماً بدول الشرق الأوسط الإسلامية،والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي تطرأ فيها مع عناية فائقة برصد الحركات الإسلامية وما يمكن أن تحدثه من تغيرات في المنطقة،وأثر ذلك على مصالح أمريكا. و لا زال برنارد لويس وحوارييه من أمثال (دانيال بايبس Daniel Pipes، الصهيوني المتعصب)،يلعبون دوراً مهماً في توجيه السياسات والاستراتيجيات الأمريكية تجاه العالم الإسلامي والعربي. (راجع:رؤية إسلامية للإستشراق ( أحمد غراب) ص:40-49. )
وهكذا تضافرت جهود المستشرقين في وضع صورة للإسلام والمسلمين سواء أكانت منطلقاتهم كنسية، أم سياسية استعمارية .فالمسيحيون التنصيريون ،مثلاً،لم يغيروا كثيراً من نظرتهم للإسلام، بل ظلوا يكررون نفس التهم التي كانت سائدة في أوروبا المسيحية منذ الحروب الصليبية عن الإسلام ورسوله.( انظر: الإستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري (زقزوق) ص:75-76 )،كما تعمد فلاسفة الاستعمار ومفكريه أن يصوروا العرب كشعوب متخلفة ،وبلغ بهم الأمر أن وجه النقد إلى الذهنية العربية ذاتها وكانها تعاني من قصور طبيعي وعجز عن ممارسة التفكير التركيبي على غرار التفكير الغربي،ومن ثم عجزها عن الإنتاج العلمي .
وقد تكونت- من هذه الصورة عن الإسلام.. وقرآنه.. ورسوله.. وصورة المسلمين والعرب وحضارتهم، التي وضعها رجال الدين والسياسة والمستشرقون ،والتي شاعت في الثقافة الغربية، وفي الخطاب الغربي عن الشرق الإسلامي - الأصول والجذور لثقافة الكراهية السوداء، و التي سادت في الغرب خلال القرون ، واستمرت حتى العصور الحديثة.
أهداف الكنيسة والإستعمار والإستشراق : توافق هذا الثالوث على هدف رئيسي تمثل في تحويل المسلمين عن دينهم ،أو على الأقل إضعاف مُثُل الإسلام وقيمه العليا في نفوس المسلمين،والتهوين من شأن أي إنجاز علمي أو حضاري للمسلمين في التاريخ،في مقابل إبراز الدور الحضاري للغرب وتفوق الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية،والتأكيد على أنَّه لا سبيل للمسلمين للنهضة مرة أخرى إلا إذا أخذوا بأسباب التقدم الذي يمثله الغرب،وابتعدوا عن الإسلام ومنهجه. ولتحقيق هذا الهدف سعى هذا الثالوت الى تحقيق ما يلي:
1. إثارة النزعات القومية والعرقية في العالم الإسلامي ومحاولة إحياء نزعات جاهلية جاء الإسلام من أجل القضاء عليها، حتى يتوحد المسلمون وتجتمع كلمتهم، ويكون اعتصامهم بكتاب الله وسنة رسوله.
2. التدخل في مناهج التعليم في العالم الإسلامي، ومحاولة فرض برامج معينة تستهدف إخراج الكتاب والسنة من البرامج التعليمية، وتجهيل أبناء الإسلام بلغتهم العربية وبتراثهم الإسلامي.
3. محاولة ابعاد الإسلام عن مجال الحياة عن طريق الدعوة إلى العلمانية واعتبارها سر تقدم أوروبا.والزعم بأنَّ الأخذ بها هو السبيل الوحيد لتقدم المسلمين.
4. محاولة القضاء على الصورة المثلى للأسرة المسلمة، عن طريق مهاجمة تشريعات الإسلام ونظمه في الزواج والطلاق والقوامة، ودفع المرأة المسلمة إلى التبرج والسفور، بل دفع بعض الأنظمة الحاكمة إلى سن قوانين للأحوال الشخصية تحلل ما حرم الله، وتحرم ما أحله.
5. محاولة تشويه صورة الإسلام في العالم، وإظهاره على أنه دين تطرف وإرهاب. وفي الوقت ذاته احتضان الحركات والفرق الهدامة الخارجة عن الإسلام مثل البهائية، والقاديانية ودعمها ونشر فكرها.
التخويف من الإسلام ( الخطر الإسلامي)
من أجل الحيلولة بين الأوربيين وبين الإسلام الحق،سعت تلك الدوائر إلى تصوير الإسلام بأنه خطر يهدد أوروبا ويسعى إلى القضاء على حضارتها،ومظاهر التقدم فيها. ولم يرتبط التخويف من الإسلام والتحذير من الخطر الاسلامي بأحداث سبتمبر/ 11 /2001م،بل دق ناقوس الخطر من الإسلام ، و العالم الاسلامي يمر بأسؤأ فترات تاريخه، إذ نجد اللورد اللنبي، ممثل الحلفاء، في بيت المقدس يصرح قائلاً في سنة 1918: “اليوم انتهت الحروب الصليبية”؟ ويقف الجنرال الفرنسي غورو- وقد دخل دمشق في السنة نفسها- أمام قبر صلاح الدين الأيوبي قائلاً: “لقد عدنا يا صلاح الدين”؟ .
وبعد القضاء على الخلافة العثمانية بسنوات كتب المستشرق الانجليزي جب Gibb عام 1932م ، كتابه المشهور: الإسلام الى أين؟ Whither Islam? ،ضمنه بعد مقدمته المطولة آراء لعدد من المستشرقين الأوربيين الذين أجمعوا على احتمال تحول العالم الإسلامي الى قوة تهدد أوروبا، ما لم يتم تدارك ذلك من جذوره ،حسب تحليلهم. (See: Whither Islam:PP:9-74)
ويذهب مسؤول فى وزارة الخارجية الفرنسية فى العام 1952 إلى أن الإسلام أشد خطراً من الشيوعية التي كانت تمثل تحدياً للغرب الرأسمالي فيقول: " ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي، فهي حلقة لاحقة لحلقات سابقة، وإذا كان هناك خطر فهو خطر سياسي عسكري فقط، ولكنه ليس خطراً حضارياً تتعرض معه مقومات وجودنا الفكري والإنساني للزوال والفناء. إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي. فالمسلمون عالَمٌ مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا بها قواعد عالم جديد، دون حاجة إلى الإستغراب، أي دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية بصورة خاصة في الشخصية الحضارية الغربية”و إذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعى فى نطاقه الواسع ، انطلقوا فى العالم يحملون تراثهم الحضارى الثمين ، وانتشروا فى الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية ، ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ".( https://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/islamic-faith/233873/12-10-)
وبعد إنهيار الاتحاد السوفيتي،و انتهاء التحدي الشيوعي للغرب الرأسمالي، ونهاية الحرب الباردة (1945 – 1991م)، قفز الخطر الإسلامي ( التخويف من الإسلام)، الى السطح وبصورة استفزازية تحمل في طياتها أجواء الحروب الصليبية.".و استحضرت تلك الصورة السالبة عن الإسلام والمسلمين،واستغلت من اجل اثارة الرأي العام الغربي ،لمحاربة الإسلام والمسلمين.
وقد حمل وزر بلورة هذه الأفكار مجموعة من المثقفين والسياسيين، والإعلاميين الغربيين من أمثال برنارد ليوس وتلاميذه،وهنري كيسنجر ،وهنتينجتون، وفوكوياما.وقد حاول هؤلاء تصوير المسلمين بأنهم أعداء الحضارة الغربية،والتقدم الإنساني،وأنهم يسعون إلى تدمير الغرب والقضاء عليه، ومن ثم على الغرب مواجهتهم والتصدي لهم:فيقول نيكسون في كتابه "الفرصة الضائعة:" يحذر بعض المراقبين من أن الإسلام سوف يكون قوة جغرافية متعصبة ومتراصة .وأن نمو عدد أتباعه،ونمو قوته المالية سوف يفرضان تحدياً رئيساً ،وأنَّ الغرب سوف يضطر لتشكيل حلف جديد مع موسكو من أجل مواجهة عالم إسلامي معادٍ وعنيف... إن وجهة النظر هذه تعد الإسلام والغرب على تضاد.وأن المسلمين ينظرون إلى العالم على أنه يتألف من معسكرين لا يمكن الجمع بينهما،دار الإسلام ودار الحرب"(.195P: Seize the Moment, ( Richard Nixon)).ويؤكد ذلك هنري كسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ،حيث يقول في خطاب له أمام المؤتمر السنوي لغرفة التجارة الدولية عام:1990:" إن الجبهة الجديدة التي على الغرب مواجهتها هي العالم العربي الإسلامي،باعتبار هذا العالم هو العدو الجديد للغرب"( الصهيونية المسيحية ( محمد السماك ) دار النفائيس ،الطبعة الثالثة 1421/2000م ص: 6.)
وفي عام 1989م،طرح فرنسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ وخاتم البشر" The end of History And The Last Man ،نظريته "نهايةالتاريخ ، والتي ذهب فيها إلى : "أن الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية الأمريكية تشكل نقطة النهاية في التطور الإيديولوجي للإنسانية، والصورة النهائية لنظام الحكم البشري، وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ ،ومن ثم فإنه لا خيار الا باتباعها ...." (انظر:ماذا يتبقى من نظرية صراع الحضارات د سليمان العسكري ، ص: 22 )
كما صاغ هنتغتون من خلال كتاباته،ما عرف بصدام الحضارات،والقول بحتمية الصدام بين الإسلام والغرب ،ويقول في ذلك: "إن هذا الصدام الحتمي سيكون بين شعوب ذات ثقافة بروتستانتية/كاثوليكية، أي أوربية وأمريكية من جهة ، وشعوب ذات ثقافة إسلامية، أو ثقافة كونفوشية (العالم الإسلامي والصين وكوريا الشمالية) من جهة أخرى، غير أنه عاد فركز على كون الصراع حتمياً بين الحضارة البروتستانتية/الكاثوليكية من جهة، والإسلام من جهة أخرى، وعدد أسبابا لذلك.." ،( مصدر سابق ، ص 10).
وقبل هؤلاء جميعا درج برنارد ليوس على إثارة مشاعر الغربيين ضد الإسلام والمسلمين ،ومن ثم راح يعدد سمات الإسلام باعتباره ديناً ونظاماً للحياة وسياسة.وتصوير المسلمين بأنهم لا يطيقون العيش مع غيرهم،و لا يعترفون بالأديان الأخرى،بل يعدون أصحابها كفاراً،بدليل طردهم ليهود خيبر ونصارى نجران من الجزيرة العربية.وأن الإسلام دين عدواني،ونبي الإسلام كان قيصراً وصاحب امبراطورية،ارتبطت عنده الرسالة الدينية بالسلطة السياسية، ".وفي كل ما ألفه برنارد ليوس بعد الحرب العالمية الثانية لا سيما كتابيه " أين الخطأ؟" و " أزمة الإسلام" ،حاول أن يقدم الإسلام والمسلمين في إطار معين باعتبارهم "خطراً" موجهاً ضد الغرب،وأكد عداء الإسلام للمسيحية،بل رفضه لغيره من الأديان والثقافات الأخرى،وذهب إلى أن المسلمين يعادون السامية بدليل موقفهم الرافض لدولة إسرائيل. وركز في كل كتبه على أن المسلمين لا يحسنون استيعاب ما اقتبسوه من الغرب،فباءت مساعيهم للحاق بركب المدنية الحديثة،مدنيةالغرب،بالفشل الذريع،فراحوا يبحثون عن "كبش فداء" هنا وهناك،لتبرير تخلفهم،وعجزهم وقصورهم،ويصبون جام غضبهم على الغرب،دون أن يدركوا ما وقعوا فيه من أخطاء،هي –عنده-رفض الحضارة الغربية،والعداء للسامية.وينتهي الى نتيجة واحدة:فالمسلمون قوم أوغاد بطبعهم،يكرهون الآخر،ويريدون ذبح الغرب واليهود انتقاماً لعجزهم وتخلفهم". (الإسلام وأزمة العصر ( برنارد لويس( ترجمة أحمد هيكل، تقديم ودراسة رؤوف عباس)، ص: 14-15. ).
وقد كان للتيار المسيحي الصهيوني المتطرف دور كبير في تأجيج العداء للإسلام والمسلمين:فقد بات هذا التيار المسيحي الصهيوني المتطرف في الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، يقود أمريكا وأوروبا من ورائه لخوض حرب صليبية جديدة،تشترك في دعمها القوى الرئيسة المؤثرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة،تلك القوى المتمثلة في:
1- اللوبي الصهيوني، الذي يشكل قوة ضغط سياسية واقتصادية وإعلامية وانتخابية مؤثرة في توجهات وسياسات البيت الأبيض.
2- اللوبي الرأسمالي للشركات العالمية،كشركة هالي بيرتون، التي ثبت أن ديك شيني نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، عضو في مجلس إدارتها،وهذه الشركة التي حصدت المليارات من حربي أفغانستان والعراق،وغيرها من شركات صناعة وتجارة الأسلحة، لا تعيش ولا تنتعش إلا في أجواء الحروب والدمار!
3- اللوبي الكنائسي البروتستانتي الأمريكي، الذي يبلغ أتباعه نحو ستين مليون عضو في الولايات المتحدة،ويشكل قوة مؤثرة في الرأي العام الأمريكي.
وقد اجتمعت مصالح هذه القوى الثلاث في إثارة الحروب في أنحاء العالم الإسلامي ،ولقيت الدعم الرأسمالي من أجل السيطرة على منابع النفط والتحكم في الأسواق العربية والعالمية. والدعم الصهيوني لتأمين الوضع العسكري لصالح إسرائيل، والضغط باتجاه إخضاع دول المنطقة كلها للنفوذ الإسرائيلي. والتأييد الكنسي لدعم أنشطة التنصير في المنطقة كما يجري حاليا في أفغانستان والعراق حيث تشهدان نشاطا تنصيريا محموماً،يكشف عن بعض أبعاد الحرب الجديدة القديمة على العالم الإسلامي والعربي ويفضح أهدافها.(انظر: العلاقات العربية الاوربية في ظل النفوذ الامريكي ( د. حاكم المطيري) ورقة مقدمة لمؤتمر العلاقات العربية الأوربية الجامعة الهاشمية بالأردن 2006 الموقع: http://www.dr-hakem.com/portals/Content/?info=TlRFekpsTjFZbEJoWjJVbU1RPT0rdQ==.jsp)
وسائل تأجيج العداء الغربي للإسلام والمسلمين: استخدمت تلك القوى وسائل عديدة من أجل تحقيق أهدافها تمثلت فيما يلي:
1- صناعة السينما:
لعبت السينما دوراً كبيراً في تشكيل وجدان الشعب الإمريكي ،وتكوين مجموعة القيم التي تؤثر في حياته ،ولذلك وجهت الدوائر التي تقف وراء تأجيج مشاعر العداء للإسلام جهودها في الإنتاج السينمائي لتبرز من خلاله الإسلام كعدو خارق ينتظره العالم بوجل وترقب كبديل للشيوعية المحتضرة.
وظهرت أفلام عديدة تحمل هذه الرسالة مثل فيلم "ذي دلتا فورس" ،والمنتقم 1986 "،"والموت قبل العار" 1987، "وسرقة السماء" 1988 "، وفيها جميعاً يظهر العدو العربي الإسلامي ممتلكًا أسلحة ذات قوة تدميرية شاملة يهدد بها الأبرياء ويتصدى له الغربي الطيب من أجل إنقاذ الابرياء وحمايتهم ،وهكذا تحولت المواجهة بين الغربي المدافع عن حقوق الإنسان والشيوعي الأحمر الشرير ،إلي مواجهة مع العدو الإسلامي الأخضر.
وتبلغ صورة التشويه والترويع الغربي من الإسلام قمتها في فيلم "الحصار" عام 1998، والذي تدور أحداثه حول تعرض أمريكا "المسالمة" لإرهاب المسلمين "الأشرار" حيث يبدأ بتفجير جراج مركز التجارة العالمي، ورسالة الفيلم التي يسعى إلى غرسها في ذهن المشاهد هي أن المسلمين في أمريكا،أيًّا كانوا طلاباً أو أساتذة جامعات أو عمالاً، يشكلون خطراً وتهديداً على أمن واستقرار المجتمع الأمريكي.
وقد تصدى الباحث العربي جاك شاهين لهجمة السينما الأميركية على ثقافة العرب وتشويه صورتهم ،وكتب ثلاثة كتب يفضح فيها تواطؤ المنتجين والمخرجين في هوليوود على ثقافة العرب . وبعد دراسة علمية أكاديمية للأفلام التي تنتجها هوليوود، انتهى إلى أن من أصل الف فيلم، قام باخضاعها للبحث والدراسة والتحليل، وجد أن هناك 21 فيلماً فقط يصور فيها العربي بشكل جيد، بينما يصوره 25 فيلما بشكل عادي، في مقابل 900 فيلما تصوره بشكل سيء.( انظر:جاك شاهين ثلاثون عاماً من التصدي للتمييز ضد العرب فـي هوليوود( علي سليمان) موقع: http://www.arabamericannews.com/Arabic/index.php?mod=article&cat=%D8%B5%D8%AF%D9%89%2)
2- المفكرون الاستراتيجيون:
كان للمستشرقين النصيب الأكبر في تأجيج العداء للإسلام :فكتبوا الكتب، وأصدروا المجلات، وألقوا المحاضرات وأقاموا الندوات في المنتديات والجامعات والجمعيات العلمية، وعقدوا المؤتمرات الإستشراقية ،للتنسيق فيما بينهم، ولمراجعة مسيرة الحركة الإستشراقية،ووسائلها وغاياتها من حين لآخر.ووضعوا الموسوعة الإسلامية ( دائرة المعارف الإسلامية)،وحملت تلك الاعمال بين طياتها،التشكيك في الإسلام ،ديناً وشريعة وقانوناً وتاريخاً وحضارة وعلماً،والتهوين من شأن إنجاز المسلمين في كافة المجالات خلال التاريخ،والتقليل من دورهم في بناء الحضارة الانسانية.
وقد سبق أن أشرنا الى ما كتبه برنارد لويس وتلاميذه ،وفوكوياما وصمويل هنتجتون من مؤلفات كان لها اثر كبير في تشويه صورة الإسلام والمسلمين ،والدعوة الى تأجيج الصراع بينهم وبين الغرب. وإعتبار الدين الإسلامي المسؤولَ عن العنف بكل أشكاله وإعتبار المسلمين على ما بينهم من اختلافات في فهم الإسلام ، و تعدد في قراءاته،مشاريع إرهاب وتهديد للبشرية والحضارة الغربية .
3-الإعلام
التقطت وسائل الإعلام نظرية "صراع الحضارات" التي نادى بها هنتجتون ،فطورتها وروجت لها حتى تعمقت ليس في وجدان الرؤساء الغربيين والنخبة الحاكمة فقط، بل في وجدان الرجل الغربي العادي بحيث صار الإسلام هو العدو الجديد بعد سقوط الشيوعية.وصعدت الحملة من الهجوم على المسلمين وربطهم بالارهاب،والقرآن ووصفه بأنه مصدر العنف ومشجع له بين المسلمين .. ولقد كانت الحملة الإعلامية ضد الإسلام من الفجاجة بمكان مما جعل مجلة "ليموند دبلوماتيك الفرنسية" تقول: إن محاربة الإرهاب ليست حربًا عسكرية فحسب بل هي حرب ثقافية في المقام الأول وإن شعار التحالف الدولي من أجل محاربة الإرهاب ،ما هو إلا شعار يحمل في طيا ته خبثًا هو شن حرب عالمية شاملة ضد الإسلام لاقتلاعه“
وفي الوقت الذي يضخم فيه الإعلام الغربي وبعض الدوائر السياسية في الغرب صورة الفئات المتطرفة الموجودة في العالم الإسلامي ،وتعمم فكرها وسلوكها على سائر المسلمين،فإنها تغض الطرف عن الفئات المتطرفة في الغرب ،و لا تربط تطرفها بحضارة الغرب و لا بالمسيحية أو اليهودية،الأمر الذي يدل على عدم الموضوعية في التناول،وانها تهدف الى التحريض على المسلمين،ويكشف عن أصابع غلاة المتطرفين من الصهاينة المتعصبين التي تقف وراء حملات العداء ضد الإسلام.
وبهذا أسهمت وسائط الإعلام ،وكذلك السياسيون بقسط وافر، في زرع وعي مغلوط حول أن الإسلام يشكل خطرا على الحضارة الغربية.وتهيئة الأجواء لنشر الخوف من الإسلام والكراهية للمسلمين.وكما يقول سبوزيتو فإن رؤية الإسلام ومشاهدة الأحداث في العالم الإسلامي عبر عناوين الصحف الرئيسية المدوية تقف حائلاً دون اكتساب القدرة على التمييز بين الدين الإسلامي وأفعال المتطرفين الذي يختطفون الخطاب الإسلامي والعقيدة الإسلامية لتسويغ أعمالهم الإرهابية ،كما أن ذلك يعزز النزعة الخاصة بمساواة الأصولية الإسلامية والارهاب بجميع الحركات الإسلامية السياسية والاجتماعية ،السلمية و تلك التي تستخدم العنف." ( اسبوزيتو مصدر سابق ص: 29.)
أحداث 11 سبتمبر وأثرها في تنامي (الإسلاموفوبيا)،العداء للإسلام:
في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001م، أعلنت الحكومة الأمريكية الحرب على الإرهاب ، و تم اتخاذ تدابير عدة كان من بينها إصلاح النظم القانونية بغية التصدي للتهديدات الجديدة التي يمثلها الإرهاب ، و تمت إعادة صياغة قانون الهجرة ، وتركزت التدابير الأخرى على تحسين الآليات الرامية إلى ضمان الحد من تدفق الموارد الاقتصادية و المالية لدعم الأنشطة الإرهابية . وسارعت وسائل الاعلام إلى تقسيم العالم إلى قسمين أو قطبين: أحدهما يمثل الثقافة والحضارة الغربية، و الآخر يمثل الثقافة أو الحضارة الإسلامية، وبات الإرهاب –في نظر الرأي العام الغربي- يمثل الوجه الآخر للإسلام،بفضل أبواق الدعاية الإعلامية، وجهود برنارد لويس في الكيد للإسلام،وجهود تلاميذه من اقطاب اللوبي الصهيوني المهيمن على حقل دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة الأمريكية من أمثال:مارتن كريمرMartin Kremer وستانلي كيرتزStanley Kurtz،ودانيال بايبس Daniel Pipes،وغيرهم.( انظر:الإسلام وأزمة العصر ( برنارد لويس) ترجمة أحمد هيكل تقديم ودراسة رؤوف عباس،المقدمة: .ص:15)
وعقب تلك الأحداث. قام صامويل هنتنجتون ( أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد ) باختزال فكر " صدام الحضارات " من صدام الغرب مع بقية العالم ( أو بقية حضارات العالم ) .. إلى صدام الغرب مع العالم الإسلامي فقط. أو بمعنى أدق : " صدام المسيحية مع الإسلام " . وفي مقال أخير لهنتنجتون بعنوان " عصر حروب الإسلام " بالعدد السنوي لمجلة " نيوزويك " الأمريكية لعام 2002 ،ذهب الى أن السياسة العالمية المعاصرة تعيش : " عصر حروب الإسلام"، وأن حروب الإسلام قد حلت محل الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقاً . فالمسلمون ـ كما قال ـ يحاربـون بعضهم بعضا ويحاربون الآخرين بأكثر مما تفعل شعوب الحضارات الأخرى ، وماذهب اليه هنتيجتون لا تصدقه وقائع التاريخ الذي شهد حروباً داخل الحضارات كلها بل داخل الحضارة الواحدة مثل الحروب بين الصين وفيتنام ، أو بين اليابان وكوريا أو بين فيتنام وكمبوديا أو بين اليابان والصين داخل الحضارة الكونفوشوسية .. والحروب التي حدثت بين الأوروبيين أنفسهم في التاريخ القديم والحديث والحربين العالميتين الأولى والثانية، إضافة إلى أن الحضارة الإسلامية لم تنفرد بالصراع الداخلي كما يزعم هنتجنتون..
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م تنامت الصورة النمطية السلبية عن العرب و المسلمين من خلال العديد من الحملات الدعائية المكثفة ، و قد شاركت في هذه الحملات كثير من وسائل الإعلام في الدول الغربية ، ضمن جهود مؤسسية منظمة للتأثير على المتلقي الغربي . وبالاضافة الى المنابر الإعلامية التي تمركزت في الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن وسائط الإعلام الاوروبية قد شاركت بفاعلية في تلك الحملات السلبية الموجهة ضد العرب و المسلمين (انظر:صورة المملكة العربية السعودية في الصحافة البريطانية ص: 2).
وشهدت السنوات التالية لهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ، اشتعال موجة عارمة من الحقد والتشويه ضد الإسلام والمسلمين. وقد زاد من حدة اشتعال هذه المواجهة عدة ظواهر تمثلت في ما يلي:
1-السقطات المروعة التي وقع فيها كبار السياسيين الغربيين من أمثال الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي استحضر الحروب الصليبية CRUSADE عند إشارته إلى المعركة المقبلة ضد الإرهاب، وتصريحاته حول الحرب مع الفاشية الإسلامية. وذلك نتيجة لوقوعه تحت التأثير الفكري والسياسي لفلاسفة الحروب الدينية الغربيين ضد الإسلام في العصر الحديث، بجناحيهم الديني المتطرف أمثال: بات روبرتسون ، وجراهام، وفولهام.. وغيرهم، والسياسي العلماني أمثال صمويل هنتنجتون، صاحب نظرية صراع الحضارات والثقافات، وبرنارد لويس منظر الموجة الحديثة من العداء للإسلام، فضلا عن التأثر الشديد بضغوط اللوبي الصهيوني والمسيحيين الصهيونيين، والكارهين للعرب والمسلمين، المناصرين ل”إسرائيل”، تحت دعاوى دينية متطرفة.
2- تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني التي ادّعى فيها تفوق الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية.
3- تصريحات بعض السياسيين الغربيين التي تضمنت الاستعداء على الإسلام والمسلمين.
4-إثارة بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، من خلال الإعلام أو المناهج الدراسية التي رسخت في ذهن المجتمعات الغربية أن الإسلام تخلف وظلامية ورجعية، وأنه يمثل العنف والإرهاب والتدمير. وقد ادى ذلك كله الى انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» أو الخوف غير المبرر من الإسلام في المجتمعات الغربية،وتنامي المشاعر العدائية لكل ما هو إسلامي.
ونتيجة للتلك المشاعر العدائية،تفشت مظاهر التطاول والاستهزاء على الإسلام وعلى المسلمين وكان من اشد تلك المظاهر تطرفا الرسوم الكاريكاتورية المهينة للنبي محمد ، التي نشرتها صحيفة :"يولاندس بوستن" Jyllands-Posten،الدنمركية، في سبتمبر 2005م ،وفي احدي تلك الرسوم الاثني عشر عرضت صورة النبي وهو يرتدي عمامة على شكل قنبلة (وبالتالي تصويره بأنه إرهابي).و في أوائل فبراير 2006 ،أعادت العديد من الصحف في 22 دولة أوروبية نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية. الأمر الذي ولد قدراً هائلاً من الغضب والاستياء بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، عبروا عنه في احتجاجات ومظاهرات واسعة النطاق و الدعوة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية.وزاد الامر سوءاً ما ورد على لسان بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر في محاضرة القاها في جامعة ريجينسبورج بولاية بافاريا الألمانية الثلاثاء 12-9-2006 بعنوان : "الإيمان والعقل والجامعة ذكريات وانعكاسات"، ودار مضمونها حول الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية في العلاقة التي يقيمها كل منهما بين الإيمان والعقل. وزعم فيها "أن العقيدة المسيحية تقوم على المنطق، بينما الارادة الإلهية في العقيدة الاسلامية لا تخضع لحكم العقل. ولذا انتشر الاسلام بالسيف لا بالاقتناع العقلي، والنبي محمد لم يأت إلا بما هو شرير وغير انساني »..
وقد كان لذلك كله أثر كبير على الرجل العادي في الغرب الذي لم يعرف الإسلام إلا من خلال كتابات المستشرقين واحاديث الكنسيين،وتصريحات السياسيين،وتقارير الإعلاميين، وكان من الطبيعي ان تتنامي تلك الصورة السلبية عن العرب والمسلمبن في المخيال الغربي الأوروبي والأمريكي ،و الرفض للإسلام وبالتالي للمسلمين، وتحول هذه المشاعر إلى مرض أطلق عليه "الرهاب من الإسلام والمسلمين(الإسلاموفوبيا). وقد كشفت استطلاعات الرأي التي أجريت في أوروبا وأمريكا ونشرت في وسائل الإعلام عن تفشي هذا المرض .كما بينت تلك الاستطلاعات أنَّ العرب في المخيال الأمريكي ، شعب متأخر بدائي غير متحضر، شعب ملبسه غريب، ويسيء معاملة المرأة،مولعاً بالحروب متعطشاً للدماء ،غداراً ماكراً قاسياً كسولاً شهوانياً حقوداً انتقامياً وخانعاً للسلطة". وفي دراسة أُجريت على عينة من المدرسين والتلاميذ في احدى المدارس الثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية تبين أن نسبة كبيرة من المستجوبين يحملون مشاعر عدائية للعرب. فالعرب بالنسبة لهؤلاء الأمريكيين وقحين متعصبين غير عقلانيين.والعرب كذلك أثرياء نفط وتجار حروب يتكالبون على السلطة مستغلون للنفط،دونيون محتالون،جبناء متخلفون،بدائيون،متوحشون برابرة قذرون.و لمعرفة آرائهم حول الاسلام كدبن،كانت الاجابات متشابهة بل متطابقة مع الاستطلاعات السابقة،فالإسلام حسب رأيهم عقيدة دينية تخنق الابداع،والمسلمون بطبيعة الحال متعصبون قدريون متخلفون لم يساهموا بشيء .وهم -أي المسلمون- بطيئون في قبول التغيير،ثم إنهم اتباع ديانة غريبية عجيبة ،وهم شعب ذو دين مضحك وسخيف!!.( انظر: صورة العرب في الذهنية الامريكية،موقع المهندسين العرب : http://www.arab-eng.org/vb/t30765.html). ومنها الاستبيان الذي نشرته الطبعة الأوروبية لصحيفة"وول ستريت جورنال"، في 10 كانون الأول 2004، هذا الاستقصاء أجري على عينة من أكثر من عشرة آلاف شخص؛ مما جاء في هذا الاستبيان أن أكثر من نصف سكان أوروبا الغربية (بنسبة 52 في المائة) يعتقدون أن المسلمين مرفوضون في بلدهم. ويشتد أكثر فأكثر مرض رهاب الإسلام والمسلمين خاصة في السويد (72 في المئة)، وسويسرا، والدنمارك، وبلجيكا، وألمانيا. ( ظاهرة الإسلاموفوبيا "الرهاب من الإسلام (د. نعيم إبراهيم الظاهر) مؤتمرالإسلام والتحديات المعاصرة ) ص:1011 )، ويؤكد هذه النتائج الرئيس الأمريكي الأسيق ريتشارد نيكسون في كتابه "الفرصة الضائعة"، حيث يقول:" إنَّ معظم الأمريكيين ينظرون نظرة موحدة الى المسلمين على أنهم غير متحضرين وسخين ،وبرابرة،غير عقلانيين ،لا يسترعون انتباها إلا لأن الحظ حالف بعض قادتهم،واصبحوا حكاماً على مناطق تحتوي ثلثي الاحتياطي العالمي المعروف من النفط" “!!!، انظر(.Seize the Moment,( previous source) P: 194. )
الأسباب الحقيقية وراء الحملة ضد الإسلام والمسلمين:
رغم الخلفيات التاريخية للصراع بين الغرب والعالم الإسلامي ،وما وقع من خصومات وما نتج عنها من سوء الظن وعدم الثقة ،واحتدام الصراع بين الحين والآخر ،فإن هناك أسباباً حقيقية تقف وراء تجدد الحملات ضد الإسلام والمسلمبن ،لعل من أهمها :
1- ضعف القيم التي كانت تسود في أوروبا: فقد عاش الغرب فترة من الزمان يتظاهر بأنه يحمل قيماً تقوم على احترام الثقافات والحضارات والقيم الإنسانية المختلفة،وصور نفسه حتى في فترة الإستعمار بأنه حامل مشعل الحرية وحقوق الإنسان والدعوة الى التقدم البشري.ويبدوا أن التقدم المادي وغلبة المادية على الحضارة الغربية،ادى الى تلاشي تلك القيم او على الأقل ضعفها، وحلّت محلها-للأسف- قيم عنصرية وثقافة أحادية تركز على التفوق العلمي والمادي للغرب، وظهرت الدعوات الى سمو الغرب في مقابل النظرة الدونية للآخرين، وقد سبقت الاشارة الى ما طرحه فرنسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ وخاتم البشر" The end of History And The Last Man ،نظريته "نهاية التاريخ ، ودعواه بأن الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية الأمريكية تشكل نقطة النهاية في التطور الإيديولوجي للإنسانية، والصورة النهائية لنظام الحكم البشري، وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ"، ومن ثم فإنه لا خيار إلاَّ باتباعها،وبما أن الإسلام يمثل تحديا حقيقيا لهذه الدعوة،وتقف قيمه الثقافية ومبادئه ضدها،فلا بد اذن من السعي الى ازالته حتى يتمهد الطريق لتنفيذ اشواق الغرب وطموحات ساسته..
2- التنافس بين الكنيسة والإسلام: إن التنافس بين الديانتين الإسلامية والكاثوليكية بات على أشدّه في القرن العشرين، وأصبح عدد المسلمين اليوم -كما تقول بعض الاحصائيات- أكبر من عدد الكاثوليك في العالم. فالقي هذا التنافس بظلاله على المؤسسات الدينية في الغرب لإعطاء بُعد سلبي، وصورة سيئة عن الإسلام وحضارته. وكما يقول جون سبوزيتو" لقد شكل نجاح الإسلام وتوسعه المبكر تحدياً على المستوى اللاهوتى والسياسى والثقافى، كما شكل تهديداً للغرب المسيحى. وحيث إن كلا من الإسلام والمسيحية يمتلك شعوراً برسالة ومهمة عالمية، كان محتما أن تسير العلاقة بينهما إلى المواجهة بدلاً من التعاون. وذلك وبسبب تاريخ طويل، غالبا ما كان العالم المسيحى خلاله يسب النبى والإسلام الذى كانت صورته مشوهة جداً بالنسبة لهم، وبسبب تاريخ حديث، كان الإسلام خلاله يوضع على قدم المساواة مع الإرهاب والتطرف". (التهديد الإسلامى خرافة أم حقيقة"( جون إسبوزيتو) ص:45.)
3- استغلال العداء للإسلام لأغراض سياسية:هناك فئة من الساسة الغربين العاطلين اتخذوا من عداوة المسلمين والاساءة اليهم والى الإسلام، وسيلة لدعم مواقفهم السياسية ، وحاولوا تحميل المسلمين في الغرب كل ما تمر البلاد الغربية من تدهور اقتصادي وخلل اجتماعي . وعلى هذا المنوال أصبحت مهاجمة الإسلام والإساءة إلى رموزه وقيمه وسيلة الكثيرين من الساعين إلى الشهرة، والكسب السياسي ، و قد قادت بعض الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا، مثل الجبهة الوطنية في فرنسا، والحزب القومي البريطاني، وحزب Vlaams Belang "فلامس بيلانج" بزعامة دي فينتر في بلجيكا،و الحزب القومي اليميني المتطرف (NPD)في ألمانيا ، حملة منظمة مضادة للوجود الإسلامي في اوروبا،من أجل كسب اصوات الناخبين عن طريق اثارة مشاعرهم المعادية للإسلام. .كما يمكن تلمس الأصابع الصهيونية التي تدفع نحو تضليل الشعوب الأوربية والامريكية عن إدانة اسرائيل والتغطية على مجازرها ضد الشعب الفلسطيني واحتلالها لأراضيه ، وذلك باستخدام مصطلحات في وصف المجاهدين الفلسطينيين مثل" الفاشية الإسلامية"،و"الإرهاب الإسلامي" ،وغيرها من المصطلحات التي روج لها كتاب صهاينة من أمثال: دانيال بايبس. Daniel Pipes
4- أزمة المهاجرين لا سيما المسلمبن: فقد هجرت الدول الإستعمارية إبَّان فترة الإستعمار أعداداً كبيرة من سكان المستعمرات من أجل انشاء البنية التحتية للمدن الأوربية،وبعد انتهاء الاستعمار بدأ الغربيون يشعرون بالضيق من وجود وتنامي اعداد اولئك المهاجرين. وشهدت بريطانيا -خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين- حملة قوية قادها النائب البريطاني اليميني انوخ باولEnoch Powel ،وشهر بخطبته نهر الدم ،والتي حذر فيها من خطر المهاجرين على المجتمع البريطاني ووحدة نسيجه الاجتماعي،ودعا الى ايقاف الهجرة والسعي الى التخلص من المهاجرين(.انظر: http://www.telegraph.co.uk/comment/3643823/Enoch-Powells-Rivers-of-Blood-speech.html)
و منذ بدايات التسعينات من القرن العشرين، توسع الجدل حول المسلمين المهاجرين بخاصة ،في عدة دول أوروبية، ،وظهرت حملات عدائية تمثلت في الهجوم على النقاب والحجاب" ،ودعت الى منعه في المدارس والمؤسسات و الاماكن العامة،وتصويره بأنه مخالف لقيم الحضارة الغربية.ويبدو ان الهدف لم يكن الحجاب لذاته ،والا لضاقت المجتمعات الغربية بأشكال العري المنتشرة فيه،و بمختلف الازياء والرموز التي تعبر عن ثقافات واديان مختلفة،مثل زي الراهبات الذي لا يختلف كثيرا عن الزي الشرعي للمرأة المسلمة،وبعمامة السيخ ،وازياء الهنود ،و بالقلنسوات التقليدية لليهود. ويبدو ان هذا الرفض للمظاهر الإسلامية دون سواها في المجتمعات الغربية ، ،انما هو تعبير عن ظاهرة ضيق الغربيين بالمسلمين، الذين تميزو عن الآخرين بسعيهم للحفاظ على هويتهم ،وذلك بعد عقود من الذوبان في الثقافة الغربية،. فقد ادى تنامي وعي المسلمين في الغرب عموماً بإسلامهم عقيدة وسلوكاً وثقافة وهوية وتأثيرهم في المجتمعات الغربية إلى الإقبال الكثيف من قبل الغربيين على الإسلام وأصبح الإسلام الدين الأكثر والأسرع انتشاراً. أمام هذه الظاهرة غير المسبوقة راح كثير من الساسة والخبراء والمفكرين يحذرون من الأخطار الديمغرافية والسياسية التي يمثلها تنامي الإسلام وانتشاره في أوروبا على المجتمعات الأوروبية. واتخذ هذا التحذير شكلين -كما يقول فريد هاليداي -شكل استراتيجي ارتبط بقضايا أمنية كالاسلحة النووية ،والامدادات النفطية ،والارهاب،والآخر شعبوي تعلق بقضايا الهجرة ،والاستيعاب والعرق والحجاب" (انظر:الإسلام والغرب : خرافة المواجهة ( فريد هاليداي) ص: 185.)
5- إسهام بعض المرتدين في تشويه صورة الإسلام :ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة فئة من المسلمين المتمردين على الإسلام الكارهين لأنفسهم وثقافتهم وحضارته ،واتخذوا من إعلان الإرتداد عن الإسلام والهجوم على قيمه وتعاليمه سبيلاً لبناء مجد شخصي تافه. وتلقفتهم دوائر عديدة في الغرب ،وجعلت منهم أبواقاً للتشهير بالإسلام والعالم الإسلامي. ومن بين هؤلاء : سلمان رشدي Salman Rushdie ،وتسليمة نسرين Taslima Nasreen ،وشهلة شفيق Chahla Chafiq ،وايان هرسي علي Ayaan Hirsi Ali ، وابراهيم ابن الوراق Ibn Warraq وغيرهم ،ممن فتحت لهم وسائل الاعلام الغربي ابوابها ،وشجعتهم الدوائر الكنسية والمحافل السياسية على مهاجمة الإسلام ،والطعن في تشريعاته ونظمه ،واتهامه بتشجيع الارهاب ،ومحاربة الحضارة الغربية ،واضطهاد المرأة ،والتعدي على حقوق الانسان،الى غير ذلك من التهم الباطلة والمطاعن الزائفة. التي سعى اولئك من من ورائها الى تحقيق الشهرة من أيسر الطرق وأقصرها وأكثرها خسة ودناءة.(انظر:
https://www.saowt.com/index.php/t-14346996c.html?s=f9e50178a13b694d3c3bfaba5f9ae6b5،حيث نجد البيان الذي وقعه عدد من الماجورين لمهاجمة الاسلام وقيمه،والتصريح بالخروج على تعاليمه.،ولم يكن لهولاء على اختلاف ما بينهم،من المواهب ما يستحقون به المجد الذي أحيط بهم والشهرة التي نالوها،لولا ردود أفعال بعض المسلمين غير المنضبطة،والمتشنجة.
من خلال هذه الدراسة ،تبين أنه رغم عوامل الصراع التاريخي بين الغرب والإسلام ،ورغم وقوع خلافات خلال التاريخ بين الفريقين لأسباب متعددة،فإنًّ قيم الإسلام وتعاليمه ،تحتم على المسلمين مد جسور التواصل بينهم وبين الآخر ،من أجل أن يؤدي المسلمون رسالتهم ،ويحققوا أهدافهم في الحياة،والمتمثلة في اخراج الناس من ظلام الجاهلية الى نور الإسلام ،ومن جور الأديان الى عدل الإسلام ، وحتى يتمكن المسلمون من اتخاذ هذا الموقف، والمشاركة في عمل ايجابي مع الغرب كي يؤدوا رسالتهم في هداية الناس الى الحق، لا بد من تحقيق ما يلي:
1. ابتداءَ لا بد من العمل على تقوية نسيج البنية الأساسية لوحدة الأمة الإسلامية ، و تجديد الشعور بالإنتماء إليها،والعمل على تفعيل العوامل التي وحدت الأمة الإسلامية في العصور السابقة ، و في مقدمها: العقيدة والشريعة و اللغة و القيم الأخلاقية ، وحفز التعاون في المجالات الإقتصادية و السياسية و الثقافية بين شعوب الأمة العربية و الإسلامية،واجراء دراسات علمية جادة في كل من تلك المجالات ،وإقامة مؤسسات يتحقق من خلالها الوحدة والتكامل بين شعوب الأمة وأقطارها.
2. ينبغي العمل على تطوير مناهج التعليم في العالم الإسلامي، بما يتضمن الرؤية الإسلامية للعلم والمعرفة ،ويتلاءم مع التقدم العلمي والتقني الحديث.وانشاء مدارس نموذجية لا سيما في المناطق التي يستهدفها التنصير. وبذل جهد حقيقي لمعالجة الخطر الذي يواجه الإسلام وتعاليمه من جانب المتطرفين والغلاة من المسلمين،ومواجهة التحديات و الرد على الشبهات التي تثار ضد الإسلام من قبل غير المسلمين.
3. بذل جهود علمية جادة من أجل مقابلة جهود المستشرقين العلمية،ترد على افتراءاتهم وشبهاتهم التي أثاروها ضد الإسلام،من ناحية، و من ناحية أخرى ،تعرض الإسلام ،عقيدة وشريعة ،ونظماً وحضارة ،عرضاً علمياً، يستخدم التقنيات المعاصرة ،ويستجيب للتحديات التي يمثلها الأدب الإستشراقي.
4. تجديد الخطاب الإسلامي ،وانشاء جهاز عالمي للدعوة الإسلامية،يزود بكفاءات علمية متخصصة،تخاطب المسلمين المتأثرين بأساليب المستشرقين،والغربيين الذين وقف الإستشراق حائلاً بينهم وبين معرفة الإسلام،كما يخاطب المسلمين في المهاجر الغربية ،بما يمكنهم من التعايش بسلام في المجتمعات التي تأويهم ،من غير ان يفقدوا هويتهم الإسلامية او يفرطوا فيها.
5. إنشاء مؤسسات علمية للدراسات الإستشراقية ،تتابع ما ينتجه المستشرقون ،وترصد التحولات التي تطرأ على حركة الإستشراق.وتتبنى الدخول في حوار جاد مع المستشرقين المعتدلين،من أجل تصحيح الرؤية،ونزاهة الغرض،ومصداقية الكلمة.
6. قبل مطالبة الغرب بالتصدي للمارسات العدائية تجاه الإسلام والمسلمين،ينبغي في المقابل ان يتصدى المسلمون للمارسات التي تصدر عن العالم الإسلامي فتعطي صورة سالبة عن الإسلام والمسلمين ،ومعالجة ظواهر الغلوّ والتطرف والتعصب والفهم العقيم لأحكام الإسلام ، وما ينتج عنها من انعكاسات سالبة على صورة الإسلام في داخل العالم الإسلامي وخارجه.
7. ينبغي أن يسعى المسلمون الى إقامة علاقة مع الغرب على أساس المباديء الإنسانية النبيلة التي بشر بها الإسلام ونادت بها الأديان السماوية جميعاً ،والتي تنطلق من الإيمان بوحدة الأصل الإنساني ،والأخوة الإنسانية ،و الأصل المشترك للأديان الموحى بها جميعا،والعمل الجماعي في اطار التعاون الإنساني النزيه من أجل إشاعة قيم الخير والعدل والسلام ,و لا بد ان تقوم هذه العلاقة أيضا على أساس أحكام القانون الدولي ،بحيث يكون الحق فوق القوة ،وتسود في الأرض وتهيمن على العلاقات الدولية قوة القانون لا قانون القوة ،وبذلك نتوجه معا ،إلى عمل إنساني تضامني ،من اجل مستقبل مزدهر للبشرية جمعاء.( انظر: نحن والآخر ( عبد العزيز بن عثمان التويجري) الشرق الاوسط : 01 رمضـان 1426 هـ 3 اكتوبر 2005 العدد 9806. )، وان يتخذ الحوار وسيلة لتدعيم قنوات التواصل مع الأخرين ،من اجل التعريف بالإسلام وبمبادئه السمحة ،والتفاهم مع غير المسلمين من أجل إرساء دعائم السلام العالمي.

 

آراء