عسكرة الشريعة بين حركات الجيش والحركة الاسلامية السودانية
يدعي البعض أننا نتحامل على الحركة الاسلامية السودانية! ولم نظلمهم بل كانوا وظلوا أنفسهم يظلمون! باصرارها على أن تكون حركة بائسة ومتخلفة فكريا اعتمدت في انتشارها وليس صعودها في السودان على التنظيم والمال وأخيرا على سلاح الجيش والأمن حين حكمت البلاد، مع سبق الاصرار على إبعاد الفكر والرأي في صراعها مع الآخرين .
ووجدت أقصر الطرق في الرد علي المختلفين هو أن تغدق على جهاز الأمن والصحفيين والكتبة المرتزقة متجنبة بذلك الطريق الصعب : الفكر والعلم ومراكز البحوث الرصينة والاكاديميات .
لم تقدم الحركة الاسلامية تصورا متكاملا للدولة الاسلامية ممثلة في دستور اسلامي ديمقراطي عصري، والمحاولة اليتيمة لدستورإسلامي في تاريخ الفكر السياسي السوداني أنجزها استاذ جامعي متصوف وليس عضوا في الحركة هو د/ أحمد حنفي الدين ابوالعز . وبعد الاستيلاء بالقوة وليس الانتخابات على السلطة وجدوا أنفسهم بلا غطاء فكري ونظري، فسارعوا بكتابة مقالات صحفية سريعة وبلا ضبط اكاديمي بأي مراجع ومصادر وهوامش ، وتكالب عليها اربعة “مفكرون كبار” في التأليف : حسن عبدالله الترابي ،امين حسن عمر ، التيجاني عبدالقادر ،ومحمد محجوب هارون وتم نشرها في أكثر من مكان : معهد البحوث والدراسات الاجتماعية ثم في مجلة قراءات سياسيه التي كان يحررها بشير نافع وشهاب الدين الصواف عن مركزدراسات الاسلام والعالم في تامبا بالولايات المتحدة . وأصدر الترابي بالاشتراك مع محمد سليم العوا : “من معالم النظام الاسلامي ” عن جماعة الفكر والثقافة الاسلامية .
ظلت كتابات الاسلامويين تجريدية لا تنطبق على الواقع السوداني بالتحديد، ومنها كتاب التيجاني عبدالقادر حامد : أصول الفكر السياسي في القرآن المكي ، عن المعهد العالمي (1995) وكتاب الترابي نفسه ” السياسية والحكم – النظم السلطانية بين الأصول والواقع (بيروت 2001) ويمكن أن يصلح لدولة المماليك أوالأتراك السلاجقه أو طالبان .
حاول الاسلامويون بعد الاستيلاء على السلطة سد الثغرة الفكرية في الحركة فأصدروا عددا من المجلات مثل “التأصيل” و”ابحاث الايمان ” و”البرلمان” و”الدراسات الاستراتيجيه ” و”دراسات أفريقية” كما كونت هيئة الأعمال الفكرية والتي أصدرت لفترة مجلة أفكار جديدة
كذلك مركز الدراسات الاستراتيجية بميزانية وزارة خدمات كاملة ثم “مركزالتنوير المعرفي ” و”مركزدراسات السلام والتنمية ” ولأن الفكر لايصنع بالمال وقوة السلطة ظلت الحركة الاسلامية عاطلة فكريا ولم تنتج تيارات فكرية اسلامية مثل ” التقدميون الاسلاميون في تونس ” بقيادة صلاح الدين الجورشي، ولا يسار اسلامي مثل محاولات حسن حنفي، ولم تعرف الساحة السودانية اسلاميين في قامة جمال البنا أو طارق البشري أو أحمد كمال ابوالمجد او رضوان السيد او عبدالله النفيسي ولا أمثال شريعتي وخاتمي من الشيعة .
الحركة الاسلامية السودانية طبل أجوف، وحشود كالقطعان ولذلك تستغل العسكر وتحرضهم لكي يطرحوا موضوع الشريعة، ولم تفلح الحركة أن تمرر قانونا إسلاميا أو دستورا من خلال أغلبية برلمانية أوجمعية تأسيسية فحرضت المشير نميري ليفرض بصورة فوقية قوانين سبتمبر 1985م ويطلق عليها النائب العام آنذاك ورهطه صفة اسلامية بينما يقول نميري أنها شريعة “تنط الحيط وتدخل بيوت الناس” لتعرف ماذا يفعل المواطنون الآمنون في منازلهم ولم يقف مفكر إسلامي واحد لينتقد تلك القوانين، وراح ضحيتها الأستاذ / محمود محمد طه، والشيخ المصباح اودع السجن حين وقف في مسجد القوات المسلحة لينتقد القوانيين .
لا أدري لماذا تذكرت وأنا أسمع رد المجلس العسكري أغنية دكاكينيه كنا نرددها أثناء معسكر التدريب العسكري عام 1961م للتسلي وكسر الضجر والملل في المعسكر نقول في مقطع منها :
ياشاويش يله علمنا حركات الجيش
فقلت هل الحديث عن إغفال ذكر الشريعة واللغة العربية في وثيقة قوي الحرية والتغيير .هي من صلب حركات الجيش تلك التي كنا نتغني بها ؟
ماهي المناسبة ان تذكر وثيقة خاصة بتجديد مهام وترتيبات المرحلة الانتقالية الشريعة واللغة؟! هذه من خبائث الاسلامويين فرض الشريعة من خلال العسكر بالقوه وتعيينهم مجددين ومجتهدين اسلاميين! للمرة الثانية يطالبون أن يطبق العسكر الشريعة! ويغيب مفكرو الحركة الاسلاموية! وهم يساعدون المجلس العسكري في المماطلة وإضاعة الوقت ثم بيع فكرة ان الثوار علمانيون وملحدون وتحويل المعركة السياسية إلى معركة دينيه وإشعال فتنة كبرى تعيد حادثة شوقي ومعهد المعلمين .
قوانين الشريعة واللغة من اختصاص لجان الدستور التي يشكلها البرلمان المنتخب بعد الفترة الانتقالية ، أيها الناس حكموا ضمائركم وجنبوا الوطن حركات الجيش التي تقف خلفها خبائث الحركة الاسلامية الجبانة واللئيمة والخائنة لشعبها ووطنها بسبب أجندة خارجية غير سودانية وراءها قطر والتنظيم العالمي للاخوان المسلمين وعصابة يوسف القرضاوي ويوسف ندا.
إن حركات الجيش والحركة الاسلامية مجرد إضاعة لوقت ثمين يحتاجه الشعب للبناء والتنمية . وكل هذه الأفعال مجرد لعب بالذقون وعبث . الاسلامويون السودانيون مطالبون بالخروج من كهف التخلف التي عاشوا داخلها لاكثرمن نصف قرن . هناك تحديات حقيقية تواجههم تتمثل في كيفية بناء تيار اسلامي ديمقراطي ويبدأ ذلك بتطبيق شعار “الحرية لنا ولسوانا ” مع احترام حقوق غير المسلمين في أي دولة اسلامية وهذا يحتاج منهم لاجتهاد حقيقي في الحالة السودانية ولا نكتفي بالشعارات والحنجرة .
عدم اختزال الشريعة في الحدود وأزياء النساء والربا والخمر بل لابد ان تعالج التنمية والانتاج والعدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر، فهذه هي الفضيلة الحقيقية، ومكارم الاخلاق التي جاء لسببها الرسول الكريم …
الشريعة السمحاء هي تلك التي تطلق مبادئها حناجر الشباب في هتاف : حرية عدالة كرامة، والشريعة ليست سوى الحرية والكرامة والعدالة! ليست الشريعة قوانين المكاشفي وشرفي ،،،