عبد المجيد عبد الرازق.. دعوة للتأمل..!!

 


 

 



diaabilalr@gmail.com


زرته أمس بمستشفى (جرش) بشارع النفيدي –الستين سابقاً-عبد المجيد عبد الرازق رئيس القسم الرياضي بهذه الصحيفة،هي المرة الثانية - في أقل من
أسبوع- التي يلزم فيها الفراش الأبيض بعد عودته من أولمبياد لندن.

وقبل  4 سنوات تعرض عبد المجيد لأزمة صحية حادة أثناء مشاركته في تغطية أولمبياد بكين، فهو رغم ظرفه الصحي الذي يستلزم قلة الحركة والاستعانة بجهاز للتنفس لا يقل استخدامه عن تسع ساعات في اليوم يحرص على القيام بواجبه المهني في متابعة عمل القسم وكتابة عموده المقروء (حروف كروية).

ليلة أمس بعد عودتي من المستشفى تفاجأت أثناء مراجعة الصفحات قبل أرسالها إلى المطبعة بوجود عمود عبد المجيد ضمن أعمدة الصفحة الرياضية..!

عبد المجيد الخاضع لمتابعة علاجية مكثفة ترصد نسبة الأوكسجين في دمه وتراقب حالة رئتيه يحرص على التواصل مع قرائه، قلت لنفسي هذا الرجل يتنفس بقلمه قبل رئتيه!!

تذكرت لحظتها مشهداً لن أنساه طوال حياتي..في بداياتي الصحفية مع صاحب
(الوفاق) الشهيد / محمد طه محمد أحمد فقد حلت عليه زائرة المتنبي:

زائرتي كأن بها حياء *** فليس تزور إلا في الظلام

بذلت لها المطارف والحشايا *** فعافتها وباتت في عظامي

يضيق الجلد عن نفسي وعنها *** فتوسعه بأنواع السقام

لم يغب طه عن الصحيفة تلك الأيام ولم يعتذر للقراء ولم يمتثل لتوسلات زوجه الحنون فوزية، كان يأتي للصحيفة بالمواصلات العامة قبل شروق الشمس يلتحف (بطانية شتوية)  تصطك أسنانه من البرد وتشتبك أقدامه في السير وهو في تلك الحالة يغلق عليه باب مكتبه ليكتب ثلاثة أعمدة وصفحة كاملة!!

المدهش عبد المجيد في عموده المنشور اليوم تحدث عن غياب السودان عن دورة الألعاب الأولمبية للمعاقين بلندن متحسراً على عدم وجود علم السودان بين أعلام كل بلاد العالم.

وكم كان مجيد رائعاً حينما تحدث عن انتمائه لشريحة المعاقين وهو يروي قصته مع الإعاقة : (وكواحد من المنتمين لهذه الشريحة  بعد أن أصبت بكسر في السلسلة الفقرية إثر وقوعي من الحائط كشقاوة الأطفال وأنا في سن السادسة وحدث خطأ في العلاج لأجد نفسي جزءاً من هذه الشريحة المهمة وبالتالي أقول إن من تسببوا في حرمان المعاقين من حقهم الشرعي ارتكبوا جريمة إنسانية ضد فئة أثبتت غالبيتها أن الإعاقة تصنع الإبداع ووضعوا بصمة واضحة في مسيرة بلادنا وحققوا من الإنجازات ماعجز عنه أصحاب الجسم السليم وأثبتوا أن مقولة العقل السليم في الجسم السليم لا تعني سلامة الجسم من الإعاقة وإنما السلامة في العقل وقوة الإرادة).

عرفت عبد المجيد عندما رأيته أول مرة في زيارة نادي المريخ للمناقل في عام 1986  وقتها كنت تلميذاً بالمرحلة المتوسطة حينها خرجت المدينة عن بكرة أبيها لاستقبال المريخ بعد فوزه بكأس سيكافا ونزل الفريق في ضيافة صالون الحاج علي عشم الله بحي المزاد، ومنذ ذلك الوقت ظللت أتابع  أعمدته الصحفية التي تكتب بذهنية يميزها الاعتدال وعدم التطرف والتزام الموضوعية والنأي عن الابتذال والإسفاف وبروح تمتزج فيها السخرية والفكاهة بالصفاء وطيب السريرة.

من حسن حظي زاملت عبد المجيد في (الرأي العام) لتسع سنوات والآن نتزامل في (السوداني)، ودون انحياز لسنوات الزمالة والصحبة أشهد للرجل بأنه شخص استثنائي، يمتلك إرادة فولاذية في مواجهة الصعاب والتحديات، وفي لمهنته ، مخلص لأصدقائه داخل وخارج السودان، لذا ظل موضع احتفائهم وتقديرهم حيث ما حل.

عبد المجيد الذي تم تكريمه عدة مرات من قبل جهات إقليمية ودولية يستحق أن يجد التكريم والاحتفاء والعناية الكاملة من قبل الدولة السودانية، فالرجل ظل لسنوات طوال خارج دائرة الاستقطاب المريخي –الهلالي ولا تجد له توقيعاً على محاضر الشتائم الصحفية، فهو القلم الرياضي الوحيد الذي  ظل يعطي كامل ولائه للفرق القومية!!

 

آراء