عفوا يا غنوشي .. فالإسلام هو الحل
سألت الجزيرة السيد راشد الغنوشي عن نطرتة لشعار (الاسلام هو الحل) فقال!!!
"ليس بالضرورة أن يكون اجتهادك أنت وتصورك للإسلام هو الحل، كأن تعتبر أنك حامل رسالة السماء، وميزان الحق والباطل، والناطق باسم اﻹسلام، ومترجمه اﻷوحد، فما أن تمسك بالسلطة حتى تشرع في فرض رؤيتك هذه على الناس، جاعلاً من اﻹسلام مشكلة، ﻻ حلاً! حركة النهضة ليست "كنيسة" لتقول هذا هو اﻹسلام. ترجمة اﻹسلام هي نتاج تدافع اجتماعي على مبدأ الحرية. الحرية مبدأ أساسي في اﻹسلام الذي هو دين موجه إلى اﻷحرار ذوي العقول. من ﻻ عقل له ﻻ حرية له وﻻ دين. نحن نثق في الناس، في عقولهم وحريتهم. ليس من مهام الدولة فرض نمط معين من الحياة، فتتدخل في ملابس الناس، وما يأكلون، وما يشربون، وما يعتقدون، وفي مساكنهم. وظيفة الدولة أن توفر إطارًا عامًّا للمجتمع يتعايش الناس فيه، ويبدعون، ويتعاونون، ويتدافعون، حتى يتبلور اﻹسلام لديهم كرأي عام وثقافة عامة. أما الإسلام الذي تفرضه الدولة بأدوات القمع فإن الناس يتفلتون منه. مَن يتدين خوفًا مِن الدولة منافق، ونحن ﻻ نريد أن نحول التوانسة إلى منافقين*"
إنتهى ،،، ولكن .....
انا اعتقد ان الإسلام فعلا هو الحل لكل مشاكل الدنيا ، وهو الوجهة الصحيحة التي ارتضاها الله لخلقه من إنسهم وجنهم وعوالم اخرى لا يعلمها الا الله ولسان حالهم ومقالهم يقول :-
(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ *مُسْلِمُونَ* ).
( قل أوحي الي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ، يهدي إلى الرشد *فآمنا* به ولن نشرك بربنا أحدا )
(وَأَنَّا مِنَّا *الْمُسْلِمُونَ* وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا)
هذا هو الإطار العام الذي ارتضاه الله للناس كرسالة خاتمة جاءت بعد ان ضلوا لتربط و العوالم الاخرى بالرسالة الإبراهيمية الاسلامية الإطارية العامة ، ولا تغفل رسالات موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم ، وتسلم لهم.
وهي جاءت "مثال " بعد فترة من الرسل لتخرج الناس من الظلمات الى النور ، وما هذا الاخراج الا حلا افضل مما كان وهذا هو الاطار التفصيلي الاول.
انا اختلف مع الغنوشي كثيرا جدا في ردوده المجتزئة والمميعة خصوصا بعد الربيع العربية ، لأن الغنوشي لبس حذاءا أكبر منه ، وخاض في وحل لم يقدم بعده الاسلام كمنافس في الحاكمية لله ، وهو كثيرا ما ينتقد ويتبرأ ويستحي من نفسه ومن تجربته ، و يرد على الذين لم يجدوا اجابة شافية بأن الاسلام هو الحل للأخرين ، حتى اصبح او كاد ان يكون من أولئك الذين ينتقدون جزئية من تطبيق فاشل في عصرنا الحديث ، ويتحدث بحجة هؤلاء من زاوية مع انه رجل محسوب على الأخوان المسلمين الذين فشلوا وأفشلوا ايضا في تطبيق الاسلام تطبيقيا صحيحا ، و لا أقول مثاليا يقترب عن مثال التطبيق في عهده الاول ، والأخوان لهم عذر وعليهم حجة ، لكن ان يحكم الغنوشي على الاسلام بأنه ليس الحل ، بإعتبار قوله ان فئة ( يمسكون بالسلطة ويشرعون في "فرض" رؤيتهم على الناس في ظل اجتهادهم وتصورهم فقط ، هذا لا يدل على ان الاسلام ليس هو الحل ، لأنه هنا حكم على الاسلام من تجربة فصيل واحد أتت تجربتهم في بيئة ذاتية ومحلية وعالمية غير مواتية ، وكانت تجربة فصيل من عدة فصائل اخرى من السنة (السلفية والصوفية ) ومعتدلي الشيعة ، هؤلاء لم يتدخلوا في تصور الإخوان ، ولم يجتهدوا مع الاخوان حتى ينزلوا ذلك الحل والمثال كرؤية يرتضيها المسلمون انفسهم حتى يعتدل التطبيق ويكون وسطيا في حله ويقنعون به العالم على انه الحل ، فهو هنا يتحدث عن فرضية (ناطق بإسم الاسلام ومترجم اوحد) وهو هنا يقصد ايضا الاخوان المسلمين وهذا اجتزاء من الرؤية الكلية للمسلمين واجتزاء من جماعة حاولت التطبيق وفشلت ، هذا لا يعطي الغنوشي الحق في اطلاق حكم عام على ان الاسلام ليس هو الحل كما يشي حديثه.
من المغترض على الغنوشي ان يأتي بحل افضل ، ولا يضع نفسه في خانة الناقد مثله ومثل اي انسان محسوب ضد التجربة الاسلامية والتي كان يؤيدها منذ ان عرفناه ، ثم من المفترض الا يحكم بصورة عامة على ان الاسلام ليس هو الحل كما تشي اجابته ، انما يحدد "ان الاسلام في عالمنا الحاضر والذي حاولت تطبيقه فئة معينة ليس هو الحل ) ، حتى لا يقنع العالم عن الاسلام جملة وتفصيلا.
نعم النهضة ليست كنيسة ، لكنها تقدمت بطرح الاسلام هو الحل في ظل منافسة شرسة من العلمانية في كل جوانبها وفي ظل جاهلية من اعظم الجاهليات تدحرج لها العالم ، وان ينفي الغنوشي ذلك عن حركة النهضة فهذا اختطاف اخر للطرح واختطاف للنهضة وتليين للطرح والغاء له ، وانا شخصيا اعتبره ليس اقل شأنا من اولئك العلماء الذين يتنزون للحكام الان حتى يخرجوا لنا طرحا للاسلام وضيعا ومغسولا بما تريده العلمانية ، فهو كالذي يقول "دعوني أعيش" ، وفي ظل الحرب الحاصلة على الاسلام ،،سوف يتملص ويتجرد عن التزام حركته بالتجربة الاسلامية حتى تصبح اكثر مسخا من سواها من التجارب.
الغنوشي يعتقد انه بهذا سيعيش في سلام وان الاسلام سينافس فقط بالسماحة في اطلاق العدل والحريات والابداع والانتاج (والتي تساوت فيها الان كل الاطروحات العالمية الاخرى ، بل فاقت المسلمين وليس الاسلام المعين والمئين في التطبيق )، وهو هنا يجرد الاسلام عن هذا، ويعطي انطباعا بل يصم الاسلام عامة ( بجريرة جزئية تطبيقه من الاخوان )، وفي هذا ظلم واي ظلم للإسلام.
الغنوشي لا يريد ان ينتقد الإخوان المسلمين مباشرة فيرضي ربه ، انما ينتقد افعالهم "السالبة " فقط لأنه لو انتقدهم سيفقد الكثير في قيادة حركة محسوبة عليهم ، وانا لو كنت مكانه لما وقعت على الاسلام انما سأقع على نفسي وجماعة واطرح رؤية اخرى تزيل عن وجه الاسلام هذه التشوهات في التجربة الاحادية ، وهو بهذا لا يقل شأنه عن من يصمون الاسلام عموما بالارهاب ، واؤلئك الذين يردون للتجربة الاسلامية فعلا الا تطل برأسها ثانية في اي منافسة.
انا اعتقد ان الإسلام لكي ينافس بشعار " *الإسلام هو الحل* " ، من المفترض ان تتفق عليه جزئيات السنة الثلاث (الاخوان والسلفية والصوفية)، لكي يقدموا رؤية سنية ، فيها حراك الدولة ، وحاكميتها لله كما ينادي به الاخوان (حتى لا يركن الاسلام في مسجد وفي فتاوى نفاس وعقيقة ) ، ويكون فيها الأمر بالمعروف (كل معروف اخلاقيات الاسلام ومعاملاته الربانية الصحيحة) ، ويكون فيها التزهد والتواضع والوجدان الاسلامي المطهر ،كما تنادي به الصوفية ، ويقدمون هذا وذاك في بوتقة واحدة ، ثم تقدم الشيعة ما عندها من سماحة للاسلام ومن طرح يخدم الشعار ، ثم يقدم للعالم ، ثم يقدمون للداخل بمن نبا وصبأ وأفن وأبق التجربة الاسلامية (حتى لا يكون فتنة للذين كفروا وحتى يرتضي بالشعار ويقوم بدوره في تطبيق مثال الحياة من انتاج وعلم دنيوي ) حتى يتكامل طرح الاسلام للدنيا وللاخرة ، ثم تقدم الرؤية للخارج الذي يشترك معنا في الوجدان الانساني ، والذي اما انه لم يطبق دينه كما ينبغي فيكون مسلما ابراهيميا لا يتضارب مع الاطار الرباني او لم يتبع بن مريم الذي نتعبد الله نحن المسلمون بإتباعه ايضا تحت شمول الإسلام ووحدانية الله ، فنحقق عالمية الاسلام دعوة وعملا وتكاملا وتفاعلا مع العالم ، الذي يستحق ان نقدم له ذلك لانه حق من حقوقه علينا ، نحن الذين حملنا هذه الرسالة وحملنا ابتلاء تبليغها بما يرضي الله.
ومن قال ان الاسلام يعطل العقل وإنطلاقه في التفكير والتعبير ، والتبصر والتفكر والتدبر في الكون والعلوم وصناعة مطالب الحياة ، والقرآن يكثر من الدعوة للتدبر والتطور ، ولم يحجر الفن والاستمتاع بالجمال والفنون ولا يعتبرها بدعة ، الا بحسب مفهوم اؤلئك الذي يعتبرون ان كل شيء لم يأت به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو بدعة وابتداع ، ممن لا يفرقون بين البدعة في الدين والابتداع في صروف الحياة وعلومها ، ومن لم يؤمن بتفضيل الله حتى في العقول ونتاجها ،فيسيئون لفهم الاسلام ، وهو الذي كرم العقل وحض على رقيه ، لدرجة التعقل في المثال الذي ارتضاه الله والسمو اليه بكل فعل وحكمة من حكم العقل، الا من اراد ان يضل ويضلل الناس .
ومن قال ان الاسلام ضد الحرية وهو يتقدم الإنسانيات في الحرية والعدل ، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، منتهى الحرية من رب هو الواجد الخالق والمالك والصانع والمسيطر دون جبر، ومن قال انه لا يكلف العدل (لكم دينكم ولي دين) ؟
مصيبة الاسلام فينا نحن المسلمون اولا ، إذ انا لم نتفق على مفهومه ، وعلى مذاهبه ، واختلفنا في كل شيء ، وقسمنا الاسلام الى دويلات وجماعات ومذاهب ومشارب ، حتى انا نستحي أن نقول أن الإسلام هو الحل وهو منبع الحرية والحضارة والانسانية الربانية المبرأة في هذا الزمان البئيس حتى بين المسلمين السنة ، وان الفئة التي تصدت لتطبيق الاسلام كدولة وتعاملات واخلاق ، اتجهت لحل الاسلام "كدولة" و تركت التعاملات والاخلاق في اخر المطاف ، بعوامل انا اعتبرها ذاتية منها وبفعل مشترك من الداخل والخارج ، واختيار الاسلام كدولة فقط يجرده من تعاملاته واخلاقه ويصنفه بالتصنيف الذي نرى حتى يقول مثل الغنوشي ما يقول وحتى يرمي الغرب والشرق على التجربة ما يرمي ، في ظل حراسة الاسلام ببندقية وتخويف وقمع كما نرى حتى تحافظ مجموعة معينة ، تصفت من الاخوان انفسهم حتى صارت هجين من المنتفعين والمرعوبين من حساب الناس قبل حساب الله .
ومصيبته فينا نحن الذين لم نحمل امانة تقديمه على انه الحل وليست لنا أي رؤية لتقديم انسانياته وعقلانيته وحكمته وعظمته التي يدعوا لها الله ، وكل رسله ، وفهمنا أن الاسلام للمسلمين وان تطبيق حاكميته لا تخصنا جميعا انما تخص طبقة معين ، نترك لها الأمر تخفق او تنجح في تقديمه للعالمين.
والإسلام يشبه بحرا زاخرا ، يغرف ويأخذ الناس منه ما استطاعوا، فيقترب او يبتعد أخذهم من المثال فلا يمكن ان نحكم على بعد فئة معينة عن المثال على فشل صلب الإسلام ومعناه.
مجنون من يقول هذه الأيام أن الإسلام هو الحل بحكم رياح التغيير والتضليل والتغريب الحاصلة ، لكن الأكثر جنا وخبالا منه، وهو ذلك المسلم الذي ارتضى له الله الإسلام دينا ومنهجا ولا يجد غيرة في نفسه ان يدافع عن دين الله والأ يقدمه حتى داخل اسرته وفي نفسه على انه هو الحل ، والأكثر جنا من هؤلاء ، هو ذلك العالم الذي كان الناس ينتظرون منه تعلية قدح الإسلام بين القداح لكنه يسفيه ويسفي نفسه التراب.
rafeibashir@gmail.com