ظاهرة القادة الفاشلين

 


 

 

نقلا عن الديمقراطي
نظام الحركة الاسلاموية الفاسد والمخلوع، انتج خلال عقوده السوداء الثلاثة الكثير من الظواهر التي ساهمت بشكل اساسي في انحطاط الدولة السودانية الذي نراه اليوم، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ظاهرة (القادة الفاشلين)، وهي ظاهرة قديمة ولكنها تعمقت في ظله، فقد كان ناجحا جدا في انتاج هذا النوع وبأعلى المواصفات، فأصبحوا اليوم اسوأ أزمة يعاني منها السودان على الإطلاق، وفي الحقيقة هم الكارثة الحقيقية التي تهدد مستقبله مالم يتم التخلص منهم، وليس هناك نموذج لهؤلاء القادة يمكن ان نتحدث عنه ويكشف لنا بوضوح عمق المأساة أكثر من محمد حمدان دقلو المسمى قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة، والمدعو مني اركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان والمسمى حاكم اقليم دارفور .
وقبل أن أخوض في التفاصيل لابد من أن نعرف من هو القائد الفاشل؟
القائد الفاشل شخصية تعتقد أنها قيادية ولكنها لا تملك من مواصفات القيادة وشروطها شيئا، كما أنها عاجزة عن تأدية أدوار القيادة الحقيقة، وبعيدة عن الوصول لنتائج القيادة الناجحة، وهو شخص يعلم أنه فاشل ولكن ينكر فشله ويبرر له ويحاول ان يفعل كل شيء ليبقى في القيادة، وهذا ما جسده انقلاب 25 أكتوبر الذي قام به زعيم القادة الفاشلين بدعم من تجمع الفاشلين الذي انتج في مستنقع النظام المخلوع الآسن.
بلا شك لا احتاج ان اعرفكم بـ(دقلو ومناوي) فهما غنيان عن التعريف، ولكنهما مثل الكثيرين من ابناء هذا الشعب عاشوا حياة البؤس والتهميش في ظل الدولة السودانية الفاشلة التي حرمت مواطنيها من التمتع بحياة كريمة وطبيعية، ولقلة وعيهم أثر الامر على تكوينهم العقلي والنفسي، فاصبحوا انانيون نرجسيون منفصمون يتصرفون بلا وعي.
نظام الحركة الإسلامية كان حريصاً على انتاج القادة الفاشلين ويعرف كيف يسخرهم لنفسه ويستغلهم بشكل مباشر أو غير مباشر ليبقى في السلطة، وقد استعان بهم في إدارة الشأن العام لذلك عم الفساد وأصبح منهج دولة، ولم تتعثر ثورة ديسمبر لولا أنها اصطدمت بحائط القادة الفاشلين الموجودين في كل تنظيم وفي كل في مؤسسة وفي كل مكان في الدولة، وليس من نموذج يمكن ان نتحدث عنه لنرى من خلاله الكارثة بوضوح أكثر من (مناوي ودقلو) اللذين يعيشان دور القيادة (بقوة عين عجيبة) رغم انهما يمثلان الفشل في أوضح صوره ويثبت ذلك حديثهما في المعايدة التي أقامها مناوي بمنزله.
مناوي تحدث بلا (فرامل) عن الوضع الراهن وعن مخاوفه التي تعكس حرصه على المحافظة على مكانته، حاول أن يتحدث حديث السياسي المثقف العارف الملم بجوانب اللغة والسياسة والاقتصاد والمجتمع وحاول أن يكون دبلوماسيا مع (القشرة) ببعض الكلمات الانجليزية ليخبرنا بأنه (بعرف شوية انجليزي) .
المهم حديث مناوي كان مثل (كلام الطير في الباقير) كما يقال، فهو غير مترابط يقفز من موضوع إلى موضوع مختلف تماماً لدرجة انك لا تفهم ماذا يريد بالضبط، كذلك كان حديثه سطحيا مليئاً بالابتزاز العاطفي كالعادة، ولكن بصفة عامة هو أراد أن يقول لنا انه ليس فاشل وإنما هناك ظروف تحكمت فيه ويحتاج إلى المساعدة لكي ينجح ويجب أن يمنح الفرص مرة واثنين وعشرة، وعلينا أن نتحمل فشله وندفع الثمن.
قائد قوات الجيش الموازي لقوات الشعب المسلحة محمد حمدان دقلو، النموذج الثاني لظاهرة القادة الفاشلين، تحدث بشكل مختلف عن زميله، فهو لم يحاول التظاهر بالمعرفة ولا الدبلوماسية في الحديث ولم ينتق الكلمات كما فعل مناوي، بل تحدث بلهجة دارجة استخدم فيها الكثير من الكلمات الموغلة في المحلية، وحديثه كان عنيفا واستخدم الكثير من كلمات التهديد والوعيد واللوم والتحدي، وهو أيضا مارس الابتزاز العاطفي ولكن بعنف، ومشكلة دقلو انه يتحدث وكأنه الوحيد المستقيم والصادق والأمين والشريف ويجب أن يستمع الجميع إلى ما يقول ويصدقونه، وهي مشكلة كل القادة الفاشلين وليس وحده، كما أنه فضح الجهات الأمنية الرسمية وقال انها تعرف عصابة تسعة طويلة بالاسم (ولو عايزين بجبوهم في يومين لفعلو) وهو لم يقل هذا من فراغ فهو يعلم ما يدور في كواليس حكومته، كذلك قال إن البرهان ضعيف ولكن بطريقة غير مباشرة على طريقة (إياك أعني فاسمعي يا جارة)، حيث اشار إلى قوة نميري، ولكن ما لا يعرفه دقلو هو ان نميرى كان نموذج للقائد الفاشل، الفرق الوحيد بينه وبين البرهان يكمن في اختلاف الزمن والظروف، والمشاكل التي يعاني منها السودان اليوم يعتبر نميرى احد أسبابها ولكن (الما عارف بقول اي كلام والسلام).
دقلو بحديثه هذا اثبت أنه فعلا فاشل، فالقائد الناجح لا يفضح المؤسسة التي يعمل فيها خاصة إذا كانت عسكرية.
بصفة عامة (دقلو ومناوي) وغيرهما من القادة الفاشلين الذين يعاني منهم السودان اليوم، ما كان لهم أن يصلوا إلى القيادة إن كان الوضع في السودان طبيعيا والدولة قوية والقوات المسلحة (مالية قاشها)، وجودهم على قمة الدولة يعتبر أزمة قائمة بذاتها اكبر وأسوأ من اي أزمة أخرى يشهدها السودان، وان كان هناك دليل على انحطاط الدولة السودانية فليس هناك ما يجسده أكثر من انتشار ظاهرة القادة الفاشلين وعلى مستويات مختلفة، ودقلو ومناي مجرد نموذج لا يجب أن نتعامل معهم بشكل منفرد.
معايدة مناوي حضرها وزير مالية السلطة الانقلابية جبريل ابراهيم وهو نموذج من نماذج القادة الفاشلين تاريخيا، ولكنه فضل السكوت، فهو يعلم أنه ليس لديه ما يقوله وان فعل فحملة النقد عليه ستكون اكبر من الحملة على دقلو ومناوي، خاصة وله تاريخ اسود طويل بعمر دقلو ومناوي.
خلاصة القول، السودان في مأزق خطير بسبب وجود القادة الفاشلين على قمة الدولة مع وجود عدد كبير يصارع من أجل الصعود، لذلك لابد من حل ينقذ البلد من هذه الظاهرة المدمرة، وليس من سبيل إلى ذلك غير استمرار الثورة وإخراج العسكر من السياسية وتغيير البيئة التي تؤدي لإنتاج القادة الفاشلين إلى الأبد.

 

آراء