عبد الواحد نور والانتحار السياسي
زفرات حرى
الطيب مصطفى
يا له من انتحار سياسي ذلك الذي أقدم عليه عبد الواحد محمد نور وهو يعلن وعلى رؤوس الأشهاد وبفخر شديد وبلا أدنى حياء أنه سيفتح مكتبًا له في إسرائيل بل ويقيم عددًا من القنصليات في مناطق مختلفة من السودان فور توليه أمور الحكم في السودان!! مسكين والله هذا الرجل الذي يعترف بجرأة يُحسد عليها أنه زار إسرائيل وأنه مستعد لزيارتها مجددًا للالتقاء بثمانية آلاف من (المهاجرين) السودانيين إلى دولة الكيان الصهيوني... تخيّلوا الفرق بين المهاجرين من مكة إلى المدينة فرارًا بدينهم من بطش قريش والمهاجرين فرارًا من دينهم إلى اليهود أعدى أعداء الله تعالى... هؤلاء (المهاجرون) الباحثون عن (الحرية) في دولة الاحتلال الصهيوني التي تذيق شعب وأطفال فلسطين في غزة حممًا من قنابلها الفسفورية يزورهم عبد الواحد ويتفقد أحوالهم بينما يبقى بعيدًا عن الملايين من أبناء دارفور المشرَّدين في المعسكرات ممن يتاجر باسمهم ويتحدث بلسانه المنتفخ بسحت الفنادق الباريسية والصهيونية متلمِّظًا عبارة (أهلنا في دارفور)!!
مشكلة عبد الواحد نور أنه توهَّم أن مجرد ارتمائه في أحضان الصهاينة والأمريكان سيمهِّد له الطريق إلى رئاسة السودان ليكرِّر سيرة كرزاي والجلبي اللذين جاءا على ظهر الدبابات الأمريكية ولذلك لا غرو أن يعلن الرجل بكل (بجاحة) أنه (عندما يصبح رئيسًا للسودان) هكذا بدون أن يكشف لنا كيف يمكن لذلك أن يحدث!!
إنها القراءة الخاطئة للواقع السياسي في دارفور والسودان التي ساقت الرجل إلى حتفه السياسي فالرجل يعاني من مشكلة كبيرة في قدراته السياسية الأمر الذي يجعله عاجزًا حتى عن قيادة فصيل سياسي دعك من أن يقود أمة ولذلك من الطبيعي لرجل مثل عبد الواحد أن يعيش بعيدًا من أهله ومن ميدان المعركة متنقِّلا بين العواصم الغربية التي ظن أنها مؤهلة لفرضه على الشعب السوداني فالرجل لا يدري كيف تفاعل الشارع السوداني مع غزة وكيف دوَّت المنابر بالقنوت والدعاء والشوارع بالمسيرات في طول البلاد وعرضها بما في ذلك دارفور ولذلك فإن بُعد الرجل عن نبض الشارع السوداني وعن مشاعر أهله وعشيرته هذا علاوة على علمانيته التي اختارها عندما أوى إلى الحزب الشيوعي خلال فترة دراسته الجامعية... كل ذلك يجعله يهرف بمثل ما أدلى به لقناة الجزيرة دون أدنى حياء وأود أن أسأل هل يجوز لنا أن نترحَّم على المنتحر؟!
اتفاق النوايا بين الحكومة وخليل إبراهيم
رغم أن الطريق نحو السلام بين الحكومة وحركة العدل والمساواة بل نحو سلام دارفور لا يزال مليئًا بالأشواك السامة فإن ما تحقَّق من (إعلان بناء الثقة وحسن النوايا) يعتبر خطوة في الطريق الصحيح.
على الحكومة، وقد وقَّعت هذه الوثيقة الابتدائية أن تضع نصب عينيها تجربتها في كل من اتفاقيات أبوجا ونيفاشا والخرطوم للسلام ذلك أن أبوجا والخرطوم للسلام التي وقِّعت مع د. رياك مشار - لم توقفا حربًا بسبب تجاوز الأولى للفصائل الأخرى غير الموقعة وتجاوز الثانية (الخرطوم للسلام) لفصيل قرنق الأمر الذي أدى إلى أن تدفع الحكومة استحقاقات سلام لم يتحقق للفصائل الموقعة بينما ظلت الحرب مشتعلة مع الفصائل غير الموقعة.
هذا أهم درس ينبغى أن تعيه الحكومة في المرحلة المقبلة وألا تكرر خطأ التوقيع مع خليل إبراهيم بدون أن تضمن توقُّف الحرب تمامًا ولا ينبغى أن تنخدع بمقولة خليل إن جميع الفصائل الأخرى تساوي صفرًا ذلك أن ما حدث لمناوي الذي انسلخت كثير من قواته بعد توقيعه على أبوجا وانضمت إلى خليل نفسه يمكن أن يتكرر مع قوات خليل بعد توقيعه مع الحكومة فالولاءات المتقلِّبة بين الفصائل الدارفورية أمر طبيعي غير مأمون العواقب وذلك يتطلب إشراك جميع الفصائل التي تحمل السلاح ويمكن للفصيل الصغير أن يصبح كبيرًا بتحوُّل المقاتلين إليه من فصيل آخر أو بالتدخلات الدولية والدعم الخارجي بالسلاح وينبغى ألا تغفل الحكومة عن عبد الواحد نور الذي لا أشك في أن إسرائيل ستمنحه الكثير من السلاح خاصة بعد زيارته الأخيرة لدولة الكيان الصهيوني التي لا أحتاج إلى إثبات أنها تحرص على إفشال أي اتفاق سلام يحقق الأمن والاستقرار في السودان.
مما ينبغى أن تحرص عليه الحكومة أن تحل المليشيات التابعة لخليل إبراهيم ولا تكرِّر خطأ السماح لقوات مناوي بالبقاء في معسكراتها وبسلاحها وينبغى ألا يتكرر خطأ الإبقاء على جيش في الشمال غير القوات المسلحة السودانية فوجود جيوش متعددة في البلاد يشكِّل برميل بارود سريع الاشتعال أو قُل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة.