عبدالله علي ابراهيم والطيب مصطفى
بسم الله الرحمن الرحيم
علامات استفهام :
انهيار لغه الحوار
لا اعتقد ان اي ناقد منصف متابع للنشاط الفكري و الثقافي و الادبي في العالم العربي, يمكن ان يخرج الدكتور عبدالله علي ابراهيم من زمره ابرز عشره مبدعين لا في السودان فحسب بل في العالم العربي كله. ابادر الى ذلك لكي اوضح ان مكانته هذه هي التي جعلته عندي موضع اللوم و العتاب. ولو اتصل الامر بغيره من الكتاب لما عنيت به ولا همني في شيء.
وقد تغمر المجاري الساحات بمياهها الاَسنه و تجري في الشقوق و تملأ الحفر- و ليس هناك انتن من مجاري الكلمات - فتثير فينا الغثيان و لكن ذلك لا يبلغ بنا درجه الخوف و الفزع على مصير الامه الا حين يضرب السيل الجبال التي نظنها شامخه فيتسرب في مسامها, فاذا هي رخوه كاكوام الرمال . حينئذ فقط يصبح البلاء عظيما و المرض ابتلاء و الشر وباءا عظيما.
ومن هنا هالني و كبر في نفسي الاسلوب الجارح الذي عمد اليه الدكتور عبدالله علي ابراهيم في تعليقه على حادث نشر جريده "الانتباهه" اعلانا قد يكون مدسوسا عليها ارسله- سفها- احد القوادين العرب يستهين فيه بأعراض السودانيين. و قد ظل الاستاذ الطيب مصطفى هدفا لحمله ضاريه تستهدف اغلاق صحيفه الانتباهه و النيل من رئيسها. و قد استخدمت في هذه الحمله كل الاسلحه . و القصد من الاعلان هو توريط صحيفه الانتباهه التي ظلت ترفع دائما رايه الدين و المثل العليا. ولسنا نقلل بذلك من الخطا الذي وقعت فيه الصحيفه او نطالب بتجاهله . وللدكتور عبدالله علي ابراهيم كل الحق ان ينفث عن غضبه و يعبر عن غيرته لما لحق بالسودان من اهانه . ولكن مثل هذه الهفوه كثيرا ما تقع في كل صحف العالم حتى تلك التي تستخدم جيشا من المصححين و المراجعيين . و قد دفعت صحفيه "الصن" البريطانية غرامه تبلغ المليون جنيه استرليني لاحد كبار المؤلفين بسبب هفوه كهذه , و انتحرت صحيفه"اخبار العالم" احدى اهم صحف روبرت ميردوخ , و ربما دفع صديقنا محمد طه رحمه الله ثمنا لمثل هذا الخطا . و الدكتور عبدالله علي ابراهيم نفسه لا يستبعد وقوع مثل هذا الخطا الفادح حين نصح , كما قال , الاخ الاستاذ عادل الباز ان يوفر لجريدته باحثين لا غنى عنهم لتفادي مثل تلك الاخطاء .و السيد عادل الباز اذا استطاع ان يوفر موازنه تكفي لمكافات كتاب صحيفته , دع عنك باحثين و مراجعين لسجل اسمه مع اخينا و صديقنا الدكتور الباقر في سجل الخالدين في عالم الصحافه السودانيه .
فاذا كان الامر كذلك فلم هذه الضجه الكبرى و بخاصه و ان الاستاذ الطيب مصطفى و هو رئيس مجلس ادارة الصحيفه و ليس رئيسا لتحريرها قد اعتذر اعتذارا وافيا اعتبره الدكتور في سوره غضبه اعتذارا سمجا . ولا اجد وجها لسماجته فهو ليس نكته حتى يعتبر ظريفا او سمجا انما يحكم عليه بانه صادق او غير صادق , مقنع او غير مقنع .
ولست ادري ما الذي اثار ذلك الغضب الجامع : اهو طلب فتيات للعمل ام تخصيص فتيات غير داكنات الوجوه . ان كان الاخير فقد ظل السودانيون يقولون منذ مده طويل " الكلام على اللون" و نضحك ملء اشداقنا و لم تحتج صاحبات الوجوه الداكنه. كما ان فتيات اليوم يجلبن المساحيق طلبا للون الفاتح حتى اصبح الجسم ينتمي الى عرق اصيل و ينتمي الوجه الى عرق مجلوب و حتى لم تعد تعرف ان كانت المذيعه التلفزيونيه من بنات جلدتك ام ربيبه اجزخانات الخرطوم 2 .فلماذا نستنكر على صاحب الاعلان تفضيله لغير داكنات الوجوه ؟.
ولولا انني اعرف الاخ الدكتور عبدالله معرفه وثيقه لقلت انه يجاري الحمله المنظمه الموجهه ضد السيد المهندس فجاء هذا الاعلان فرصه لا تعوض لفتح ملف داخلي لا دخل له بالاعلان و قد اشار اليه عرضا حين تحدث عن اكاذيب لفقت ضده لم يكشفها للقارئ . فالدكتور عبدالله علي ابراهيم ليس من ممارسي الشخصنه وليس له ملف لتسجيل سقطات الاخرين ليعود اليها عند الضروره . فهو كاتب جاد لا يجامل و لا يماري ولا يجاري احدا على حساب مبادئه . وقد عرضت عليه حين كنت رئيسا و مديرا لدار جامعه الخرطوم للنشر وظيفه المحرر العام للدار وكان وقتها مختفيا و ملاحقا من قبل اجهزه الامن . ولكنه فضل مواصله نشاطه متفرغا لمبادئه .ولم اجد في كتاباته تعقبا لشخص . ولا ادري حتى اللحظه ما الذي اخرجه عن طوره و انزله عن مستواه في الحوار و الجدل الا ان تكون بيئه الشتائم و الكراهيه و اتهام الناس بالباطل قد سادت حتى ارتفعت الى قمم الجبال . و قد اصبحت بيئه طارده دفعت بالكثيرين الى الانزواء و البعد عن قذائف قوم متفرغين ليس لهم عرض او شرف او فكر يدافعون عنه او يخافون عليه ان يثلم وقد اوشكت هذه البيئه ان تؤدي الى تجفيف ينابيع الابداع و صرف الكتاب عن الكتابه و خاصه ان الكتابه لم تعد مربحه في السودان فلماذا الهم و الغم ووجع الدماغ؟
من حق الدكتور عبدالله علي ابراهيم ان ينتقد "الانتباهة " لهذا الخطا او لسبب في نفسه ولكن قطعا ليس من حقه ان يصف صاحبها بالتفاهة .هذه الالفظ ملقاه في الطريق العام و في متناول جميع الناس حتى من كان منهم في الخامسه من عمره واذ استنكرحدثوها من الدكتور عبدالله فانني ادافع عنه لا عن الطيب مصطفى و هو قادر على الدفاع عن نفسه و قد رد الشتيمه بكل حروفها و مفرداتها .
ولو ان الدكتور عبدالله علي ابراهيم اكتفى بما وقع فيه الاستاذ الطيب مصطفى و صحيفته من خطا فادح فهاجمه كما طاب له الهجوم لكان الامر في حدود المعقول . و كذلك لو اكتفى برفض الاعتذار (باعتباره سمجا ) لكن الدكتور عبدالله شطح به الامر فاخد يضرب على غير هدى واصفا صحيفه "الانتباهه" بكل نقيصه في الوجود فقال عنها : "وكلنا يعرف هترها ,و بذاءة لسانها , و نشرها لثقافه الغل و الكيد والكذب " و تصدير هذا الاتهام الخطير بفقرة " وكلنا يعلم " لا تقوم دليلا على هذه التهم . فالعلم في مجتمع يسود فيه الجهل قد يكون نتيجه اعلام مغرض او اكاذيب مدسوسه . ومهمه الكاتب ان يبني حديثه على قرائن محدده . و صحيفه "الانتباهه"معلنه و ليست منشورا سريا . و اسلوب " كلنا يعرف " مما يلجا اليه مطلقو الشائعات و الشتائم مثل : " يا اخي انت وين السودان كله يعرف ذلك " او " الخرطوم كلها تتحدث عن ذلك " و تسكت مرغما فلا علم لك و لا لمحدثك عما يعرفه السودان او تتحدث عنه الخرطوم . و الطيب مصطفى مهما اختلفت معه و مع صحيفته له حقوقه كانسان و كمواطن و كمفكر و كزميل صحفي و من حقه عليك ان لا تلقي عليه بكل ثقلك و تهيل عليه الاتهامات بلا دليل ولا بينه .و الدكتور عبدالله يدرك قبل غيره وهو كاتب معرض لسهام الاخرين ان الاتهام غير المدعوم بالاسانيد سلاح طائش قد يصيبه كما يصيب كل الاخرين . اما اذا كان يعتمد في اتهامه على اقوال المعارضين فهي شهاده مجروحه و من ابرز سمات الشتامين - و الدكتور عبدالله من ابعد الناس عنهم- انهم ينضحون بما فيهم و بالتالي ينفونه عن انفسهم ويلصقونه باعدائهم وخصومهم .
و لا يكتفي الدكتور عبدالله برمي الطيب مصطفى بالتفاهه التي لا صله لها بالاعلان بل يذهب به الغضب الى تحديد كفاره الاعلان الفاسق ان تغلق الانتباه " نفسها بنفسها بالضبه و المفتاح " مهددا : " و الا تقدمت انا حسبة للمحاكم لتكفيرها لانها دعت الى خلط الانساب ". والمعنى معروف غير ان المسافه بين نشر الاعلان الفاسق و خلط الانساب بعيده فلا هو من اصحاب التكفير و لا هو من ارباب اغلاق الصحف .
ثم لماذا الهزء و السخريه بتفوق جريدة"الانتباهه" بهذا القدر المذهل ؟ و تلك حقيقة نشرها المجلس القومي للصحافه ولم يدعيها الاستاذ الطيب مصطفى . فلو ان الدكتور عبدالله علي ابراهيم اعطانا و هو المحلل البارع تفسيرا لهذا الانتشار غير التفوق المهني و اقبال القراء كأن يحدثنا مثلا عن جهل القراء او حب السودانيين للهتر و ثقافه الغل و الكيد و الكذب لقبلنا تفسيره اتفقنا معه او لم نتفق . اما مجرد الاستهزاء باعتلائها سده الصحف بالقول : " سده صحافه قال, شوف ليك غراب جزو " فهذا ما لا اجد له مكانا في هذه المناقشه الجاده و لا استطيع ان اجد فيها صوره الدكتور عبدالله و صوته .
و لا ادري لماذا يحتاجناشر اكثرالصحف توزيعا في السودان الى البحث عن غراب يجزو ؟ اليس من الاوفق ان توجه هذه النصيحه الغاليه لمن ينشرون صحفا لا يقرأها احدحتى بالاجره ؟
مثل هذه التعبيرات متداوله في ساحات ما كنت احسب ان اخي الدكتور عبدالله يدور في دروبها و على شاكلتها :" شوف ليك تيس احلبو " او" بعوضه اسلخها " و بشفافيه اكبر ( يا اخي قوم .... ) و كلها من سقط القول الذي ننزه كاتبا في قامه الدكتر عبدالله للنزول اليه .
و لا بد للقارئ ان يتساءل ما حاجه الدكتور عبدالله الى الدخول في هذا المستنقع الاَسن ؟ وهو الذي ظللنا ندَخره لتجفيف مثل هذه المستنقعات التي بدا ريحها النتن يغمر المكان وبدأ مجتمعنا يغرق في غياباتها المظلمه .
و الدكتور عبد الله علي ابراهيم الكاتب و المفكر و رئيس اتحاد الكتاب و زملاؤه من المبدعين في هذا البلد اكثر الناس حاجة الى اجواء نقيه لا فسوق فيها و لا فجور و لا حقد و لا اتهام بالبلادة و التفاهه و الخيانه . و لا لغراب يجز او بعوضه تسلخ .
و بغير ذلك نموت جميعا .
mohammed shoush [mi_shoush@hotmail.com]