“عرض وقراءة” في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) (8/18)

 


 

بدر موسى
28 April, 2022

 

عرض وقراءة في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها
(8- 18)
بقلم بدر موسى

الأطروحة الثانية
تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952- 1958

وفي رأيي أن أقوى نقد وجهه عبدالله في رده على تعقيب البروفيسور فدوى قد ورد هنا. كانت البروفيسور فدوى قد كتبت قائلة: "أوكد أن مجموعة الطلاب الذين أشرفت وأشرف عليهم ليس ضعيفي الصلة -كما أورد المؤلف- بفهارس ومصادر الدراسات السودانية في دار الوثائق القومية. ولو أعاد المؤلف النظر في قائمة المصادر والمراجع لتلك الأطروحات لوجد أن دار الوثائق القومية تتصدرها وكانت سكناً بالنسبة لهم إبان إعداد أطروحاتهم. ولم يكن ذلك بسبب ضعف التدريب الأكاديمي حيث ذكر مؤلف الكتاب في ص 1064 "المهم الإشارة إلى أن الإغفال والتجاهل للأستاذ محمود لم يكن كله متعمداً ومقصودا فبعضه يعود لضعف التدريب الأكاديمي وحالة الكسل العقلي إلى جانب الغياب لإعمال الحس النقدي" وإنما بسبب تدريب الطالب على التقيد بالموضوع الذي يبحث فيه فأخرج هؤلاء الطلاب أطروحات موثقة ومتوازنة وجيدة استوفت مستلزمات البحث العلمي الأكاديمي الجاد".

ناقش عبدالله الأمر على ضوء ما كتبته البروفيسور فدوى، وقولها أن دار الوثائق القومية كانت سكناً لطلابها أبان اعدادهم لأطروحاتهم، وأن الطالب تدرب: "على التقيد بالموضوع الذي يبحث فيه". ونناقش الأمر متقيدا بالموضوع وبالإطار الزمني للأطروحة.

فند عبدالله بعلمية، وبدقة، وببراهين مفصلة وموثقة، جميع حجج البروفيسور فدوى، في تبريرها لعدم ذكر الحزب الجمهوري، وتغييب الأستاذ محمود في أطروحة عنوانها وموضوعها: تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952- 1958، قائلة: "في تقديري أن عدم ممارسة الحزب الجمهوري للعمل السياسي نتج عنها ضآلة دور الحزب السياسي وضعف دوره في الحركة السياسية السودانية الذي أشار إليه القدَّال. فقد امتنع الحزب عن المشاركة في لجان الدستور وقاطع الانتخابات البرلمانية وبالتالي لم يكن له دور في مداولات البرلمان. ويكفي ما ذكره القدَّال أعلاه ليبرر خلو رسالة الباحثة شيرين إبراهيم النور، تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952 - 1958، رسالة ماجستير جامعة الخرطوم 2010 ، من ذكر للحزب الجمهوري في رسالتها إلا في مواضع قليلة جداً".

ما كنت أود لمثل مقام البروفيسور فدوى، أن يقبل بإرث تنميط الصورة.

التأريخ للحركة السياسية السودانية والأسئلة المشروعة

تساءل عبدالله في دحضه لهذا التبرير المجافي للحقيقة: (من واقع ما أوردته البروفيسور فدوى، عن أطروحة: تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952- 1958، تقفز الأسئلة التالية: هل صحيح، كما ذهبت البروفيسور فدوى؟ قائلة، "في تقديري أن عدم ممارسة الحزب الجمهوري للعمل السياسي نتج عنها ضآلة دور الحزب السياسي وضعف دوره في الحركة السياسية السودانية الذي أشار إليه القدَّال"؟ وهل نقاء السريرة وصفاء الطوية، الذي ركنت إليه البروفيسور فدوى في قول القدَّال: "إن أزمة الحزب الجمهوري، أنه قائم على نقاء السريرة وصفاء الطوية"، هل يمنع النشاط السياسي؟ وهل بالفعل، كما ذهبت البروفيسور فدوى، قائلة: "ولا توجد مناسبة للإشارة للأستاذ محمود أو كتبه أو كتب تلاميذه في قائمة المصادر والمراجع"؟ في أطروحة عنوانها وموضوعها تاريخ الحركة السياسية؟ وهل، كما ذهبت البروفيسور فدوى، قائلة: "حقيقة الأمر هي أن دور الحزب الجمهوري السياسي محدود جداً لأن الحزب غيب نفسه كما أسلفت القول من المواقع العملية للسياسة المتمثلة في الانتخابات والبرلمانات والمجالس واللجان"؟ وهل المواقع العملية للسياسة لا تتمثل إلا في الانتخابات والبرلمانات والمجالس واللجان؟ وهل بالفعل غيب الحزب نفسه خلال الفترة، التي مثلت الاطار الزمني للأطروحة، وهي ما بين 1952 وحتى 1958؟

أجاب عبدالله على السؤال، مفصلًا ومؤكدًا بحسم، بأن الفترة بين 1952- 1958، بالتحديد، كانت من أكثر الفترات نشاطاً وأوسعها حراكاً في مسيرة الحزب الجمهوري. حيث كتب يقول: (والحق الذي لا مراء فيه، أن الأمر غير ما ذهبت إليه البروفيسور فدوى البتة، وغير ما ورثه الناس في كتب الحركة الوطنية وتاريخ السودان السياسي، وغير ما درجت عليه الدراسات في إرث الأكاديميا السودانية. فالوقائع والأحداث الموثقة تؤكد أن الفترة ما بين 1952- 1958، وهي تمثل الإطار الزمني للأطروحة المعنية، كانت من أكثر الفترات نشاطاً وأوسعها حراكاً للحزب الجمهوري. فقد شهدت هذه الفترة بالذات انتاج كم هائل (وليس كثيراً فحسب)، من آراء الحزب السياسية وتعبيره واعلانه عن مواقفه السياسية من القضايا في الساحات المحلية والإقليمية والعالمية، وكل هذا النشاط، وهو نشاط نوعي ومغاير عن السائد والمألوف، موثق ومحفوظ نسبه العلمي. وقبل التفصيل الموثق لذلك النشاط، أقدم جرداً مجملاً لما قام به الحزب الجمهوري خلال الفترة ما بين 1952- 1958، وقد حكمت البروفيسور فدوى أن الحزب في هذه الفترة "غيب نفسه"، وحكمت، قائلة: "ان عدم ممارسة الحزب الجمهوري للعمل السياسي نتج عنها ضآلة دور الحزب السياسي وضعف دوره في الحركة السياسية السودانية"، واكتفت في أطروحة موضوعها تاريخ الحركة السياسية السودانية، بما ذكره القدَّال، لتقول: "يكفي ما ذكره القدَّال أعلاه ليبرر خلو رسالة الباحثة شيرين إبراهيم النور، تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952- 1958، رسالة ماجستير جامعة الخرطوم 2010، من ذكر للحزب الجمهوري". ولنرى المفارقة بين الوقائع وبين الحكم الذي أطلقته البروفيسور فدوى، من خلال جرد مجمل لنشاط الحزب وحراكه خلال الفترة 1952- 1958، ثم يتبعه التفصيل، وكل ما أقوله من جرد مجمل وتفصيل لنشاط الحزب موثق، ومشار لمصادر توثيقه).

ثم قدم عبدالله جردًا مجملًا لنشاط الحزب الجمهوري وحضوره في الساحة السياسية خلال الفترة ما بين 1952- 1958، فكتب:

1. في هذه الفترة (1952- 1958) أصدر الحزب الجمهوري، صحيفة ناطقة بلسان حاله، وهي: صحيفة الجمهورية، صاحب الامتياز الحزب الجمهوري، ورئيس تحريرها الأستاذ محمود، رئيس الحزب. صدر أول أعداد الصحيفة في يوم 15 يناير 1954، وهو اليوم الذي شهد إعلان شعار الحزب: (الحرية لنا ولسوانا)، وظل الشعار بارزاً على صدر الصحيفة، وأنشطة الحزب.
2. في هذه الفترة افتتح الحزب الجمهوري مكتباً له في الخرطوم، وبالتحديد في يوم 12 يناير 1952، وافتتح في هذه الفترة داراً إقليمية كانت في مدينة مدني، وشهد الداران حراكا واسعاً من ندوات ومحاضرات، كما سيرد تفصيل ذلك.
3. في هذه الفترة بالتحديد، نشر الحزب الجمهوري أربعة كتب، هي: (قل هذه سبيلي: الاقتصاد، الاجتماع، التعليم، المرأة) وكتاب: (Islam the Way Out)، وكتاب بعنوان: (محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري يقدم أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية)، وكتاب بعنوان: (الحزب الجمهوري على حوادث الساعة: حقيقة النزاع في الشرق الأوسط، حوادث العراق، التدخل المصري). وهي مفصلة أدناه.
4. شهدت هذه الفترة تنظيم أول مؤتمر للحزب الجمهوري بداره بمدينة مدني، ونشرت صحيفة الزمان، بتاريخ 9 يونيو 1958م، العدد (97)، كما وقفت عليها بدار الوثائق، تفاصيل برنامج المؤتمر، منها ما هو داخلي للأعضاء، ومنها ما هو جماهيري مفتوح. وبينت الصحيفة أن مدة المؤتمر (7) أيام بمشاركة مندوبي الحزب من الخرطوم ومدني وبورتسودان والروصيرص. كما فصلت الصحيفة الليالي السياسية المصاحبة للمؤتمر، وذكرت أن منها ليالي سياسية يتحدث فيها زعماء الحزب عن: فلسفة الحكم ومستقبل الديمقراطية، ومستقبل الاقتصاد، وندوة بعنوان: "اقتصاديات السودان"... إلخ.
5. في هذه الفترة أرسل الحزب الجمهوري ثلاثة خطابات لرؤساء مصر. أرسلت الخطابات بالبريد، ونشرت كذلك في الصحف المحلية في الخرطوم. الخطاب الأول عام 1952 إلى اللواء محمد نجيب قائدة ثورة 23 يوليو 1952. والخطابان الأخيران إلى الرئيس جمال عبدالناصر. الخطاب الأول في عام 1955، نشرته صحيفة الاستقلال، والخطاب الثاني عام 1958 ونشرته صحيفة أنباء السودان، ويتكون هذا الخطاب من أكثر من ثلاثة آلاف كلمة. أُرسلت هذه الخطابات إلى رؤساء دولة هي مستعمرة للسودان، وظلت باقية بعد الاستقلال 1956، بأجهزتها ومؤسساتها، وذات تأثير قوي في مسار السودان السياسي، بل في أفريقيا والعالم العربي. فما بالك برسائل إلى رؤسائها بتوقيع رئيس حزب سوداني وتضمنت مواجهة قوية، ونشرت تلك الرسائل في الصحف في ظروف حرجة.
سأواصل في الحلقة القادمة..

bederelddin@yahoo.com
///////////////////////

 

آراء