عثرات عرمان … بقلم: د. تيسير محي الدين عثمان
24 December, 2009
ظهور الحركة الشعبية علي الساحة السياسية الإقليمية والدولية ارتبط ببرنامجها السياسي البراق والجاذب بالعبارات و التي تخاطب الصميم والوجدان والإحساس خاصة كلمة التهميش والمهمشين والتي وجدت رواجاً في بعض بقاع السودان وخاصة تلك التي عانت من الأنظمة الحاكمة المتعاقبة فيما يخص التنمية والخدمات والاهتمام بمناطقهم وكانت شعارات الحركة تضم مفردات الديمقراطية – الحرية – العدالة – المساواة – التنمية...
وبشروا الناس بالسودان الجديد الذي سيتساوي فيه كل الناس بغض النظر عن ألوانهم العرقية والسياسية , السودان الجديد الذي سيؤسس علي العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية والذي سيعطي أكبر قدر من التنمية للأطراف التي تجاهلتها الحكومات المتعاقبة بقصد أو دونه ... السودان الجديد الذي سوف تعمه الديمقراطية وحقوق الإنسان بدلاً من الديكتاتورية والتسلط والهيمنة.... هذا السودان الجديد الذي سوف تترجم فيه الأقوال إلي الأفعال والذي يحمل الأحلام الوردية وجميل الأمنيات والتجليات وأبرز الشخصيات.
هذه الشعارات سحرت الكثير من الناس في أطراف السودان وكانت الاستجابة للانضمام للحركة الشعبية و كذلك أنضم إليها البعض من الخرطوم ومنهم نائب أمين عام الحركة الشعبية الحالي ياسر سعيد عرمان والذي عرفه البعض من خلال جامعة القاهرة فرع الخرطوم وكان مرشح تنظيم الجبهة الديمقراطية لانتخابات اتحاد طلاب الجامعة لدورة 1985م – 1986م والتي رافقتها كثير من الأحداث من عنف و اغتيالات وذلك في فبراير 1986م وأرتبط أسم ياسر عرمان بتلك الأحداث والتي قُتل فيها المرحومين بلل و الأقرع والتي كان المتهم فيها طالب يدعي عادل عبد العاطي والذي قضي عامان ونصف العام بسجن كوبر علي ذمة التحقيق والمحاكمة وبرأته المحكمة بعد ذلك من كلا التهمتين ولم يُستأنف حكم المحكمة بعد ذلك.
ياسر عرمان اتهم بأنه ذو ضلع في مقتلهما ولم يقدم أي شخص ما يثبت ذلك الاتهام ضد ياسر عرمان ولم يوجه إليه أي اتهام في تلك الأحداث ولم يحقق معه ولم يكن مطلوباً من قبل الشرطة أو النيابة وكان حراً طليقاً لبعض الوقت في الخرطوم إلي أن خرج من مطار الخرطوم ولم يشاهد أو يسمع به إلا وهو في صفوف الحركة الشعبية بعد ذلك.. ويبدو أن ما يثار في هذا الأمر هو نوع من تصفية الحسابات الشخصية والسياسية ونوع من الحرب النفسية والمعنوية ولأن المسائل الجنائية لا تقوم إلا بالدليل والبرهان والإثبات.
يقال أن ياسر عرمان المعروف بانتمائه للحزب الشيوعي السوداني عندما قرر الانضمام للحركة الشعبية قدم استقالته بصورة نهائية وربط مصيره بحركة مجهولة الأهداف والبرامج قياساً بالحزب الشيوعي ووضع طاقاته تحت تصرف حركة عسكرية مركزية انعدمت فيها الديمقراطية وحقوق العضوية ولكنها ذات ميول يسارية علي مستوي القيادة.
كان ياسر عرمان من الشخصيات القريبة لقائد الحركة الدكتور جون قرنق وتعززت مكانته في وقوفه مع جون قرنق في انقسام الناصر وكذلك من خلال نشاطه في تسويق الحركة الشعبية شمالياً وعربياً من خلال التجمع الوطني المعارض للحكومة.... وبعد وفاة جون قرنق قرر الانسحاب والسفر خارج السودان بحجة إكمال الدراسة ومن ثم عودته وتوليه لقطاع الشمال بالحركة الشعبية ومن بعد ذلك رئيساً للكتلة البرلمانية للحركة الشعبية.
ياسر عرمان من مميزاته أنه مخلص للتنظيمات التي انتمي إليها وكان شيوعياً مخلصاً وكذلك في الحركة الشعبية فهو لا يزال مخلصاً لها.... لكن يعاب عليه حبه وتصرفه كزعيم وتجاهله لأصدقائه ورفاقه القدامى من الشيوعيين وكذلك يعاب عليه أن إخلاصه التنظيمي هذا لا يكون لصالح المواطن أو البرامج أو الأفكار أو الأهداف ويبدو ذلك جلياً في بعض ممارسات ومواقف ياسر عرمان حين توليه لقطاع الشمال وأيضاً من خلال وجوده في رئاسة الكتلة البرلمانية للحركة الشعبية ومن هذه المواقف :
الطريقة التي اتبعها ياسر عرمان في تأسيس وتنظيم مكاتب الحركة الشعبية بالشمال افتقدت لكثير من المؤسسية والديمقراطية واستغل فيها ياسر عرمان رئاسته للقطاع في فرض بعض سياسة الأمر الواقع والتعليمات كما حدث بولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض وذلك من خلال تغييره لبعض الخيارات المنتخبة وتبديلهم بأخريين من خلال بعض الأسماء التي اختارها وفرضها علي المرشحين وسماها (بالتمييز الايجابي) وهم أشخاص معروفين بانتماءاتهم الشيوعية مما أثار حفيظة قواعد الحركة الشعبية بتلك الولايات ضد تلك الممارسات الديكتاتورية من ياسر عرمان... كذلك ما حدث منه في فرض أسم وزيرة الصحة الولائية بالنيل الأبيض علي خيارات قيادة مكتبه بتلك الولاية والتي كانت مثار سخط وحديث وسط عضويته بالنيل الأبيض.
كذلك عدم دعمه المبدئي والأخلاقي هو وحزبه للخيار الإستراتيجي في شأن الوحدة أو الانفصال من البداية بل تأرجح موقفه شأنه شأن قيادته متناسياً لترأسه لقطاع الشمال والذي أصبح ينظم الناس في الشمال ويستقطبهم بالوعود والشعارات البراقة والسودان الجديد, ويمكن أن يتخلي عنهم هو و حزبه إذا ما غلب خيار الانفصال وبالتالي يمكن أن يسبب الحرج وبعض المشاكل لهذه العضوية في غمرة حماسة واندفاع عرمان في كثير من المواقف وخاصة التي تعزز انفصال الجنوب والتي قد ترضي أهل الجنوب ولكن كيف ترضي قاعدته بالشمال وخاصة بسقوط شعارات السودان الجديد ؟
وأيضاً وأخيراً من عثرات ومواقف عرمان والتي تقف ضد الوطن والمواطن الجنوبي خاصة والتي تبرز الأزمات والأمراض والتي تعاني منها الحركة الشعبية والتي من ضمنها المواقف غير المحددة والعمومية والغموض في الشعارات والتبدل في المواقف وانتهاك حقوق الإنسان والبنية المركزية للحركة الشعبية والقيادة الفردية لها والتي يمثلها عرمان ومن معه هو عدم موافقتهم علي تصويت المواطن الجنوبي خارج الجنوب علي تقرير المصير...... أي المواطن الجنوبي الموجود بالشمال أو خارج السودان!!!!
وبدون استحياء يتساءل عرمان في القنوات الفضائية كيف يقر البرلمان قانون الاستفتاء الخاص بجنوب السودان دون مشاركة ممثلين الجنوب ؟ ولم يسأل نفسه هو وكتلته الثورية كيف يريدون أن يقر البرلمان قانون الاستفتاء الخاص بجنوب السودان دون مشاركة ذلك العدد المقدر والكبير من الجنوبيون المقيمين بشمال السودان وبخارجه ولماذا الخوف من تصويتهم ومشاركتهم ولماذا منعهم وهضم حقوقهم؟ أهو أيضاً للتمييز الإيجابي أيها المناضل عرمان؟ وأنت أصلاً وحزبك لم يفوضك أهل الجنوب وكما لم يفوض أهل الشمال المؤتمر الوطني ولكن اتفاقية نيفاشا هي التي أعطتكم هذا الحق!! وهذه الاتفاقية ليست بكتاب مقدس أو تنزيل من لدن عليم حكيم !!!
لكن يبدو أن الحركة الشعبية تريد خيار واحد يا أيها المتحمس عرمان ألا وهو خيار الانفصال ولكن يجب أن لا تنسي أن يكون خيار الانفصال جاذباً لكل أهل الجنوب كما أطلقتم علي تلك الوحدة الغائبة ولم تكن جاذبة من كل الأطراف !! وجاذبية الانفصال تعني إتاحة الفرصة لكل الجنوبيون المستوفين لشروط التصويت للإدلاء برأيهم وصوتهم.. وخير ما فعله هذا البرلمان وشريككم المغوار هو إجازة هذا القانون وحفظ حق الجنوبيون كافة في الداخل والخارج وحتى يصدق الخيار في وحدة أو انفصال وسيرضي الجميع بالنتيجة حتماً إذا ما سارت الأمور بالحق وحفظ حق الجميع من المستحقين للتصويت وبدون لعب أو تزوير أو تأخير .....
tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]