عبد الفتاح البرهان و(نفس الزول) !

 


 

 


ظل الشعر المنتمي لقضايا الشعب دائما كــــ(ذبابة الخيل) حالة مزعجة تقض ليل السلاطين وتبدد سكونهم، من نيرودا ذلك الشاعر الشيلي الذي قضي علي يد العسكر الانقلابين في شيلي بقيادة الديكتاتور بينوشيه 1973 وحتي شاعر الناس العاديين في حواري مصر احمد فؤاد نجم والمغني الكفيف الشيخ امام وغيرهم في ماضي الانسانية البعيد والقريب .
يمثل الشعر تلك العلاقة المتوترة بين السلطة والمثقف، الحلم في تجلياته اللامتناهية في افقه البعيد والواقع في توحشه وعدم استجابته لذلك الحلم .
وفي خضم ذلك الصراع المرئي والخفي بين أطراف الانتقال ، درجت المؤسسة العسكرية التي يمثلها الطرف العسكري لمجلس السيادة للجوء لنيابة القضاء وفتح بلاغات في مواجهة تيارات ثورة ديسمبر المختلفة. فقبل عدة اشهر قام مجلس السيادة انابة عن (الكباشي) بفتح بلاغ في مواجهة شبان الحتانة أولئك الفتية الذين آمنوا بثورتهم وبضرورة التصدي لكل محاولات الانقضاض عليها والتي تأخذ احيانا اشكالا عدة من مؤامرات في طور التكوين أو أجنة تسعي في ليل الفتن والتخريب. وبقدرة قادر تحول مجلس السيادة الي خصم انابة عن الفرد في ظاهرة قضائية خلفت ولم تزل العديد من الأسئلة.
وفي حالة ثانية توجه البرهان لفتح بلاغ ضد صلاح مناع احد رموز لجنة تفكيك تمكين الثلاثين من يونيو ولا زال البلاغ يتأرجح بين التسوية او عدمها .
ثم ها هو مجلس السيادة ينوب عن البرهان في بلاغ موجه ضد الشاعر يوسف الدوش هذه المرة في مواجهة الذات الشعرية لكلمات جاء فيها:
نفس الزول الكاتل ولدك
شال لي روحو الفاتحة وقلدك
حاكم بلدك رمز سيادة
نفس كتائب الظل والغل
نفس جهاز الأمن والخوف
هم بي امرك فضو قيادة
يبدو ان (مستشار الشعر) لدى ذلك المجلس لم تعد لديه القدرة ليغمض عينيه امام احلام الشعراء وهواجسهم ، وتطلعاتهم المحروسة بنبض الكلام وإشارات اللغة.
ففي هذه الحالة فان الطغيان يبلغ ذروته، خاصة انه يريد شعرا كقطة سيامية بلا أظافر تتمرغ في (ميري) الجنرالات كما يفعل المغنون الكسالي والشعراء المبتذلون في تلك الملاحم الميتة فاقدة الحس والتطريب .
وكما يقولون لا شيء ينتج من فراغ، فشعراء الثورة و(الغاوون) الهائمون عشقا بها يمثلون ذاكرة مترعة بالحزن والأسي ، مسكونة بهؤلئك الذين قضوا بآلة الإبادة في ساحة الاعتصام ، ورفاقهم الذين انتشلت جثامينهم المتفسخة التي جرفها تيار موج النيل ، مسكونون بحب أولئك الذين اختفوا قسرا ليس الان وحسب بل منذ ازمنة شاعر الثورة (ابوذر الغفاري) الذي اختفي منذ أوائل التسعينيات والي الان. هؤلاء شباب جاءوا في زمن الجثث المجهولة المتحللة في المشارح وبالمئات ، شباب تختزن ذاكرتهم جثث بلا ملامح ومقابر مجهولة .
شباب تأكلهم الفاقة والبطالة وهم يَرَوْن احلامهم في غد أفضل تصادر نهارا جهارا ، كيف لا ولجنة أديب السلحفائية غارقة في تلك المراوغة بين القصاص من القتلة وذلك التسويف الذي يستولد اليأس والشعر المضاد .
الشعر في مواجهة ذلك الواقع المسخ الذي لا يستحي واقع يستأسد فيه نفس الممثلون وذات الستائر والمسرح المحترق.
هو واقع ذات الخوف والكتائب السرية، والمركبات دون لوحات.
ستصبح كل المساحة (وادي عبقر) تفرخ شعر المقاومة وذلك الشعر الذي يعصف بورقة التوت لفضح عورة الطغاة الذين ما فتئوا يعملون لسرقة ذلك الانتصار .
فلا النيابات ولا السجون قادرة على لجم طوفان الحقيقة المتسربل بالمفردات الحالمة. او الحارقة.
وقد غنوا باكرا بذلك المنلوج (نحن بنحب الجرجرة)، في تلك الإشارة الضوئية لعدم الخوف والتردد كان ذلك في ساحة الاعتصام التي ستظل هاجسا يربك سدنة الاستبداد .

musahak@hotmail.com
//////////////////

 

آراء