عفيف اسماعيل وأزهري محمد علي كيف يا كودة؟!

 


 

 

 

 

وارسم وجها لرجل قال: لا

سجنوه قال:لا
عذبوه قال: لا
قايضوه ان يشتري روحه بدمه
قال:لا..
ان يبيع روحه ليربح دمه
قال:لا..
أوثقوه: مشى
عصبوا عينه: أبصر
شنقوه: انتصر
واكمل رسم وجه رجل طيب يدعي محمود
نبيا في وردة التكوين
أوحت له الأرض بالعشق: فسما
عفيف اسماعيل عن الشهيد الأستاذ محمود محمد طه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أدري كيف يريد بعض الإسلاميين الاحتفاظ بالكيكة وأكلها في نفس الوقت، وأقصد ببعض الإسلاميين من شرعوا في انتقاد التجربة باعتبارها تجربة تنظيم، دون وضع نموذجهم هم الشخصي تحت مجهر النقد المباشر.
قبل أكثر من سنة وفي جلسة عامة، تطرَّق الأستاذ المحبوب عبدالسلام لتجربة الإنقاذ وقد أدهشتني قدرته على تشتيت الإنتباه عن الفاعل الأساسي في صياغة المشروع بل وشرعنته وتثبت أركانه خصوصاً في العشرية الأولى للإنقاذ، فقد قال المحبوب ضمن ما قال إن الهندسة الاجتماعية للإنقاذ ومن ضمنها قانون النظام العام كانت بريادة من مجذوب الخليفة، وفي مداخلتي المبتسرة نبَّهت الأستاذ المحبوب لخطل الاعتماد على التبرير للزج ببعض الاسماء وتخليص أخرى من وزر التجربة ومثالبها، وقلت له إن الجزء السيئ والملعون من قانون النظام العام مشتق من القانون الجنائي لعام 1991، والذي ما كان ليخرج للناس لولا مباركة الشيخ الترابي والتصديق له، خصوصاً وأن الشيخ ممن يجيدون صياغة القوانين وتوليفها، وبالتالي ليس من العدل إلصاق التهمة بمساعد الياي بدلاً عن الياي! وقلت للمحبوب كذلك أنه لا مناص من الاعتذار للشعب السوداني بشكل واضح ومباشر عن سنوات الإنقاذ دون حجج وتبريرات، أما رمي اللوم من جانب مجموعة على مجموعة في وقت كان الجميع فيه مسؤولاً يعتبر ضرباً من الهروب! وليس أشجع من المحبوب وأمثاله ليبتدروا ذلك الاعتذار الشجاع والذي يسبقه بالضرورة الاعتراف بما قدمت يداه هو شخصياً، فالاعتراف بالذنب فضيلة.
تذكرت ذلك الحديث وأنا أقرأ ورقة مبارك الكودة(تجربتي الشخصية في الحكم) التي قدمها في ملتقى نيروبي(فبراير 2017) وأمعنت في أثرها الإيجابي على أحد أشد الناقدين للتجربة ضمن تعليقات للصديق بابكر فيصل في معرض تقريظه له.
كنت انتظر من الكودة وباعتبار عنوان ورقته أن يشير لحادثات بعينها تخصه هو كنماذج ناصعة لتجربته في الحكم، وحتى تكون قربان اعتذار مجيد عن أسوأ فترة عاشها الشعب السوداني، وقد فعل من قبل حين كان هو من الحاضرين في العام 2008 ضمن ندوة في مركز دراسات المستقبل موضوعها إتفاقية سلام الشرق، وتحدث عن مسؤوليته الشخصية كمعتمد مع الوالي السابق لكسلا العوض محمد الحسن، وشرح الكودة في معرض حديثه كيف أنهم بمصادرة سيارات الرشايدة(لاندكروزرات) التي كانوا يستحدمونها للتهريب، أجَّجوا من الأوضاع وساهموا في انفلات الأمور حتى تمردوا في العام 1998 بقيادة مبروك مبارك سليم.
لقد قارنت ما كتبه الكودة بهذه الحادثة وبمكتوب حزين للأستاذ والشاعر عفيف اسماعيل حول معاملة الكودة المقيتة لهما هو الشاعر أزهري محمد علي، حينما كان معتمداً للحصاحيصا في العام 1991 وكان وقتها دم الشهيد الدكتور علي فضل نضرٌ لم يتسنه! ورأيت كيف أن الكودة عنون ورقته ب"تجربتي الشخصية في الحكم" مع أنه لم يشر لتجربته هو وذهب للتعميم في نقد التجربة. قال عفيف اسماعيل في كتابته المشحونة بالغبن والحزن أنه تمت دعوتهما هو وصديقه الشاعر أزهري محمد علي باسم رابطة الآداب والفنون، ليشاركا في 27 رمضان 1991على مسرح النادي الاهلي شيخ اندية الحصاحيصا في احتفال لبيت الثقافة الذي استولت عليه السلطة باعتبار أنه وبحسب عبارة العفيف(تفتقت عبقريتهم الماكرة في الاستفادة من ارث النشاط الثقافي الحيوي للمدينة في شهر رمضان من كل عام). وقال عفيف إن سبب مشاركتهما تقديرهما الكبير للرابطة وتاريخها بحيث لا يمكنهما رفض دعوة تأتي منها. وكان قبلها (مع مجموعة كبيرة من الحادبين على أمر العمل الثقافي بالمدينة توحدنا حول هدف واحد وهو ان تبقى مكتسبات المؤسسات الأهلية وممتلكاتها ملكاً لأهلها، وضد أن يستحوذ بيت الثقافة علي قطعة الارض المصدقة لرابطة الآداب والفنون، إن ارادت الدولة الإسلاموية بمالها المنهوب من ثروات الشعب أن تبني وتؤسس ما يخصها من منظمات عليها تأسيسها بعيدا عن دور هذه المؤسسات التي تعمرت بعرق الجهد الذاتي لكل أهل الحصاحيصا ومبدعيها).
وقال عفيف ضمن شهادته أنه وبعد أن قرأ هو وصديقه أزهري بعض القصائد خاصتهما (طلب الكودة من مدير الليلة فرصة للحديث، صعد الرجل بهدوء كظيم تبرزه تلك الحركة العصبية علي فكيه وفضحه اصطكاك اسنانه عندما حاول الابتسام قبل بداية حديثه. تمالك نفسه سريعا، وتحدث بهدوء مفتعل عن العشرة الاواخر من رمضان وكيف كان السلف الصالح يقيمها، عن فضل ليلة 27 رمضان، وعن فضل ليلة القدر، وتحدث عن طرق مختلفة للعبادة واقامة الليل تقربا للخالق، قال منها يمكن ان نتقرب إلي الله مثلما نفعل الليلة، من خلال الغناء والشعر، وجميع الفنون، فجأة ثار الرجل مثل بركان محبوس منذ الآف السنين وصرخ باعلي صوته في نوبة من الهياج تفضح الأسس التي بني عليها المشروع الحضاري الاسلاموي لأذلال الشعب السوداني:
- لكن لن نسمح بتدنيس هذه الليلة المباركة بتمجيد الهالك محمود محمد طه، ولن نسمح ان تستغل منابرنا من قبل الشيوعيين، والبعثيين، نحنا الله ذرعنا في البلد دي وغيروا ما في زول بقلعنا، ،ثم صار يهذي مثل مصاب بالملاريا ويردح مثل مثكول: شيوعي تاني ما بجي، بعثي تاني ما بجي، أمه تاني ما بجي، اتحادي تاني ما بجي، والجمهوريين ديل قطعنا راس الحية زمان، ومحمود الهالك شبع موت، منو الداير يبعثوا لينا تاني كمان.. ثم رمى بالمايك مفتوحا فوق الطاولة الحديدية فصار يصدر صفيراً عاليا يصم الأذان).
وذهب عفيف ليروي كيف تم استدعائهما وقيادتهما لمكاتب الأمن زكيف تعامل معهما الكودة هناك وعنفهما وهو في كامل صولجانه وبين حاشيته، حتى أن أحد الحاضرين ممن كان على علاقة دراسة وطفولة بالعفيف حاول الانسحاب أثناء التحقيق إلا أن الكودة نهره وأمره بالبقاء حتى يشهد العذاب!
لفت انتباهي كذلك أن اللغة التي تحدث بها الكودة مع الشاعرين أصبحت سمة غالبة في دور ومكاتب الأمن طيلة فترة الإنقاذ، وهي لغة التهديد والوعيد، فقد قال الكودة لعفيف: (وينهم الناس الدايرهم يقولوا "لا" وراك ديل، نفخك تصفيقهم وعامل فيها بطل، والله الليلة ما يفكك مني إلا الجن اللحمر، ولا اقول ليك انا هسع بعربتي الجديده دي في ساعة بس ممكن اسوقك اوديك الخرطوم يمين الجن اللحمر زاتو ما يعرف انتا وين، وتلحق محمود الشاقي حسك وداير ترفعو لمصاف النبوة كمان)!
أحدى الأمور التي لفتت انتباهي كذلك أن يختلف تاريخ التحاق الكودة بالجهاز التنفيذي للإنقاذ والذي أشار إليه في ورقته(1992-2011) والحادثة التي أشار إليها عفيف اسماعيل والتي حدثت بالضبط في (27 رمضان 1991)، فكيف للدكتور الكودة وهو يعرض لتجربته أن يخطئ في تاريخ التحاقه بالسلطة وهو أمر إن صغُر عنده نجده عظيم عند آخرين، لأنه خلال العام الذي أسقطه فرَّ آلاف من صلف السلطة التي يمثلها وعذاباتها، وفقدت البلاد موارد بشرية هائلة، وأهدرت إمكانيات وهُدِّمت قيم وتغيَّرت نفوس، والأهم الأهم..أن زُرعت بفضل الكودة وصحبه معاني جديدة في نفوس ناشئة التنظيم.. معاني الاستفراد بالرأي والاستبداد به والاستقواء بالسلطان على الضعفاء وما سبتمبر 2013 ببعيد.

baragnz@gmail.com

 

آراء